خطب ومحاضرات
النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
تقدم معنا الكلام في أن المسلمين تتابعت هجرتهم إلى المدينة بعد بيعة العقبة الثانية التي تعهد فيها الأنصار عليهم من الله الرضوان بحماية إخوانهم، والدفاع عنهم، وقد خرجوا في ذلك زرافات ووحداناً، وبعضهم عجز عن الهجرة؛ لأن المشركين تمكنوا من الإمساك به وحبسه.
ثم إن الصديق أبا بكر رضي الله عنه كان يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فكان يأمره بالصبر لعل الله يجعل له صاحباً.
ولما أيقن المشركون أن المسلمين يهاجرون إلى المدينة وستكون لهم القوة أرادوا أن يقضوا على الدعوة الإسلامية بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في ذلك غرابة، فالمجرمون من قبلهم قتلوا الأنبياء كما قال ربنا جل جلاله: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146].
فاجتمع المشركون في دار الندوة وخلصوا إلى قرار إجرامي من الطراز الأول وهو: أن يتخيروا من كل قبيلة شاباً جلداً في يده سيف صلد، يتحينون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج ضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، ولا يستطيع بنو هاشم إلا أن يرضوا بالعقل أي: (الدية)، وهذا الرأي تولى كبره عدو الله أبو جهل .
ولكن الأمور لا تسير كما يريدون، فقد نزل جبريل على النبي الأمين صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، وأمره ألا يبيت في فراشه تلك الليلة.
فعمد النبي عليه الصلاة والسلام إلى وضع خطة للهجرة، خطة فيها جميع الأسباب الأرضية التي أعتمد عليها أنا وأنت، ثم بعد ذلك التأييد والتسديد والتوفيق والمعية من الله عز وجل، وعماد خطة النبي عليه الصلاة والسلام كان قائماً على السرية المطلقة، لا يعرف بخبر الهجرة ولا تفاصيل الرحلة إلا من دعت الحاجة إلى أن يعرف.
جاء إلى أبي بكر رضي الله عنه في نحر الظهيرة في ساعة منكرة متقنعاً بردائه، ثم قال له: ( يا أبا بكر ! أخرج من في البيت -أنا أريد اجتماع على انفراد- فقال: يا رسول الله! إنما هما ابنتاي -يعني: عائشة و أسماء ، عليهم من الله الرضوان- فقال له: يا أبا بكر ! إن الله أمرني أن أهاجر، فقال أبو بكر : الصحبة الصحبة يا رسول الله! -يعني: اجعلني لك صاحباً- فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم نعم، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، وما ظننت أن أحداً يبكي فرحاً حتى رأيت أبا بكر يبكي في ذلك اليوم ) يعني: عائشة رضي الله عنها كانت تظن أنه لا بكاء إلا في حال الحزن والضيق، أما أن الإنسان يبكي فرحاً ما كان يخطر ذلك ببالها.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد أمر أبا بكر قبل ذلك بشهور أن يبتاع راحلتين وأن يعلفهما، يغذيهما ويهيئهما، وأبى النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن تكون راحلته بثمنها، مع أن أبا بكر وهبه إياها لكنه أبى، وسبب الإباء أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن تكون تلك الرحلة من ماله الخاص؛ ليقع أجره على الله كاملاً.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم و أبا بكر استأجرا رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً، (هادياً) يعني: دليلاً في الصحراء يهديهم، (خريتاً)، أي: خبيراً بالطرق، عارفاً بالشعاب، وهذا الرجل كان مشركاً واسمه عبد الله بن أريقط الليثي ، واعده النبي صلى الله عليه وسلم غار ثور بعد ثلاث، وغار ثور يقع في الجهة الجنوبية الغربية من مكة، والمدينة تقع في شمال مكة، وهاهنا النبي صلى الله عليه وسلم خطته محكمة، لأن المشركين إذا قاموا يبحثون عنه سيذهبون إلى جهة الشمال؛ لأنها الطريق المؤدية إلى المدينة، لكنه عليه الصلاة والسلام اختار ذلك الغار الذي يقع في الجهة الجنوبية الغربية؛ لكونه لا يخطر ببالهم.
ثانياً: اختبأ صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ثلاثة أيام حتى خف الطلب، ويئس المشركون من العثور عليهما.
ثالثاً: تزود رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر لتلك الرحلة، يعني: حملا معهما الزاد، وهذا مقتضى التوكل على الله عز وجل، فالإنسان إذا أراد أن يسافر يتزود، ويحمل معه طعاماً، أو يحمل معه مالاً يبتاع به طعاماً، أما إنسان يخرج بغير زاد ويقول: أنا متوكل على الله فليس هذا من الدين في شيء، ولذلك الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمة الله عليه لما جاءه أحد الناس وقال له: إني خارج إلى الحج، قال له أحمد : تزود، فقال: لا. أنا متوكل على الله، قال له: إذاً اخرج وحدك. فقال: لا. بل أخرج مع القوم، قال له: إذاً أنت متوكل على زاد القوم، أي: أنت لست متوكلاً على الله، بل تريد أن تأكل من حق الناس، ولو كنت متوكلاً على الله فاخرج وحدك. والإمام أحمد هاهنا لا يريد أن يأمره بالهلكة، وأن يضرب الفيافي والقفار من غير زاد ولا ماء وحده فيهلك، وإنما يريد أن يثبت له أن هذا ليس هو التوكل الذي أمر الله به حين قال: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23].
فالنبي عليه الصلاة والسلام اختبأ، وتزود، وعلم صلى الله عليه وسلم أن هذا الزاد سينفد، فطلب من أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن تلحقهما بزاد، وأمر عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه وكان حدثاً صغيراً بأن يتابع الأخبار، وأن يسمع ما يقوله الناس، ثم إذا جن الليل جاءهم في الغار وأخبرهم الخبر، وأمر عامر بن فهيرة وهو مولى أبي بكر بأن يرعى الأغنام من أجل أن يعفي الآثار، يعني: في تلك المنطقة يأتي بأغنامه لئلا يبقى للأقدام أثر فيستدل عليهم المشركون.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم يستأجر رجلاً مشركاً، في هذا دليل على جواز إجارة المشرك، فلا مانع من أن تستأجر إنساناً غير مسلم في عمل من الأعمال المباحة.
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بأن ينام في فراشه تلك الليلة، وأن يتغطى ببرده الحضرمي، وهو الغطاء الذي كان يستعمله الرسول عليه الصلاة والسلام فطلب من علي أن يستعمله، وهذا كله تخطيط، و علي رضي الله عنه نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان على يقين أن عين الله ترعاه.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان
والمشركون وقوف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون خروجه، و أبو جهل لعنه الله جاء من أجل أن يستوثق، وبدأ يسلي القوم بحديثه ويقول لهم: إن ابن أبي كبشة -يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام- يزعم أنكم إن أطعتموه وتابعتموه كانت لكم جنان كجنان الأردن، وأنكم إن عصيتموه أدخلكم الله ناراً تلظى.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو جهل يقول هذا الكلام، وهو عليه الصلاة والسلام: يقرأ صدر سورة (يس)، إلى أن بلغ قول الله عز وجل: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9]، أخذ حفنة من تراب عليه الصلاة والسلام ووضعها على رأس أبي جهل وقال له: أنا أقول ذلك وأنت منهم، -يعني: أنت من هؤلاء الذين عصوا، وسيدخلهم الله ناراً تلظى- ثم وضع على رءوس بقية القوم وخرج، عليه الصلاة والسلام.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: قد يقول قائل: لم انتظر المشركون على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقتحموه؟ يعني: بدلاً من الانتظار الطويل مع احتمال أن يتسلل من بين أيديهم، كان الأنجح لخطتهم أن يقتحموا عليه.
القوم كانوا كفاراً، لكن عندهم أصول مرعية، وعندهم عادات لا يتجاوزونها، وكانوا يستقبحون أن يقتحموا بيتاً فيه نساء، فهي تعتبر عندهم من القبائح ومن المسبة، ومثله أيضاً كما سيأتي معنا إن شاء الله في يوم أحد بعدما قتل من المسلمين سبعون على رأسهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو سفيان لشدة غيظه أخذ سيفه وصار يعبث في وجه حمزة رضي الله عنه وهو قتيل، فقال واحد من الناس: انظروا معشر بني كنانة! ماذا يصنع سيدكم بابن عمه وهو ميت! فقال أبو سفيان : اكتم عني، اكتم عني والله لا أعود، يعني: كان عندهم من القبائح أن إنساناً ميتاً لا يملك أن يدفع عن نفسه يعبث إنسان بشيء من جسده.
فالمقصود: بأنهم لم يقتحموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن تعهد عليهم سبة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم مضى وبقي علي رضي الله عنه نائماً في الفراش، ولو طلب من أي إنسان مثل هذه المهمة فإنه يتهيب؛ لأنه سيقول: ربما يدخلون فيضربونني، لكن عليـاً نام مطمئناً، ولما طال بالقوم الوقوف وليس من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن ينام نوماً طويلاً هكذا، بدءوا ينظرون من شق الباب وثقب الباب، ثم بعد ذلك بدءوا يأخذون حجارة ويرمون هذا النائم، وبدأ يتقلب، زيادة في التمويه دون أن يكشف عن وجهه، يتقلب على فراشه والقوم يرجمونه بالحجارة وهو يتقلب ذات اليمن وذات الشمال كأن نومه ثقيل.
ثم بعد ذلك جاء بعض المشركين فقال لأولئك الواقفين: من تنتظرون؟
قالوا: ننتظر محمداً هذا الصابئ، فقال لهم: خيبكم الله! إني رأيته بظاهر مكة خارجاً، فهاهنا اقتحم القوم على علي رضي الله عنه ونسوا أصولهم وتقاليدهم، ثم كشفوا عن وجهه، وأول كلمة قالها عدو الله أبو جهل قال لـعلي : إنك للئيم، ثم قال له: أين محمد؟ قال: لا علم لي به. أي: ما أدري أين ذهب، فعمدوا إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه وسأل أبو جهل أسماء : أين أبوك؟ فقالت: لا علم لي به، فلطمها لطمة حتى طار قرطها، يعني: الحلق الذي كانت تتزين به، من شدة تلك اللطمة طار من أذنها رضي الله عنها.
وقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من مكة إليها نظرة الحزين الأسف، وقال: ( والله! إنك لأحب البلاد إلي، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت )، فأنزل الله عليه قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85]، فالله عز وجل يبشره، ويقول له: أنت خرجت من مكة مطروداً مخوفاً، ولكنك سترجع إليها مؤيداً منصوراً، وستدخلها في جيش كالسيل لا يعرف أوله من آخره.
كان المشركون هؤلاء عليهم أن يقتنعوا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم منصور، وأنه ممنوع، وأنهم لا يقدرون عليه؛ لأن معه القوة التي لا تغلب، قوة الله عز وجل، لكن سبحان الله سنة الله أن الكافر لا يتعظ كما قال ربنا: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:96-97]، ولذلك انظروا حين يحدثنا القرآن عن فرعون ، يخبرنا بأنه أرسل عليه آيات بينات، أرسل عليه السنين، أي: المجاعة، ثم أرسل عليه نقصاً من الثمرات، ثم أرسل عليه الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم آيات مفصلات، وفي كل مرة كان يأتي فرعون إلى موسى ويقول له: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:134]، فإذا أزال الله البلاء وكشف الوباء رجع فرعون إلى الكفر بالله رب العالمين، وهكذا هؤلاء الكفار بدلاً من أن يقتنعوا، عاندوا.
وقد وضعوا خططاً للعثور على النبي وصاحبه، وأصدروا ما يشبه التعميم بلغة الناس اليوم، تعميماً على كافة المنافذ والحدود بوجوب القبض على شخصين: أحدهما: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم، والثاني: أبو بكر بن أبي قحافة التيمي ، وكذلك وضعوا جائزة مائة من الإبل، وهي تمثل ثروة ضخمة في ذلك الزمان والمكان، لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه حيين أو ميتين، ثم استأجروا أيضاً من يقصون الآثار، ويعرفونها ويتتبعونها من أجل أن يعرفوا أين ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر .
وذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ماشيين؛ لأن الراحلتين أُسلمتا إلى عبد الله بن أريقط الليثي من أجل أن يوافيهما بهما عند الغار بعد ثلاث، وفي طريقهما إلى الغار كان أبو بكر يمشي أمامه تارة، وخلفه تارة، وعن يمينه تارة، وعن شماله تارة، فالنبي عليه الصلاة والسلام سأله: ( ماذا تصنع يا أبا بكر ؟ قال: يا رسول الله! أتذكر الرصد -أن هناك عدواً يرصدنا وهو ينتظرنا- فأمشي أمامك، ثم أتذكر الطلب -بأن هناك عدواً يأتي من ورائنا فأمشي وراءك- وأتذكر العدو عن يمينك وعن شمالك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتحب أن يصيبك المكروه دوني؟ قال: نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله! ) وأبو بكر هاهنا يحقق قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين ).
ثم لما وصلوا إلى الغار قال: على رسلك يا رسول الله، يعني: لا تدخل، فدخل رضي الله عنه وبدأ يتحسس الغار فإذا وجد فتحة يمكن أن يتسلل منها شيء من هوام الأرض، أو أن يراهما إنسان من خلالها يقطع من ردائه ويلقمها، حتى سد تلك الفتحات جميعاً، وأمَّن الغار ثم طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدخل، يعني: كأن أبا بكر بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم رجل أمن محترف، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم الغار وهو في غاية الجهد، فوضع أبو بكر رجله وتوسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونام عليه الصلاة والسلام، فسلط الله على أبي بكر عقرباً لدغته، فكره أن يتحرك مخافة أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلدغته، ثم لدغته مراراً، فلما اشتد به الألم رضي الله عنه دمعت عيناه، وبعض الناس قد يستغرب كيف تدمع عيناه؟ فنقول له: سبحان الله ! أبو بكر ليس بحديد ولا حجر وإنما هو بشر عنده طاقة، وعنده إحساس، ويتألم، فدمعت عيناه رضي الله عنه، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولما علم بأنه لديغ تفل على موضع اللدغ فبرئ بإذن الله، كأنه لم يكن شيء.
وسار الكفار في كل وجه يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدءوا يتجهون هاهنا وهاهنا ويستأجرون من يبحثون ويفتشون ومن يقصون الأثر، ويجعلون لذلك الجعل العظيم حتى قدر الله أن يأتوا إلى الجبل الذي فيه الغار ويقفوا عليه، والغار هو عبارة عن فجوة في الجبل، وهاهنا أبو بكر رضي الله عنه دمعت عيناه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما لك؟ قال: يا رسول الله! لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا )، يعني: الناس هؤلاء ينظرون يميناً وشمالاً وقداماً وللخلف، لكنهم لا ينظرون إلى تحت ولو نظروا فإنهم سيروننا، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام مطمئناً: ( يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] )، قال المفسرون في هذه الآية دليل على فضل أبي بكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إن الله معنا )، ولم يقل: إن الله معي، أما موسى عليه السلام لما قال له قومه: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:61-62]، ما قال: ( إن معنا)، إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد قال: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].
وبعض الناس يتخذ هذه الآية دليلاً للطعن في أبي بكر وهم الرافضة، يقولون: لو كان إيمان أبي بكر صحيحاً، فلم خاف؟ ولم بكى؟
فنقول: الله أكبر! أما خوفه رضي الله عنه فقد خاف من هو خير منه، أما تقرءون في القرآن قول ربنا الرحمن عن موسى عليه السلام: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص:21]، أما تقرءون أن الله تعالى لما كلفه بالذهاب إلى فرعون قال: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [القصص:33]، فخاف وهو نبي مرسل.
ثم نقول لهم ثانياً: هل كان خوف أبي بكر على نفسه؟ لقد كان يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم ومن ورائه وعن يمينه وعن شماله، وفي الغار دخل قبله، ولما لدغته العقرب ما تحرك، ولذلك نقول: ما كان خوفه على نفسه بل كان خوفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الإمام أحمد وغيره بأن الله عز وجل أرسل عنكبوتاً نسجت وحمامة باضت، وبعض الناس يضعف هذه الرواية، وليست بضعيفة، فالمعجزات الحسية ثابتة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: نحن نصدق بأن النبي صلى الله عليه وسلم أُيد بعدد من المعجزات وهي الأمور الخارقة للعادة، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يبرئ المرضى، وذوي العاهات، ومن ذلك نبوع الماء من بين أصابعه، ومن ذلك ابتعاث الماء بمسه ودعوته، ومن ذلك كلامه مع الأشجار والحيوانات، ومن ذلك انقلاب الأعيان له فيما مسه بيده صلوات ربي وسلامه عليه، ومن ذلك إجابة دعوته، ومن ذلك إخباره عن الغيوب التي تكون في مستقبل الأيام، ومن ذلك أيضاً تكثير الطعام القليل، قد يكون هناك طعام قليل ما يكفي إلا لعدد محدود من الناس، فيطعم منه النبي صلى الله عليه وسلم عدداً كثيراً بالبركة.
ولذلك يقول أبو هريرة : ( أصابت الناس مخمصة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: كان هناك جوع- فقال: يا أبا هر ! ما عندك شيء من طعام؟ قلت: يا رسول الله! تمرات في مزود، قال: ائتني بها، يقول أبو هريرة : وكانت تسع عشرة تمرة -يعني: هو عدَّها )، وتعرفون الشيء إذا كان قليلاً فإن الإنسان يحصيه ويعده، أما إذا كان عندك كيس في البيت فلن تعده ولن تحصيه ( يقول: فجئته فأخرجهن وقال: ما شاء الله أن يقول -يعني بسطها في ثوب ودعا بدعوات- ثم أعادهن، وقال: ادع أصحابي، وبدأ يخرج لهم من هذا المزود يطعمون حتى يشبعوا ويخرجوا، ثم يأتي غيرهم فيطعمون، ثم يأتي آخرون فيطعمون، ثم قال له: يا أبا هر ! هذه تمراتك ما أكلنا منها شيئاً، فإذا أردت أن تأكل فأدخل يدك ولا تكبه كباً )، يعني: فقط أدخل يدك وكل، ( يقول أبو هريرة : والذي بعث محمداً بالحق لقد أكلت منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، حتى كان يوم قتل عثمان انتهب منه فذهب )؛ لأنه حصلت فتنة في المدينة، وعثمان رضي الله عنه قتل سنة خمس وثلاثين، يعني: لو فرض أن هذه الحادثة كانت في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة إحدى عشرة مثلاً، معنى ذلك أن أبا هر أكل من ذلك المزود أربعاً وعشرين سنة لا يحمل هماً لغداء ولا عشاء، بل وقتما يجوع يدخل يده ويأكل، ويطعم من شاء.
مرت أيام الغار الثلاثة بالسلام على السبيل الذي ذكر، الرسول صلى الله عليه وسلم و أبو بكر لا يبرحان الغار، الأخبار يأتي بها عبد الله بن أبي بكر ، الزاد تأتي به أسماء ، وتعفية الآثار يتولاها عامر بن فهيرة ، ما حصل إلا حادث واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب أصبعه حجر فخرج منه الدم، فمسح الدم عليه الصلاة والسلام وهو يقول لها: ( وهل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت )، هذا هو الحادث الوحيد الذي حصل في الفترة التي مكث فيها في غار ثور.
إن شاء الله نبدأ من التوجه إلى المدينة المنورة في درس الغد، أسأل الله أن ينفعني وإياكم.
عاقبة النميمة وكيفية علاجها
السؤال: ما هي عاقبة النميمة؟ وكيف العلاج منها؟
الجواب: النميمة: هي نقل الكلام على جهة الإفساد، فتنقل الكلام بين الناس من أجل أن تفسد بينهم، وهذه النميمة من كبائر الذنوب، وعاقبتها الحرمان من الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة نمام )، وأيضاً عاقبتها العذاب في القبر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: ( إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس ).
وأما العلاج: فينبغي لمن نقل إليه الكلام، يعني: لو جاءني واحد من الناس فقال لي: بأن فلاناً قال فيك كذا وكذا، فيلزمني أمور:
أولاً: ألا أصدقه؛ لأنه فاسق، والنمام فاسق.
ثانياً: أن أقبح له عمله، وأنهاه عن هذا المنكر.
ثالثاً: أن أبغضه في الله؛ لأنه بغيض إلى الله.
رابعاً: ألا أقع في مثل ما نهيته عنه.
خامساً: ألا أتجسس، يعني: لا يحملني هذا الكلام أن أذهب وأتجسس على فلان هذا الذي نقل عنه.
خطوات طالب العلم
السؤال: دلني على خطوات أطلب بها العلم، مع العلم أنني طالب في الثانوي وليس لدي الكثير من الوقت؟
الجواب: أسأل الله أن يعلمني وإياكم علماً نافعاً، وأول درجة في سلم طلب العلم الإخلاص، نسأل الله أن يرزقنا جميعاً الإخلاص، فالإنسان يخلص لله عز وجل ويبتغي وجهه حذراً من قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب عرضاً من الدنيا لم يجد رائحة الجنة )، وقال: ( من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو يجادل به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة ).
ثم ثانياً: التواضع، لا يوجد علم بغير تواضع، لا بد أن يتواضع الإنسان ويذل بين يدي معلمه حتى لو كان فيه شيء من الخشونة، أو من القسوة والشدة، الإنسان يتحمل هذا كله، كما قال ابن عباس : ( ذللت طالباً فعززت مطلوباً).
ثالثاً: ابدأ بصغار العلم قبل كباره، يعني: لا تذهب إلى المطولات وأنت لا تحسن المختصرات، فلا تبدأ بكتاب المغني، أو بكتاب التمهيد لـابن عبد البر المالكي، أو بمجموع النووي أو المغني لـابن قدامة أو المحلى لـابن حزم، وإنما ابدأ بالمختصرات الصغيرة، ولذلك حتى الطفل إذا أردنا أن نحفظه القرآن هل نبدأ له من سورة البقرة من الناس؟ نبدأ له بالسور القصار.
ثم رابعاً: لا تستثقل طول المدة، يعني: لا تقول: أنا أريد أن أطلب العلم، خلال شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين وتصير عالماً، لا، بل عد نفسك طالباً ما حييت، كما قال الإمام أحمد : (مع المحبرة إلى المقبرة) مع المحبرة التي بيستعملها في الكتابة والتقييد إلى المقبرة، والإنسان لو وصل إلى درجة وقال: أنا عالم فقد نص على أنه جاهل، فلا يزال الإنسان عالماً ما طلب العلم، أما إذا ظن أنه قد اكتفى، فهذا مسكين، وقد قال ربنا: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76].
ثم خامساً: لا تحتقر الفائدة وإن قلت، أي فائدة تسمع بها أو تتوصل إليها فاحتفل بها، واحرص على تقييدها كما قيل:
العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة
ثم سادساً: لا تصرف الوقت في فضول العلم، فبعض الناس مثلاً إذا أراد أن يتعلم اللغة العربية تتبع اللغات الشاذة والغريبة ووحشي الكلام، وكذلك في علم الحديث يجمع الروايات والمسلسلات والثلاثيات ويتوسع في ذلك ويتوسع في علم الرجال، وقل مثل ذلك في القرآن الكريم يعنى يجمع الروايات الشاذة والغريبة، وهكذا، حتى في الفقه يتتبع المسائل الغريبة التي لا تكاد تقع، وهذا كله من صرف الوقت فيما لا ينفع، ومعلوم أن العلم كثير والعمر قصير، ولذلك الإنسان يبدأ بمهمات المسائل فيحكمها، ثم بعد ذلك يدخل في التفاصيل.
تفسير قوله تعالى: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ...)
السؤال: أسأل عن تفسير قوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ [التحريم:10].. الآية؟
الجواب: هذه واضحة بأن الله عز وجل ذكر لنا مثلاً للمؤمنين ومثلاً للكافرين، مثل المؤمنين امرأتان: وهي مريم وزوجة فرعون، ومثل الكافرين امرأتان: زوجة نوح وزوجة لوط ، كانتا زوجتين لعبدين صالحين طيبين مباركين فخانتاهما، ليس المقصود خيانة العرض، بل المقصود خيانة المعتقد، كانتا كافرتين جاحدتين فأوردهما الله النار وبئس الورد المورود.
حكم جلسة الاستراحة في الصلاة
السؤال: ما حكم جلسة الاستراحة؟
الجواب: جلسة الاستراحة سنة لمن احتاج إليها، فقد ثبت من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا قام إلى الركعة الثانية جلس قليلاً، وكذلك إذا قام إلى الرابعة )، لكن أكثر العلماء يقولون: هذا لما كبرت سنه، وتقدم به العمر، وحياته صلى الله عليه وسلم كلها جهاد، وقد أصيب في يوم أحد عليه الصلاة والسلام، وبعد ذلك كثرة الأسفار وكثرة الغزوات، وطول السهر مع الإجهاد في الدعوة، هذا كله أثر عليه مع تقدم عمره صلوات ربي وسلامه عليه. أما الإنسان الشاب مثلي ومثلك فما يحتاج إلى هذه الجلسة.
حكم بيع البلح والخميرة لصانعات الخمور في رمضان
السؤال: رجل يبيع البلح والخميرة إلى صانعات الخمور في نهار رمضان؟
الجواب: لا يجوز طبعاً، ربنا قال: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فإذا كنت تعرف بأنها تصنع خمراً حتى الماء لا تعطيه لها، فهذا حرام. ( وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخمر، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، ومهديها، وآكل ثمنها، وعاصرها، ومعتصرها )، وعاصرها: هو من عصر لنفسه، ومعتصرها: هو من عصر لغيره، فهذه معتصرة لا يجوز البيع لها.
رفض الزوجة الأولى السلام على الثانية وعدم رد السلام عليها
السؤال: رجل له زوجتان: الأولى ترفض السلام على الثانية ولا ترد إن سلمت عليها، هل تدخل في حديث الهجران؟
الجواب: نعم تدخل ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )، يعني: الناس في ذلك طرفان ووسط، فبعض الناس يريد من الزوجتين أن تكونا سمناً على عسل، وهذا لا يتأتى أبداً؛ لأن الشريعة سمتها ضرة؛ لأن فيها ضرراً حاصلاً، وغيرة متبادلة، وبعض الناس أيضاً يريد أن يقطع العلاقات بينهما تماماً، وهذا أيضاً لا يجوز، ولكن يكون بينهما معاشرة بالمعروف وسلام وإذا مرضت هذه تعودها، وإذا ولدت تزورها، وإذا ماتت أمها تعزيها، وهكذا يعني مجاملات كما يكون بين الجارة والجارة، وينتهي إلى هذا الحد.
ثم بعد ذلك المشاكل بين الزوجات أصلاً لا بد منها، فهذا حصل حتى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا الرسول صلى الله عليه وسلم جالس يوماً مع بعض أصحابه في بيت عائشة فأرسلت له زينب بصحفة فيها طعام، فـعائشة رأت أن في هذا انتهاكاً لليلتها، وحطاً لكرامتها واعتداءً على مقدرتها في الطبخ، فأمسكت بالطعام وضربت به الأرض، فانكسرت الصحفة وتشتت الطعام، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يجمع الطعام ويقول: ( غارت أمكم، غارت أمكم )، وجمع الصحفة التي تكسرت واستبقى الغلام الذي أتى حتى لا يقول لـزينب لو رأيت الذي حصل لك الليلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم من حكمته استبقى الغلام، وقال له: انتظر قليلاً. و عائشة رضي الله عنها مؤمنة، فبعدما هدأت نفسها وسكن روعها قالت: ( يا رسول الله! ما كفارتها؟ قال لها: طعام بطعام وإناء بإناء )، أي: تصنعين طعاماً وتضعينه في صحن من عندك، وتبعثين به إلى زينب ، وتنتهي المشكلة إلى هذا الحد، يعني ليس كما نصنع في زماننا هذا لو كسرت الصحن شتمنا وضربنا وربما طلقنا، لا. القصة كلها صحن.
إمامة الرجل بزوجته
السؤال: هل يجوز أن أصلي بزوجتي إماماً؟
الجواب: يجوز أن تصلي بزوجتك إماماً إذا فاتتك الصلاة في الجماعة مرة مثلاً، يعني: إذا جئت متأخراً في الشارع وكان هناك زحام أو كنت مريضاً، لكن لا تتخذها عادة كلما حان وقت الصلاة تقول لها: هيا نقوم نصلي، لو أنك صليت بزوجتك في بيتك، وأنا صليت بزوجتي في بيتي، ستبقى المساجد للعزاب، هذا لا يصلح، والله يقول: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ [النور:36-37].
كون يأجوج ومأجوج من بني آدم
السؤال: هل يأجوج ومأجوج من بني آدم ؟
الجواب: نعم. من بني آدم والله يكفينا شرهم.
أدنى الجهر وأدنى السر في الصلاة
السؤال: أسأل عن أدنى الجهر وأدنى السر في الصلاة؟
الجواب: أما بالنسبة للرجل فأدنى الجهر أن يسمع من يليه، وأعلاه لا حد له، فأدنى الجهر أن يسمعك من يليك ومن إلى جوارك، ولا حد لأعلاه، وأما بالنسبة للمرأة فأدناه أن تسمع نفسها، وأعلاه أن تسمع من يليها. وأما بالنسبة للسر فتحريك اللسان والشفتين ما عنده أدنى وأعلى، وإنما تحرك لسانك وشفتيك.
تفسير قوله تعالى: (وأني فضلتكم على العالمين)
السؤال: نرجو بيان معنى قول الله تعالى عن بني إسرائيل : وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47]، مع ما نراه من عداوة لله ولرسوله وللمؤمنين؟
الجواب: ومن قال بأن هؤلاء اليهود بنو إسرائيل؟! هؤلاء لقطاء، بعضهم جاء من بولندا، وبعضهم جاء من المجر، وبعضهم جاء من أمريكا، وبعضهم جاء من العراق، وبعضهم جاء من اليمن، وبعضهم من هنا وهناك، فليسوا هم بني إسرائيل المذكورين في القرآن، هذا أولاً.
ثانياً: قول الله عز وجل: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47]، قال أهل العلم: (ال) هنا عهدية والمراد عالم زمانهم، وليس (فضلتكم على العالمين )، بإطلاق، لا. عالم زمانهم، وفضلهم الله؛ لأنهم أمة كثير أنبياؤها، الأنبياء فيها كانوا كثيرين عليهم الصلاة والسلام، فمن أجل هذا فضلوا، لكن ما يخفى بأن آيات القرآن قد تتابعت في لعنهم وذمهم وذكر مساوئهم.
حكم عمل منظار للجهاز الهضمي في نهار رمضان
السؤال: هل عملية المنظار في شهر رمضان تفطر؟
الجواب: عملية المنظار في شهر رمضان يقصد بها إدخال جهاز بواسطة ما يشبه الأسلاك أو المعدن الرقيق، فيدخل هذا الجهاز في الباطن من أجل أن يرى الطبيب شيئاً في الجوف أو المعدة أو الأمعاء أو غير ذلك، ومجرد دخول هذا الجسم الصلب لا يفطر، لكن الإشكال أنهم يجعلون معه بعض المراهم والدهانات لتسهيل دخوله، ولذلك نقول: الأقرب بأنه يفطر، ولذلك من كان عنده منظار يفطر لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وعليه القضاء.
السعر الذي يخرج به زكاة عروض التجارة
السؤال: اشتريت قطعة أرض قبل عام بمبلغ خمسة وعشرين مليون جنيه بالقديم، وسألت أحد السماسرة فقال لي: إن سعرها الآن أصبح ثلاثين مليوناً، فكيف أخرج زكاتها بسعر الشراء أم بسعرها الآن؟
الجواب: لا. عروض التجارة كلها بسعر يوم البيع، ليس بسعر الشراء.
الفرق بين حد الحرابة وحد البغي
السؤال: ما الفرق بين حد الحرابة وحد البغي؟
الجواب: الحدود المنصوص عليها سبعة وهي: حد الزنا، وحد القذف، وحد السرقة، وحد الحرابة، وحد الخمر ، وحد الردة، وحد البغي.
أما بالنسبة للزنا: فالله عز وجل قال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والثيب بالثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة ).
وأما بالنسبة للقذف: فالله عز وجل بين أن القذف فيه ثلاث عقوبات: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً [النور:4]، ثم يوصف بالفسق، وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [النور:4].
وأما بالنسبة للسرقة: فالله عز وجل قال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، أي: أيمانهما من مفصل الكف، هذا في المرة الأولى.
وأما بالنسبة للحرابة: فالله عز وجل ذكر أربع عقوبات قال: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ [المائدة:33] .
ما الفرق بين السرقة والحرابة؟
السرقة: أخذ المال خفية من حرزه، هذه سرقة، أما الحرابة: فهي أخذ المال جهاراً نهاراً مستعيناً بالسلاح، سواءً كان في البيداء أو كان في العمران، يعني ليس بالضرورة أن يكون في الخلاء، حتى لو هبط عليك لص في بيتك وهو يحمل سلاحاً، سواء كان هذا السلاح سلاحاً نارياً أو سلاحاً أبيض كالسكين والخنجر وما أشبه ذلك، المهم سلاح مخوف، هذه تعتبر حرابة.
وأما بالنسبة لحد الخمر: فقد كان أربعين جلدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله عمر ثمانين.
وأما بالنسبة للردة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من بدل دينه فاقتلوه ).
فالحدود سبعة:
أولها: الزنا، مائة جلدة أو الرجم.
وثانيها: القذف، ثمانون جلدة، ورد الشهادة، والوصف بالفسق.
ثالثها: السرقة، قطع اليمين في المرة الأولى من مفصل الكف.
ورابعها: الحرابة.
وخامسها: الخمر.
وسادسها: الردة.
وسابعها: البغي، والبغي معناه: (خروج جماعة ذات شوكة على الإمام الممكن)، (ذات شوكة)، يعني: عندها قوة، (على الإمام الممكن) على الحاكم المتمكن، هذا نسميه بغياً، مثلما فعل الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، وتتابعت بعد ذلك المصائب على أمة الإسلام.
وهو بتعبير زماننا هذا الانقلاب، خروج جماعة ذات شوكة على إمام ممكن، هؤلاء البغاة إما أن يكونوا قد خرجوا على إمام عادل أو إمام غير عادل، إذا كان الإمام غير عادل لا يخلو من أن يكون كافراً كفراً أكبر مخرجاً من الملة، أو يكون مجرد ظالم، فإذا كان كافراً كفراً أكبر لا إشكال في الخروج عليه، أما إذا كان ظالماً، يعني: ليس هو كافراً كفراً أكبر بل هو مسلم، لكن فيه شيء من ظلم يقل أو يكثر.
أقول: إذا كان لهؤلاء الجماعة شوكة بحيث أنهم يتمكنون من اقتلاع هذا الظالم وإقامة آخر مكانه يسير في الناس بسيرة العدل، فهذا طيب، أما إذا لم تكن لهم شوكة وقوة، فخروجهم يكون محض مفسدة؛ لأنه سيؤدي إلى إراقة الدماء، وتفتيت كلمة المسلمين.
وقد بين علي رضي الله عنه عقوبة الباغي فقال: أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ فشرح ذلك وقال: ألا يتبع فارهم، ولا يذفف على جريحهم، ولا يسترق أسيرهم. فمن فر منهم لا يتبع، ومن جرح منهم لا يقتل، ومن أسر منهم فإنه لا يسترق، أي: لا يؤخذ رقيقاً.
أسأل الله أن يعلمنا علماً نافعاً، وأن يرزقنا عملاً صالحاً، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يختم لنا بالحسنى، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم تقبل منا الصيام والقيام والقرآن، واجعل عملنا خالصاً لوجهك الكريم برحمتك يا أرحم الراحمين.
يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
بداية نزول الوحي | 2554 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [2] | 2403 استماع |
عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل | 2173 استماع |
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم | 2146 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة [2] | 2129 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [1] | 2106 استماع |
إرهاصات النبوة [2] | 2069 استماع |
الإسراء والمعراج | 2012 استماع |
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم | 1874 استماع |
عام الحزن وخروج النبي إلى الطائف | 1823 استماع |