دعوة النبي المسلمين إلى خدمة الناس
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
دين الإسلام دين الإحسان إلى الناس، ولقد كان للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم أتمُّ نصيب في الإحسان إلى الناس عمليًّا وقضاء حوائجهم، وفي هديه القولي شواهدُ كثيرةٌ على ذلك من ترغيبه في مطلق الإعانة للمسلمين، وأن من كان في عون أخيه كان الله في عونه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من نفَّس عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا ، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».قال الإمام النووي: "وهو حديث عظيم، جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، وغير ذلك".
وكذلك ترغيبه صلى الله عليه وسلم في السعي في حاجات الناس؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».
قال العلماء قوله: «من كان في حاجة أخيه»؛ أي: في قضائها بالفعل أو بالتسبب.
وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مشى في حاجة أخيه، كان خيرًا له من اعتكافه عشر سنين، ومن اعتكف يومًا ابتغاء وجه الله جعل بينه وبين النار ثلاثة خنادق، كل خندق أبعد مما بين الخافقين».
ومنها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في إعانة المحتاج؛ قال صلى الله عليه وسلم: «وتعين الرجلَ في دابته، فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه، صدقة».
ومنها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في النفع المطلق؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: لدغتْ رجلاً منا عقرب ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، أرقيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل»، وهذا الحديث عام في كل ما ينتفع به، فمن استطاع نفع أخيه المسلم فعليه أن يفعل ذلك.
ومنها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في خدمة الرجل لأصحابه، فقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم برجل يعالج طلمة - أي: خبزة، وهي التي تسميها الناس: الملة - لأصحابه في سفر وقد عرق وآذاه وهج النار، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يصيبه حرُّ جهنم أبدًا»، قال أبو عبيد: "والذي يراد من هذا الحديث أنه حمد الرجل على أن خدم أصحابه في السفر؛ يعني أنه خبز لهم".
ومنها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في السعي على الأرملة والمسكين؛ قال صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل».
ومنها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الإحسان إلى الأيتام وقضاء حوائجهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وقال بإصبعه السبابة والوسطى.
ومنها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الإصلاح بين الناس بقوله: ((كل يوم تطلع فيه الشمس...
قال: يعدل بين الاثنين صدقة))، ففيه ترغيب في الإصلاح بين الناس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه: «ألا أدلك على صدقة يرضى الله ورسوله موضعها» ؟، قال: نعم يا رسول الله، قال: «تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا».
ومنها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في إعانة الأخرق؛ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله»، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنًا وأنفَسُها عند أهلها»، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعًا أو تصنع لأخرق»، قال: فإن لم أفعل؟ قال: «تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك».
والصانع: بالصاد، وروي ضائعًا بالمعجمة؛ أي: ذا ضياع من فقر أو عيال ونحو ذلك، والأخرق: الذي لا يتقن ما يحاول فعله.
ومنها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في البذل وإرشاد الضال، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من منح منيحة لبن أو ورق أو هدى زقاقًا، كان له مثل عتق رقبة»، ويعني بمنيحة الورق: قرض الدراهم، وقوله: «أو هدى زقاقًا»، يعني به هداية الطريق، وهو إرشاد السبيل.
فما أحوجَ هذه الشواهدَ وغيرها إلى التأمل فيها وفي معانيها وحكمها؛ فلا شريعة أو قانون تسامي هذه التعاليمَ أو تقترب منها، وما أحوج المسلمين إلى تطبيقها وامتثالها سلوكًا وعملاً!