ديوان الإفتاء [484]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! ما زلت أوصيكم ونفسي بأن نكثر من الدعاء لإخواننا المسلمين في ليبيا بأن يعجل الله فرجهم، وأن يحسن خلاصهم، وأن يفك أسرهم ويجبر كسرهم، وأن يخلصهم من ذلك الطاغية الذي كتم أنفاسهم، وجثم على صدورهم وبدل دينهم، وأظهر في الأرض الفساد.

الثقة التامة بأن الله عز وجل لا يخلف وعده بنصر أوليائه

وهاهنا كلمة لا بد من التذكير بها، فإن بعض الناس يضيق صدره ويتكدر خاطره بما يرى من سفك للدماء، وكثرة للضحايا، وتأخر لنصر الله عز وجل وبقاء هذا الطاغوت ردحاً من الزمان، دون أن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، هاهنا لا بد من أن نذكر بأن الله عز وجل لا يخلف الميعاد، هذه كلمة أولى.

وهو سبحانه وتعالى قد وعد فقال: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21]، وقال: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52]، وقال: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، وقال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40-41]، هذه واحدة.

تفاؤل المسلم عند عظم الخطب واشتداد الكرب

ثانياً: إخوتي وأخواتي! لا بد للمسلم أن يكون دائماً متفائلاً، مهما عظم الخطب، مهما اشتد الكرب، مهما ادلهم الظلام فالمسلم لا يعرف التشاؤم أبداً.

وأَضرب لكم مثلاً أو مثلين من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المثال الأول: النبي عليه الصلاة والسلام تآمر عليه أهل مكة ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، وأحاطوا بداره صلوات ربي وسلامه عليه، فأخرجه الله عز وجل من بين هؤلاء العتاة المجرمين، وجعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً، وأغشى أبصارهم، فلم يروا النبي عليه الصلاة والسلام خارجاً من بينهم، ثم بعد ذلك دخل عليه الصلاة والسلام في الغار، وقد أحاط المشركون به، والله عز وجل قال: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

المثال الثاني: في يوم الأحزاب تحالف المشركون مع اليهود ومع المنافقين، وجاءت قريش والأحابيش وتميم وغطفان، ونقض يهود بني قريظة العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما جاء السعدان بذلك الخبر الذي يفتت الأكباد، ويجعل القلوب واجفة خائفة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين )، سبحان الله! السعدان يخبرانه بنقض قريظة للعهد، وأنهم صاروا يداً واحدة مع المشركين، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يكبر ويبشر المؤمنين؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يعلم من سنة الله عز وجل أن مع العسر يسراً، ( وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب ) وأن الله عز وجل يجعل لعبده المؤمن من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.

العلم الجازم بأن لله حكمة في تأخير النصر وأنه لا يعجل لعجلة أحد

ثالثاً: إخوتي وأخواتي! الله جل جلاله لا يعجل لعجلة أحدنا، هو سبحانه وتعالى عليم حكيم عظيم، يعلم ما كان وما يكون، وهو الذي قال: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]، وقد قال سبحانه: وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد:5-6]، صحيح والله، تألم قلوبنا لما يصيب إخواننا، ونتألم حين ينزف دم امرئ مسلم واحد؛ لكننا مع ذلك نقول: بأن النصر قد يبطئ؛ لأن الله عز وجل يريد للأمة أن تستنفد قواها، وألا تدع عزيزاً ولا نفيساً ولا غالياً إلا بذلته، من نفس أو مال أو جهد أو فكر.

وقد يبطئ نصر الله عز وجل عن عباده من أجل أن يزدادوا يقيناً بأن النصر لا بالقوة، ولا بالجهد، وإنما هو من عند الله جل في علاه، وهو الذي قال: إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160].

قد يبطئ النصر ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض، فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون، من أجل أن تتمايز الصفوف، من أجل أن يبتلي الله عباده فيتبين المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب كما قال تعالى: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ [العنكبوت:11].

وقد يبطئ نصر الله عز وجل من أجل أن تصعد إلى الله أرواح، وتنضم قوافل من الشهداء إلى تلك المسيرة الطيبة المباركة التي جعل الله أرواحها في حواصل طير خضر تأكل من ثمار الجنة.

قد يبطئ النصر لحكم لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ ولذلك نقول: لا يعجل ربنا لعجلة أحدنا، وهو سبحانه يعلم ما لا نعلم: وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [الإنسان:29-30].

لكننا على يقين أن المظلومين -ولا شك أن إخواننا في ليبيا مظلومون- دعاؤهم مستجاب، وأن الظالمين سينتقم الله منهم ولو بعد حين، وأن النصر مع الطائفة المؤمنة، والعصبة المسلمة؛ لكن مطلوب منهم أن يستعينوا بالله عز وجل، أن يجأروا إليه، أن يقرعوا أبوابه، أن يجددوا لله توبة، أن يكثروا من الدعاء، مطلوب منهم أن يجتنبوا المعاصي والظلم فيما بينهم، كما كان عمر رضي الله يوصي قائد الجيش سعد بن أبي وقاص يقول له: يا سعد ! فإني أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله عز وجل؛ فإننا لا ننصر على عدونا بعدد ولا عدد، وإنما ننصر على عدونا بطاعتنا لله ومعصيتهم له.

فالطاعة سبيل للنصر، كما أن المعصية سبب للفشل، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ[آل عمران:152].

معرفة من يتشدقون بحقوق الإنسان وتجلية حالهم للمسلمين

ثم إن من الخير الذي ظهر في هذه الأحداث إخوتي وأخواتي! بأن هؤلاء الصليبيين الذين يتشدقون بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، والحريات الأساسية، ومبادئ الديمقراطية، وما إلى ذلك من الدعاوى، أنهم في ذلك كاذبون، وأنهم يريدون لشعوبهم أن تتمتع بهذه الحقوق، أما الشعوب المسلمة فلا حق لها، فهؤلاء المستبدون الظالمون الذين تسلطوا على شعوب المسلمين في ليبيا وفي مصر وفي تونس وفي غيرها من بلاد الله، ما زال هؤلاء الصليبيون يمدونهم بحبالهم، ويهيئون لهم دعمهم، بل إن وسائل القمع والإبادة التي استعان بها هؤلاء الطغاة المجرمون إنما أخذوها من أولئك، وأمدوهم بها من أجل أن يطول حكمهم، ويبقى طغيانهم وجبروتهم، ومن أجل أن تضيع حقوق شعوبهم، هذا الذي أرادوه.

الآن نجد كلمات باهتة، وقرارات ميتة، في مواجهة حرب الإبادة التي يشنها هذا الجبار العاتي، وهذا المتمرد على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والمتجرد من كل عاطفة إنسانية، وكل كرامة أخلاقية، لم يصدروا في حقه قرارات جازمة، ولم يتخذوا إزاءه إجراءات حاسمة، وإنما نجد قرارات باهتة تصدر على بطء حيناً بعد حين، وكأنهم يمهلونه من أجل أن يكمل إبادته للشعب المسلم في ليبيا؛ لأن الدم المسلم دم رخيص، وهذه المنظمات الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن وحقوق الإنسان وما إلى ذلك، ما انتصرت للمسلمين في قضية من القضايا أبداً.

يا إخوتاه! أقول بأننا على يقين أن نصر الله آت، ( وأن ربنا جل جلاله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )، وكما قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، ولو أن سائلاً سأل وقال: متى نصر الله؟ نقول: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

لو أن سائلاً قال: متى؟ نقول: عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا [الإسراء:51]، والله لا يخلف الميعاد.

يا إخوتاه! أكثروا من الدعاء لإخواننا في ليبيا، والله عز وجل يستجيب متى ما شاء.

وهاهنا كلمة لا بد من التذكير بها، فإن بعض الناس يضيق صدره ويتكدر خاطره بما يرى من سفك للدماء، وكثرة للضحايا، وتأخر لنصر الله عز وجل وبقاء هذا الطاغوت ردحاً من الزمان، دون أن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، هاهنا لا بد من أن نذكر بأن الله عز وجل لا يخلف الميعاد، هذه كلمة أولى.

وهو سبحانه وتعالى قد وعد فقال: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21]، وقال: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52]، وقال: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، وقال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40-41]، هذه واحدة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2822 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2648 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2532 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2506 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2475 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2464 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2442 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2406 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2404 استماع