أرشيف المقالات

لماذا لا نفرح؟

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
أيها المسلمون عباد الله، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر الصحابة والأمة بقدوم شهر رمضان الكريم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم»؛ (صحيح الترغيب والترهيب).
 
‏قال العلماء : وذلك لأمرين:
1- لكي يلفت انتباههم لفضله ومنزلته.
2- ولكي يُعلي من الهمم ويحفزهم على عمارة أوقاته.
 
• قال ابن رجب رحمه الله: "هذا الحديث أصل في تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا بهذا الشهر الكريم".
 
• ‏نعم؛ إنه شهر مبارك، ومن بركته إقبال النفوس على الطاعات، ومن بركته أنه تقع فيه مغفرة الذنوب والسيئات، وتتضاعف فيه الأجور والحسنات؛ فالأصل أن المؤمن يفرح بمثل هذه المواسم التي تكثر فيها الخيرات والبركات.
 
‏فلماذا لا نفرح وقد أنعم الله تعالى علينا بإدراك هذا الشهر الكريم؛ فإنها والله من أجل النعم التي ينعم الله تعالى بها على عباده؛ واسمع لهذا الحديث العظيم الذي يرويه أحمد وابن ماجه عن طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه: ((أن رجلَينِ من بِلى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما معًا، وكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنةً ثم توفي، قال طلحة: بينا أنا عند باب الجنة في النوم، إذ أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذِن للذي مات الآخر منهما، ثم رجع فأذن للذي استشهد، ثم رجع إليَّ، فقال: ارجع، فإنه لم يأنِ لك، فأصبح طلحة فحدَّث الناس فعجبوا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أي ذلك تعجبون»؟ قالوا: يا رسول الله، هذا الذي كان أشد الرجلين اجتهادًا، فاستشهد في سبيل الله، فدخل الآخر الجنة قبله، قال: «أليس قد مكث هذا بعده سنةً وأدرك رمضان فصامه»؟ قالوا: بلى، قال: «وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة»؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلَما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض»؛ (صححه الألباني في صحيح ابن ماجه).
 
لماذا لا نفرح بإدراك هذا الشهر الكريم، وهذا الموسم العظيم، الذي تتضاعف فيه الحسنات؟ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ابن آدم يُضاعَف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يَدَعُ شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلُوف فيه أطيبُ عند الله من ريح المسك».
 
‏لماذا لا نفرح بشهر تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار ، وتُصفد فيه الشياطين؟ كما في الحديث الصحيح: «تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين».
 
‏لماذا لا نفرح بهذا الموسم العظيم الذي يعتق الله تعالى فيه عتقاء من النار وذلك كل ليلة؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى عتقاء في كل يوم وليلة»؛ (رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
 
‏لماذا لا نفرح وفيه ليلة خير من ألف شهر؟ كما في الحديث الصحيح: «لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم».
 
أحوال الناس في الفرح:
• فإن الناس في الدنيا يفرحون بصفقاتهم وأرباحهم وشهواتهم؛ كما قال الله تعالى: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد: 26].
 
• ويفرحون بالراحة والركون إلى الدنيا؛ كما قال تعالى عن المنافقين: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [ التوبة : 81].
 
• وأما المؤمن فإنه يفرح بالأعمال الصالحة، ويفرح بالطاعات التي تقربه من الله تعالى، ويفرح بكل حسنة يضعها في صحيفته، ويفرح بمواسم الخير، ويفرح بشريعة الله تعالى؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [الرعد: 36].
 
• ‏يفرح بكتاب الله عز وجل، ويفرح بتلاوته، وحفظه، وتعلمه وتعليمه للآخرين؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57، 58].
 
• يفرح بأي بشارة تقربه من مرضاة الله تعالى؛ ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: ((أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها»؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت»، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بهذا الحديث)).
 
نسأل الله العظيم أن يملأ قلوبنا فرحًا وسرورًا، وأن يجعلنا من عباده المقبولين.
___________________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣