ديوان الإفتاء [748]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, حياكم الله في اليوم العشرين من رمضان, أسأل الله أن يتقبل منا ما مضى, وأن يبارك لنا فيما بقي.

وقت دخول المعتكف

وهاهنا كلمات في أحكام الاعتكاف.

أقول: بأن من نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فليدخل معتكفه قبل غروب شمس هذا اليوم, من أجل أن يدرك ليلة الحادي والعشرين من أولها, كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تعريف الاعتكاف ومشروعيته

والاعتكاف كما قال علماؤنا: أن يلزم المكلف مكانًا مخصوصاً دون سواه، على عمل مخصوص لا يتعداه، على شرائط أحكمتها السنة.

والأصل في الاعتكاف: أنه سنة لقول أمنا عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان, واعتكف أزواجه من بعده ).

ولا يكون واجباً إلا بالنذر, فلو أن إنساناً نذر وقال: لله عليّ أن أعتكف في وقت كذا أو لمدة كذا, فهذا يلزمه؛ لقول ربنا جل جلاله: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج:29], ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه, ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ).

نذر الاعتكاف في المسجد الفاضل

من نذر اعتكافاً في مسجد فاضل، فلا يجزئه فيما دونه, فمن نذر الاعتكاف في بيت المقدس مثلاً لا يجزئه أن يعتكف في أي مسجد من المساجد الأخرى, ومن نذر أن يعتكف في المسجد النبوي فلا يجزئه أن يعتكف في المسجد الأقصى, ومن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لا يجزئه أن يعتكف في المسجد النبوي وعكسه بعكسه, ويدل على ذلك: ( أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم غداة الفتح: يا رسول الله! إني نذرت أن أصلي في بيت المقدس, فقال له صلى الله عليه وسلم: صل هاهنا -يعني: في المسجد الحرام- فأعاد الرجل فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كانت الثالثة قال له: فشأنك إذاً ).

شرط المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف

الاعتكاف للرجل لا يصح إلا أن يعتكف في مسجد تقام فيه الجمعة, أما المرأة فيصح لها أن تعتكف في المسجد غير الجامع وما يسميه الناس الآن بالزاوية, وبعض الناس يقولون بأن الاعتكاف لا يصح إلا في أحد المساجد الثلاثة: إما المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى, وهم في ذلك مقلدون للشيخ: محمد ناصر الدين الألباني عليه رحمة الله, وقد استدل بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما, الذي رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: ( بأنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ).

وهذا الحديث أولاً: يعارضه العموم, في قول ربنا جلاله: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ [البقرة:187].

ثانياً: قول أمنا عائشة رضي الله عنها: لا اعتكاف إلا بصيام, ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة.

ثالثاً: أن الصحابة رضوان الله عليهم قد ردوا هذه الرواية من حذيفة رضي الله عنه, كما قال له ابن مسعود : هم حفظوا ونسيت, ويدل على أن حذيفة رضي الله عنه قد خالطه شيء من نسيان, أنه كان يقول: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ), أو قال: ( لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ), والشك يقيناً كما قال الشوكاني رحمه الله ليس من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من حذيفة رضي الله عنه.

مفسدات الاعتكاف

بعد ذلك يلزم أن نقول: بأن الاعتكاف يفسد بالمباشرة والجماع؛ لقول الله عز وجل: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ [البقرة:187].

ويفسد كذلك: بالخروج من المسجد, اللهم إلا إذا كان الخروج لما لا بد منه حساً أو شرعاً.

ما لا بد منه شرعاً: كالاغتسال لو فرض بأن المسجد ليس فيه حمامات. أو ليس فيه ماء والإنسان أصابته جنابة, فلا بد أن يخرج من أجل أن يغتسل.

وحساً: كما لو احتاج إلى طعام أو ثياب لشدة برد مثلاً، وليس في المسجد ما يقوم بهذا الأمر, فإنه يخرج فيأتي به.

تحديد وقت أقل الاعتكاف

أيضاً مما يلزم التنبيه عليه: بأن أقل الاعتكاف يوم وليلة عند أبي حنيفة و مالك رحمه الله عليهما؛ ولأن هذا أقل ما يقع عليه اسم الاعتكاف عندهما, أما الشافعي و أحمد فيقولون: يصح الاعتكاف ولو ساعةً من ليل أو نهار, ولعل هذا هو الأقرب والله تعالى أعلم؛ لأنه لم يرد في الشرع تحديد للاعتكاف بأن أقله كذا.

اشتراط الصيام في الاعتكاف

والاعتكاف لا يشترط فيه الصيام, يعني: الآن بعض الناس ممن فاتهم الصيام لمرض أو كبر ونحو ذلك, يصح لهم أن يعتكفوا, ويدل على أن الصيام ليس شرطاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فاته الاعتكاف في رمضان اعتكف العشر الأول من شوال, ومعلوم أن اليوم الأول من شوال لا صيام فيه، بل الصيام فيه محرم, فدل ذلك على أن الصيام ليس شرطاً, وأيضاً لما قال له عمر بن الخطاب : ( يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام, فقال له عليه الصلاة والسلام: أوف بنذرك ), واعتكاف الليلة يقيناً ليس فيه صيام, وإنما الصيام يكون بالنهار.

ما ينبغي للمعتكف فعله وتركه

وأقول: بأن المعتكف لا بأس بأن يغتسل، وأن يغير ثيابه وأن يرجل شعره، وأن يتطيب، ولا بأس للمعتكف أن يزار فتأتي زوجه تزوره، كما فعلت صفية بنت حيي رضي الله عنها, فإنها جاءت فجلست عند النبي صلى الله عليه وسلم ساعة.

والمعتكف يشغل أوقاته بطاعة الله، ويقبل بكليته على الله ذكراً وقرآناً، وصلاة ودعاءً، واستغفاراً وتضرعاً، وتدبراً لآيات القرآن, هذا الذي ينبغي أن يكون, فلا ينبغي للمعتكف أن يحول المعتكف إلى متجر، أو يحول المعتكف إلى كلام مسرح، وإلى فكاهة وهزل، وكلام فيما لا ينفع ولا يفيد، بل يقبل على الله عز وجل يدعوه ويرجوه، ويتملقه سبحانه وتعالى, لعل الله يجعل من معتكفه افتتاحاً لحياة جديدة، وتوبة نصوح واستغفار وإنابة.

إخوتي وأخواتي! عماد الأمر الإخلاص، أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3], قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ [الزمر:11-15], فالإنسان يخلص ويجدد النية في أنه يريد بعمله هذا وجه الله عز وجل.

أسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.

وبعد هذه المقدمة أريد أن أجيب عن بعض الأسئلة التي وردت كتابةً قبل أن يفتح الباب للاتصالات.

وهاهنا كلمات في أحكام الاعتكاف.

أقول: بأن من نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فليدخل معتكفه قبل غروب شمس هذا اليوم, من أجل أن يدرك ليلة الحادي والعشرين من أولها, كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والاعتكاف كما قال علماؤنا: أن يلزم المكلف مكانًا مخصوصاً دون سواه، على عمل مخصوص لا يتعداه، على شرائط أحكمتها السنة.

والأصل في الاعتكاف: أنه سنة لقول أمنا عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان, واعتكف أزواجه من بعده ).

ولا يكون واجباً إلا بالنذر, فلو أن إنساناً نذر وقال: لله عليّ أن أعتكف في وقت كذا أو لمدة كذا, فهذا يلزمه؛ لقول ربنا جل جلاله: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج:29], ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه, ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ).




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2820 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2648 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2530 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2530 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2503 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2474 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2461 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2442 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2403 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2402 استماع