كتاب الصلاة [25]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

[ الباب الخامس من الجملة الثالثة، وهو: القول في صلاة الخوف ] أي: وقت صلاة الخوف.

ذكر اختلاف العلماء في جواز صلاة الخوف

قال المصنف رحمه الله: [ اختلف العلماء في جواز صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفي صفتها.

فأكثر العلماء على أن صلاة الخوف جائزة؛ لعموم قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا[النساء:101] الآية، ولما ثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، وعمل الأئمة والخلفاء من بعده بذلك، وشذ أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة فقال: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإمام واحد ] بل بأئمة متعددين [ وإنما تصلى بعده بإمامين، يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين، ثم يصلي الآخر بطائفة أخرى - وهي الحارسة - ركعتين أيضاً وتحرس التي قد صلت.

والسبب في اختلافهم: هل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف هي عبادة، أو لمكان فضل النبي صلى الله عليه وسلم؟

فمن رأى أنها عبادة لم ير أنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن رآها لمكان فضل النبي صلى الله عليه وسلم رآها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد كان يمكننا أن ينقسم الناس على إمامين، وإنما كان ضرورة اجتماعهم على إمام واحد خاصة من خواص النبي صلى الله عليه وسلم، وتأيد عنده.. ] أي: عند أبي يوسف [ هذا التأويل بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ[النساء:102] الآية، ومفهوم الخطاب: أنه إذا لم يكن فيهم فالحكم غير هذا الحكم ]؛ أي إذا كان غير الرسول صلى الله عليه وسلم فالحكم غير هذا الحكم.

قال: [ وقد ذهبت طائفة من فقهاء الشام ]، كأنه الأوزاعي [ إلى أن صلاة الخوف تؤخر عن وقت الخوف إلى وقت الأمن.. ] أي لا يصلون ألبتة [ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ] وحديث صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الخندق صحيح رواه البخاري و مسلم ، ولكن هذا كان قبل نزول صلاة الخوف.

قال: [ والجمهور على أن ذلك الفعل يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف، وأنه منسوخ بها ].

والراجح أن صفة صلاة الخوف باقية إلى وقتنا هذا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، والخصوصية لا تثبت إلا بدليل، ومفهوم المخالفة الذي قال به أبو يوسف مخالف لقواعدهم الأصولية، وهو عدم العمل بمفهوم المخالفة، ومفهوم المخالفة في الآية لا يأخذ به الجمهور؛ لأنه لبيان الواقع.

لأن الواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم، والمخالفة أنه إذا كان ليس فيهم فلا تقام الصلاة، في قوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ[المؤمنون:117].

أما صفة صلاة الخوف، فسوف نمر على الصفات كلها ونشرحها، وستُعرف كلها إن شاء الله.

قول أبي يوسف أن الصلاة لا تكون بإمام واحد بل عند وجود فرقتين فيكون لإحدى الفرقتين إمام مختص بها والفرقة الأخرى لها إمام مختص بها، وهذا قد ينطبق عند وجود إمامين أو قائدين في الحرب.

ولا حجة له في كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم مرتين، فلا مانع من أن يصلي الإمام الواحد بهم مرتين.

قال المصنف رحمه الله: [ اختلف العلماء في جواز صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفي صفتها.

فأكثر العلماء على أن صلاة الخوف جائزة؛ لعموم قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا[النساء:101] الآية، ولما ثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، وعمل الأئمة والخلفاء من بعده بذلك، وشذ أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة فقال: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإمام واحد ] بل بأئمة متعددين [ وإنما تصلى بعده بإمامين، يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين، ثم يصلي الآخر بطائفة أخرى - وهي الحارسة - ركعتين أيضاً وتحرس التي قد صلت.

والسبب في اختلافهم: هل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف هي عبادة، أو لمكان فضل النبي صلى الله عليه وسلم؟

فمن رأى أنها عبادة لم ير أنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن رآها لمكان فضل النبي صلى الله عليه وسلم رآها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد كان يمكننا أن ينقسم الناس على إمامين، وإنما كان ضرورة اجتماعهم على إمام واحد خاصة من خواص النبي صلى الله عليه وسلم، وتأيد عنده.. ] أي: عند أبي يوسف [ هذا التأويل بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ[النساء:102] الآية، ومفهوم الخطاب: أنه إذا لم يكن فيهم فالحكم غير هذا الحكم ]؛ أي إذا كان غير الرسول صلى الله عليه وسلم فالحكم غير هذا الحكم.

قال: [ وقد ذهبت طائفة من فقهاء الشام ]، كأنه الأوزاعي [ إلى أن صلاة الخوف تؤخر عن وقت الخوف إلى وقت الأمن.. ] أي لا يصلون ألبتة [ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ] وحديث صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الخندق صحيح رواه البخاري و مسلم ، ولكن هذا كان قبل نزول صلاة الخوف.

قال: [ والجمهور على أن ذلك الفعل يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف، وأنه منسوخ بها ].

والراجح أن صفة صلاة الخوف باقية إلى وقتنا هذا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، والخصوصية لا تثبت إلا بدليل، ومفهوم المخالفة الذي قال به أبو يوسف مخالف لقواعدهم الأصولية، وهو عدم العمل بمفهوم المخالفة، ومفهوم المخالفة في الآية لا يأخذ به الجمهور؛ لأنه لبيان الواقع.

لأن الواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم، والمخالفة أنه إذا كان ليس فيهم فلا تقام الصلاة، في قوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ[المؤمنون:117].

أما صفة صلاة الخوف، فسوف نمر على الصفات كلها ونشرحها، وستُعرف كلها إن شاء الله.

قول أبي يوسف أن الصلاة لا تكون بإمام واحد بل عند وجود فرقتين فيكون لإحدى الفرقتين إمام مختص بها والفرقة الأخرى لها إمام مختص بها، وهذا قد ينطبق عند وجود إمامين أو قائدين في الحرب.

ولا حجة له في كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم مرتين، فلا مانع من أن يصلي الإمام الواحد بهم مرتين.

قال رحمه الله: [ وأما صفة صلاة الخوف فإن العلماء اختلفوا فيها اختلافاً كثيراً؛ لاختلاف الآثار في هذا الباب، أعني: المنقولة من فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف، والمشهور من ذلك سبع صفات ].

الصفة الأولى لصلاة الخوف

قال رحمه الله: [ الصفة الأولى: فمن ذلك ما أخرجه مالك ] و البخاري [ و مسلم من حديث صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ] وهي الصلاة التي يكون العدو فيها في غير جهة القبلة [ من حديث صالح بن خوات : ( عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه، وصفت طائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاتهم، ثم ثبت جالساً.. ) ] في صلاته [ ( وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم ) ] فهذه الصفة التي مثلناها لكم؛ وهي ظاهرة.

[ وبهذا الحديث قال الشافعي ]، وقال: إن هذه الصفة لصلاة الخوف فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة.

الصفة الثانية لصلاة الخوف

قال رحمه الله: [ الصفة الثانية وروى مالك هذا الحديث بعينه.. ] يعني هذا الذي عمل به الشافعي رواه مالك بعينه [ عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات موقوفاً.. ] ولكن فيه شيء من المخالفة للحديث الذي أخذ به الشافعي [ كمثل حديث يزيد بن رومان : ( أنه لما قضى الركعة بالطائفة الثانية سلم ولم ينتظرهم حتى يفرغوا من الصلاة )، واختار مالك هذه الصفة ] يعني معناه أنه صلى بهم ركعة وسلم، ثم قاموا وأتموا لأنفسهم، كالصلوات المعروفة عند إدراك الرجل بعض الصلاة مع الإمام.

[ واختار مالك هذه الصفة ]، فـالشافعي اختار المرفوع، و مالك اختار الموقوف [ و الشافعي آثر المسند على الموقوف، و مالك آثر الموقوف; لأنه أشبه بالأصول.. ] يعني أشبه بالصلوات التي يصليها الإنسان مع الإمام فإذا فاته شيء منها فإنه يقوم ليتم لنفسه، والإمام يسلم ولا ينتظره، [ أعني: ألا يجلس الإمام حتى تفرغ الطائفة الثانية من صلاتها; لأن الإمام متبوع لا متبع، وغير مختلف عليه ] فهاتان صفتان لصلاة الخوف صفة اندرجت في صفة، صفة أخذ بها الإمام الشافعي وهي المرفوعة المسندة التي اتفق عليها البخاري و مسلم ، وفيها أن الإمام ينتظر المأمومين، وهذه الصفة هي الصفة الراجحة، وأما الصفة التي قالها الإمام مالك فهي وإن كانت ثابتة فلا تعارض المرفوع؛ لأنها موقوفة.

وكذلك الراوي لهذه الصفة التي أخذ بها مالك صالح بن خوات وقد خالف ما روى.

الصفة الثالثة لصلاة الخوف

قال رحمه الله: [ والصفة الثالثة: ما ورد في حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، رواه الثوري وجماعة وخرجه أبو داود قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفة، وطائفة مستقبلو العدو، فصلى بالذين معه ركعة وسجدتين، وانصرفوا ولم يسلموا، فوقفوا بإزاء العدو.. ) ] وهم لا زالوا في الصلاة، لم يسلموا بعد [ ( ثم جاء الآخرون فقاموا معه، فصلى بهم ركعة، ثم سلم، فقام هؤلاء، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا وذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع هؤلاء إلى مرتبتهم فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ) ]، ولكن هذه الصفة حديثها ضعيف، وفيها أعمال كثيرة؛ لأنهم أخذوا بعضاً من الصلاة وذهبوا يحرسون، ثم بعد ذلك رجعوا ليكملوا ما فاتهم، فهذه الصفة سندها ضعيف، وفيها عمل كثير..

[ وبهذه الصفة قال أبو حنيفة وأصحابه: ما خلا أبا يوسف على ما تقدم ].

الصفة الرابعة لصلاة الخوف

قال رحمه الله: [ والصفة الرابعة الواردة في حديث أبي عياش الزرقي ] أخرجه أبو داود ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني [ قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد ، فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، فأنزل الله آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، والمشركون أمامه ).. ] هذا والمسلمون مستقبلوا القبلة [ ( فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف واحد، وصف بعد ذلك صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً.. ) ] أي: الصفان [ ( ثم سجد، وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخر يحرسونهم، فلما صلى هؤلاء سجدتين وقاموا سجد الآخرون.. ) ] الذين كانوا قياماً يحرسونهم [ ( الذين كانوا خلفه، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا معه، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه، سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً، فسلم بهم جميعاً )، وهذه الصلاة صلاها بعسفان وصلاها يوم بني سليم.

قال أبو داود : وروي هذا عن جابر وعن ابن عباس وعن مجاهد ، وعن أبي موسى وعن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: وهو قول الثوري وهو أحوطها؛ يريد أنه ليس في هذه الصفة كبير عمل مخالف لأفعال الصلاة المعروفة، وقال بهذه الصفة جملة من أصحاب مالك وأصحاب الشافعي ] وحملها أصحاب مالك وأصحاب الشافعي فيما إذا كان العدو في جهة القبلة.

وهذه الصفة أخرجها الإمام مسلم ..

قال: [ وخرجها مسلم عن جابر وقال جابر : كما يصنع حراسكم بأمرائكم ].

الصفة الخامسة لصلاة الخوف

قال رحمه الله: [ والصفة الخامسة: الواردة في حديث حذيفة قال ثعلبة بن زهدم : كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال حذيفة : أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا شيئاً.. ]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ركعتين، وهو صلى ركعة [ وهذا مخالف للأصل مخالفة كثيرة.

وخرج أيضاً عن ابن عباس في معناه ] خرج ابن عباس حديثاً، هذا الحديث أخرجه مسلم [ أنه قال: ( الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع، وفي السفر ركعتان، وفي الخوف ركعة واحدة ) ] فهذا يدل على أن هذه الصلاة كذلك جائزة، ومروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وحديثها صحيح، وهي كذلك مروية عن ابن عباس في مسلم رفعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا يجوز أن تكون صلاة الخوف ركعة، وذلك بحسب الأحوال، إذا رأوا أن العدو سيدركهم فتكون على حسب الأحوال.

[ وأجاز هذه الصفة الثوري ].

الصفة السادسة لصلاة الخوف

قال رحمه الله: [ الصفة السادسة: الواردة في حديث أبي بكرة وحديث جابر ] حديث أبي بكرة أخرجه البخاري و مسلم وحديث جابر أخرجه أبو داود .

[ عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه صلى بكل طائفة من الطائفتين ركعتين.. ركعتين )، وبه كان يفتي الحسن ، وفيه دليل على اختلاف نية الإمام والمأموم ] فيحتمل أنه صلى بهؤلاء ركعتين وسلم، وصلى بهؤلاء ركعتين وسلم، هذه صفة، وهذه الصفة موجودة عند مسلم وعند أبي داود ، وحديثها صحيح، لكن من المحتمل أن تكون النية مختلفة؛ لأن الركعتين الأولى فرض، والثانية في حق الرسول صلى الله عليه وسلم نفل، هذا إذا كان سلم في كل ركعتين، فتكون النية مختلفة، فصلى بالطائفة الأولى فرضاً، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين وهي وإن كانت إعادة فهي في الحقيقة نفل، وهذا هو الأقرب.

ويصح أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أتم الصلاة فصلى أربعاً ولم يسلم، وسلم كل من الطائفتين من ركعتين وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فكانت للرسول صلى الله عليه وسلم أربعاً ولهم ثنتين، هذا يصح، والحديث محتمل للوجهين.

[ وفيه دليل على اختلاف نية الإمام والمأموم؛ لكونه متماً .. ] فهم ابن رشد للحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى متماً [ وهم مقصرون، خرجه مسلم عن جابر .

الصفة السابعة لصلاة الخوف

قال رحمه الله: [ الصفة السابعة : الواردة في حديث ابن عمر ] الذي أخرجه مالك و البخاري [ عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام، وطائفة من الناس، فيصلي بهم ركعة، وتكون طائفة منهم بينه وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا معه ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا، فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين تتقدم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة ركعة بعد أن ينصرف الإمام، فتكون كل واحدة من الطائفتين قد صلت ركعتين.. ) ] وهذه الصفة هي قريبة من تلك التي ذكرناها، وهي الصفة التي قلنا: إن حديثها ضعيف، والفرق بينهما أن في الصفة السابقة عادت الطائفة الأولى إلى مكانها، قال: صلى بهؤلاء ركعة وذهبوا قبل أن يسلموا واستقبلوا العدو، وصلى بهؤلاء ركعة وسلم، ثم ذهبت كل واحدة وصلت لنفسها، فهذه التي هنا هي الصحيحة؛ لأنها واردة في البخاري وتلك الرواية السابقة مقاربة لهذه الرواية التي في البخاري ولكن سندها ضعيف.

كيفية الصلاة عند شدة الخوف والقتال

قال رحمه الله: [ ( فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم، أو ركباناً مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ) ] وهذا: فإن كان خوف أشد من ذلك، هذا يصح أن يكون عند المسايفة، وكذلك عندما تتقابل الدبابات والطائرات.. وهكذا، فيصلي صاحب الدبابة على الدبابة وصاحب المدفع على المدفع، وإذا لم يستطع أن يصلي بقيام وركوع فيحرك الدبابة ويضرب العدو بالمدفع ويطير بالطائرة ويصلي بالإيماء، مستقبل القبلة أو غير مستقبلها.

قال: [ وممن قال بهذه الصفة أشهب عن مالك وجماعة.

قال أبو عمر : الحجة لمن قال بحديث ابن عمر هذا أنه ورد بنقل الأئمة أهل المدينة، وهم الحجة في النقل على من خالفهم، وهي أيضاً مع هذا أشبه بالأصول؛ لأن الطائفة الأولى والثانية لم يقضوا الركعة إلا بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة، وهو المعروف من سنة القضاء المجتمع عليها في سائر الصلوات.. ] يتكلم على الصفة السابعة التي تصح قبل التئام الحرب، فهم قضوا لأنفسهم ركعة بعدما سلم الإمام، فهي تؤيد الصفة التي رواها أبو داود ، وقلنا: إن حديثها ضعيف؛ لأنهم قضوا لأنفسهم، ولكن كان على ابن رشد أن يقول: حديثها ضعيف، والصفة السابعة تؤيدها، وكان على المعلق أن يقول ذلك.

[ وأكثر العلماء على ما جاء في هذا الحديث من أنه إذا اشتد الخوف جاز.. ] يتكلم على الصفة التي عند المسايفة وشدة الخوف.

[ أن يصلوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وإيماء من غير ركوع ولا سجود.

وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال: لا يصلي الخائف إلا إلى القبلة، ولا يصلي أحد في حال المسايفة ] يقول: لا صلاة حال المسايفة، ومراده أن الصلاة تؤخر.

[ وسبب الخلاف في ذلك مخالفة هذا الفعل للأصول.. ] يعني أن هذا الفعل وهو صلاة الرجل غير مستقبل القبلة مخالف لاشتراط القبلة لصلاة الفريضة [ وقد رأى قوم أن هذه الصفات كلها جائزة، وأن للمكلف أن يصلي أيتها أحب، وقد قيل: إن هذا الاختلاف إنما كان بحسب اختلاف المواطن ].

فإذا كان العدو في غير جهة القبلة، فهو مخير بين الصفة الرابعة وغيرها من الصفات، أما إذا كان العدو في جهة القبلة فإنه مخير أن يصلي بأي صفة من الصفات، غير الصفة الرابعة، وللجنود أن يصلوا ركعة واحدة، كما ثبت في صحيح مسلم .

والسر من تخصيص الرابعة؛ وذلك لأن عملها أقل، فحمل العلماء الصفة الرابعة إذا كان العدو في جهة القبلة، وحملوا غيرها من الصفات إذا كان العدو في غير جهة القبلة.

قال رحمه الله: [ الصفة الأولى: فمن ذلك ما أخرجه مالك ] و البخاري [ و مسلم من حديث صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ] وهي الصلاة التي يكون العدو فيها في غير جهة القبلة [ من حديث صالح بن خوات : ( عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه، وصفت طائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاتهم، ثم ثبت جالساً.. ) ] في صلاته [ ( وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم ) ] فهذه الصفة التي مثلناها لكم؛ وهي ظاهرة.

[ وبهذا الحديث قال الشافعي ]، وقال: إن هذه الصفة لصلاة الخوف فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة.