ديوان الإفتاء [368]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فهذا ثاني أيام رمضان، والحمد لله رب العالمين، ولا بد أن أنبه إلى أن المطلوب من المسلم أن تكون له عناية خاصة بالقرآن في هذا الشهر المبارك، قال الله عز وجل: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[البقرة:185] ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل أحواله، وما كان يمنعه من القرآن شيء.

ومما يتقرب به إلى الله في رمضان تدبر القرآن.

وتدبر القرآن هو: أن ننظر في أحكامه وحكمه، في وعده ووعيده، في أمره ونهيه من أجل أن نعرف مراد الله عز وجل من هذا الكلام المعجز، الذي أنزله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

وتدبر القرآن يكون بأمور:

الإكثار من تلاوة القرآن

أولاً: الإكثار من التلاوة، بمعنى: أن الإنسان يقرأ القرآن بالليل والنهار، في الخلوة والجلوة، ماشياً وراكباً وقاعداً وقائماً، يقرأ القرآن في هذا الشهر المبارك ولا يقتصر على ختمة ولا اثنتين، ولا ثلاث ولا أربع؛ بل كما كان الصالحون من هذه الأمة، فإنهم كانوا يختمون القرآن في كل جمعة مرة، ففي الشهر يختمون ختمات أربع، ثم إذا دخل رمضان ختموا في كل ثلاث مرة، فإذا كانت العشر الأواخر ختموا في كل يوم وليلة مرة، والله يضاعف لمن يشاء.

قال علماؤنا: من أدام الطرق فتح له، فالإنسان الذي يطرق الباب باستمرار يفتح له، كذلك من أدمن تلاوة القرآن فإن الله عز وجل يفتح له ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليك عظيماً، فالإنسان يكثر من الدعاء ليعلمه الله عز وجل ما لم يكن يعلم.

تخير الأوقات المناسبة لقراءة القرآن

ثانياً: أن يتخير الإنسان الأوقات المناسبة، من أجل أن ينظر في القرآن نظر تفهم وتعقل، وأنسب الأوقات وقت السحر، كما قال ربنا جل جلاله: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] بعدها قال له: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] .

فالإنسان إذا كان في جوف الليل سكنت الأصوات، وهدأت الحركات، ونامت العيون، وخلا كل حبيب بمحبوبه، ومن خلا بكلام الله عز وجل يرتله، ويتفهمه، ويتدبره؛ فإن الله عز وجل يفتح عليه.

العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم

ثالثاً: العلم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ترجمان القرآن عليه الصلاة والسلام، فأقواله وأفعاله وأحواله صلوات ربي وسلامه عليه هي التي تبين القرآن، وهي التي تخصص العام، وهي التي تقيد المطلق، وهي التي تبين المجمل، وهي التي توضح المشكل؛ فسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم ترجمة عملية، فقد كان خلقه القرآن صلوات الله وسلامه عليه، يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه.

فعلينا أن نعنى بالسيرة، خاصة وأن آيات كثيرة من القرآن إنما كانت عرضاً لأحداث حصلت في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، فمثلاً هناك سور نزلت في الغزوات كسورة الأنفال نزلت في غزوة بدر، وسورة الأحزاب التي نزلت في غزوة الخندق، وسورة التوبة في شأن غزوة تبوك، وبضع وخمسون آية من سورة آل عمران في شأن غزوة أحد، وهكذا.

ولذلك لما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة: ( ما تقولون في قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] , قال بعضهم: أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إذا نصره وفتح عليه أن يستغفره، وسكت آخرون، قال: فما تقول يا ابن عباس ؟! قال: هذه السورة نعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، قال الله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، وتلك علامة أجله، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:2-3] ).

قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أيامه أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن )؛ لأن الله قال: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ[النصر:3] ، فكان يقول عليه الصلاة والسلام إذا ركع وإذا سجد: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي ).

وكذلك لما سأل عمر رضي الله عنه الصحابة عن قول الله عز وجل في سورة البقرة: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ[البقرة:266] ، قال له عبد الله بن عباس : ذكر الله عز وجل إنساناً كان له بستان، فلما تقدم به العمر، ووهن منه العظم، اشتدت حاجته إلى ذلك البستان، كذاك ابن آدم إلى عمله الصالح يوم القيامة. فكبر عمر رضي الله عنه لهذا الفهم الدقيق، وهذا العلم الواسع عند هذا الشاب الحديث السن رضي الله عنه وأرضاه.

فالمقصود إخوتي وأخواتي! أن علينا أن نجدد صلتنا بالقرآن في رمضان، وأن نكثر من تلاوة القرآن في رمضان، وأن نعنى بمجالس تفسير القرآن في رمضان، وبيان غريب القرآن في رمضان، وعلينا كذلك أن نتدبر حتى نفهم عن الله عز وجل مراده.

وأختم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها حلو )، أي: هو طيب ظاهراً وباطناً، ( ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو )، والتمرة لو أنك شممتها ما لها رائحة، لكن لو أكلتها فإن طعمها حلو، كذلك المؤمن الذي لا يقرأ القرآن باطنه طيب، ( ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر )، فهو طيب الظاهر، لكن باطنه خبيث، ( ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر )، فالمنافق الذي لا يقرأ القرآن قبيح الظاهر والباطن، خبيث الظاهر والباطن، سيئ المظهر والجوهر، مثله مثل الحنظلة، لا ريح لها، وطعمها مر.

أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصنف الأول وهم المؤمنون الذين يقرءون القرآن، فنكون كالأترجة ريحها طيب وطعمها حلو.

أولاً: الإكثار من التلاوة، بمعنى: أن الإنسان يقرأ القرآن بالليل والنهار، في الخلوة والجلوة، ماشياً وراكباً وقاعداً وقائماً، يقرأ القرآن في هذا الشهر المبارك ولا يقتصر على ختمة ولا اثنتين، ولا ثلاث ولا أربع؛ بل كما كان الصالحون من هذه الأمة، فإنهم كانوا يختمون القرآن في كل جمعة مرة، ففي الشهر يختمون ختمات أربع، ثم إذا دخل رمضان ختموا في كل ثلاث مرة، فإذا كانت العشر الأواخر ختموا في كل يوم وليلة مرة، والله يضاعف لمن يشاء.

قال علماؤنا: من أدام الطرق فتح له، فالإنسان الذي يطرق الباب باستمرار يفتح له، كذلك من أدمن تلاوة القرآن فإن الله عز وجل يفتح له ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليك عظيماً، فالإنسان يكثر من الدعاء ليعلمه الله عز وجل ما لم يكن يعلم.