كتاب الصلاة [24]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

الفصل الثاني في الجمع، يعني: الجمع بين الصلاتين، وهو: الجمع بين الظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً، والجمع بين المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً.

قال المصنف رحمه الله: [ وأما الجمع فإنه يتعلق به ثلاث مسائل:

إحداها: جوازه.

والثانية: في صفة الجمع.

والثالثة: في مبيحات الجمع.

أما جوازه فإنهم أجمعوا على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سنة.. ]، فهذا أجمع عليه العلماء كلهم يعني: أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر(جمع تقديم) سنة، ويرى الأحناف أنه نسك من مناسك الحج [ وبين المغرب والعشاء بمزدلفة أيضاً.. ] جمع تأخير [ في وقت العشاء سنة أيضاً.

واختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين، فأجازه الجمهور.. ] وهم الأئمة الثلاثة ما عدا أبا حنيفة، [ على اختلاف بينهم في المواضع التي يجوز فيها من التي لا يجوز، ومنعه أبو حنيفة وأصحابه بإطلاق ] وقالوا: لا يجوز الجمع إلا في عرفة أو في مزدلفة.

سبب اختلافهم في جواز الجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم:

أولاً: اختلافهم في تأويل الآثار التي رويت في الجمع، والاستدلال منها على جواز الجمع; لأنها كلها أفعال وليست أقوالاً ] يعني: أنما ورد في الجمع عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي أفعال، وأما القصر فوردت أفعال وأقوال؛ فلهذا أول الحنفية هذه الأفعال بأنها إما جمع صوري أو نحو ذلك، وقالوا: إن الجمع لا يجوز [ والأفعال يتطرق إليها الاحتمال كثيراً أكثر من تطرقه إلى اللفظ.

وثانياً: اختلافهم أيضاً في تصحيح بعضها ] أي: بعض الأحاديث، فالحنفية قالوا: إنها ليست بصحيحة.

والاحتمال في الأفعال يعني: على أنها قد تكون جمع صوري، وليست جمعاً حقيقياً.

[ وثالثاً: اختلافهم في إجازة القياس في ذلك ] لأن الجمهور قالوا للحنفية: أنتم قلتم بجواز الجمع في عرفة ومزدلفة، فكذلك يجوز الجمع في السفر [ فهي ثلاثة أسباب كما ترى.

أما الآثار التي اختلفوا في تأويلها، فمنها حديث أنس الثابت باتفاق أخرجه البخاري و مسلم قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر.. ) ] يعني: جمع جمع تأخير [ ( ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب ). ] وهذا يدل على أن الظهر يجمع معه العصر.

[ ومنها حديث ابن عمر أخرجه الشيخان أيضاً، قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء ).

والحديث الثالث: حديث ابن عباس خرجه مالك و مسلم قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر ) ] وهذا الحديث متفق عليه، ويفيد ثلاثة أحكام: حكم بالمنطوق وحكمين بالمفهوم.

أما الحكم الذي بالمنطوق فهو أنه صلى من غير أن يكون هناك عذر، وهو عذر الخوف أو السفر الذي ورد في الآية: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101].

وهذا الحديث أيضاً يفيد حكماً آخر، وهو الجمع للحاجة أو الشغل، وهذا حكم بالمنطوق.

وأما الحكمان اللذان بالمفهوم فهما أنه يجوز الجمع للخوف والسفر، وسيأتي الكلام على الجمع لأجل المطر.

[ فذهب القائلون بجواز الجمع في تأويل هذه الأحاديث ] تأويلها يعني: بيان معناها [ إلى أنه أخر الظهر إلى وقت العصر المختص بها وجمع بينهما ] يعني: جمع تأخير.

[ وذهب الكوفيون إلى أنه إنما أوقع صلاة الظهر في آخر وقتها، وصلاة العصر في أول وقتها على ما جاء في حديث إمامة جبريل .. ] فإذا قلنا أنه لا يجوز تقديم الصلاة على وقتها، كما لا يجوز تأخيرها عن وقتها، وقلنا بجمع التأخير على أساس أنه لا يجوز أن تقدم الصلاة بتكبيرة الإحرام قبل الوقت، فلو سبقت تكبيرة الإحرام قبل العصر كانت الصلاة باطلة. وإذا قلنا أن جمع التقديم أو جمع التأخير كان جمعاً صورياً بحيث ينتهي من آخر الظهر في آخر الظهر، وتكبر تكبيرة الإحرام في أول العصر ولا تقدم تكبيرة الإحرام، فهل يستطيع أحد القيام بهذا الجمع الصوري؟!

فهذا الجمع الصوري لا يعقل؛ لأنه يتطلب معرفة جدول الأوقات، وأما جبريل فهو يعرف الأوقات.

لكن في هذه الأيام قد يعتمد على أذان المؤذنين، ويمكن من يريد الجمع الصوري أن ينتظر خمس دقائق قبل أن يؤذن العصر ثم يصلي الظهر، وعندما يؤذن للعصر يبدأ بصلاة العصر ويكون قد جمع بينهما جمع تأخير.

لكن إذا كان في سفر وهو يريد أن يجمع جمعاً صورياً، فمن أين له مؤذن؟!

فلا بد له من أن يأخذ جدول الأوقات، ولا بد له من أن يأخذ ساعة، ويعرف الوقت ويقدر صلاته بأنه ينتهي من الظهر في آخر الوقت، ويبدأ في العصر في أول الوقت، وهذا فيه مشقة كبيرة أكثر من الصلاة في أوقاتها، لاسيما والمسافر سينزل نزلة قليلة يصلي فيها ويمشي.

فهذا الجمع الصوري بعيد جداً، بعضهم يقول به ولكنه بعيد جداً.

[ قالوا: وعلى هذا يصح حمل حديث ابن عباس .. ] يعني: الأحناف قالوا: أنه كان جمعاً صورياً وسيأتي الآن بما استدل به الأحناف فقال: [ لأنه قد انعقد الإجماع أنه لا يجوز هذا في الحضر لغير عذر، أعني: أن تصلى الصلاتان معاً في وقت إحداهما ] يعني: أن الأحناف يقولون: أنه انعقد الإجماع أنه لا تصلى صلاتان معاً، فكل صلاة في وقتها [ واحتجوا لتأويلهم أيضاً بحديث ابن مسعود قال: ( والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا في وقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع ) ] فهذا والله أعلم نفي، ولكن لا يلزم من النفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى هذه الصلوات، فالمثبت مقدم على النافي.

[ قالوا: وأيضاً فهذه الآثار محتملة أن تكون على ما تأولناه نحن ] أي: قال الأحناف أن هذه الآثار محتملة أن تكون على ما تأولناه [ أو تأولتموه أنتم ] أي: الجمهور، فقد تكون من المجمل.

[ وقد صح توقيت الصلاة وتبيانها في الأوقات، فلا يجوز أن تنتقل عن أصل ثابت بأمر محتمل ] يقول: إن الأوقات شيء متفق عليه بين الجمهور والحنفية، والجمع شيء مختلف فيه بين الجمهور والحنفية، فالأولى للجمهور أن يوافقوا الحنفية؛ حتى لا يدخلوا في الأمر المختلف.

[ وأما الأثر الذي اختلفوا في تصحيحه.. ] ولكنه صحيح، وهو الذي يلزم الحنفية أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع، ولا يمكنهم تأويله، ولكن قد يؤولوه بأنه صوري.

وقالوا: إن الحديث ضعيف.

[ فما رواه مالك .. ] يعني: في الموطأ، وكذلك أخرجه مسلم وليس هناك حديث في مسلم تريد أن تطلبه إلا تجده في مظن ذلك الحديث، إلا هذا الحديث لم يأت به مسلم في مظنه، ما أتى به في باب الجمع، ولا في باب السفر، وإنما أتى به في المغازي..

[ من حديث معاذ بن جبل : ( أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج، فصلى الظهر والعصر جمعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً )، وهذا الحديث لو صح؛ لكان أظهر من تلك الأحاديث في إجازة الجمع; لأن ظاهره أنه قدم العشاء إلى وقت المغرب، وإن كان لهم أن يقولوا إنه أخر المغرب إلى آخر وقتها، وصلى العشاء في أول وقتها; لأنه ليس في الحديث أمر مقطوع به على ذلك، بل لفظ الراوي محتمل ].

هذا الحديث يفيد أحكام، منها أن فيه رد على من قال: إنه لا يجمع إلا إذا اشتد به السير وسيأتي عند مالك أنه لا يجمع إلا إذا اشتد به السير، أما إذا كان المسافر نازلاً في بلد فإنه لا يجمع.

وفيه كذلك أن المسافر يقصر الصلاة ما دام حكم السفر منطبق عليه.

[ وأما اختلافهم في إجازة القياس في ذلك ] يعني: أن الجمهور قاسوا جمع السفر على جمع مزدلفة وعرفة [ فهو أن يلحق سائر الصلوات في السفر بصلاة عرفة والمزدلفة، أعني: أن يجاز الجمع قياساً على تلك، فيقال مثلاً: صلاة وجبت في سفر، فجاز أن تجمع، أصله جمع الناس بعرفة والمزدلفة ] هذا القياس [ وهو مذهب سالم بن عبد الله ، أعني: جواز هذا القياس، لكن القياس في العبادات يضعف.

فهذه هي أسباب الخلاف الواقع في جواز الجمع ] يجوز الجمع لأسباب كثيرة مثل السفر والمرض والشغل.. وكذا.

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم:

أولاً: اختلافهم في تأويل الآثار التي رويت في الجمع، والاستدلال منها على جواز الجمع; لأنها كلها أفعال وليست أقوالاً ] يعني: أنما ورد في الجمع عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي أفعال، وأما القصر فوردت أفعال وأقوال؛ فلهذا أول الحنفية هذه الأفعال بأنها إما جمع صوري أو نحو ذلك، وقالوا: إن الجمع لا يجوز [ والأفعال يتطرق إليها الاحتمال كثيراً أكثر من تطرقه إلى اللفظ.

وثانياً: اختلافهم أيضاً في تصحيح بعضها ] أي: بعض الأحاديث، فالحنفية قالوا: إنها ليست بصحيحة.

والاحتمال في الأفعال يعني: على أنها قد تكون جمع صوري، وليست جمعاً حقيقياً.

[ وثالثاً: اختلافهم في إجازة القياس في ذلك ] لأن الجمهور قالوا للحنفية: أنتم قلتم بجواز الجمع في عرفة ومزدلفة، فكذلك يجوز الجمع في السفر [ فهي ثلاثة أسباب كما ترى.

أما الآثار التي اختلفوا في تأويلها، فمنها حديث أنس الثابت باتفاق أخرجه البخاري و مسلم قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر.. ) ] يعني: جمع جمع تأخير [ ( ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب ). ] وهذا يدل على أن الظهر يجمع معه العصر.

[ ومنها حديث ابن عمر أخرجه الشيخان أيضاً، قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء ).

والحديث الثالث: حديث ابن عباس خرجه مالك و مسلم قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر ) ] وهذا الحديث متفق عليه، ويفيد ثلاثة أحكام: حكم بالمنطوق وحكمين بالمفهوم.

أما الحكم الذي بالمنطوق فهو أنه صلى من غير أن يكون هناك عذر، وهو عذر الخوف أو السفر الذي ورد في الآية: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101].

وهذا الحديث أيضاً يفيد حكماً آخر، وهو الجمع للحاجة أو الشغل، وهذا حكم بالمنطوق.

وأما الحكمان اللذان بالمفهوم فهما أنه يجوز الجمع للخوف والسفر، وسيأتي الكلام على الجمع لأجل المطر.

[ فذهب القائلون بجواز الجمع في تأويل هذه الأحاديث ] تأويلها يعني: بيان معناها [ إلى أنه أخر الظهر إلى وقت العصر المختص بها وجمع بينهما ] يعني: جمع تأخير.

[ وذهب الكوفيون إلى أنه إنما أوقع صلاة الظهر في آخر وقتها، وصلاة العصر في أول وقتها على ما جاء في حديث إمامة جبريل .. ] فإذا قلنا أنه لا يجوز تقديم الصلاة على وقتها، كما لا يجوز تأخيرها عن وقتها، وقلنا بجمع التأخير على أساس أنه لا يجوز أن تقدم الصلاة بتكبيرة الإحرام قبل الوقت، فلو سبقت تكبيرة الإحرام قبل العصر كانت الصلاة باطلة. وإذا قلنا أن جمع التقديم أو جمع التأخير كان جمعاً صورياً بحيث ينتهي من آخر الظهر في آخر الظهر، وتكبر تكبيرة الإحرام في أول العصر ولا تقدم تكبيرة الإحرام، فهل يستطيع أحد القيام بهذا الجمع الصوري؟!

فهذا الجمع الصوري لا يعقل؛ لأنه يتطلب معرفة جدول الأوقات، وأما جبريل فهو يعرف الأوقات.

لكن في هذه الأيام قد يعتمد على أذان المؤذنين، ويمكن من يريد الجمع الصوري أن ينتظر خمس دقائق قبل أن يؤذن العصر ثم يصلي الظهر، وعندما يؤذن للعصر يبدأ بصلاة العصر ويكون قد جمع بينهما جمع تأخير.

لكن إذا كان في سفر وهو يريد أن يجمع جمعاً صورياً، فمن أين له مؤذن؟!

فلا بد له من أن يأخذ جدول الأوقات، ولا بد له من أن يأخذ ساعة، ويعرف الوقت ويقدر صلاته بأنه ينتهي من الظهر في آخر الوقت، ويبدأ في العصر في أول الوقت، وهذا فيه مشقة كبيرة أكثر من الصلاة في أوقاتها، لاسيما والمسافر سينزل نزلة قليلة يصلي فيها ويمشي.

فهذا الجمع الصوري بعيد جداً، بعضهم يقول به ولكنه بعيد جداً.

[ قالوا: وعلى هذا يصح حمل حديث ابن عباس .. ] يعني: الأحناف قالوا: أنه كان جمعاً صورياً وسيأتي الآن بما استدل به الأحناف فقال: [ لأنه قد انعقد الإجماع أنه لا يجوز هذا في الحضر لغير عذر، أعني: أن تصلى الصلاتان معاً في وقت إحداهما ] يعني: أن الأحناف يقولون: أنه انعقد الإجماع أنه لا تصلى صلاتان معاً، فكل صلاة في وقتها [ واحتجوا لتأويلهم أيضاً بحديث ابن مسعود قال: ( والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا في وقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع ) ] فهذا والله أعلم نفي، ولكن لا يلزم من النفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى هذه الصلوات، فالمثبت مقدم على النافي.

[ قالوا: وأيضاً فهذه الآثار محتملة أن تكون على ما تأولناه نحن ] أي: قال الأحناف أن هذه الآثار محتملة أن تكون على ما تأولناه [ أو تأولتموه أنتم ] أي: الجمهور، فقد تكون من المجمل.

[ وقد صح توقيت الصلاة وتبيانها في الأوقات، فلا يجوز أن تنتقل عن أصل ثابت بأمر محتمل ] يقول: إن الأوقات شيء متفق عليه بين الجمهور والحنفية، والجمع شيء مختلف فيه بين الجمهور والحنفية، فالأولى للجمهور أن يوافقوا الحنفية؛ حتى لا يدخلوا في الأمر المختلف.

[ وأما الأثر الذي اختلفوا في تصحيحه.. ] ولكنه صحيح، وهو الذي يلزم الحنفية أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع، ولا يمكنهم تأويله، ولكن قد يؤولوه بأنه صوري.

وقالوا: إن الحديث ضعيف.

[ فما رواه مالك .. ] يعني: في الموطأ، وكذلك أخرجه مسلم وليس هناك حديث في مسلم تريد أن تطلبه إلا تجده في مظن ذلك الحديث، إلا هذا الحديث لم يأت به مسلم في مظنه، ما أتى به في باب الجمع، ولا في باب السفر، وإنما أتى به في المغازي..

[ من حديث معاذ بن جبل : ( أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج، فصلى الظهر والعصر جمعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً )، وهذا الحديث لو صح؛ لكان أظهر من تلك الأحاديث في إجازة الجمع; لأن ظاهره أنه قدم العشاء إلى وقت المغرب، وإن كان لهم أن يقولوا إنه أخر المغرب إلى آخر وقتها، وصلى العشاء في أول وقتها; لأنه ليس في الحديث أمر مقطوع به على ذلك، بل لفظ الراوي محتمل ].

هذا الحديث يفيد أحكام، منها أن فيه رد على من قال: إنه لا يجمع إلا إذا اشتد به السير وسيأتي عند مالك أنه لا يجمع إلا إذا اشتد به السير، أما إذا كان المسافر نازلاً في بلد فإنه لا يجمع.

وفيه كذلك أن المسافر يقصر الصلاة ما دام حكم السفر منطبق عليه.

[ وأما اختلافهم في إجازة القياس في ذلك ] يعني: أن الجمهور قاسوا جمع السفر على جمع مزدلفة وعرفة [ فهو أن يلحق سائر الصلوات في السفر بصلاة عرفة والمزدلفة، أعني: أن يجاز الجمع قياساً على تلك، فيقال مثلاً: صلاة وجبت في سفر، فجاز أن تجمع، أصله جمع الناس بعرفة والمزدلفة ] هذا القياس [ وهو مذهب سالم بن عبد الله ، أعني: جواز هذا القياس، لكن القياس في العبادات يضعف.

فهذه هي أسباب الخلاف الواقع في جواز الجمع ] يجوز الجمع لأسباب كثيرة مثل السفر والمرض والشغل.. وكذا.

قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثانية: وهي صورة الجمع، فاختلف فيه أيضاً القائلون بالجمع أعني: في السفر.

فمنهم من رأى أن الاختيار أن تؤخر الصلاة الأولى وتصلى مع الثانية ] السنة أن تجمع جمع تأخير [ وإن جمعتا معاً في أول وقت الأولى جاز ] لكن الأولى أن تصلى جمع تأخير [ وهي إحدى الروايتين عن مالك ، ومنهم من سوى بين الأمرين، أعني: أن يقدم الآخرة إلى وقت الأولى أو يعكس الأمر، وهو مذهب الشافعي ] و أحمد ، ويدل عليه حديث معاذ وفيه أنه جمع جمع تقديم وجمع جمع تأخير [ وهي رواية أهل المدينة عن مالك ..

والأولى رواية ابن القاسم عنه، وإنما كان الاختيار عند مالك هذا النوع من الجمع; لأنه الثابت من حديث أنس ] وقد تقدم تخريجه في الفصل الثاني [ ومن سوى بينهما.. ] يعني: بين التقديم والتأخير [ فمصيراً إلى أنه لا يرجح بالعدالة، أعني: لا تفضل عدالة عدالة في وجوب العمل بها ] يعني هل يقدم على حديث معاذ الذي فيه جمع التقديم وجمع التأخير، حديث أنس الذي فيه جمع التقديم فقط، أو أن الحديثين كليهما صحيحان، فلا تقدم عدالة على عدالة.. والجواب لا تقدم عدالة على عدالة.

[ ومعنى هذا أنه إذا صح حديث معاذ وجب العمل به كما وجب بحديث أنس .. ] وحديث معاذ صحيح [ إذا كان رواة الحديثين عدول، وإن كان رواة أحد الحديثين أعدل ].

الراجح في صفة الجمع

والراجح القول بالتخيير في التقديم والتأخير لصحة الخبرين.

والراجح القول بالتخيير في التقديم والتأخير لصحة الخبرين.

سبق معنا أن السفر ينقسم إلى طاعة ومعصية ومباح، فسفر طاعة مثل: الحج، ومباح مثل: البيع والشراء، ومعصية كالذي يذهب من الحديدة إلى صنعاء ؛ لأنه أعلن أن هناك حفل راقصات سيقام في صنعاء، وتحضره الراقصة الفلانية، فهذا يسمى سفر معصية، وسبق معنا في باب الجمع أن الشافعية قالوا: لا يجوز له أن يقصر، ولكن نحن رجحنا القصر؛ لأنا رجحنا أن القصر عزيمة، فلما رجحنا أن القصر عزيمة، رجحنا أنه يقصر وإن كان مسافراً لمعصية.

وهنا سنرجح العكس، وهو أنه لا يجمع، بل يقصر ولا يجمع، لأن الجمع متفق عليه أنه رخصة وليس بعزيمة، والرخص لا تناط بالمعاصي.

قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثالثة: وهي الأسباب المبيحة للجمع.

فاتفق القائلون بجواز الجمع على أن السفر منها، واختلفوا في الجمع في الحضر ] يعني: اختلفوا في الجمع في الحضر، أي: هل يجوز الجمع في الحضر أو لا يجوز؟ [ وفي شروط السفر المبيح له ] أي: ما هو السفر المبيح للجمع؟ يعني: هل سفر الطاعة فقط؟ أو المباح؟ أو الطاعة والمباح؟ أو المعصية ..؟

[ وذلك أن السفر منهم من جعله سبباً مبيحاً للجمع، أي سفر كان وبأي صفة كان ] ولو كان معصية [ ومنهم من اشترط فيه ضرباً من السير، ونوعاً من أنواع السفر.. ] فقال بعضهم: لا يجوز الجمع إلا إذا اشتد السير، وقال بعضهم: أن يكون السفر مباحاً، وبعضهم قال: أن يكون طاعة، فهذه ثلاثة أقوال، وبعضهم أجازه مطلقاً، مباحاً، معصية، اشتد السير أو لم يشتد.. إلى آخره.

[ فأما الذي اشترط فيه ضرباً من السير فهو مالك في رواية ابن القاسم عنه، وذلك أنه قال: لا يجمع المسافر إلا أن يجد به السير، ومنهم من لم يشترط ذلك وهو الشافعي ] و أحمد [ وهي إحدى الروايتين عن مالك ] فقالوا: لا يشترط أن يجد به السير، قلنا: ويدل عليه حديث معاذ [ ومن ذهب هذا المذهب فإنما راعى قول ابن عمر : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير.. ) الحديث ] من رأى هذا القول، يعني: قول مالك الأول، فالضمير عائد إلى قول مالك الأول.

[ ومن لم يذهب هذا المذهب فإنما راعى ظاهر حديث أنس وغيره ] مثل حديث معاذ.

الراجح في مسألة الأسباب المبيحة للجمع

والراجح هو جواز الجمع وإن لم يجد به السير؛ لحديث معاذ عند مسلم في جمعه في غزوة تبوك.

قال ابن قدامة في المغني (2/202): (وفي هذا الحديث حديث معاذ أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الرد على من قال: لا يجمع بين صلاتين إلا إذا جد به السير؛ لأنه: كان صلى الله عليه وسلم يجمع وهو نازل غير سائر، ماكث في خبائه، يخرج فيصلي الصلاة جمعاً، ثم يرجع إلى خبائه، والأخذ بهذا الحديث متعين لثبوته، وكونه صريحاً في الحكم ولا معارض له؛ ولأن الجمع رخصة من رخص السفر، فلم يختص بحالة السير، كالقصر والمسح) يعني: المسح على الخفين، فلا يقال: لا تمسح إلا إذا كنت مسافراً؟ أو لا تقصر إلا إذا كنت سائراً؟

الاختلاف في نوع السفر الذي يجوز فيه الجمع

قال المصنف رحمه الله: [ وكذلك اختلفوا كما قلنا في نوع السفر الذي يجوز فيه الجمع.

فمنهم من قال: هو سفر القربة كالحج والغزو، وهو ظاهر رواية ابن القاسم .

ومنهم من قال: هو السفر المباح.. ] يعني: المباح والواجب [ دون سفر المعصية، وهو قول الشافعي ] و أحمد ، فقالوا: لأن الرخص لا تناط بالمعاصي.