خطب ومحاضرات
النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة [3]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
تقدم معنا الكلام في أن نبينا عليه الصلاة والسلام في هجرته المباركة وقعت له بعض المعجزات الحسية التي جاءت تثبيتاً من الله عز وجل له وإنزالاً للسكينة عليه وإظهاراً لفضله وشرفه صلوات ربي وسلامه عليه.
معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو في هجرته إلى المدينة
ومن ذلك: أنه عليه الصلاة والسلام لما أراد سراقة بن مالك الجشعمي أن يمسك به وبصاحبيه فإن فرسه قد تعثر، ثم في المرة الأولى فرسه ساخت يداه في الأرض إلى أن بلغت ركبتيه، ثم لما خرجت خرج معها غبار كثيف كأنه دخان.
ومن ذلك: أنه عليه الصلاة والسلام لما مر بخيمة أم معبد الخزاعية وكانوا مسنتين، يعني: كانوا في جوع ما وجد إلا شاة خلفها الجهد عن الغنم، فمسح عليه الصلاة والسلام ضرعها وسمى الله، ثم حلب منها لبناً كثيراً في إناء أشبعه هو وأصحابه، وصاحبة الخيمة، ثم حلب فيه ثانية فشربوا عللاً بعد نهد.
ومن ذلك: لما مر بهم راع وسألوه شيئاً من لبن، فما كان معه إلا شاة قد حلبت قريباً، فالنبي عليه الصلاة والسلام مسح على ضرعها ثم حلب فيه فجاً.
أقول: هذه المعجزات كلها تأتي طرداً لأصل وهو: أن الله تعالى يكرم من شاء من أنبيائه بما شاء من أمور خارقة للعادة، ولذلك نحن نقرأ في القرآن بأن ربنا جل جلاله أكرم نبيه نوحاً لما كذبه قومه بأن أغرق الأرض كلها، كما قال سبحانه: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:11-12]، أي: التقى ماء السماء وماء الأرض وما نجا إلا نوح ومن معه كما قال سبحانه: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ [الصافات:77].
وأكرم الله إبراهيم الخليل عليه السلام لما ألقاه قومه في النار، حيث أمر الله النار بأن تكون برداً وسلاماً، فما أحرقت إلا وثاقه، أي ما أحرقت إلا القيود التي قيدوه بها، وبقي هو صلوات الله وسلامه عليه في النار ما مسه شيء من حرها ولا ناله شيء من أذاها.
وكذلك نبي الله موسى أكرمه الله بتسع آيات بينات، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء:101]، وهي: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، والسنين، ونقص من الثمرات، هذه تسع آيات أُكرم بها الكليم موسى عليه السلام.
وكذلك عيسى صلوات الله وسلامه عليه كان يبرئ الأكمة والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، وينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وتكلم في المهد صبياً، وأنزل الله عليه من السماء مائدة لما سأله الحواريون إياها.
معجزة النبي الخالدة
وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد آتاه الله عز وجل من المعجزات مثلما آتى الأنبياء قبله، وزاده على ذلك أعظم معجزة وأبقاها وأخلدها وهي القرآن الكريم، فإن هذه المعجزات الحسية تنتهي بوقتها، أما القرآن فالإعجاز فيه باق، والتحدي من خلاله قائم، قال تعالى: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88].
انشقاق القمر ونطق الشجر والحجر
وأما المعجزات الحسية فالنبي عليه الصلاة والسلام أكرمه الله بانشقاق القمر، لما طلب المشركون منه آية أراهم القمر وقد انشق نصفين حتى كان نصفاً فوق حراء ونصف دونه، فقال: ( اشهدوا يا معشر قريش ).
ومن المعجزات: تسليم الحجر والشجر عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي بالنبوة ).
الكلام مع الحيوانات
وكذلك له عليه الصلاة والسلام آيات مع ضروب الحيوانات، يعني: قال الله عن سليمان عليه السلام متحدثاً بنعمة الله عليه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ [النمل:16]، النبي عليه الصلاة والسلام كان يخاطب هذه الحيوانات العجماوات، بدليل أنه لما كان في بعض أسفاره صلوات الله وسلامه عليه، فأقبل أعرابي قد صاد ضباً -الورل- ووجد الصحابة محدقين بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فقال: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله. فالأعرابي يسخر ويستهزئ ألقى الضب بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب، أي: حتى يؤمن بك هذا الضب، فالنبي عليه الصلاة والسلام خاطب ذلك الضب، قال له: ( يا ضب! فقال الضب: مرحباً بخير من وافى القيامة، فقال له: من تعبد؟ قال: أعبد الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عقابه، فقال له: يا ضب! من أنا؟ قال: أنت رسول رب العالمين، وخير خلق الله أجمعين، قد أفلح من صدقك وخاب من كذبك، فالأعرابي قال: يا رسول الله! ائذن لي أن أسجد لك. فقال: ما ينبغي السجود إلا لله، قال: ائذن لي أن أقبل يديك ورجليك. فأذن له عليه الصلاة والسلام ).
إبراء المرضى وأصحاب العاهات
وكذلك من معجزاته عليه الصلاة والسلام: إبراء المرضى وذوي العاهات، إذا كان القرآن يحدثنا عن المسيح بأنه كان يبرئ الأكمة والأبرص، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان له آيات لما جاءه قتادة بن النعمان عليه من الله الرضوان في يوم أحد، وقد سالت عينه على كفه، قلعت عينه رضي الله عنه يحملها على كفه، قال: ( فأخذها صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ووضعها في مكانها، فكانت أحسن من الأخرى ).
ولما جاءه ابن عفراء يوم بدر وقد قطعت ذراعه: ( أخذها صلى الله عليه وسلم وبصق عليها ثم لصقها فلصقت )، رجعت كما كانت وبقي يقاتل بها إلى أن قتل رضي الله عنه يوم اليمامة شهيداً في حرب مسيلمة الكذاب.
نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم
وإذا كان القرآن يحدثنا عن موسى عليه السلام بأنه أنبع الماء من الحجر وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً [البقرة:60]، فإن الصحابة رضوان الله عليهم يوم الحديبية عطشوا وقد جيء للنبي عليه الصلاة والسلام بماء في ركوة في إناء، فتوضأ به، فجاء الصحابة قالوا: ( يا رسول الله! ما معنا ماء إلا ما توضأت به، فوضع صلى الله عليه وسلم يده في الإناء ودعا بدعوات، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، حتى توضأنا عن آخرنا، قيل له: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمسة عشرة مائة. -أي: ألفاً وخمسمائة- ).
تكثير الطعام القليل
وكذلك من معجزاته عليه الصلاة والسلام: تكثير الطعام القليل، الطعام الذي يكفي للواحد والاثنين يطعم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم المئات من الناس، ففي يوم غزوة الخندق لما جاءه الصحابة يشكون إليه الجوع وقد ربط كل واحد منهم على بطنه حجراً، فالنبي عليه الصلاة والسلام رفع رداءه، فإذا على بطنه حجران، فرجع أحد الصحابة إلى زوجته وقال لها: إن الجوع قد بلغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مبلغ، أما عندك طعام؟ قالت: ما عندنا إلا عناق وقرصان من شعير، العناق الصغير من البهائم، البهم الصغير، وقرصان من شعير، يعني: رغيفين، قال لها: فاذبحي العناق، واخبزي الشعير فإني داع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: لا تدعه إلا وحده أو معه واحد أو اثنان، فجاء الصحابي فهمس في أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عندهم طعاماً، فقال عليه الصلاة والسلام: ( يا بلال! أذن في الناس أن الغداء عند أبي طلحة، فرجع رضي الله عنه جزعاً هلعاً يشكو لزوجته، يقول لها: أمر بلالاً بأن يؤذن في الناس بأن الغداء عندنا، قالت له المرأة الصالحة: أنت دعوت الناس أم دعاهم هو؟ قال: بل دعاهم هو عليه الصلاة والسلام، قالت: إذاً لن يضيعنا الله. الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل إلى أبي طلحة ألا ينزلوا البرمة، يعني: الإناء الذي طبخوا فيه ذلك اللحم ما ينزلوه، فجاء عليه الصلاة والسلام فتفل في تلك القدر، أي نفخ عليه الصلاة والسلام ودعا بدعوات، ثم أخذ من الشعير وصب عليه من المرق ووضع اللحم، ثم قال: ادع عشرة، فأكلوا ثم انصرفوا، ثم قال: ادع عشرة، فأكلوا ثم انصرفوا، ثم قال: ادع عشرة، يقول أبو طلحة : والذي بعثه بالحق لقد أكل من طعامي ألف نفس، وانصرفوا. وإن قدرنا لتفور، وإن عجيننا ليخبز ).
معجزاته صلى الله عليه وسلم فرع عن صفات الرب سبحانه
ومعجزاته صلوات الله وسلامه عليه في إجابة دعائه وفيما أخبر من أمور مغيبة ما حصلت إلا بعد مئات السنين من وفاته عليه الصلاة والسلام، هذه كلها كما قال علماؤنا: فرع عن صفات ربنا جل جلاله الثلاث: صفة العلم، وصفة القدرة، وصفة الغنى. يعني: نحن المسلمون نعتقد أن الله بكل شيء عليم، وأن الله على كل شيء قدير، وأن الله غني عن العالمين؛ ولذلك معجزاته عليه الصلاة والسلام بعضها راجع إلى علم الله عز وجل، مثلاً: ما أخبر عنه من الأمور الغيبية التي ما كانت موجودة في عهده صلى الله عليه وسلم، مثل: لما كلم الصحابة عن فتح بلاد العراق وبلاد الشام وبلاد اليمن وبلاد مصر، ولما كلمهم عن فتح القسطنطينية، ولما كلمهم صلوات ربي وسلامه عليه بأن دينه سيبلغ المشارق والمغارب، هذا الكلام كله كان والمسلمون محاصرون في غزوة الخندق.
وأيضاً لما كلم بعض الصحابة بأشياء تحصل لهم في أشخاصهم، فكلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه سيقتل، وأخبر عثمان بأنه سيستشهد على بلوى تصيبه، وكلم علياً رضي الله عنه فقال: ( وأن أشىقى الناس من يخضب هذه -أي: لحية علي - من هذه -أي: من دم رقبته- )، هذا كله ما كان موجوداً في عهده، وقال في أبي ذر رضي الله عنه: ( يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده )، وهذا ما حصل إلا سنة اثنتين وثلاثين، يعني: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى وعشرين سنة.
بل كان جالساً عليه الصلاة والسلام ومعه أبو هريرة وسمرة بن جندب وحذيفة بن اليمان، فقال عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الثلاثة: ( آخركم موتاً في النار ). فلما سمعوا هذا الكلام تخوف الثلاثة، وصار كل منهم يتمنى لو مات الآن الآن. فمات حذيفة رضي الله عنه أولاً، بقي أبو هريرة وسمرة، وأبو هريرة في المدينة و سمرة في العراق، وكلما أتى من العراق آت كان أبو هريرة يخرج يسأله ويقول له: هل مات سمرة؟ وبعد ذلك سنة تسع وخمسين مات أبو هريرة رضي الله عنه، وبقي سمرة وكان شيخاً قد أسن، تقدمت به السن، وفي يوم جمعة بينما هو يتجمر يعني: يتطيب بالبخور استعداداً للصلاة إذ وقعت على ثيابه جمرة فاحترق منها فمات، فهنا فهم الناس أن قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( آخركم موتاً في النار )، يعني به نار الدنيا وليس نار الآخرة، فيكون سمرة شهيداً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن الشهداء ستة سوى شهيد المعركة، قال: ( المبطون شهيد، والمطعون شهيد، والحريق شهيد، والغريق شهيد، والمهدوم شهيد، والمرأة يقتلها ولدها -أي: في الولادة- شهيدة )، فهؤلاء كلهم شهداء.
فالمعجزات ترجع إلى صفة العلم، أو إلى صفة الغنى، الله غني، ومن ذلك مثلاً: تكثير الطعام القليل، هذا مرده إلى أن الله عز وجل غني، خزائنه ملأى، يده سحاء.
والصفة الثالثة: صفة القدرة، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20]؛ ولذلك إبراء المرضى وذوي العاهات يرجع إلى صفة القدرة، مثل: انقلاب الأعيان فيما مسه بيده وباشره بنفسه عليه الصلاة والسلام، مثل بعير جابر بن عبد الله عندما أعيى تعثر في السفر، قال: ( فنخسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصاه )، فانطلق يمشي هذا البعير الذي كان متعثراً متأخراً، صار يسابق الناس في المقدمة، وهذا يرجع إلى صفة القدرة.
وأقول: هذه الأمور الخارقة للعادة لا تستغرب، فإن الله عز وجل أخبرنا أن الكون كله مسخر له، وأن الكون كله مسبح بحمده، قال سبحانه: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء:44]، جل جلاله، كل ما في الكون مسخر له، وكل ما في الكون مسبح بحمده.
ومن ذلك: أنه عليه الصلاة والسلام لما أراد سراقة بن مالك الجشعمي أن يمسك به وبصاحبيه فإن فرسه قد تعثر، ثم في المرة الأولى فرسه ساخت يداه في الأرض إلى أن بلغت ركبتيه، ثم لما خرجت خرج معها غبار كثيف كأنه دخان.
ومن ذلك: أنه عليه الصلاة والسلام لما مر بخيمة أم معبد الخزاعية وكانوا مسنتين، يعني: كانوا في جوع ما وجد إلا شاة خلفها الجهد عن الغنم، فمسح عليه الصلاة والسلام ضرعها وسمى الله، ثم حلب منها لبناً كثيراً في إناء أشبعه هو وأصحابه، وصاحبة الخيمة، ثم حلب فيه ثانية فشربوا عللاً بعد نهد.
ومن ذلك: لما مر بهم راع وسألوه شيئاً من لبن، فما كان معه إلا شاة قد حلبت قريباً، فالنبي عليه الصلاة والسلام مسح على ضرعها ثم حلب فيه فجاً.
أقول: هذه المعجزات كلها تأتي طرداً لأصل وهو: أن الله تعالى يكرم من شاء من أنبيائه بما شاء من أمور خارقة للعادة، ولذلك نحن نقرأ في القرآن بأن ربنا جل جلاله أكرم نبيه نوحاً لما كذبه قومه بأن أغرق الأرض كلها، كما قال سبحانه: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:11-12]، أي: التقى ماء السماء وماء الأرض وما نجا إلا نوح ومن معه كما قال سبحانه: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ [الصافات:77].
وأكرم الله إبراهيم الخليل عليه السلام لما ألقاه قومه في النار، حيث أمر الله النار بأن تكون برداً وسلاماً، فما أحرقت إلا وثاقه، أي ما أحرقت إلا القيود التي قيدوه بها، وبقي هو صلوات الله وسلامه عليه في النار ما مسه شيء من حرها ولا ناله شيء من أذاها.
وكذلك نبي الله موسى أكرمه الله بتسع آيات بينات، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء:101]، وهي: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، والسنين، ونقص من الثمرات، هذه تسع آيات أُكرم بها الكليم موسى عليه السلام.
وكذلك عيسى صلوات الله وسلامه عليه كان يبرئ الأكمة والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، وينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وتكلم في المهد صبياً، وأنزل الله عليه من السماء مائدة لما سأله الحواريون إياها.
وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد آتاه الله عز وجل من المعجزات مثلما آتى الأنبياء قبله، وزاده على ذلك أعظم معجزة وأبقاها وأخلدها وهي القرآن الكريم، فإن هذه المعجزات الحسية تنتهي بوقتها، أما القرآن فالإعجاز فيه باق، والتحدي من خلاله قائم، قال تعالى: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88].
وأما المعجزات الحسية فالنبي عليه الصلاة والسلام أكرمه الله بانشقاق القمر، لما طلب المشركون منه آية أراهم القمر وقد انشق نصفين حتى كان نصفاً فوق حراء ونصف دونه، فقال: ( اشهدوا يا معشر قريش ).
ومن المعجزات: تسليم الحجر والشجر عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي بالنبوة ).
وكذلك له عليه الصلاة والسلام آيات مع ضروب الحيوانات، يعني: قال الله عن سليمان عليه السلام متحدثاً بنعمة الله عليه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ [النمل:16]، النبي عليه الصلاة والسلام كان يخاطب هذه الحيوانات العجماوات، بدليل أنه لما كان في بعض أسفاره صلوات الله وسلامه عليه، فأقبل أعرابي قد صاد ضباً -الورل- ووجد الصحابة محدقين بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فقال: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله. فالأعرابي يسخر ويستهزئ ألقى الضب بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب، أي: حتى يؤمن بك هذا الضب، فالنبي عليه الصلاة والسلام خاطب ذلك الضب، قال له: ( يا ضب! فقال الضب: مرحباً بخير من وافى القيامة، فقال له: من تعبد؟ قال: أعبد الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عقابه، فقال له: يا ضب! من أنا؟ قال: أنت رسول رب العالمين، وخير خلق الله أجمعين، قد أفلح من صدقك وخاب من كذبك، فالأعرابي قال: يا رسول الله! ائذن لي أن أسجد لك. فقال: ما ينبغي السجود إلا لله، قال: ائذن لي أن أقبل يديك ورجليك. فأذن له عليه الصلاة والسلام ).
وكذلك من معجزاته عليه الصلاة والسلام: إبراء المرضى وذوي العاهات، إذا كان القرآن يحدثنا عن المسيح بأنه كان يبرئ الأكمة والأبرص، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان له آيات لما جاءه قتادة بن النعمان عليه من الله الرضوان في يوم أحد، وقد سالت عينه على كفه، قلعت عينه رضي الله عنه يحملها على كفه، قال: ( فأخذها صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ووضعها في مكانها، فكانت أحسن من الأخرى ).
ولما جاءه ابن عفراء يوم بدر وقد قطعت ذراعه: ( أخذها صلى الله عليه وسلم وبصق عليها ثم لصقها فلصقت )، رجعت كما كانت وبقي يقاتل بها إلى أن قتل رضي الله عنه يوم اليمامة شهيداً في حرب مسيلمة الكذاب.
وإذا كان القرآن يحدثنا عن موسى عليه السلام بأنه أنبع الماء من الحجر وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً [البقرة:60]، فإن الصحابة رضوان الله عليهم يوم الحديبية عطشوا وقد جيء للنبي عليه الصلاة والسلام بماء في ركوة في إناء، فتوضأ به، فجاء الصحابة قالوا: ( يا رسول الله! ما معنا ماء إلا ما توضأت به، فوضع صلى الله عليه وسلم يده في الإناء ودعا بدعوات، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، حتى توضأنا عن آخرنا، قيل له: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمسة عشرة مائة. -أي: ألفاً وخمسمائة- ).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
بداية نزول الوحي | 2556 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [2] | 2405 استماع |
عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل | 2174 استماع |
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم | 2148 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة [2] | 2130 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [1] | 2108 استماع |
إرهاصات النبوة [2] | 2071 استماع |
الإسراء والمعراج | 2013 استماع |
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم | 1876 استماع |
عام الحزن وخروج النبي إلى الطائف | 1827 استماع |