كتاب الزكاة [8]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

فالفصل الرابع: في نصاب الغنم وقدر الواجب من ذلك.

قال المصنف رحمه الله: [ وأجمعوا من هذا الباب على أن في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على العشرين ومائة ] واحدة [ ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت على المائتين ] واحدة [ فثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة ] يعني إذا زادت على ثلاثمائة فلا شيء فيها حتى تصل أربعمائة ففي كل مائة شاة شاة.

[ وذلك عند الجمهور إلا الحسن بن صالح فإنه قال: إذا بلغت الغنم ثلاثمائة شاة وشاة واحدة أن فيها أربع شياه، وإذا كانت أربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه، وروي قوله هذا عن منصور عن إبراهيم ، والآثار الثابتة المرفوعة في كتاب الصدقة على ما قاله الجمهور ]. وبما أن الآثار الثابتة تؤيد قول الجمهور فإنه هو الراجح.

ما يأخذه المصدق عند اجتماع المعز والغنم

قال المصنف رحمه الله: [ واتفقوا على أن المعز تضم مع الغنم، واختلفوا من أي صنف منها يأخذ المصدق ] يعني: الساعي، [ فقال مالك : يأخذ من الأكثر عدداً، فإن استوت خير الساعي، وقال أبو حنيفة : بل الساعي يخير إذا اختلفت الأصناف ] ولم ينظر إلى عدد [ وقال الشافعي : يأخذ الوسط من الأصناف المختلفة؛ لقول عمر رضي الله عنه: نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا نأخذها ولا نأخذ الأكولة ولا الرَّبى ولا المخاض ولا فحل الغنم، ونأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين خيار المال ووسطه ].

والراجح ما ذهب عليه الشافعي في أنه يأخذ من الوسط لما في ذلك من العدل بين المالك والمستحق.

[ وكذلك اتفق فقهاء جماعة الأمصار على أنه لا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عور؛ لثبوت ذلك في كتاب الصدقة، إلا أن يرى المصدق أن ذلك خير للمساكين.

واختلفوا في العمياء وذات العلة، هل تعد على صاحب المال أم لا؟ فرأى مالك و الشافعي أن تعد، وروي عن أبي حنيفة أنها لا تعد.

وسبب اختلافهم هل مطلق الاسم يتناول الأصحاء والمرضى أم لا يتناولهما؟ ].

أقول: الراجح أن المرضى تعد؛ لأن مطلق الاسم يتناول الجميع.

قال المصنف رحمه الله: [ واتفقوا على أن المعز تضم مع الغنم، واختلفوا من أي صنف منها يأخذ المصدق ] يعني: الساعي، [ فقال مالك : يأخذ من الأكثر عدداً، فإن استوت خير الساعي، وقال أبو حنيفة : بل الساعي يخير إذا اختلفت الأصناف ] ولم ينظر إلى عدد [ وقال الشافعي : يأخذ الوسط من الأصناف المختلفة؛ لقول عمر رضي الله عنه: نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا نأخذها ولا نأخذ الأكولة ولا الرَّبى ولا المخاض ولا فحل الغنم، ونأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين خيار المال ووسطه ].

والراجح ما ذهب عليه الشافعي في أنه يأخذ من الوسط لما في ذلك من العدل بين المالك والمستحق.

[ وكذلك اتفق فقهاء جماعة الأمصار على أنه لا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عور؛ لثبوت ذلك في كتاب الصدقة، إلا أن يرى المصدق أن ذلك خير للمساكين.

واختلفوا في العمياء وذات العلة، هل تعد على صاحب المال أم لا؟ فرأى مالك و الشافعي أن تعد، وروي عن أبي حنيفة أنها لا تعد.

وسبب اختلافهم هل مطلق الاسم يتناول الأصحاء والمرضى أم لا يتناولهما؟ ].

أقول: الراجح أن المرضى تعد؛ لأن مطلق الاسم يتناول الجميع.

قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا من هذا الباب في نسل الأمهات، هل تعد مع الأمهات فيكمل النصاب بها إذا لم تبلغ نصاباً ] يعني: الأم [ فقال مالك : يعتد بها، وقال الشافعي و أبو حنيفة و أبو ثور ] و أحمد [ لا يعتد بالسخال إلا أن تكون الأمهات نصاباً.

وسبب اختلافهم: احتمال قول عمر رضي الله عنه إذ أمر أن تعتد عليهم بالسخال، ولا يؤخذ منها شيء، فإن قوماً فهموا من هذا إذا كانت الأمهات نصاباً ] يعني تعتد السخال منها [ وقوم فهموا هذا مطلقاً ].

أقول: أثر عمر قال النووي في المجموع (5/326): رواه مالك في الموطأ والشافعي بإسناد صحيح.

الراجح في نسل أمهات المعز والضأن

أما حكم المسألة فالراجح أنه لا يعتد بالسخال إلا إذا كانت الأمهات نصاباً، فإن لم يكن النصاب إلا بالسخال احتسب الحول من حين كمال النصاب؛ لأنه قبل تكملة النصاب بالأمهات لا يكون الحول قد أتى على ماشية بلغت نصاباً..

وأثر عمر محتمل فلا دلالة فيه على أحد القولين، والأصل في وجوب الزكاة هو مرور الحول على نصاب زكوي؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )، وهو حديث صحيح، بما له من الشواهد، فقد روي عن جماعة من الصحابة -كما سيأتي ص (109) من هذا الكتاب: فإذا جاء وقت خروج الساعي والأمهات لم تبلغ نصاباً إلا بالسخال فليس له أخذ الزكاة منها، أما إذا جاء وقت خروج الساعي فوجد الأمهات تبلغ نصاباً فإنه يعتد عليهم بالسخال ويكون حولها حول الأصل، وليس عليه أن يبحث في مرور الحول على الأصل، بل يأخذ منها من غير سؤال، هذا ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء: أنه إذا جاء وقت إخراج الزكاة فوجدوا الماشية قد بلغت نصاباً أخذوا منها الزكاة، ثم لا يأخذون منها مرة ثانية إلا بعد مضي الحول.

فمثلاً: الحول.. إذا كان المزكي مثلاً يزكي ماله لنفسه، فإذا وجد عنده مال مستفاد فإنه إذا مضى عليه الحول فإنه يزكيه، ولا يزكيه إلا بعد حول واحد، أما إذا كان الإمام هو الذي يجبي الزكاة في شهر معين من السنة فإنه إذا مر على الملاك، فمن كان عنده مال سواء مر عليه شهر أو شهران وهو نصاب سواء ماشية أو عروض تجارة فإنه يدفع للساعي الزكاة، ولا يأتي الساعي إلى المالك ويسأله عن الحول؟ لم يكن هذا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج في شهر لأخذ الزكاة، فيأخذون الزكاة من كل مال بلغ نصاباً، ولا يعودون إلا بعد الحول، إذاً العبرة بخروج الساعي ووجود النصاب.

فمسألتنا هذه التي هي هل تضم السخال أو لا تضم؟ فإذا خرج الساعي فوجد ثلاثين من الغنم وعشراً من السخال فلا يأخذ الزكاة منها، وإذا وجد معه ثمانين من الغنم، ومائة وما يبلغ بها مائة وواحدة من السخال أخذ اثنتين؛ لأنها قد صارت نصاباً، ولا يسأله متى ملكت هذا الغنم ومتى ولد لك؟ بل يحسب ذلك عليه ويأخذ الزكاة، ولا يعود عليه إلا بعد مضي الحول.

[ وأحسب أن أهل الظاهر لا يوجبون في السخال شيئاً، ولا يعدون بها لو كانت الأمهات نصاباً ولو لم تكن؛ لأن اسم الجنس لا يطلق عليها عندهم ].

وقد انتصر له ابن حزم في المحلى في ست صفحات (من 274، 279).

تأثير الخلطة في القدر الواجب والنصاب

قال المصنف رحمه الله: [ وأكثر الفقهاء على أن للخلطة تأثيراً في قدر الواجب من الزكاة ] أي: الخليطين فيعتبر ماله كمال رجل واحد [واختلف القائلون بذلك هل لها تأثير في النصاب أم لا؟ ] وبعض الفقهاء قالوا: لا تأثير للخلطة وإنما التأثير للشركة، فالخليطان يزكي كل واحد ماله لنفسه وهم الحنفية، وقال بعض الفقهاء: إن للخلطة تأثيراً، ثم اختلفوا فيما بينهم هل لها تأثير في إخراج الواجب أو تأثير في إخراج الواجب والنصاب؟

[ فأما أبو حنيفة وأصحابه فلم يروا للخلطة تأثيراً، لا في القدر الواجب، ولا في قدر النصاب، وتفسير ذلك أن مالكاً و الشافعي وأكثر فقهاء الأمصار ] ومنهم أحمد [ اتفقوا على أن الخلطاء يزكون زكاة المالك الواحد، واختلفوا من ذلك في موضعين ] يعني الذين اتفقوا [ أحدهما في نصاب الخلطاء، هل يعد نصاب مالك واحد، سواء كان لكل واحد منهم نصاب أو لم يكن؟ أو أنما يزكون زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهم نصاب.

والثاني: في صفة الخلطة التي لها تأثير في ذلك: وأما اختلافهم أولاً في هل للخلطة تأثير في النصاب وفي الواجب أو ليس لها تأثير؟ فسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم ما ثبت في كتاب الصدقة من قوله عليه الصلاة والسلام: من حديث ابن عمر وهو حديث حسن ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع؛ خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية )، فإن كل واحد من الفريقين أنزل مفهوم هذا الحديث على اعتقاده ] يعني: مذهبه [ وذلك أن الذين رأوا للخلطة تأثيراً ما في النصاب والقدر الواجب أو في القدر الواجب فقطـ، قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: ( وما كان من الخليطين فإنهما يتراجعان بالسوية )، وقوله: ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع ) يدل دلالة واضحة أن ملك الخليطين كملك رجل واحد ] دلالة ظاهرة [ فإن هذا الأثر مخصص لقوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ) ] يعني أن هذا الحديث يقول: إنه لا بد لمال كل من الملاك أن يكون نصاباً، وأن يختص بإخراجه، لكن حديث الخلطة خصص هذا الحديث.

[ أما في الزكاة عند مالك وأصحابه، أعني: في قدر الواجب، وإما في الزكاة والنصاب معاً عند الشافعي وأصحابه ] و أحمد [ وأما الذين لم يقولوا بالخلطة فقالوا: إن الشريكين قد يقال لهما: خليطان ] قالوا: إن الحديث في الشريكين فكان الحديث محتملاً للخليطين ومحتملاً للشريكين، وهؤلاء الحنفية.

[ ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع )، إنما هو نهي للسعاة ] يعني ينهى السعاة بألا يفرقوا بين الأموال وألا يجمعوا بينها [ أن يقسموا ملك الرجل الواحد قسمة توجب عليه كثرة الصدقة، مثل رجل يكون له مائة وعشرون شاة فيقسم عليه إلى أربعين ثلاث مرات ] وهذا تأويل بعيد [ أو يجمع ملك رجل واحد إلى ملك رجل آخر حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة.

قالوا: وإذا كان هذا الاحتمال في هذا الحديث وجب ألا تخصص به الأصول الثابتة المجمع عليها ] مذهبهم هو أن لديهم أصولاً ثابتة قد قرروا عليها أحكاماً فيردون حديث الآحاد ويردون المحتل، وهذا مذهب الحنفية..

[ أعني: أن النصاب والحق الواجب في الزكاة يعتبر بملك الرجل الواحد ] هذا عندهم أصل ثابت لا يخصص به مثل هذا الحديث فهو محتمل في المعنى.

[ وأما الذين قالوا بالخلطة فقالوا: إن لفظ الخلطة هو أظهر في الخلطة نفسها منه في الشركة، وإذا كان ذلك كذلك فقوله عليه الصلاة والسلام فيها: ( إنهما يتراجعان بالسوية )، مما يدل على أن الحق الواجب عليهما حكمه حكم رجل واحد، وأن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنهما يتراجعان بالسوية ) يدل على أن الخليطين ليسا بشريكين؛ لأن الشريكين ليس يتصور بينهما تراجع إذ المأخوذ هو من مال الشركة مثلاً خليطان أحدهما له أربعون من الغنم، والثاني له ستون وشاة فيجب عليهم شاة واحدة، فيقول صاحب الأربعين: شاتي بثلاثة آلاف، فادفع لي ألفين، أما لو كانت شركة فدفع أحدهم قيمة أربعين والثاني قيمة ستين، أو كان هناك ابن وبنت ورثا المال من أبيهما للذكر مثل حظ الأنثيين، في مائة وعشرين شاة ففيها شاة واحدة، فجاء الساعي وأخذ شاة فهل تراجعا بينهما بالسوية أو أخذ من رأس المال؟

أخذ من رأس المال شاة واحدة وبقي ملكهما مائة وعشرون شاة إلا شاة، فهذا الحديث لا ينطبق على رأي أبي حنيفة في كونهما يتراجعان بينهما بالسوية بل هو بعيد، فيدل على أن الحديث ظاهر في الخلطة.

إذاً ما قاله الإمام أحمد و مالك و الشافعي من أن الخلطة مؤثرة هو الراجح، وسنتكلم عليه إن شاء الله..

والخلطة قد تفيدهما تخفيفاً، وقد تكون ضرراً، وقد تفيد أحدهم تخفيفاً والآخر ضرراً، فتفيدهم ضرراً على قول الشافعي إذا كان لكل واحد منهم عشرون شاة فإنه لا تجب عليهم الزكاة، ولكن إذا اختلطوا وجبت عليهم الزكاة، وتفيدهم تخفيفاً إذا كان لكل واحد منهم أربعين شاة، فتأخذ منهم شاة واحدة.

وتفيد أحدهم تخفيفاً والآخر ضرراً إذا كان لأحدهم على مذهب الشافعي عشرون شاة، والآخر أربعون شاة،

والفرق بين الخليطين والشريكين هو أن الخليطين كل واحد ماله متميز، والشريكين لا تميز بين المال، بل الملك شائع بينهما.

فمن اقتصر على هذا المفهوم ولم يقس عليه النصاب قال: الخليطان إنما يزكيان زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهما نصاب ومن جعل حكم النصاب تبعاً لحكم الحق الواجب قال: نصابهما نصاب الرجل الواحد، كما أن زكاتهما زكاة الرجل الواحد، وكل واحد من هؤلاء أنزل قوله عليه الصلاة والسلام:( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع ) على ما ذهب إليه.

فأما مالك رحمه الله تعالى فإنه قال: معنى قوله: ( لا يفرق بين مجتمع ) أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فتكون عليهما فيهما ثلاث شياه فإذا افترقا كان على كل واحد منهما شاة ] يعني مائتين وواحدة كل واحد معه مائة وشاة ففيها شاة واحدة في مائة وشاة، والثاني معه مائة وشاة كذلك، وهما مفترقان فعليهما شاتان، إذا اجتمعوا كذلك.

[ ومعنى قوله: ( لا يجمع بين مفترق ) أن يكون النفر الثلاث لكل واحد منهم أربعون شاة ] وهم غير خلطاء، فيأتي آخر الحول فيخلطونها، عندما يخرج الساعي [ فإذا جمعوها كان عليهم شاة واحدة، فعلى مذهبه النهي إنما هو متوجه نحو الخلطاء الذين لكل واحد منهم نصاب.

وأما الشافعي فقال معنى قوله:( ولا يفرق بين مجتمع ) أن يكون رجلان لهما أربعون شاة، فإذا فرقا غنمهما لم يجب عليهما فيها زكاة؛ إذ كان نصاب الخلطاء عنده نصاب ملك واحد في الحكم.

شروط الخلطة المؤثرة

قال المصنف رحمه الله: [ وأما القائلون بالخلطة فإنهم اختلفوا فيما هي الخلطة المؤثرة في الزكاة.

فأما الشافعي فقال: إن من شرط الخلطة أن تختلط ماشيتهما وتراحا لواحد، وتحلبا لواحد ] يعني: في مكان واحد [ وتسرحا لواحد وتسقيا معاً ] يعني: يكون حوضهما واحداً [ وتكون فحولهما مختلطة ] قال ابن رسلان صاحب الزبد:

مال الخليطين كمـال المفــرد إن مسرح ومرتع يتحد

والفحل والراعي وأرض الحلب وفي مراح ليلها والمشرب

والمسرح: محل ما تسرح الغنم، والمرتع: محل الرعي. والفحل والراعي يكون كل رعاتهم مختلطين، ما يميز بين الرعاة، كلهم يعطوهم الأجرة سواء.

وأرض الحلب: مكان ما يلحبون، وليس أنهم يحلبونهن في إناء واحدـ، ولكن المكان الذي يحلبون فيه واحد، وكل يحلب غنمه لنفسه. والمراح المحل الذي تأوي إليه في الليل. [ ولا فرق عنده بالجملة بين الخلطة والشركة، ولذا يعتبر كمال النصاب لكل واحد من الشريكين كما تقدم ] هذا الكلام مستقيم؟

لأنه لا يعتبر كمال النصاب للخلطة ويعتبرها بين الشركة، هذا مما جعلني أرجع إلى كتب المذهب الشافعي وكتب مذهب أحمد ؛ فعرفت أن هناك سقط كلمة وهي (لا) [ ولا فرق عنده بالجملة بين الخلطة والشركة؛ ولذا لا يعتبر كمال النصاب لكل واحد من الشريكين كما تقدم ] كما تقدم في الخلطة، وهل تقدم في الشركة؟ لا ما تقدم! وإنما الذي تقدم في الخلطة، أقول: سقط من الطبعة أو من الأصل لفظة (لا) قبل قوله (يعتبر) فتغير المعنى في حكم المسألة، فكان المعنى في حكمها أن الشافعي يفرق بين خلطة الجوار وخلطة الشركة، فلا يشترط في خلطة الجوار النصاب، ويشترط في خلطة الشركة النصاب، وبالرجوع إلى كتب مذهب الشافعي و أحمد تبين أن مذهب الشافعي و أحمد عدم التفرقة بين خلطة الجوار وخلطة الشركة، في أنه لا تجب فيهما أن يكون ملك كل واحد نصاباً، فثبت سقوط لفظة (لا) إما من الطبعة أو من الأصل انظر الروضة للنووي (2/170) والمغني لـابن قدامة، (2/454).

[ وأما مالك فالخليطان عنده ما اشتركا في الدلو والحوض والمراح والراعي والفحل ] متقاربان، هو والشافعي؟

[ واختلف أصحابه في مراعاة بعض هذه الأوصاف أو جميعها.

وسبب اختلافهم اشتراك اسم الخلطة؛ ولذلك لم ير قوم تأثير الخلطة في الزكاة، وهو مذهب أبي محمد بن حزم الأندلسي ].

الراجح في مسألة الخلطة

والراجح أن الخلطة ثابتة بهذا الحديث؛ لأن فيه دلالة واضحة على الخلطة، وأن المراد بها غير الشركة، كما ذكر ذلك ابن رشد ، وأما الترجيح بين المذهبين مذهب مالك و الشافعي . فالراجح أنه يشترط أن يكون ملك كل واحد منهما نصاباً، فإن الحديث وإن كان فيه دلالة ظاهرة في أن الخليطين يزكيان زكاة الرجل الواحد، وذلك في قوله: ( وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية )، فإنه ليس فيه دلالة ظاهرة على عدم اعتبار النصاب لكل واحد منهما، والأصل في الزكاة أنها لا تجب في مال لم يبلغ النصاب؛ لحديث أبي سعيد المتفق عليه:( ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ).

فالراجح أن الخلطة ثابتة بهذا الحديث؛ لأن فيه دلالة واضحة على الخلطة وأن المراد بها غير الشركة كما ذكر ذلك ابن رشد .

وأما الترجيح بين المذهبين فالراجح أنه يشترط. هذا هو الراجح.

والفرق بين مذهب أبي حنيفة وبين مذهب مالك والشافعي مثلاً إذا كان معهما ثمانون شاة وكلها نصاب فعند الشافعي و مالك عليهما زكاة رجل واحد، فيخرجون شاة واحدة، وأما أبو حنيفة فيقول: يخرجون شاتين، فليس لها أي تأثير عنده.

أما حكم المسألة فالراجح أنه لا يعتد بالسخال إلا إذا كانت الأمهات نصاباً، فإن لم يكن النصاب إلا بالسخال احتسب الحول من حين كمال النصاب؛ لأنه قبل تكملة النصاب بالأمهات لا يكون الحول قد أتى على ماشية بلغت نصاباً..

وأثر عمر محتمل فلا دلالة فيه على أحد القولين، والأصل في وجوب الزكاة هو مرور الحول على نصاب زكوي؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )، وهو حديث صحيح، بما له من الشواهد، فقد روي عن جماعة من الصحابة -كما سيأتي ص (109) من هذا الكتاب: فإذا جاء وقت خروج الساعي والأمهات لم تبلغ نصاباً إلا بالسخال فليس له أخذ الزكاة منها، أما إذا جاء وقت خروج الساعي فوجد الأمهات تبلغ نصاباً فإنه يعتد عليهم بالسخال ويكون حولها حول الأصل، وليس عليه أن يبحث في مرور الحول على الأصل، بل يأخذ منها من غير سؤال، هذا ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء: أنه إذا جاء وقت إخراج الزكاة فوجدوا الماشية قد بلغت نصاباً أخذوا منها الزكاة، ثم لا يأخذون منها مرة ثانية إلا بعد مضي الحول.

فمثلاً: الحول.. إذا كان المزكي مثلاً يزكي ماله لنفسه، فإذا وجد عنده مال مستفاد فإنه إذا مضى عليه الحول فإنه يزكيه، ولا يزكيه إلا بعد حول واحد، أما إذا كان الإمام هو الذي يجبي الزكاة في شهر معين من السنة فإنه إذا مر على الملاك، فمن كان عنده مال سواء مر عليه شهر أو شهران وهو نصاب سواء ماشية أو عروض تجارة فإنه يدفع للساعي الزكاة، ولا يأتي الساعي إلى المالك ويسأله عن الحول؟ لم يكن هذا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج في شهر لأخذ الزكاة، فيأخذون الزكاة من كل مال بلغ نصاباً، ولا يعودون إلا بعد الحول، إذاً العبرة بخروج الساعي ووجود النصاب.

فمسألتنا هذه التي هي هل تضم السخال أو لا تضم؟ فإذا خرج الساعي فوجد ثلاثين من الغنم وعشراً من السخال فلا يأخذ الزكاة منها، وإذا وجد معه ثمانين من الغنم، ومائة وما يبلغ بها مائة وواحدة من السخال أخذ اثنتين؛ لأنها قد صارت نصاباً، ولا يسأله متى ملكت هذا الغنم ومتى ولد لك؟ بل يحسب ذلك عليه ويأخذ الزكاة، ولا يعود عليه إلا بعد مضي الحول.

[ وأحسب أن أهل الظاهر لا يوجبون في السخال شيئاً، ولا يعدون بها لو كانت الأمهات نصاباً ولو لم تكن؛ لأن اسم الجنس لا يطلق عليها عندهم ].

وقد انتصر له ابن حزم في المحلى في ست صفحات (من 274، 279).

قال المصنف رحمه الله: [ وأكثر الفقهاء على أن للخلطة تأثيراً في قدر الواجب من الزكاة ] أي: الخليطين فيعتبر ماله كمال رجل واحد [واختلف القائلون بذلك هل لها تأثير في النصاب أم لا؟ ] وبعض الفقهاء قالوا: لا تأثير للخلطة وإنما التأثير للشركة، فالخليطان يزكي كل واحد ماله لنفسه وهم الحنفية، وقال بعض الفقهاء: إن للخلطة تأثيراً، ثم اختلفوا فيما بينهم هل لها تأثير في إخراج الواجب أو تأثير في إخراج الواجب والنصاب؟

[ فأما أبو حنيفة وأصحابه فلم يروا للخلطة تأثيراً، لا في القدر الواجب، ولا في قدر النصاب، وتفسير ذلك أن مالكاً و الشافعي وأكثر فقهاء الأمصار ] ومنهم أحمد [ اتفقوا على أن الخلطاء يزكون زكاة المالك الواحد، واختلفوا من ذلك في موضعين ] يعني الذين اتفقوا [ أحدهما في نصاب الخلطاء، هل يعد نصاب مالك واحد، سواء كان لكل واحد منهم نصاب أو لم يكن؟ أو أنما يزكون زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهم نصاب.

والثاني: في صفة الخلطة التي لها تأثير في ذلك: وأما اختلافهم أولاً في هل للخلطة تأثير في النصاب وفي الواجب أو ليس لها تأثير؟ فسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم ما ثبت في كتاب الصدقة من قوله عليه الصلاة والسلام: من حديث ابن عمر وهو حديث حسن ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع؛ خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية )، فإن كل واحد من الفريقين أنزل مفهوم هذا الحديث على اعتقاده ] يعني: مذهبه [ وذلك أن الذين رأوا للخلطة تأثيراً ما في النصاب والقدر الواجب أو في القدر الواجب فقطـ، قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: ( وما كان من الخليطين فإنهما يتراجعان بالسوية )، وقوله: ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع ) يدل دلالة واضحة أن ملك الخليطين كملك رجل واحد ] دلالة ظاهرة [ فإن هذا الأثر مخصص لقوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ) ] يعني أن هذا الحديث يقول: إنه لا بد لمال كل من الملاك أن يكون نصاباً، وأن يختص بإخراجه، لكن حديث الخلطة خصص هذا الحديث.

[ أما في الزكاة عند مالك وأصحابه، أعني: في قدر الواجب، وإما في الزكاة والنصاب معاً عند الشافعي وأصحابه ] و أحمد [ وأما الذين لم يقولوا بالخلطة فقالوا: إن الشريكين قد يقال لهما: خليطان ] قالوا: إن الحديث في الشريكين فكان الحديث محتملاً للخليطين ومحتملاً للشريكين، وهؤلاء الحنفية.

[ ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع )، إنما هو نهي للسعاة ] يعني ينهى السعاة بألا يفرقوا بين الأموال وألا يجمعوا بينها [ أن يقسموا ملك الرجل الواحد قسمة توجب عليه كثرة الصدقة، مثل رجل يكون له مائة وعشرون شاة فيقسم عليه إلى أربعين ثلاث مرات ] وهذا تأويل بعيد [ أو يجمع ملك رجل واحد إلى ملك رجل آخر حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة.

قالوا: وإذا كان هذا الاحتمال في هذا الحديث وجب ألا تخصص به الأصول الثابتة المجمع عليها ] مذهبهم هو أن لديهم أصولاً ثابتة قد قرروا عليها أحكاماً فيردون حديث الآحاد ويردون المحتل، وهذا مذهب الحنفية..

[ أعني: أن النصاب والحق الواجب في الزكاة يعتبر بملك الرجل الواحد ] هذا عندهم أصل ثابت لا يخصص به مثل هذا الحديث فهو محتمل في المعنى.

[ وأما الذين قالوا بالخلطة فقالوا: إن لفظ الخلطة هو أظهر في الخلطة نفسها منه في الشركة، وإذا كان ذلك كذلك فقوله عليه الصلاة والسلام فيها: ( إنهما يتراجعان بالسوية )، مما يدل على أن الحق الواجب عليهما حكمه حكم رجل واحد، وأن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنهما يتراجعان بالسوية ) يدل على أن الخليطين ليسا بشريكين؛ لأن الشريكين ليس يتصور بينهما تراجع إذ المأخوذ هو من مال الشركة مثلاً خليطان أحدهما له أربعون من الغنم، والثاني له ستون وشاة فيجب عليهم شاة واحدة، فيقول صاحب الأربعين: شاتي بثلاثة آلاف، فادفع لي ألفين، أما لو كانت شركة فدفع أحدهم قيمة أربعين والثاني قيمة ستين، أو كان هناك ابن وبنت ورثا المال من أبيهما للذكر مثل حظ الأنثيين، في مائة وعشرين شاة ففيها شاة واحدة، فجاء الساعي وأخذ شاة فهل تراجعا بينهما بالسوية أو أخذ من رأس المال؟

أخذ من رأس المال شاة واحدة وبقي ملكهما مائة وعشرون شاة إلا شاة، فهذا الحديث لا ينطبق على رأي أبي حنيفة في كونهما يتراجعان بينهما بالسوية بل هو بعيد، فيدل على أن الحديث ظاهر في الخلطة.

إذاً ما قاله الإمام أحمد و مالك و الشافعي من أن الخلطة مؤثرة هو الراجح، وسنتكلم عليه إن شاء الله..

والخلطة قد تفيدهما تخفيفاً، وقد تكون ضرراً، وقد تفيد أحدهم تخفيفاً والآخر ضرراً، فتفيدهم ضرراً على قول الشافعي إذا كان لكل واحد منهم عشرون شاة فإنه لا تجب عليهم الزكاة، ولكن إذا اختلطوا وجبت عليهم الزكاة، وتفيدهم تخفيفاً إذا كان لكل واحد منهم أربعين شاة، فتأخذ منهم شاة واحدة.

وتفيد أحدهم تخفيفاً والآخر ضرراً إذا كان لأحدهم على مذهب الشافعي عشرون شاة، والآخر أربعون شاة،

والفرق بين الخليطين والشريكين هو أن الخليطين كل واحد ماله متميز، والشريكين لا تميز بين المال، بل الملك شائع بينهما.

فمن اقتصر على هذا المفهوم ولم يقس عليه النصاب قال: الخليطان إنما يزكيان زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهما نصاب ومن جعل حكم النصاب تبعاً لحكم الحق الواجب قال: نصابهما نصاب الرجل الواحد، كما أن زكاتهما زكاة الرجل الواحد، وكل واحد من هؤلاء أنزل قوله عليه الصلاة والسلام:( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع ) على ما ذهب إليه.

فأما مالك رحمه الله تعالى فإنه قال: معنى قوله: ( لا يفرق بين مجتمع ) أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فتكون عليهما فيهما ثلاث شياه فإذا افترقا كان على كل واحد منهما شاة ] يعني مائتين وواحدة كل واحد معه مائة وشاة ففيها شاة واحدة في مائة وشاة، والثاني معه مائة وشاة كذلك، وهما مفترقان فعليهما شاتان، إذا اجتمعوا كذلك.

[ ومعنى قوله: ( لا يجمع بين مفترق ) أن يكون النفر الثلاث لكل واحد منهم أربعون شاة ] وهم غير خلطاء، فيأتي آخر الحول فيخلطونها، عندما يخرج الساعي [ فإذا جمعوها كان عليهم شاة واحدة، فعلى مذهبه النهي إنما هو متوجه نحو الخلطاء الذين لكل واحد منهم نصاب.

وأما الشافعي فقال معنى قوله:( ولا يفرق بين مجتمع ) أن يكون رجلان لهما أربعون شاة، فإذا فرقا غنمهما لم يجب عليهما فيها زكاة؛ إذ كان نصاب الخلطاء عنده نصاب ملك واحد في الحكم.