أرشيف المقالات

حي على الصلاة.. حي على الفلاح

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
حي على الصلاة..
حي على الفلاح
 
كنتُ قد عُدت لِتوِّي من عملي، وقد أرهقني ونال مِن نشاطي، فوجدتُني أجلس على الأريكة مثل طفلٍ شاكٍ، فالحياةُ هذه الأيام أصبحَت تدُور رَحاها بسُرعة كبيرة، ويَشعُر الإنسان أنَّه ترْسٌ صغيرة، في آلةِ الحياة الصَّعبة العسيرة، ترْسٌ صغيرة جدًّا وسط مَجموعة كثيرة؛ بحيث لا يستطيع المرءُ أنْ يلتقطَ أنفاسَه اللاهثة، وراء لقمة العيش البائسة، التي بالكاد تسدُّ جَوعَته، وتكفيه أنْ يُواصِلَ حركته.
 
جلستُ أنتظر أنْ يُوضَع الطَّعامُ، وكنتُ ما وضعتُ شيئًا في جوفي منذ الصباح، ووُضع الطعام فأكلتُ منه وأنا لا أشعُر بطعم شيء؛ بسبب شدَّة التعب والتغيُّر، بدأتُ أنا وأولادي ببسم الله، وتَناوَلنا ما قدِّر لنا مِن خيرات الله، التي أَنعَم بها علينا في عُلاه، وبعدَما انتهينا حمدْنا الله: "الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا وجعلنا مسلمين"، وبدأ الجسد يَهْوِي إلى الأرض.
 
وبعد قليل سَمِعْتُ المؤذِّنَ وهو يؤذِّن لصلاة العصر، وظللتُ أردِّد وراءَه، حتى قال: "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، كان جميعُ جسدي يشكو مِن التَّعب، فقرَّرْتُ أن أنام، وبعدما أستيقظ أصلِّي ما فاتني بالتمام، ولكني تذكرتُ عقوبة التهاوُن في الصلاة، وفضْل صلاة العصر، وتلك الأحاديث التي حضَّنا النبيُّ الكريم فيها على الصلاة.
 
وقد ذكر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أنه مَن حافَظ على صلاةِ الفجر وعلى صلاة العصر، دَخَلَ الجَنَّةَ، وأُبْعِدَ عن النار، فقد روى البخاريُّ ومسلم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ، دخل الجَنَّة))، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبْل طلوع الشمس وقبْل غروبها))، والبَرْدانِ: هما صلاتا الفجر والعصر.
 
وقد فصَّل ذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنَّهار، ويَجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يَعْرُج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلمُ بهم: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون))، وتذكرتُ قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].
 
ثُمَّ إنَّه جاءت إلى نفسي الحائرة، وأَشغلَت ذهني تلك الخاطرة، فأخذَتْ تُراوِدُني وتقول لي: إنَّما أنتَ متعب ومعذور، فإنَّ الله لا يكلِّف نفسًا إلا وُسْعَها، وأنتَ ليس في وُسْعك أن تقُومَ مِن مكانك، وأخذَت تُلِحُّ عليَّ، وأنا لا أعرف ماذا أفعل؟
 
فربِّي يُنادي عليَّ، ورسولُه الكريم يَحضُّنا على الصلاة، لكن نفسي الأمَّارة بالسوء تخذلني، وتشدُّني إلى الأرض بالأوتاد، وتأْبَى إلا أن تُوثقني في الأصفاد، ونفسي تأبَى في عناد!
 
وفجأة تذكرتُ شيئًا غريبًا، قلتُ في نفسي وأنا أحاورها وأجادلها: لو أنَّ رئيسي في العمل طَلَب مني أن أعمل ساعاتٍ إضافية مقابلَ أجر، فهل كنتُ أرفض أو أوافق؟ قلتُ: بالطبع سوف أوافق، وأكون سعيدًا؛ لهذا الدَّخل الإضافيِّ، ويكُون عيدًا، ثم نظرتُ إلى نفسي وقلتُ لها: أيَّتُها النفس الخائرة المتعَبة الكسولة، الدُّنيا ليستْ دارَ راحة واستقرار، فكيف أركَن إليكِ؟ هل أمنتِ الموتَ حين أَوَيْتِ إلى فراشِكِ؟ فلعلَّ نومتَكِ التي تنامينَها لا تقومين بَعدَها إلَّا في ضيق القبور، فاستعدِّي الآن، واعملي في حُبُور، ما دُمْتِ في دار المُهْلَة، وأعدِّي للسؤال جوابًا، وليكُن الجوابُ صوابًا.
 
ثم وجدتُني كأنَّني دَبَّت فِيَّ الروحُ والحياة مِن جديد، فذهبتُ وتوضَّأتُ، ووضعتُ ملابسي على جسدي، وقلتُ لنفسي: "حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح".
 
نسأل الله أن يجعلنا ممَّن يَستَمعون القولَ، فيتَّبعون أحسَنَه، وأن يختم لنا ولكم بخاتمة السعادة، وأن يُعِينَنا على ذكْره وشكْره وحُسْن عبادته.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢