خطب ومحاضرات
ديوان الإفتاء [247]
الحلقة مفرغة
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
إخوتي أخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
مرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء في هذه الليلة المباركة، ليلة الجمعة، ولا ننسى في بداية الحلقة بأن ندعو لإخواننا المرابطين في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس، بأن يثبت الله أقدامهم، وأن يقوي شوكتهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن يربط على قلوبهم، وأن ينصرهم على القوم الكافرين.
هؤلاء المرابطون في المسجد الأقصى المعتكفون فيه، الذين يصومون نهارهم ويقومون ليلهم، ويصدون بأجسادهم جنود الصهاينة، ويحولون دون انتهاكهم حرمة بيت المقدس، هؤلاء حقهم علينا أن ندعو لهم، وأن نذكر المسلمين بقضيتهم، وألا ننساهم في سجودنا، ونسأل الله عز وجل أن ينصرهم نصراً عزيزاً، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
مرحباً بكم وباتصالاتكم، وأسأل الله أن يرزقكم حسن السؤال، وأن يرزقني سداد الجواب، وأن يجعل ما نقوله وما نتعلمه وما نعلمه حجة لنا لا علينا، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، ومرحباً بأولى اتصالاتكم.
المتصل: أنا لدي بعض الأسئلة أود الإجابة عليها:
السؤال الأول: هنالك من يقول في بعض البحوث عندما يحلل واقع المسلمين، وأسباب الضعف الذي أصاب أمة الإسلام، يشير إلى أن من أسباب ضعف المسلمين هو أن الله تعالى قد نسيهم، وتركهم يتخبطون في هذه الحياة؛ وهذا الكلام يقولونه من منظور واقعي؛ نتيجة للإحباط الذي تعانيه الأمة المسلمة، فأنا أريد الرد من منظور فقهي على هذه الأقوال، وهل خير أمة أخرجت للناس يمكن أن ينساها الله سبحانه وتعالى؟ فهذا التعليل لحال المسلمين اليوم صعب على النفس.
السؤال الثاني: هناك دراسة اطلعت عليها في الإنترنت قبل فترة، وهذه الدراسة تتحدث عن واقع المسلمين اليوم، وهي معدة من قبل أعداء الإسلام، يقولون: إن هنالك صحوة إسلامية وسط المسلمين؛ وذلك من خلال دراسات أجريت على حالة المسلمين، وأن الدعوة الإسلامية إذا استمرت على ما هي عليه ستنهض بالدولة الإسلامية، وستكون لهم خلافة، وحددوا مدى معين من السنين، أريد تعقيباً من فضيلتكم على هذه الدراسة، وبيان أثر الدعوة والإصلاح في إحياء الأمة الإسلامية.
السؤال الثالث: وهو بمثابة اقتراح، بالنسبة للمسلمين وقضية فلسطين، فلو أن قناة طيبة تتبنى جمع عدد من العلماء والدعاة، مثل فضيلة الدكتور محمد الأمين إسماعيل ، والدكتور علاء الدين الزاكي ، ومجموعة من العلماء المهتمين بقضايا الأمة الإسلامية، ثم يقومون بوضع برنامج متكامل يأخذ طابع إعادة صياغة الأمة الإسلامية من الداخل؛ لأن هناك ذلاً وانكساراً أصاب المسلمين، وضعفت الهمم تجاه قضايا الإسلام، ويكون البرنامج كل يوم جمعة لمدة طويلة، ويكون فيه نقاش مستفيض في كيفية إعادة جيل صلاح الدين ، فهنالك بحث جميل اطلعت عليه وأقوم بقراءته هذه الأيام، وهو: هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس، أصدرته إسلامية المعرفة للدكتور ماجد الكيلاني .
فهذا البحث فيه بوادر كثيرة من الأمل، وإمكانية إنشاء جيل من هذه الأمة يشبه ذلك الجيل، فما أشبه الليلة بالبارحة، فالإحباط واليأس يعصف بأوساط المسلمين، فلا بد من التذكرة، فإلى جانب تحليل واقع اليوم، وبيان أهمية الأقصى، فلا بد في نفس الوقت أن يكون هنالك جانب آخر يحمل هم التوعية والإرشاد، يتمثل في بيان الظروف الصعبة التي مرت بها الأمة قبل ظهور صلاح الدين ، وأثر ظهور السنة لمواجهة الباطنيين، وكيف تم إعداد جيل صلاح الدين، والمدارس التي نهل منها صلاح الدين العلم والتربية، ودعمت شخصية وكارزمة صلاح الدين كالمدرسة الشافعية والحنبلية والغزالية.
فالمسلمون في أمس الحاجة لطاقة أمل يتزودون بها لمواجهة التحديات أكثر من أساليب الإحباط، فعلينا ألا نواجه الإحباط بالإحباط، ولكن نواجه الإحباط بالأمل، وعلى المسلمين أن يعوا بأنه لا بد من إعداد جيل يعز الله به الإسلام، أحيا الله بكم هذه الأمة، وجزاكم الله خير الجزاء.
الشيخ: طيب سأجيبك لاحقاً إن شاء الله.
المتصل: لدي سؤالان:
السؤال الأول: من سورة البقرة الآية (165): وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165]، إلى آخر الآية؟
السؤال الثاني: في عام اثنين وتسعين كنت طالباً في المدرسة، فتخاصمت أنا والطلاب في فترة الامتحانات، وكنا نتنافس فيما بيننا ونحن ثلاثة، وكان التنافس على أخذ المركز الأول، فأنا دفعت مبلغاً إلى مشعوذ، فكتب لي ورقة، وقال: هذه ورقة تضمن لك النجاح وإحراز المركز الأول إن شاء الله، ثم بعد ذلك رجعت إلى الله سبحانه وتعالى، وعلمت أن عملي هذا خطأ، فهل المال الذي دفعته لهذا المشعوذ وعلى هذا الطلاسم يكون إثماً علي؟ جزاكم الله خيراً.
الشيخ: طيب سوف تسمع الإجابة لاحقاً.
السؤال الثالث: بمناسبة الحال الذي يمر به المسجد الأقصى، وضعف المسلمين عن نصرته فأرجو منك أن توجه كلمة للمسلمين.
الشيخ: طيب، سنجيبك إن شاء الله.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: سؤالي يختص بالآية القرآنية التي تقول: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، أريد أن أعرف لماذا السمك لم يذكر اسم الله عليه؟
السؤال الثاني: أسأل عن الوصية من الميت، فأنا والدتي متوفية قبل ثلاث سنوات تقريباً ثم رأيتها في المنام، ووجهت إلي سؤالاً فقالت: هل تزوجت؟ فقلت لها: إني لم أتزوج، فبماذا تنصحينني يا والدتي، قالت لي: تزوج البنت الخضراء التي تجلب لك المال؟ علماً بأنها في حياتها لم تختر لي امرأة بهذا الوصف، وأنا إلى الآن لم أتزوج، فهل علي إثم إذا لم أعمل بوصيتها؟
الشيخ: سأجيبك إن شاء الله.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: هل يعتبر بقاء يونس عليه السلام في الحوت معجزة من معجزات الله لأنبيائه؟ وهل الحوت الذي حمل يونس عليه السلام ما زال موجوداً وسيبقى إلى يوم القيامة، فقد سمعنا أنه لا زال حياً وسيبقى؟
السؤال الثاني: ما الحكمة من جعل السجود في الصلاة مرتين والركوع مرة واحدة؟
الشيخ: سأجيبك إن شاء الله.
بالنسبة للسؤال الذي طرحته الأخت التي اتصلت أولاً فيما يخص ما يكتبه بعض الناس من أن هذه الأمة قد نسيها الله عز وجل، وهذا هو سر تسلط أعدائها عليها وما إلى ذلك من مثل هذا الكلام.
فنقول: يا أيها الإخوة والأخوات! إن الواجب علينا أن نحذر الإفراط والتفريط، فإن بعض الناس عنده إفراط، والبعض الآخر عنده تفريط؛ أما المفرطون فإنهم يريدون أن يصوروا الأمة على أنها بخير، وأن هذا الواقع الذي تحياه هو الواقع الأمثل وما إلى ذلك.
وفي مقابل هؤلاء هناك من يريد أن يصور أن هذه الأمة قد تودع منها، وأنه لا خير فيها، وأنه قد اقتربت الساعة، ولا سبيل إلى تغيير هذا الواقع، ولا انتشال هذه الأمة من الوهدة التي وقعت فيها .. إلى غير ذلك.
لكننا نقول: دين الله عز وجل وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والمسلم لا يأمن مكر الله، ولا يقنط من رحمة الله، فكون واقع هذه الأمة سيئاً فهذا مما لا شك فيه، ولكن في مقابل هذا ينبغي أن نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ).
ولا بد أن نتذكر بأن هنالك حركات جهادية راشدة، تقوم في المشارق والمغارب وتمارس الدفع الذي أمرنا به، والذي حضنا ربنا جل جلاله عليه، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ [الأنفال:65]، ولعل فلسطين خير مثال، فالآن هؤلاء المجاهدون محاصرون في غزة وفي غير غزة، وقد منع عنهم السلاح، بل منع عنهم الطعام، بل منع عنهم الدواء، ومع ذلك فهم صابرون مصابرون مرابطون، ومواجهون لهذا العدو المدجج الممدود بحبل من الناس.
ولذلك نقول: إن الواجب علينا أن نبحث كيف نعين إخواننا، وكيف نعرف الغافلين والجهال بقضيتنا، وإلا فإن الواقع بلا شك واقع مر، تجد جماهير عريضة من المسلمين مشغولون بالكرة واللهو، والطرب واللعب، الواحد منهم مقبل على دنياه وكأن أمر المسجد الأقصى لا يعنيه، ولا يرد على باله من قريب أو بعيد، وهذا لا شك أنه وضع لا يرضاه الله عز وجل.
الشيخ: أما بالنسبة للقول بأن أعداء الله متخوفون ومرتابون من الصحوة الإسلامية التي لا تخطئها العين، فهذا لا شك فيه، فالحمد لله أننا نرى الآن في كل يوم عدد المصلين في ازدياد، وعدد الشباب المقبلين على الله عز وجل والراغبين في التعرف على معالم الهدى أيضاً في ازدياد، وقل مثل ذلك في انتشار الحجاب في أوساط المسلمات في المشارق والمغارب، فهناك والحمد لله رجعة وفيئة إلى دين الله عز وجل، وهذا يقر به كل عاقل.
والواجب علينا أن نرشد هذه الصحوة، وأن نوجهها التوجيه الأمثل؛ من أجل أن نخرج بالنتائج المرجوة.
الشيخ: أما اقتراح القيام ببرنامج متكامل لعدة من العلماء في قناة طيبة لصياغة الأمة واستعادة جيل صلاح الدين، فإني أشكر الأخت على اقتراحها، وأنا أحيل هذا الأمر على أخينا الدكتور مهران ماهر مدير البرامج بهذه القناة؛ من أجل أن يبحث هذا الأمر، لكنني أقول لها: لو كانت صياغة الأمة تأتينا من خلال برنامج لكان الأمر هيناً، لكن الواجب علينا أولاً أن نفيء إلى الله عز وجل وأن نتوب، أسأل الله أن يتوب علينا أجمعين.
الشيخ: أما السؤال عن تفسير قول ربنا جل جلاله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، فإن هذه الآية جاءت بعد الآية التي بين فيها ربنا جل جلاله دلائل قدرته وبراهين وحدانيته فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164]، بعدها قال الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]؛ ولذلك الله عز وجل يشنع على هؤلاء المشركين خفاف العقول، سفهاء الأحلام، الذين كانوا مقرين بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي أنزل من السماء ماء، وهو الذي أحياهم وهو الذي يميتهم، ومع ذلك كانوا يتخذون من دونه أنداداً، يساوونهم بالله عز وجل، يحبونهم كحب الله، نعوذ بالله من الضلال.
الشيخ: وأما ما دفعته يا أحمد ! من مال لبعض الناس الذين يدعون علم الغيب، أو أنهم ذوو صلة مخصوصة بالله رب العالمين؛ من أجل أن تحصل على المركز الأول فإن واجباً عليك الاستغفار والتوبة، وقد حصل ذلك والحمد لله رب العالمين.
الشيخ: سؤال أخينا محمد عن تفسير قول ربنا جل جلاله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]، فإن هذه الآية مبينة لما أجمل في الآية الأولى من سورة المائدة: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة:1]، ثم جاءت الآية الثالثة في بيان عشرة أنواع من الأطعمة المحرمة فقال سبحانه: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3]، فهذه العشرة محرمة.
ثم ذكر ربنا الاستقسام بالأزلام، وهي القداح التي كانت توضع عند الكهان في الجاهلية، ويستدلون بها على ما ينبغي أن يفعل وما ينبغي أن يترك، فالذبيحة التي تذبح على غير اسم الله إذا قيل: باسم اللات، باسم العزى، باسم المسيح، باسم عزير، باسم فلان، فهذه لا تؤكل.
أما إذا نسي المسلم التسمية عند الذبح فإن أكثر أهل العلم على أن هذه الذبيحة تؤكل؛ لعموم قول نبينا صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عفا لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، ومنه قول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله عز وجل: ( قد فعلت ).
الشيخ: وأما رؤياك للوالدة رحمة الله عليها في المنام، ووصيتها إياك بأن تتزوج البنت الخضراء التي ستأتيك بالمال فأقول: يا عبد الله! أسأل الله أن يزوجك ذات الدين، التي تسعدك في دنياك وأخراك، وسل الله أن يقدر لك الخير، وهذه الوصية ليست ملزمة لك، وهذه الرؤيا ليست بالضرورة أن تكون رؤيا صادقة، بل اعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك )، واعلم أنك إن اتقيت الله في زواجك، وسعيت إلى إعفاف نفسك فإن المال سيأتي؛ لأن الله عز وجل قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، ولأن الله تعالى قال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96].
الشيخ: وأما أنت يا علي يا من اتصلت من سنار تسأل عن حوت يونس عليه السلام هل هو باق إلى يوم القيامة؟
فأقول لك: يا أخي! إن كان باقياً أو ليس باقياً فماذا أنت صانع به؟ أتريد أن تأكل منه؟ هذه من المسائل التي لا يترتب عليها عمل، وأنت تؤمن بأن نبي الله يونس عليه السلام خرج مغاضباً قومه فركب سفينة فثقلت براكبيها، فاقترعوا فخرجت القرعة على نبي الله يونس فألقي في البحر: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:142]، أي: ملام؛ لأنه خرج دون أن يأمره الله بالخروج، فلبث في بطن هذا الحوت، لكنه عليه السلام لم يلبث في بطن الحوت يلطم خده، ولم يلبث في بطن الحوت يندب حظه، وإنما لبث ينادي: لا إله أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، بدأ عليه السلام يستغفر، كما فعل أبوه آدم وأمه حواء عند الوقوع في الذنب: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، فقال الله عز وجل: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دعوة ذي النون عليه السلام لا يدعو بها مكروب إلا نفس الله كربه. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فلنلهج بهذا الدعاء يا علي !
المتصل: أريد أن أعرف صفة غسل الموتى، وهل هناك دعاء يتبع غسل الميت أم لا؟
الشيخ: طيب سأجيبك لاحقاً.
المتصل: لقد كان أبي في حالة مرض شديد يا دكتور! وقد كنت أنا من يخدمه ويغسله، فلما مات أحببت أن أغسله أنا، أو أشارك في غسله، فرفض الرجال هذا الطلب، فسؤالي هو: هل يمكن للبنت أن تغسل أباها أم لا؟
الشيخ: طيب، سوف تسمعين الإجابة لاحقاً إن شاء الله.
المتصل: إذ مات الشخص وكتب عليه العذاب فهل الذي يعذب الجسد أم الروح؟
الشيخ: نسأل الله أن يرحم أباكِ. وسنجيبك لاحقاً.
المتصل: ما تفسير قوله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:266] إلى نهاية الآية؟
الشيخ: سنجيبك إن شاء الله.
المتصل: قال الله تعالى: إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النحل:124] ما تفسير هذه الآية؟
الشيخ: سوف تسمع الإجابة إن شاء الله.
المتصل: قال الله تعالى: أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ [التوبة:109] ما تفسير هذه الآية؟
الشيخ: بالنسبة لأخينا علي الشيخ الذي يسأل عن الحكمة في كون السجود يتكرر كل ركعة مرتين، والركوع يكون مرة واحدة، نقول: هذا أمر الله، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ولا شك أن في ذلك حكمة، لكنني لا أعلمها، والصلاة يا علي ! مبناها على العبودية المحضة؛ ولذلك يمكن أن تسأل: ما العلة في أن المغرب ثلاث وأن العشاء أربع، وأن الصبح ركعتان؟ ما العلة في أن الظهر والعصر سرية كلها، والصبح جهرية كلها، والمغرب والعشاء فيها السر والجهر؟ ما الحكمة في أن الحاج يطوف بالبيت سبعاً ويسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ويرمي الجمار سبعاً؟ وإذا كان قارناً أو متمتعاً عاجزاً عن الهدي صام في الحج ثلاثاً، وإذا رجع إلى أهله صام سبعاً؟ وما الحكمة في أنه في اليوم الثامن يكون الحاج في منىً، وفي اليوم التاسع يكون في عرفة، وفي ليلة العاشر يكون في مزدلفة، وفي يوم العيد يكون في منى؟ ونحو ذلك من الأسئلة.
نقول: هذه العبادات تحقق معنى الشهادتين، فمعنى أني أقول: لا إله إلا الله، أي: لا أعبد سواك يا ربي! فأنت معبودي لا أعبد غيرك، ومعنى أنني أشهد أن محمداً رسول الله، أي: أنني لا أعبد الله إلا بما شرعه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا صلى الظهر أربعاً أصلي كما صلى، وإذا كان في كل ركعة ركع مرة وسجد مرتين فإني أفعل كما فعل، وأقول الأذكار التي قالها، فقد قال: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )، هذا هو تحقيق معنى قول ربنا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، كما قال أبو عبد الله بن القيم رحمه الله: المعنى إياك أريد يا ألله بالذي تريد، لا بالذي أريده أنا، فإذا طلب الله مني عبادة بدنية كالصلاة أديتها، فإذا طلب مني عبادة مالية كالزكاة أديتها، وإذا طلب مني عبادة بدنية مالية كالحج أديتها، وإذا طلب مني عبادة فيها كف عن المحبوب كالطعام والماء البارد بالصيام فإنني أقول: يا رب! سمعت وأطعت.
الشيخ: أختنا منال من الخرطوم تسأل عن كيفية غسل الميت، فأقول: يا منال! هذا جواب على سؤالك الثاني، اعلمي أن لغسل الميت قواعد:
القاعدة الأولى: أنه ينبغي أن يبتغى بها وجه الله، ورجاء ما عنده من ثواب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من غسل ميتاً فستر عليه غفر الله له أربعين مرة ).
القاعدة الثانية: لا يغسل الرجال إلا الرجال، ولا يغسل النساء إلا النساء، فلا يجوز لك أن تغسلي الوالد بعد موته، اللهم إلا الزوجين، فيجوز للرجل أن يغسل امرأته إذا ماتت، كما فعل علي رضي الله عنه حين غسل فاطمة رضي الله عنها، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام لـعائشة رضي الله عنها: ( ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك )، كذلك يجوز للزوجة أن تغسل زوجها، فإن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنهما، وكذلك السيدة عائشة قالت: ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه ).
القاعدة الثالثة: بأنه ينبغي أن يكون الغسل وتراً، يعني: نغسل الميت ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إذا دعت لذلك حاجة.
القاعدة الرابعة: ألا يحضر إلا من دعت الضرورة لحضوره، فلا ندخل عشرة لأجل تغسيل ميت واحد، إنما أقصى العدد أربعة، ولا نزيد، كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد غسله أربعة: العباس الذي كان يصب الماء، و علي الذي كان يدلكه من فوق قميصه عليه الصلاة والسلام، و الفضل بن العباس الذي كان يعاون، و صالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الخامسة: أن يغسل الميت قرابته الأدنون، الأدنى فالأدنى، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم غسله أقاربه: العباس و الفضل و علي و صالح الذي كان في بيته يخالطه، فلا يدخل على الميت غريب حين تغسيله، إلا إذا دعت لذلك حاجة.
كيفية الغسل:
أن نضع الميت على مكان مرتفع كسرير ونحوه، ثم بعد ذلك نجرده من ثيابه إلا ما يستر عورته، أي: قبل أن نخلع ما يستر عورته فإننا نضع عليه غطاء أو ملاءة أو ثوباً وما أشبه ذلك يستر عورته، وبعد ذلك نجلسه نصف جلسة ونضغط على بطنه برفق.
ثم بعد ذلك إذا أخرجنا ما في بطنه، يضع الغاسل شيئاً على يده، إما قفازاً وإما أن يلف شيئاً على يده، ويباشر تنظيف عورة الميت من تحت هذا الغطاء، ولا يفضي بيده إلى عورة الميت، وكذلك لا ينظر إلى عورته، وإنما من تحت الغطاء، ثم بعد ذلك نوضئه وضوء الصلاة، دون أن نجعل له ماءً في فمه ولا في منخريه، وإنما الغاسل يقوم بغسل فمه ودلك أسنانه، ويدخل أصبعيه في منخريه فينظفهما.
ثم بعد ذلك يبدأ بغسل الرأس والميامن والمياسر بماء صاف ليس معه شيء، هذه الغسلة الأولى.
ثم الغسلة الثانية بالصابون وما أشبه ذلك من ذوات الروائح الطيبة.
ثم في الغسلة الثالثة يجعل مع الماء كافوراً، قالوا: الكافور يرطب بدن الميت، ويمنع تسارع الهوام إليه.
ثم بعد ذلك يشرع بتكفينه، وهم مخيرون حال الغسل إما أن يكون الميت مستلقياً على ظهره، وإما أن يكون على جنبه وهو الأفضل، بحيث يتأتى لنا أن نغسله بطناً لظهرٍ دون حاجة إلى أن نقلبه.
هذه كيفية غسل الميت، وأنتِ يا منال ! مأجورة بارك الله فيك على ما قمت به نحو أبيك حال حياته، من بره والإحسان إليه، والقيام عليه، أسأل الله عز وجل أن يرزقك بره بعد الممات، كما رزقك بره حال الحياة.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
ديوان الإفتاء [485] | 2822 استماع |
ديوان الإفتاء [377] | 2648 استماع |
ديوان الإفتاء [277] | 2534 استماع |
ديوان الإفتاء [263] | 2532 استماع |
ديوان الإفتاء [767] | 2506 استماع |
ديوان الإفتاء [242] | 2475 استماع |
ديوان الإفتاء [519] | 2464 استماع |
ديوان الإفتاء [332] | 2442 استماع |
ديوان الإفتاء [550] | 2406 استماع |
ديوان الإفتاء [303] | 2404 استماع |