ديوان الإفتاء [304]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد:

إخوتي أخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

ومرحباً بكم في حلقة جديدة، أسأل الله أن يجعلها نافعة مفيدة، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

والكلام في هذه الحلقة عن سنن الوضوء وآدابه، والمراد بالسنن والآداب ما ينال به العبد في وضوئه أجره باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه السنن والآداب من فعلها فقد أتى بصفة الكمال وهو مأجور، ومن ترك شيئاً منها فلا حرج عليه إن شاء الله، شريطة ألا يكون ذلك عن بغض للسنة، واستخفاف بحق صاحبها صلوات ربي وسلامه عليه.

وهذه الآداب والسنن بعض أهل العلم يقسمها إلى سنن وفضائل، وهذا تقسيم اصطلاحي، وإلا فالمراد بها جميعاً السنن والآداب بالمعنى العام.

وهذه السنن في الوضوء خلاصتها: ‏

غسل اليدين إلى الكوعين

أولاً: أن يبدأ الإنسان بغسل يديه إلى الكوعين، والكوعان: هما العظمان اللذان يليان الإبهام، فالكوع هو الذي يلي إبهام اليمنى وإبهام اليسرى، وأما الذي يلي الخنصر في اليمنى واليسرى، فيقال له: الكرسوع، والذي يلي إبهام الرجل يقال له: بوع.

فيبدأ الإنسان بغسل يديه إلى الكوعين؛ لحديث حمران مولى عثمان رضي الله عنهما ( أن عثمان دعا بإناءٍ فيه ماء، فأفرغ على يديه فغسلهما ثلاثاً، ثم في آخر الأمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ) وفي الحديث أيضاً: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يغمسهما في الإناء -وفي رواية- في الوضوء ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، ولذلك قال علماؤنا: إذا لم تكن اليدان نظيفتين، فإنه يغسلهما قبل غمسهما في الإناء نظافة، وإذا كانتا نظيفتين فإنه يغسلهما قبل غمسهما في الإناء تعبداً، هذه هي السنة الأولى.

المضمضة

السنة الثانية: المضمضة، وكلمة مضمضة على وزن فعللة، وهي تعني الرجة، وعدم الاستقرار، مثلما يقال: زلزلة، ومثلما يقال: بلبلة، وقلقلة، ورجرجة، كل ما كان على وزن فعللة، فإنه يفيد هذا المعنى.

والمضمضة معناها: جعل الماء في الفم ثم تحريكه ومجه، وهذه المضمضة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما غسل يديه ثلاثاً تمضمض واستنشق ثلاثاً من ثلاث غرفات )؛ ولذلك استحب كثير من أهل العلم أن تكون المضمضة والاستنشاق بغرفة، ثم مضمضة واستنشاق بثانية، ثم مضمضة واستنشاق بغرفة ثالثة.

وهذه المضمضة مطلوب فيها الاستقصاء، بمعنى: أن يجعل الإنسان الماء في فمه، ثم يحركه حتى يبلغ أقصى الفم ثم يمجه، وفي حديث علي رضي الله عنه: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ملأ فمه بالماء فمضمض )، اللهم إلا إذا كان الإنسان صائماً فإنه لا يفعل ذلك، يعني: ما يستقصي ولا يبالغ خشية أن يصل الماء إلى جوفه، فيفسد بذلك صومه.

الاستنشاق والاستنثار

السنة الثالثة والرابعة: الاستنشاق والاستنثار، الاستنشاق معناه: جذب الماء إلى داخل الأنف بواسطة النفس، يجذب الإنسان الماء استعانة بنفسه. والنثر أو الاستنثار معناه: إخراج الماء أيضاً بواسطة النفس، بمعنى أن يضغط الإنسان بيسراه بسباحته وإبهامه على منخريه، ثم يدفع ذلك الماء فيخرج ما في المنخرين من أتربة وأوساخ، وهذا الاستنشاق أيضاً أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر أو ثم لينتثر )، ومطلوب فيه المبالغة أيضاً، يعني: ليس كما يصنع كثير من الناس أنه يفعل هكذا وهكذا هكذا وهكذا، لا، بل يجذب الماء بنفسه ويستقصي في ذلك، ثم أيضاً يطرحه ويبالغ، لما جاء في حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ).

قال علماؤنا: ويكره أن ينثر بأنفه دون أن يضغط بيديه، يعني: الإنسان ما يضع الماء في منخريه ثم ينفخ دون أن يضغط بإصبعيه؛ لأن هذا يشبه صنيع الدابة، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالحيوانات، كما سيأتي معنا إن شاء الله عند الحديث عن الصلاة، أنه ( نهى عليه الصلاة والسلام عن إقعاء كإقعاء الكلب، وافتراش كافتراش السبع، والتفات كالتفات الثعلب، ونقر كنقر الديك ).

وكذلك في القرآن ما ذكر التشبيه بالحيوان إلا على سبيل الذم قال الله عز وجل: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176]، وقال: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]، فالإنسان لا يتشبه بالحيوانات.

رد مسح الرأس

السنة الخامسة: رد مسح الرأس، بمعنى: أن الإنسان إذا مسح رأسه كله، كما مضى معنا في صفته: أنه يجعل إبهاميه على صدغيه، ثم يقرن بين الوسطيين، ويمضي بيديه إلى مؤخرة رأسه، هذه المسحة هي الفرض، ثم بعد ذلك الردة، بمعنى المسحة الثانية هذه سنة؛ لما ورد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح يديه على رأسه، ( بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما من حيث بدأ عليه الصلاة والسلام ).

مسح الأذنين ظاهراً وباطناً

السنة السادسة: مسح الأذنين ظاهراً وباطناً؛ كما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أنه صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه باطنهما بسباحتيه وظاهرهما بإبهاميه ).

قال علماؤنا: ويكره تتبع غضونهما، فالإنسان ما يتتبع وما يستقصي؛ لأن المسح مبناه على التخفيف، وكما ذكر فيما سبق بأن أعلى الجسد كالرأس والأذنين جعل فرضهما المسح؛ لأنهما أبعد عن ملامسة الأذى، بخلاف الرجلين واليدين مثلاً، فلكثرة ملابستهما للأذى، فالشريعة أمرت بغسلهما حال الوضوء.

أخذ ماء للأذنين غير فضل الرأس

السنة السابعة: تجديد الماء لهما، بمعنى: أن الإنسان يأخذ ماءً لأذنيه سوى فضل رأسه، بمعنى: أنه ما يمسح بيديه على رأسه، ثم بعد ذلك يمسح على أذنيه، لا، بل يجدد الماء لهما؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ماءً غير فضل يديه، فمسح أذنيه ظاهراً وباطناً.

الترتيب بين أعضاء الوضوء

السنة الثامنة: الترتيب، بمعنى أن الإنسان يرتب بين فرائض الوضوء، كما ذكر في الآية يغسل وجهه أولاً، ثم يديه، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه.

والدليل على أن الترتيب مطلوب، وأنه من السنن المؤكدة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه إلا أنه توضأ مرتباً.

ولمَ لم نقل بأن الترتيب فرض؟ لأن الفرائض عطفت بالواو، فقوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، فلو كان الترتيب مطلوباً على وجه الإلزام والإيجاب، لكان العطف بالفاء أو بثم اللتين تفيدان الترتيب، لكن لما عطفت بالواو دل على أن الترتيب ليس مفروضاً.

وذكرت في ذلك آثار عن علي بن أبي طالب و عبد الله بن عباس رضوان الله عليهم، فقد قال علي: ما أبالي بدأت برجلي قبل يدي، وأن بعض الصحابة رضوان الله عليهم كان يغسل يسراه قبل يمناه.

لكن أقول كما قال علماؤنا رحمهم الله: بأن الترتيب من آكد السنن، حتى إنهم قالوا: من توضأ غير مرتب ندب له أن يعيد وضوءه، خاصة وأنّا قد علمنا أن بعض أجلة أهل العلم قد أوجبوا الترتيب، ومنهم الإمام الجليل محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، فقد قال: بأن الترتيب فرض في الوضوء؛ لأن الآية قد أدخلت ممسوحاً بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، يعني: الشافعي رحمه الله يقول: الرأس وهو ممسوح دخل بين اليدين وهما مغسولتان والرجلين وهما مغسولتان، فلو لم يكن الترتيب مقصوداً لما أدخل ربنا ممسوحاً بين مغسولين.

أياً ما كان الأمر فهذه هي سنن الوضوء:

غسل اليدين إلى الكوعين، ثم المضمضة والاستنشاق والاستنثار، ورد مسح الرأس، ومسح الأذنين ظاهراً وباطناً، وتجديد الماء لهما، ثم الترتيب بين أعضاء الوضوء.

أولاً: أن يبدأ الإنسان بغسل يديه إلى الكوعين، والكوعان: هما العظمان اللذان يليان الإبهام، فالكوع هو الذي يلي إبهام اليمنى وإبهام اليسرى، وأما الذي يلي الخنصر في اليمنى واليسرى، فيقال له: الكرسوع، والذي يلي إبهام الرجل يقال له: بوع.

فيبدأ الإنسان بغسل يديه إلى الكوعين؛ لحديث حمران مولى عثمان رضي الله عنهما ( أن عثمان دعا بإناءٍ فيه ماء، فأفرغ على يديه فغسلهما ثلاثاً، ثم في آخر الأمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ) وفي الحديث أيضاً: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يغمسهما في الإناء -وفي رواية- في الوضوء ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، ولذلك قال علماؤنا: إذا لم تكن اليدان نظيفتين، فإنه يغسلهما قبل غمسهما في الإناء نظافة، وإذا كانتا نظيفتين فإنه يغسلهما قبل غمسهما في الإناء تعبداً، هذه هي السنة الأولى.

السنة الثانية: المضمضة، وكلمة مضمضة على وزن فعللة، وهي تعني الرجة، وعدم الاستقرار، مثلما يقال: زلزلة، ومثلما يقال: بلبلة، وقلقلة، ورجرجة، كل ما كان على وزن فعللة، فإنه يفيد هذا المعنى.

والمضمضة معناها: جعل الماء في الفم ثم تحريكه ومجه، وهذه المضمضة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما غسل يديه ثلاثاً تمضمض واستنشق ثلاثاً من ثلاث غرفات )؛ ولذلك استحب كثير من أهل العلم أن تكون المضمضة والاستنشاق بغرفة، ثم مضمضة واستنشاق بثانية، ثم مضمضة واستنشاق بغرفة ثالثة.

وهذه المضمضة مطلوب فيها الاستقصاء، بمعنى: أن يجعل الإنسان الماء في فمه، ثم يحركه حتى يبلغ أقصى الفم ثم يمجه، وفي حديث علي رضي الله عنه: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ملأ فمه بالماء فمضمض )، اللهم إلا إذا كان الإنسان صائماً فإنه لا يفعل ذلك، يعني: ما يستقصي ولا يبالغ خشية أن يصل الماء إلى جوفه، فيفسد بذلك صومه.