كتاب الصلاة [20]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: اختلف الصدر الأول في الرجل يريد الصلاة فيسمع الإقامة، هل يسرع المشي إلى المسجد أم لا مخافة أن يفوته جزء من الصلاة؟ فروي عن عمرو و ابن مسعود أنهم كانوا يسرعون المشي إذا سمعوا الإقامة، وروي عن زيد بن ثابت و أبي ذر وغيرهم من الصحابة أنهم كانوا لا يرون السعي، بل أن تؤتى الصلاة بوقار وسكينة.

وبهذا القول قال فقهاء الأمصار؛ لحديث أبي هريرة الثابت: ( إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة ) ]، والمراد بالتثويب في الحديث الإقامة، وهو يدل على أنه لا يسعون لها، وإنما يأتونها بالسكينة والوقار.

سبب الاختلاف في الإسراع إلى الصلاة عند سماع الإقامة

قال المصنف رحمه الله: [ ويشبه أن يكون سبب الخلاف في ذلك: أنه لم يبلغهم هذا الحديث ]، يعني: الذين قالوا: يشرع له السعي لم يبلغهم هذا الحديث، [ أو رأوا أن الكتاب يعارضه؛ لقوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ[البقرة:148]، وقوله: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11]، وقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ[آل عمران:133]. وبالجملة، فأصول الشرع تشهد بالمبادرة إلى الخير، لكن إذا صح الحديث وجب أن تستثنى الصلاة من بين سائر أعمال القرب ]، يعني: أن المسارعة إلى الخيرات أمر عام، والصلاة جاء فيها النص أنه يمشي بسكينة ووقار؛ وذلك لأن المشي نفسه إلى المسجد عبادة، لحديث: ( لا يضع رجله أو يرفعها إلا رفعت له درجة وحطت عنه خطيئة )، فالمشي في نفسه عبادة، ويكون من الوقت الذي يتطهر فيه ويذهب إلى المسجد، والعبادة يستلزم لها السكينة والوقار.

وقد قال ابن رشد : [ لكن إذا صح الحديث وجب أن تستثنى الصلاة من بيان سائر أعمال القرب ] وقد صح الحديث فتعين العمل به.

وينبغي التنبه إلى أن للمؤلف اصطلاحات خاصة به ومنها قوله: الثابت، فإنه يعني به: أن الحديث أخرجه البخاري و مسلم أو أخرجه أحدهما، وهو الحديث الثابت الصحيح.

قال المصنف رحمه الله: [ ويشبه أن يكون سبب الخلاف في ذلك: أنه لم يبلغهم هذا الحديث ]، يعني: الذين قالوا: يشرع له السعي لم يبلغهم هذا الحديث، [ أو رأوا أن الكتاب يعارضه؛ لقوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ[البقرة:148]، وقوله: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11]، وقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ[آل عمران:133]. وبالجملة، فأصول الشرع تشهد بالمبادرة إلى الخير، لكن إذا صح الحديث وجب أن تستثنى الصلاة من بين سائر أعمال القرب ]، يعني: أن المسارعة إلى الخيرات أمر عام، والصلاة جاء فيها النص أنه يمشي بسكينة ووقار؛ وذلك لأن المشي نفسه إلى المسجد عبادة، لحديث: ( لا يضع رجله أو يرفعها إلا رفعت له درجة وحطت عنه خطيئة )، فالمشي في نفسه عبادة، ويكون من الوقت الذي يتطهر فيه ويذهب إلى المسجد، والعبادة يستلزم لها السكينة والوقار.

وقد قال ابن رشد : [ لكن إذا صح الحديث وجب أن تستثنى الصلاة من بيان سائر أعمال القرب ] وقد صح الحديث فتعين العمل به.

وينبغي التنبه إلى أن للمؤلف اصطلاحات خاصة به ومنها قوله: الثابت، فإنه يعني به: أن الحديث أخرجه البخاري و مسلم أو أخرجه أحدهما، وهو الحديث الثابت الصحيح.

أقوال العلماء في وقت قيام المأموم للصلاة

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة: متى يستحب أن يقام إلى الصلاة فبعض استحسن البدء في أول الإقامة على الأصل في الترغيب في المسارعة ]، أي: أنه عند البدء بالإقامة يقوم إلى الصف ويسوي نفسه فيه.

[ وبعض عند قوله: قد قامت الصلاة ]، بعض من العلماء قال: إذا سمع قوله: قد قامت الصلاة؛ نهض إلى الصف وقام فيه.

[ وبعضهم عند: حي على الفلاح ]، أي: بعضهم قال: عند البدء بالإقامة، وبعضهم عند قوله: قد قامت الصلاة، وبعضهم عند قوله: حي على الفلاح، فهذه ثلاثة أقوال.

[ وبعضهم قال: حتى يروا الإمام ]، وهذا قول رابع.

[ وبعضهم لم يحد في ذلك حداً كـمالك رضي الله عنه ] يعني: على حسب سرعة الإنسان وخفته وثقله يقوم إلى الصلاة [ فإنه وكل ذلك إلى قدر طاقة الناس ] أي: ليس هناك تحديد لوقت القيام [ وليس في هذا شرع مسموع إلا حديث أبي قتادة ] الذي أخرجه البخاري و مسلم [ أنه قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ) ]، يعني: كانت الصلاة تقام والرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، وبيته قريب من المسجد، وله فتحة إلى المسجد من بيت عائشة ، فإذا أقيمت الصلاة خرج من بيته، فهو يقول لهم: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني )، يعني: حتى أخرج من بيتي، [ فإن صح هذا وجب العمل به ]، والحديث صحيح، كما ذكرنا.

[ وإلا فالمسألة باقية على أصلها المعفو عنه ]، يعني: قول مالك ، وهو أنه على قدر الطاقة، [أعني: أنه ليس فيها شرع، وأنه متى قام كل فحسن ].

الحاصل بما أن الحديث صحيح، فإنه إذا أقيمت الصلاة والإمام غير حاضر، فلا يقوموا حتى يروه، أما إذا كان حاضراً موجوداً في المسجد، فإنه موكول إلى قدر طاقة الناس، فالذي يقوم في أول الإقامة والذي في وسطها، والذي في آخرها كل على قدر طاقته.

والمقصود: أنهم لا يقومون حتى يروا الإمام إذا كان خارج المسجد، وهذا محمول على الإرشاد لا على الوجوب؛ لأنه من السنة أن لا يقوموا حتى يروا الإمام، فالمقيم يقيم وإذا رأوا الإمام دخل إلى المسجد قاموا واصطفوا.

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة: متى يستحب أن يقام إلى الصلاة فبعض استحسن البدء في أول الإقامة على الأصل في الترغيب في المسارعة ]، أي: أنه عند البدء بالإقامة يقوم إلى الصف ويسوي نفسه فيه.

[ وبعض عند قوله: قد قامت الصلاة ]، بعض من العلماء قال: إذا سمع قوله: قد قامت الصلاة؛ نهض إلى الصف وقام فيه.

[ وبعضهم عند: حي على الفلاح ]، أي: بعضهم قال: عند البدء بالإقامة، وبعضهم عند قوله: قد قامت الصلاة، وبعضهم عند قوله: حي على الفلاح، فهذه ثلاثة أقوال.

[ وبعضهم قال: حتى يروا الإمام ]، وهذا قول رابع.

[ وبعضهم لم يحد في ذلك حداً كـمالك رضي الله عنه ] يعني: على حسب سرعة الإنسان وخفته وثقله يقوم إلى الصلاة [ فإنه وكل ذلك إلى قدر طاقة الناس ] أي: ليس هناك تحديد لوقت القيام [ وليس في هذا شرع مسموع إلا حديث أبي قتادة ] الذي أخرجه البخاري و مسلم [ أنه قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ) ]، يعني: كانت الصلاة تقام والرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، وبيته قريب من المسجد، وله فتحة إلى المسجد من بيت عائشة ، فإذا أقيمت الصلاة خرج من بيته، فهو يقول لهم: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني )، يعني: حتى أخرج من بيتي، [ فإن صح هذا وجب العمل به ]، والحديث صحيح، كما ذكرنا.

[ وإلا فالمسألة باقية على أصلها المعفو عنه ]، يعني: قول مالك ، وهو أنه على قدر الطاقة، [أعني: أنه ليس فيها شرع، وأنه متى قام كل فحسن ].

الحاصل بما أن الحديث صحيح، فإنه إذا أقيمت الصلاة والإمام غير حاضر، فلا يقوموا حتى يروه، أما إذا كان حاضراً موجوداً في المسجد، فإنه موكول إلى قدر طاقة الناس، فالذي يقوم في أول الإقامة والذي في وسطها، والذي في آخرها كل على قدر طاقته.

والمقصود: أنهم لا يقومون حتى يروا الإمام إذا كان خارج المسجد، وهذا محمول على الإرشاد لا على الوجوب؛ لأنه من السنة أن لا يقوموا حتى يروا الإمام، فالمقيم يقيم وإذا رأوا الإمام دخل إلى المسجد قاموا واصطفوا.

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الخامسة ]: وهي للداخل ورواء الإمام فيركع دون الصف، ثم يدب راكعاً حتى يصل إلى الصف؛ فمثلاً إذا كان قريباً من الصف والإمام راكع، وهو يريد أن يلحق الركعة، فله أن يركع دون الصف، ويمشي وهو راكع حتى يدخل في الصف، ولا يسمى أنه صلى خلف الصف، ولا يضره المشي القليل حتى يدخل في الصف.

أقوال العلماء في ركوع المأموم دون الصف

قال المصنف رحمه الله: [ ذهب مالك وكثير من العلماء إلى أن الداخل وراء الإمام إذا خاف فوات الركعة: بأن يرفع الإمام رأسه منها إن تمادى حتى يصل إلى الصف الأول أن له أن يركع دون الصف الأول، ثم يدب راكعاً، ] -يعني: الصف الأول أو القريب منه- [ وكره ذلك الشافعي ، وفرق أبو حنيفة بين الجماعة، والواحد، فكرهه للواحد، وأجازه للجماعة ]، كرهه للواحد؛ لأنه سيكون صلى جزءاً من الصلاة خلف الصف، ولم يكرهه للجماعة؛ لأنه لا ينطبق عليهم مسألة صلاة المنفرد خلف الصف.

إذاً فالمسألة فيها ثلاثة أقوال: الأول: أجازه مالك واستحبه، الثاني: كرهه الشافعي الثالث: فرق أبو حنيفة بين الواحد والجماعة.

فلو دخل ثلاثة أو أربعة والإمام راكع، فإنهم يركعون سواء ويدبون سواء، حتى يصلوا إلى الصف، وهذا كله مبني على الخلاف في جواز الصلاة خلف الصف.

فـالشافعي و مالك يقولان: بأن الصلاة خلف الصف جائزة، لحديث أبي بكرة ، [ وما ذهب إليه مالك مروي عن زيد بن ثابت و ابن مسعود ].

سبب الاختلاف في ركوع المأموم قبل الصف

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في تصحيح حديث أبي بكرة ]، والحديث أخرجه البخاري و مسلم .

[ وهو ( أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وهم ركوع، فركع ثم سعى إلى الصف، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الساعي؟ ) ] يعني: من الذي كان يسعى بشدة؟ وجاء في رواية: ( وهو يحفزه النفس )، يعني: بسبب الجري [ ( قال أبو بكرة : أنا، قال: زادك الله حرصاً ) ] أي: أن هذا من الخير [ ( ولا تعد ) ]، لمثل هذا.

وأما قوله: (لا تعد) فإن النهي فيه يحتمل واحداً من ثلاثة أشياء وهي: النهي عن السعي، أو الاعتداد بالركعة، أو عن الركوع خلف الصف، ولكنه ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم إقراره بالركوع خلف الصف، وقال ابن الزبير : ( أنه من السنة )، وورد الاعتداد بالركعة في قوله: ( من أدرك الإمام راكعاً، فقد أدرك الركعة )، وقد ورد النهي عن السعي دون الآخرين، فتعين أن يكون النهي عن السعي.

والدليل على الاعتداد بالركعة، أنه قد جاء في حديث أبي بكرة الذي فيه: ( من هذا الذي يحفزه النفس؟ قال: أنا يا رسول الله! خشيت أن تفوتني الركعة فركعت خلف الصف )، فقوله: (خشيت أن تفوتني الركعة فركعت قبل الصف)؛ فهذا يدل على أنه اعتد بالركوع عن الركعة كاملة، وكذلك ما ورد في صحيح ابن خزيمة : ( من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة )، وفي رواية: ( من أدرك ركعة فقد أدرك )، فهذا يدل على الاعتداد بالركعة وأنه ليس منهي عنه.

إذاً فتعين أن المنهي عنه هو السعي.

وقد ضبطت: ( لا تعد )، بكسر العين وضم التاء: أي لا تعد الركعة، ولكن الراجح أنها لا تعد بضم العين وفتح التاء.

قال المصنف رحمه الله: [ ذهب مالك وكثير من العلماء إلى أن الداخل وراء الإمام إذا خاف فوات الركعة: بأن يرفع الإمام رأسه منها إن تمادى حتى يصل إلى الصف الأول أن له أن يركع دون الصف الأول، ثم يدب راكعاً، ] -يعني: الصف الأول أو القريب منه- [ وكره ذلك الشافعي ، وفرق أبو حنيفة بين الجماعة، والواحد، فكرهه للواحد، وأجازه للجماعة ]، كرهه للواحد؛ لأنه سيكون صلى جزءاً من الصلاة خلف الصف، ولم يكرهه للجماعة؛ لأنه لا ينطبق عليهم مسألة صلاة المنفرد خلف الصف.

إذاً فالمسألة فيها ثلاثة أقوال: الأول: أجازه مالك واستحبه، الثاني: كرهه الشافعي الثالث: فرق أبو حنيفة بين الواحد والجماعة.

فلو دخل ثلاثة أو أربعة والإمام راكع، فإنهم يركعون سواء ويدبون سواء، حتى يصلوا إلى الصف، وهذا كله مبني على الخلاف في جواز الصلاة خلف الصف.

فـالشافعي و مالك يقولان: بأن الصلاة خلف الصف جائزة، لحديث أبي بكرة ، [ وما ذهب إليه مالك مروي عن زيد بن ثابت و ابن مسعود ].

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في تصحيح حديث أبي بكرة ]، والحديث أخرجه البخاري و مسلم .

[ وهو ( أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وهم ركوع، فركع ثم سعى إلى الصف، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الساعي؟ ) ] يعني: من الذي كان يسعى بشدة؟ وجاء في رواية: ( وهو يحفزه النفس )، يعني: بسبب الجري [ ( قال أبو بكرة : أنا، قال: زادك الله حرصاً ) ] أي: أن هذا من الخير [ ( ولا تعد ) ]، لمثل هذا.

وأما قوله: (لا تعد) فإن النهي فيه يحتمل واحداً من ثلاثة أشياء وهي: النهي عن السعي، أو الاعتداد بالركعة، أو عن الركوع خلف الصف، ولكنه ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم إقراره بالركوع خلف الصف، وقال ابن الزبير : ( أنه من السنة )، وورد الاعتداد بالركعة في قوله: ( من أدرك الإمام راكعاً، فقد أدرك الركعة )، وقد ورد النهي عن السعي دون الآخرين، فتعين أن يكون النهي عن السعي.

والدليل على الاعتداد بالركعة، أنه قد جاء في حديث أبي بكرة الذي فيه: ( من هذا الذي يحفزه النفس؟ قال: أنا يا رسول الله! خشيت أن تفوتني الركعة فركعت خلف الصف )، فقوله: (خشيت أن تفوتني الركعة فركعت قبل الصف)؛ فهذا يدل على أنه اعتد بالركوع عن الركعة كاملة، وكذلك ما ورد في صحيح ابن خزيمة : ( من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة )، وفي رواية: ( من أدرك ركعة فقد أدرك )، فهذا يدل على الاعتداد بالركعة وأنه ليس منهي عنه.

إذاً فتعين أن المنهي عنه هو السعي.

وقد ضبطت: ( لا تعد )، بكسر العين وضم التاء: أي لا تعد الركعة، ولكن الراجح أنها لا تعد بضم العين وفتح التاء.

قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الرابع: في معرفة ما يجب على المأموم أن يتبع فيه الإمام.

وأجمع العلماء على أنه يجب على المأموم أن يتبع الإمام في جميع أقواله وأفعاله ]، أي: في كل موضع؛ لحديث: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، [ إلا في قوله: سمع الله لمن حمده، وفي جلوسه إذا صلى جالساً؛ لمرض عند من أجاز إمامة الجالس ]، يعني: هل يجلس معه أم لا؟

أقوال العلماء في متابعة المأموم للإمام في ذكر الرفع من الركوع

قال المصنف رحمه الله: [ وأما اختلافهم في قوله: سمع الله لمن حمده، فإن طائفة ذهبت إلى أن الإمام يقول إذا رفع رأسه من الركوع: سمع الله لمن حمده. فقط ] يعني ولا يقول: ربنا ولك الحمد [ ويقول المأموم: ربنا ولك الحمد. فقط ] ولا يقول: سمع الله لمن حمده. يعني: مقسمة، قسم للإمام وقسم للمأموم [ وممن قال بهذا القول مالك و أبو حنيفة وغيرهما ]، أي: والإمام أحمد .

[ وذهبت طائفة أخرى ] ومنهم الشافعي [ إلى أن الإمام والمأموم يقولان جميعاً: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ] كلاهما يقولان هذا الذكر، وهذا مذهب الإمام الشافعي [ وإن المأموم يتبع فيهما معاً الإمام ] يعني: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، قال المأموم: سمع الله لمن حمده، فإذا قال الإمام: ربنا ولك الحمد، قال هو: ربنا ولك الحمد، بعده [ كسائر التكبير سواء ]، أي: كما يتابعه في التكبير والتسبيح فكذلك يتبعه في التسميع. والصلاة ليس فيها سكوت، وإنما هي أذكار وأدعية وقراءة للقرآن.

[ وقد روي عن أبي حنيفة أن المنفرد والإمام يقولانهما جميعاً ] - أي: أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده.. ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول فقط: ربنا ولك الحمد [ ولا خلاف في المنفرد ] أعني: أنه يقولهما جميعاً، أي يقول المنفرد: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.

سبب الاختلاف في متابعة المأموم للإمام في التسميع

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب الاختلاف في ذلك حديثان متعارضان ] يعني: قد يفهم منهما التعارض [ أحدهما: حديث أنس ] الذي أخرجه البخاري و مسلم [ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) ] أي: ليقتدى به في كل أقواله وأفعاله، فهذا الصدر من الحديث عام أي: في قوله: سمع الله لمن حمده [ ( فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد ) ]، قوله: ( وإذا قال: سمع الله لمن حمده )، منطوقه: أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ومفهومه أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، هذا مفهوم المخالفة منه، وقوله: ( ربنا ولك الحمد )، منطوقه: أن المأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ومفهوم المخالفة: أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد.

إذاً آخر الحديث له منطوق ومفهوم في الإمام وفي المأموم، ولكن أول الحديث فيه عموم وهو أن المأموم يقول ما يقوله الإمام؛ ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ).

[ والحديث الثاني: حديث ابن عمر: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) ]، والحديث أخرجه البخاري و مسلم ، وهو نص صريح في أن الإمام يجمع بينهما.

فكون الإمام يجمع بينهما مأخوذ من النص الصريح، وكون المأموم يجمع بينهما مأخوذ من العموم، وهو قوله: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، وقوله: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، أما جمع الإمام بينهما فهو منطوق صريح، ونص لا يحتمل التأويل لقوله: ( وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ).

ومنهم من حمل حديث ابن عمر : (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)، حمله على المنفرد ولكنه حمله بعيد؛ لأنهم يحكون صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بهم.

[ فمن رجح مفهوم حديث أنس ] مفهوم المخالفة في الجهتين [ قال: لا يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، ولا الإمام: ربنا ولك الحمد، وهو من باب دليل الخطاب؛ لأنه جعل حكم المسكوت عنه بخلاف حكم المنطوق به ]، وهذا مذهب مالك و أحمد و أبي حنيفة إلا أن مالك و أحمد ...

... أبا حنيفة قد خالف أصوله في عدم العمل بمفهوم المخالفة؛ لأنه لا يقول بمفهوم المخالفة، وهو هنا عمل به، وأما مالك و أحمد فلم يخالفوا أصولهم في هذا.

[ ومن رجح حديث ابن عمر ] وهو أن الإمام يقولهما [ قال: يقول الإمام: ربنا ولك الحمد ] أي: كما أنه يقول: سمع الله لمن حمده، يقول: ربنا ولك الحمد [ ويجب على المأموم أن يتبع الإمام في قوله: سمع الله لمن حمده ]، أي: أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد؛ لحديث ابن عمر ، ويجب على المأموم أن يتبع الإمام؛ لقوله: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ( وإنما جعل الإمام ليؤتم به ).

[ لعموم قوله: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) ]، إذاً فهو عمل بالصدر الأول من الحديث وألغى مفهوم المخالفة من الجزأين الأخيرين منه.

[ ومن جمع بين الحديثين فرق في ذلك بين الإمام والمأموم ]، فقال: إن الإمام يعمل بحديث عبد الله بن عمر فيقول الذكرين، والمأموم يعمل بمفهوم حديث أنس ، فلا يجمع بين الذكرين.

[ والحق في ذلك أن حديث أنس يقتضي بدليل الخطاب أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد، وأن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده.

وحديث ابن عمر يقتضي نصاً أن الإمام يقول: ربنا ولك الحمد، فلا يجب أن يترك النص بدليل الخطاب، فإن النص أقوى من دليل الخطاب ]، وهنا تعارض للنص ودليل خطاب في حق الإمام، فيعمل بالنص لقوته.

[ وحديث أنس يقتضي بعمومه ] أي: الصدر الأول منه [ أن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده؛ بعموم قوله:( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) ]، فالعموم هنا يقتضي أن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد [ وبدليل خطابه ألا يقولها ] إذاً فتعارض عموم مع دليل الخطاب.

وقد مر معنا أنه إذا تعارض عموم أي: منطوق عام ومفهوم مخالفة، فإن علماء الأصول يقدمون العمل بالعموم؛ لاتفاق العلماء على العمل به، ولا يقدمون مفهوم المخالفة؛ لاختلاف العلماء في وجوب العمل به.

فهنا: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، اتفق العلماء على العمل بالعموم، وقوله: ( إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد )، اختلف العلماء في العمل بمفهوم المخالفة، فيقدم العمل بالعموم.

[ ولا خلاف أن العموم أقوى من دليل الخطاب ]، ثم استثنى فقال: [ لكن العموم يختلف أيضاً في القوة والضعف ] يعني: في بعض المواضع [ ولذلك ليس يبعد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوى من بعض أدلة العموم فالمسألة لعمري اجتهادية أعني: في المأموم ]، وهذا استثناء منه، كقولك: الرجل أحسن من المرأة، ولكن ليس كل رجل أحسن من كل امرأة، فقد يكون هناك بعض النساء أحسن من بعض الرجال، وليس من كل الرجال.

فالحاصل: أنه قد يكون هناك عموم ضعيف ويقابله مفهوم مخالفة قوي.

وما قاله المؤلف هنا من تقديم العموم على مفهوم المخالفة عند التعارض هو الراجح المعمول به عند علماء الأصول؛ ولذا قال شيخنا في صفة الصلاة، (140): وهذا الحديث يعني حديث أنس لا يدل على أن المؤتم لا يشارك الإمام في قوله: سمع الله لمن حمده، كما لا يدل على أن الإمام لا يشارك المؤتم في قوله: ربنا ولك الحمد، إذ أن الحديث لم يسق لبيان يقوله الإمام والمؤتم، والرسول صلى الله عليه وسلم ما أتى به ليبين ما يقوله الإمام والمؤتم في هذا الركن، بل أتى به لبيان أن تحميد المؤتم إنما يكون بعد تسميع الإمام، ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول التحميد، وهو إمام، وكذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، يقتضي أن يقول المؤتم ما يقول الإمام، كالتسميع وغيره، ومن شاء الزيادة فليراجع رسالة لـلسيوطي في كتابه الحاوي، (1/529) انتهى.


استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2957 استماع
كتاب الزكاة [1] 2913 استماع
كتاب الطهارة [15] 2906 استماع
كتاب الطهارة [3] 2619 استماع
كتاب الصلاة [33] 2567 استماع
كتاب الصلاة [29] 2416 استماع
كتاب الطهارة [6] 2397 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2389 استماع
كتاب الطهارة [2] 2365 استماع
كتاب الصلاة [1] 2328 استماع