كتاب الصلاة [23]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

أقوال العلماء في غسل الجمعة

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الأولى: اختلفوا في طهر الجمعة؛ فذهب الجمهور ]. منهم الأئمة الأربعة، [ إلى أنه سنة، وذهب أهل الظاهر إلى أنه فرض، ولا خلاف فيما أعلم أنه ليس شرطاً في صحة الصلاة ].

أي: الغسل ليس شرطاً في صحة صلاة الجمعة.

سبب اختلاف العلماء في حكم غسل الجمعة

[ والسبب في اختلافهم تعارض الآثار، وذلك أن في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (طهر يوم الجمعة واجب على كل محتلم كطهر الجنابة) ].

والحديث أخرجه البخاري و مسلم . وقد صرح فيه بالوجوب.

[ وفي حديث عائشة ] وهو كذلك عند البخاري و مسلم [ قالت: ( كان الناس عمّال أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل: لو اغتسلتم ) والأول صحيح باتفاق ]. يعني حديث أبي سعيد ، والثاني كذلك صحيح.

[ والثاني خرجه أبو داود و مسلم ، وظاهر حديث أبي سعيد يقتضي وجوب الغسل، وظاهر حديث عائشة أن ذلك كان لموضع النظافة ]. أي: أنه كان عندهم أوساخ، فقال: لو اغتسلتم.

[وأنه ليس عبادة]. يعني يظهر من حديث عائشة أنه ليس عبادة.

[ وقد روي: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، وهو نص في سقوط فرضيته إلا أنه حديث ضعيف ].

والراجح أنه حديث حسن.

التدرج في غسل الجمعة

الحاصل أن غسل الجمعة كأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم تدرج فيه، فقال أولاً: ( لو اغتسلتم لهذا اليوم)، فكان إرشاداً، ثم بعد ذلك بأنه أفضل، جاء فيه بالفضيلة: ( توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل )، ثم بعد ذلك جاءت الأحاديث على أنه واجب، فقال: ( طهر يوم الجمعة واجب على كل مسلم ) فليس هناك معارضة بين الأحاديث التي تدل على أن الغسل أفضل، والأحاديث التي تدل على أنه واجب؛ لأن تلك كانت في أول الإسلام، ثم جاء بعدها التصريح بالوجوب، ولهذا أقول: الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما، من طرق جماعة من الصحابة، قاضية بالوجوب، كحديث أبي سعيد المتفق عليه: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، وحديث ابن عمر عند الجماعة: ( إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل )، ذاك قال: واجب، وهذا قال: فليغتسل، فهذا يؤيده، وحديث أبي هريرة المتفق عليه: (حقٌ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام )، والواجب يثبت بأقل من هذا، يعني: قال: أولاً: أمر، ثم قال: واجب، ثم قال: حق، وكل هذا يثبت الوجوب.

ولا يوجد صارف يصرف الأحاديث الدالة على الوجوب إلى الندب أو الجواز. أما قوله صلى الله عليه وسلم: ( حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام )، لم يعين يوم الجمعة.

لكن المراد به يوم الجمعة فقوله صلى الله عليه وسلم: ( غسل في كل سبعة أيام ) مطلق وحديث: ( غسل الجمعة واجب ... ) مقيد، فيحمل المطلق على المقيد.

فإن قال قائل: هل هناك دليل على الترتيب أنه كان في ثلاث مراحل؟

فالجواب: يقول الشيخ ناصر الألباني : بتتبع الأحاديث يُرى أنه قال لهم أولاً: ( هلا اغتسلتم! )، وبعد ذلك أمرهم بالاغتسال.

إذاً الواجب يثبت بأقل من هذا، وإلى الوجوب مال الشوكاني ، وشيخنا ناصر الدين الألباني .

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الأولى: اختلفوا في طهر الجمعة؛ فذهب الجمهور ]. منهم الأئمة الأربعة، [ إلى أنه سنة، وذهب أهل الظاهر إلى أنه فرض، ولا خلاف فيما أعلم أنه ليس شرطاً في صحة الصلاة ].

أي: الغسل ليس شرطاً في صحة صلاة الجمعة.

[ والسبب في اختلافهم تعارض الآثار، وذلك أن في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (طهر يوم الجمعة واجب على كل محتلم كطهر الجنابة) ].

والحديث أخرجه البخاري و مسلم . وقد صرح فيه بالوجوب.

[ وفي حديث عائشة ] وهو كذلك عند البخاري و مسلم [ قالت: ( كان الناس عمّال أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل: لو اغتسلتم ) والأول صحيح باتفاق ]. يعني حديث أبي سعيد ، والثاني كذلك صحيح.

[ والثاني خرجه أبو داود و مسلم ، وظاهر حديث أبي سعيد يقتضي وجوب الغسل، وظاهر حديث عائشة أن ذلك كان لموضع النظافة ]. أي: أنه كان عندهم أوساخ، فقال: لو اغتسلتم.

[وأنه ليس عبادة]. يعني يظهر من حديث عائشة أنه ليس عبادة.

[ وقد روي: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، وهو نص في سقوط فرضيته إلا أنه حديث ضعيف ].

والراجح أنه حديث حسن.

الحاصل أن غسل الجمعة كأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم تدرج فيه، فقال أولاً: ( لو اغتسلتم لهذا اليوم)، فكان إرشاداً، ثم بعد ذلك بأنه أفضل، جاء فيه بالفضيلة: ( توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل )، ثم بعد ذلك جاءت الأحاديث على أنه واجب، فقال: ( طهر يوم الجمعة واجب على كل مسلم ) فليس هناك معارضة بين الأحاديث التي تدل على أن الغسل أفضل، والأحاديث التي تدل على أنه واجب؛ لأن تلك كانت في أول الإسلام، ثم جاء بعدها التصريح بالوجوب، ولهذا أقول: الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما، من طرق جماعة من الصحابة، قاضية بالوجوب، كحديث أبي سعيد المتفق عليه: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، وحديث ابن عمر عند الجماعة: ( إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل )، ذاك قال: واجب، وهذا قال: فليغتسل، فهذا يؤيده، وحديث أبي هريرة المتفق عليه: (حقٌ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام )، والواجب يثبت بأقل من هذا، يعني: قال: أولاً: أمر، ثم قال: واجب، ثم قال: حق، وكل هذا يثبت الوجوب.

ولا يوجد صارف يصرف الأحاديث الدالة على الوجوب إلى الندب أو الجواز. أما قوله صلى الله عليه وسلم: ( حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام )، لم يعين يوم الجمعة.

لكن المراد به يوم الجمعة فقوله صلى الله عليه وسلم: ( غسل في كل سبعة أيام ) مطلق وحديث: ( غسل الجمعة واجب ... ) مقيد، فيحمل المطلق على المقيد.

فإن قال قائل: هل هناك دليل على الترتيب أنه كان في ثلاث مراحل؟

فالجواب: يقول الشيخ ناصر الألباني : بتتبع الأحاديث يُرى أنه قال لهم أولاً: ( هلا اغتسلتم! )، وبعد ذلك أمرهم بالاغتسال.

إذاً الواجب يثبت بأقل من هذا، وإلى الوجوب مال الشوكاني ، وشيخنا ناصر الدين الألباني .

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: وأما وجوب الجمعة على من هو خارج المصر، فإن قوماً قالوا: لا تجب على من خارج المصر]. كإنسان ساكن خارج المدينة التي تقام فيها الجمعة فلا تجب عليه.

[ وقوم قالوا: بل تجب، وهؤلاء اختلفوا ]، الذين قالوا: تجب [ اختلافاً كثيراً، فمنهم من قال: من كان بينه وبين الجمعة مسيرة يوم ] وهذا بعيد [ وجب عليه الإتيان إليها، وهو شاذ. ومنهم من قال: يجب عليه الإتيان إليها على ثلاثة أميال. ومنهم من قال: يجب عليه الإتيان من حيث يسمع النداء في الأغلب وذلك من ثلاثة أميال من موضع النداء ]. هذا يكون أقرب الأقوال؛ لأننا نقيسها على الجماعة، وإن كان ورد في ذلك حديث، لكنه ضعيف، فالقياس على الجماعة أن من سمع النداء يجب عليه الإتيان، فهذا كذلك. [ وهذان القولان عن مالك ، وهذه المسألة ثبتت في شروط الوجوب]. يعني لا يجب عليه إلا بهذا الشرط.

سبب اختلاف العلماء في حكم الجمعة على المقيم خارج المصر

[ وسبب اختلافهم في هذا الباب اختلاف الآثار، وذلك أنه ورد أن الناس كانوا يأتون الجمعة من العوالي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك ثلاثة أميال من المدينة.

وروى أبو داود ] لكنه ضعيف [ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الجمعة على من سمع النداء)، وروي: ( الجمعة على من آواه الليل إلى أهله )، وهو أثر ضعيف ]. فأهل البلد الواحد يجب عليهم حضور الجمعة، فهي فرض عين عليهم.

[ وسبب اختلافهم في هذا الباب اختلاف الآثار، وذلك أنه ورد أن الناس كانوا يأتون الجمعة من العوالي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك ثلاثة أميال من المدينة.

وروى أبو داود ] لكنه ضعيف [ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الجمعة على من سمع النداء)، وروي: ( الجمعة على من آواه الليل إلى أهله )، وهو أثر ضعيف ]. فأهل البلد الواحد يجب عليهم حضور الجمعة، فهي فرض عين عليهم.

أما القرى المجاورة لبلد تقام فيه الجمعة، فإن كانت قريبة بحيث تنسب في العرف إلى البلد الذي تقام فيه الجمعة، كقباء والعوالي، والدور والبيوت التي كانت محيطة بالمدينة تعتبر كلها من المدينة. فقد كانت تقام فيها جماعات متعددة، ما عدا الجمعة، فتقام في مسجده صلى الله عليه وسلم.

فمثلاً كانت هناك دور كثيرة، دور بني فلان.. دور بني فلان.. كلها تنسب إلى المدينة، لكنها متباعدة، وكانت فيها مساجد، في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن كانوا يوم الجمعة كلهم يأتون إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً فالسنة الاجتماع يوم الجمعة- فهذه القرى يسن لها أن تجتمع يوم الجمعة في مسجد واحد، كما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، وزمن أصحابه من بعده .

فنحن الآن إذا وجدنا قرية كبيرة، ووجدنا بجانبها فللاً، هنا فِلة وهنا فِلة، ولكن بجوار الفلل قرية كبيرة فيها مسجد جامع، فما الأولى لهذه القرى الصغار؟

الأولى والأحسن لهم أن يجتمعوا في القرية الكبيرة، وتقام جمعة واحدة في القرية الكبيرة، وهذه هي السنة.

مداخلة: إذاً فإن لم يوجد مسجد يتسع لقرىً متقاربة فلا مانع من تعدد الجمع للمصلحة يعني: أن القرى الصغيرة المجاورة للقرية الكبيرة إذا رأوا أنهم، يقيمون في قراهم جمعاً متعددة فلا مانع؛ إذ تعدد الجمعة في البلد الواحد للحاجة جائز في الشرع- يعني إذا كان هناك بلد أو قرية أو مدينة وفيها مساجد متعددة، وهذه المساجد لا يوجد مسجد منها يتسع لكل الناس في القرية أو المدينة، فتتعدد الجمعة بحسب الحاجة، فإن لم تكن للقرى المجاورة جمعة، وهم يسمعون النداء من بلد الجمعة، فيجب عليهم الحضور، وذلك للحديث الصحيح في أمره صلى الله عليه وسلم بحضور الجماعة على من سمع النداء، فوجوب حضور الجمعة على من سمع النداء من باب القياس بالأولى، يعني: بفحوى الخطاب، إذا قلنا: بالأولى فمعناه بفحوى الخطاب، فالجمعة بالأولى، والقرى المجاورة إذا أقاموا لأنفسهم جمعاً فلا مانع، وإن لم يقيموا فلا بد أن يحضروا في المحل الذي أقيمت فيه الجمعة.

ضابط القرب والبعد من مسجد الجمعة

لكن إذا كان المسجد الذي تقام فيه الجمعة بعيداً مثلاً، ولكن نسمع بالميكرفون، بحيث أنه بغير الميكرفون لا يُسمع الأذان، فهل العمل بسماع الميكرفون أم العبرة بسماع صوت المؤذن بدون الميكرفون؟

نعم إذا سمعت النداء بالميكرفون في وقت لا تهدأ فيه الأصوات فيجب عليك الحضور؛ أما العبرة بالسماع فكما يقول الفقهاء: أن يقف رجل في آخر البلد في وقتٍ تهدأ فيه الأصوات فيسمع النداء، لا سيما صلاة الصبح، فهذا يُسمع على أكثر من ثلاثة أميال، فلو وقف إنسان في آخر القرية، على مرتفع وأذن، فإنه يُسمع صوته لأكثر من ثلاثة أميال. أما لو طبقنا هذه القواعد على الواقع في صنعاء مثلاً، ما يبلغ صوتك ولا مائة متر بسبب وجود المباني، فلو كانت صنعاء كلها مربوطة بأسلاك ومكبر ولا يوجد إلا مسجد واحد لو فرضنا ذلك فما الذي يجب على سكانها؟ يجب عليهم أن يبنوا عدة مساجد، وليس المسجد شرطاً لإقامة صلاة الجمعة، فلو كانت هناك مساحات أو ملعب كرة، وغيرها فتقام الجمعة فيها.

لكن إذا كان المسجد الذي تقام فيه الجمعة بعيداً مثلاً، ولكن نسمع بالميكرفون، بحيث أنه بغير الميكرفون لا يُسمع الأذان، فهل العمل بسماع الميكرفون أم العبرة بسماع صوت المؤذن بدون الميكرفون؟

نعم إذا سمعت النداء بالميكرفون في وقت لا تهدأ فيه الأصوات فيجب عليك الحضور؛ أما العبرة بالسماع فكما يقول الفقهاء: أن يقف رجل في آخر البلد في وقتٍ تهدأ فيه الأصوات فيسمع النداء، لا سيما صلاة الصبح، فهذا يُسمع على أكثر من ثلاثة أميال، فلو وقف إنسان في آخر القرية، على مرتفع وأذن، فإنه يُسمع صوته لأكثر من ثلاثة أميال. أما لو طبقنا هذه القواعد على الواقع في صنعاء مثلاً، ما يبلغ صوتك ولا مائة متر بسبب وجود المباني، فلو كانت صنعاء كلها مربوطة بأسلاك ومكبر ولا يوجد إلا مسجد واحد لو فرضنا ذلك فما الذي يجب على سكانها؟ يجب عليهم أن يبنوا عدة مساجد، وليس المسجد شرطاً لإقامة صلاة الجمعة، فلو كانت هناك مساحات أو ملعب كرة، وغيرها فتقام الجمعة فيها.

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: وأما اختلافهم في الساعات التي وردت في فضل الرواح، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) ].

أخرجه البخاري و مسلم ، [ فإن الشافعي وجماعة من العلماء ] منهم أبو حنيفة و أحمد . [اعتقدوا أن هذه الساعات هي ساعات النهار] يعني اثنتي عشرة ساعة [ فندبوا إلى الرواح من أول النهار ] أي: من بعد صلاة الصبح، وبعضهم قالوا: من شروق الشمس.

[ وذهب مالك إلى أنها أجزاء ساعة واحدة قبل الزوال وبعده ]. أي: لحظات قبل الزوال.

[ وقال قوم: هي أجزاء ساعة قبل الزوال، وهو الأظهر لوجوب السعي بعد الزوال إلا على مذهب من يرى أن الواجب يدخله الفضيلة ]. وهو كذلك فالواجب يدخله الفضيلة.

وقال الشوكاني في النيل (3/ 253-254) وما ذكرته المالكية أقرب إلى الصواب؛ لأن الساعة في لسان الشرع وأهل اللغة الجزء من أجزاء الزمان، كما في كتب اللغة، ويؤيد ذلك أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه ذهب إلى الجمعة قبل طلوع الشمس وهم سمعوا الحديث ولا عند انبساطها، ولو كانت الساعة الذي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي المعروفة عند أهل الفلك لما ترك الصحابة الذين هم خير القرون، وأسرع الناس إلى موجبات الأجور الذهاب إلى الجمعة في الساعة الأولى أول النهار، أو الثانية، أو الثالثة، فالواجب حمل كلام الشارع على لسان قومه.

فلو قال قائل: أنا أجيئك بعد ساعة، فالمقصود بعد زمن يسير، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم يقسمون الساعات الفلكية في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم تقسيمنا الحاضر.

إلا أن يثبت له للشرع اصطلاح يخالف المتعارف عليه من لسان العرب، فلا يجوز حمله على المتعارف عليه ولا على الحادث بعد عصره صلى الله عليه وسلم، وإنما يحمل اللفظ الشرعي على معهود الشارع واصطلاحه فقط.

قال المصنف رحمه الله: [ وأما اختلافهم في البيع والشراء وقت النداء؛ فإن قوماً قالوا: يفسخ البيع إذا وقع النداء، وقوماً قالوا: لا يفسخ.

وسبب اختلافهم هل النهي عن الشيء الذي أصله مباح إذا تقيد النهي بصفة يعود بفساد المنهي عنه أم لا؟].

الراجح في ذلك أن البيع حرام بعد النداء الذي بين يدي الإمام ولكنه لو وقع فهو صحيح؛ لأن النهي لأمر خارج عن شروط صحة البيع وعن ماهيته.

فالنهي لأمر خارج عن البيع وهو الاشتغال بالبيع عن الجمعة، أما النهي عن بيع مالم ير، أو بيع مالم يستطع تسليمه، أو النهي عن بيع حبل الحبلة، والنهي عن بيع طائر في الهواء، والنهي عن بيع المغصوب لمن لا يستطيع انتزاعه، فمنهي عنه لأمر في البيع فلو قال شخص: أبيع لك طيراً في الهواء، أو جرادة نافرة. فلا يصحُ هذا. وكذلك لا يصح بيع العبد الآبق لأنك لا تعرف مكانه ولا تستطيع إرجاعه، فهذه البيوع باطلة لخللٍ في أحد أركان البيع وهو السلعة وأما البيع وقت صلاة الجمعة فحرام؛ لأنه تشاغل عن وقت الصلاة، وهذا يدل على أن الشريعة الإسلامية سمحة؛ لأنها جاءت بإبعاد الأعسار عن المسلمين، فللناس أن يذهبوا ويعملوا، ويبتاعوا ويشتروا إلى أن يسمعوا النداء. أما اليهود فيحرم عليهم العمل يوم السبت ولا يوجد لهم أي عمل فيه، وأما نحن فنعمل يوم الجمعة حتى نسمع النداء ثم نذهب إلى صلاة الجمعة، فإذا قضينا صلاة الجمعة رجعنا إلى أعمالنا.




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2955 استماع
كتاب الزكاة [1] 2911 استماع
كتاب الطهارة [15] 2904 استماع
كتاب الطهارة [3] 2616 استماع
كتاب الصلاة [33] 2565 استماع
كتاب الصلاة [29] 2414 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2385 استماع
كتاب الطهارة [2] 2362 استماع
كتاب الصلاة [1] 2326 استماع