كيف تدعو فرداً؟


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى، فهي سبيل النجاة لأولى القلوب السليمة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

معاشر المؤمنين! لا يخافكم أن دعوة عباد الله إلى طاعة الله من أجَلِّ الأعمال وأفضل القربات، كيف لا وهي وظيفة الأنبياء، ومهمة الرسل، وديدن العلماء، وميراث ورثه الدعاة، دعوة عباد الله إلى طاعة الله، ذلكم الجواب الذي تحدث به الصحابي الجليل حينما قابل قائد الفرس، وقال ذلك القائد: ألم تكونوا جياعاً، فكنا نعطيكم كل عام ميرة أصواعاً من بر أو شعير فتكفيكم، فما الذي جاء بكم؟

فقال الصحابي الجليل: [جئنا إليكم لنخرج من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها].

أيها الأحبة! الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى النور وهجر للظلمة.

الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى العلم وقطيعة للجهالة.

الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى الاجتماع وتحذير من الفرقة.

الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى العمل وتطليق للبطالة.

الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى التعاون وهجر للأثرة والأنانية.

كيف لا وهي تدور في محورها على عبادة الله جل وعلا، وعبادة الله سبحانه وتعالى محققة لكل خير طاردة لكل شر.

أيها الأحبة! يقول الله جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ويقول جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] ففي هذا خطاب يوجه الطاقات إلى أن توظف في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويرسم لها طريق الدعوة وسبيلها ووسائلها، ويبين فضلها، وجليل منزلتها ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل:125] وبدأ بالحكمة قبل الموعظة، والموعظة مشتملة على العلم والبصيرة، لأن الاختيار والتوقيت، ومعرفة السبيل، وكيفية التطبيق والأداء أمر مهم جداً، الحكمة: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، الحكمة: وضع الأمر في نصابه وفي موضعه، وعلى السبيل والطريقة التي تضمن بإذن الله نجاحه.

فاختيار الوسيلة أمر مهم لا يغني عن وجود العلم، ووجود العلم لا يغني عن الحكمة والوسيلة، وكل أمر من الأمور لا بد فيه من صحة الوسيلة وصحة النية كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: كل أمر من الأمور لا بد فيه من صحة المقاصد، وصحة الوسائل، وإن صحة الوسائل لا تعفي ولا تغني عن صلاح المقاصد، وإن صلاح المقاصد، لا يغني ولا يعفي من صحة الوسائل.

وهذا أمر جلي واضح حتى في أبسط الأمور وأيسرها، فمن أراد ونوى وقصد السفر، فإن قصده السفر لا يغنيه عن تحديد وسيلته المناسبة، ومن اختار وسيلة مناسبة في السفر دون تحديد للوجهة والمقصد، فهو ضائع هائم على وجهه.

يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة) ويقول صلى الله عليه وسلم لـعلي، والخطاب لعموم الأمة: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمُرِ النعم).

أيها الأحبة! لن نطيل في بيان فضل الدعوة، وأهميتها، ومكانتها، ومنزلتها، فهي أمر واجب وجوباً عينياً لا تبرأ ذمة الحاكم والمحكوم إلا بالقيام به، لا تبرأ ذمة الراعي والرعية إلا بأدائه، لا تبرأ ذمة الرئيس والمرؤوس إلا بالعمل له والدعوة إليه، وتيسير سبله، وفتح أبوابه، وتنويع مجالاته، الدعوة إلى الله أمر مهم وخطير وجليل وكبير ينبغي أن يلج كل مجال، وأن يدخل كل مضمار، وأن يحل في كل مساحة وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] وواجب الدعوة واجبان:

واجب يتعلق بولي الأمر ومن عينه ولي الأمر مسئولاً محاسباً متابعاً منظماً معداً لأمر الدعوة إلى الله.

وجانب آخر من الدعوة يتعلق بكل فرد، يتعلق بالذكر والأنثى، والفتى والفتاة، والرجل والمرأة، قال ربنا جل وعلا: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41].

فهذا دليل صريح على أن شقاً وجزءًا وجانباً عظيماً من الدعوة يتحكم في الحاكم وأجهزته وكل دواوينه المتعلقة بهذه المهمة، يتحملون فيها عبء وشرف التكليف في هذا السبيل، ويقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] فهذا دليل أيضاً على أن واجب الدعوة لا يقتصر في وجوبه ومسئوليته والمحاسبة عنه على الحاكم وأجهزته، بل يتعدى الوجوب إلى سائر الأمة، فكل مؤمن وكل مؤمنة مسئول عن الدعوة سبحانه وتعالى.

وهذان الدليلان على سبيل المثال لا الحصر، لأن الأدلة من القرآن والسنة متواترة متضافرة مشتهرة على توزيع هذه المسئولية. ألا وهي مسئولية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

أيها الأحبة! ولنا وقفة بعد هذا لنتكلم في واحد من أساليب الدعوة إلى الله، لقد ظن أو علم كثيرٌ من الناس بما رأوا من المحاضرات، والندوات، والكلمات، واللقاءات، وطباعة الكتب، وتوزيع الأشرطة أن هذه من أساليب الدعوة إلى الله، وهذا أمرٌ صحيحٌ، ولكنهم ظنوا أن وسائل الدعوة تقف عند هذه الوسيلة الجماعية، أن الدعوة في وسيلتها وطريقتها مخاطبة للجماهير، مخاطبة للجموع، حديث مع الفئام، ومن ظن أن الدعوة اقتصرت على هذه الوسيلة فقد أخطأ وأساء فهماً.

أهمية أسلوب الدعوة الفردية

أيها الأحبة! هناك وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله أوصيكم ونفسي بها، وأُحملكم ونفسي مسئوليتها، والدعوة إليها، ونشرها، والعناية بها ألا وهي: الدعوة الفردية، فإن كثيراً من الناس لا يعلم عن هذا شيئاً، وبعض الناس يظن أن الدعوة بالوسيلة الفردية استعمال لوسيلة ضعيفة غير مؤثرة، وليس هذا بصحيح، بل إن الرجال الأشاوس الأفذاذ الذين نفعوا الأمة لو رجعت إلى تاريخهم لوجدت أصل تربيتهم دعوة فردية تلقوها من عالم في حلقة علمه، وإمام ترسموا خطاه في منهج سلوكه في حياتهم.

إذاً: الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية لا تغني عنها الوسائل الجماعية في الدعوة، من الممكن والميسر أن توزع مئات أو آلاف الأشرطة، ومئات أو آلاف الكتب، وتخاطب المئات أو الآلاف من الناس في محاضرة أو ندوة، ولكن ثق وتيقن واعلم أن عدداً كبيراً من هؤلاء لم تنفذ رسالة الدعوة إلى قلوبهم، ولم تبلغ صميم أفئدتهم؛ الأمر الذي يشكك في أثر هذه المواعظ على جوارحهم وحواسِّهم.

أما التربية الفردية، أما الدعوة الفردية، فلها- بإذن الله- منزلة ومنفعة عظيمة، ولست بهذا أقلل من شأن الدعوة إلى الله بالوسائل العامة، أو بطبع الكتب وتوزيعها، ونسخ الأشرطة وتوزيعها، أو مخاطبة الجموع عبر الخطب والمحاضرات والندوات، ولكن ينبغي أن يكون لكل داعية ولكل فرد منكم جهد واضح، ومعالم بينة في الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية.

أتدري ما هي الدعوة الفردية؟

اتصال فردي بواحد أو اثنين، فإن ذلك أدعى- بإذن الله- إلى التأثر، وإن ذلك- بإذن الله- أدعى إلى التربية الحقيقية، والاستقامة النافعة، ولها أثرٌ بالغٌ، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سـبأ:46] الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية دعوة إلى مخاطبة العاطفة والفكر، دعوة إلى مخاطبة القلب والعقل، وتأثيرٌ على السلوك، واقتداءٌ في المعاملة، ولأجل ذلك كان الاقتداء من أجلِّ طرق التأثر والتأثير في الدعوة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21] ويقول الله تعالى لنبيه، والخطاب للنبي بالأصالة، ولعموم الأمة بالتبع: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28].

الدعوة الفردية: صورة من صور تطبيقها

ترى شاباً منحرفاً وفي علمك أن من نفسك القدرة-بإذن الله- على التأثير عليه دون التأثر به، أو ترى شاباً فيه علامات خير، ولم توجه طاقتك بالكامل إليه، فتبدأ بالتعرف عليه أولاً، وكسب محبته ثانياً؛ لأنك لن تؤثر على أحد ما دام يبغضك، ولن تؤثر على أحد ما دام يكرهك، ولن تؤثر على أحد ما لم تكسر حواجز تمنع رسالتك من نصيحةٍ أو كلمةٍ إلى قلبه، فلا بد من كسب محبته بهدية، برسالة، بدعوة، بمناسبة، بأي وسيلة من الوسائل المشروعة التي تمكن لك في قلبه موقعاً ومكاناً، ثم بعد ذلك اعقد العزم على أن يكون ذاك الشاب، أو ذلك الرجل، أو ذلك الذي قصدت دعوته، اعقد العزم على أن يكون رفيقاً لك لمدة سنة كاملة، بمعنى الرفقة والملازمة والمتابعة، فتأخذه معك في محاضرة عامة، وتزوره ويزورك، وتتفقد المكتبات التجارية لترى ما فيها من الكتب، ولو شئت لزرت غيرها من المكتبات الخيرية، تذهب وإياه إلى درس، أو اثنين، أو ثلاثة من الدروس العلمية الشرعية في الفقه، أو العقيدة، أو النحو، أو غيرها، فيكون تلميذاً ملازماً، لهذا تجعل بينك وبينه وترسم معه منهجاً تحفظ فيه معه أجزاء من القرآن، وأحاديث من السنة، ونصوص من المتون، بمعنى اجعل هذا الرجل أو اجعل هذين الرجلين قضيتك هذا العام.

إننا أيها الأحبة لو سلكنا هذا الطريق، لنمى الخير بطريقة الأعداد المضاعفة المركبة، فلو اجتهد عشرة من الشباب على عشرة مثلهم، لكانت حصيلة هذا الجهد- بإذن الله- عشرين من المهتدين، ثم إذا اجتهد العشرون، كانت حصيلة سعيهم أربعين، فثمانين، فمائة وستين، وهكذا يتضاعف الخير بهذه الوسيلة المهمة.

نعم، لك أن تقول: شتان شتان بين أن أفرغ جهدي ووقتي لدعوة واحدة أو اثنين، وبين أن أقف خطيباً، أو محاضراً، أو متحدثاً أمام ثلاثة آلاف، أو أربعة آلاف، لا شك أن الأرقام هنا بينها بونٌ شاسعٌ، وفرقٌ واسعٌ، ولكن ثق أن الجماهير- في الغالب- عاطفتها وقتية، في الغالب من تأثر منها فإنما يتأثر في لحظة سماع الموعظة أو الخطبة أو النصيحة، وليس هذا تقليل لشأن الخطبة أو المواعظ، ولكن ذلك -كما قلت- يوجه، ولا يغني عن الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الأحبة! هناك وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله أوصيكم ونفسي بها، وأُحملكم ونفسي مسئوليتها، والدعوة إليها، ونشرها، والعناية بها ألا وهي: الدعوة الفردية، فإن كثيراً من الناس لا يعلم عن هذا شيئاً، وبعض الناس يظن أن الدعوة بالوسيلة الفردية استعمال لوسيلة ضعيفة غير مؤثرة، وليس هذا بصحيح، بل إن الرجال الأشاوس الأفذاذ الذين نفعوا الأمة لو رجعت إلى تاريخهم لوجدت أصل تربيتهم دعوة فردية تلقوها من عالم في حلقة علمه، وإمام ترسموا خطاه في منهج سلوكه في حياتهم.

إذاً: الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية لا تغني عنها الوسائل الجماعية في الدعوة، من الممكن والميسر أن توزع مئات أو آلاف الأشرطة، ومئات أو آلاف الكتب، وتخاطب المئات أو الآلاف من الناس في محاضرة أو ندوة، ولكن ثق وتيقن واعلم أن عدداً كبيراً من هؤلاء لم تنفذ رسالة الدعوة إلى قلوبهم، ولم تبلغ صميم أفئدتهم؛ الأمر الذي يشكك في أثر هذه المواعظ على جوارحهم وحواسِّهم.

أما التربية الفردية، أما الدعوة الفردية، فلها- بإذن الله- منزلة ومنفعة عظيمة، ولست بهذا أقلل من شأن الدعوة إلى الله بالوسائل العامة، أو بطبع الكتب وتوزيعها، ونسخ الأشرطة وتوزيعها، أو مخاطبة الجموع عبر الخطب والمحاضرات والندوات، ولكن ينبغي أن يكون لكل داعية ولكل فرد منكم جهد واضح، ومعالم بينة في الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية.

أتدري ما هي الدعوة الفردية؟

اتصال فردي بواحد أو اثنين، فإن ذلك أدعى- بإذن الله- إلى التأثر، وإن ذلك- بإذن الله- أدعى إلى التربية الحقيقية، والاستقامة النافعة، ولها أثرٌ بالغٌ، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سـبأ:46] الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية دعوة إلى مخاطبة العاطفة والفكر، دعوة إلى مخاطبة القلب والعقل، وتأثيرٌ على السلوك، واقتداءٌ في المعاملة، ولأجل ذلك كان الاقتداء من أجلِّ طرق التأثر والتأثير في الدعوة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21] ويقول الله تعالى لنبيه، والخطاب للنبي بالأصالة، ولعموم الأمة بالتبع: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28].

ترى شاباً منحرفاً وفي علمك أن من نفسك القدرة-بإذن الله- على التأثير عليه دون التأثر به، أو ترى شاباً فيه علامات خير، ولم توجه طاقتك بالكامل إليه، فتبدأ بالتعرف عليه أولاً، وكسب محبته ثانياً؛ لأنك لن تؤثر على أحد ما دام يبغضك، ولن تؤثر على أحد ما دام يكرهك، ولن تؤثر على أحد ما لم تكسر حواجز تمنع رسالتك من نصيحةٍ أو كلمةٍ إلى قلبه، فلا بد من كسب محبته بهدية، برسالة، بدعوة، بمناسبة، بأي وسيلة من الوسائل المشروعة التي تمكن لك في قلبه موقعاً ومكاناً، ثم بعد ذلك اعقد العزم على أن يكون ذاك الشاب، أو ذلك الرجل، أو ذلك الذي قصدت دعوته، اعقد العزم على أن يكون رفيقاً لك لمدة سنة كاملة، بمعنى الرفقة والملازمة والمتابعة، فتأخذه معك في محاضرة عامة، وتزوره ويزورك، وتتفقد المكتبات التجارية لترى ما فيها من الكتب، ولو شئت لزرت غيرها من المكتبات الخيرية، تذهب وإياه إلى درس، أو اثنين، أو ثلاثة من الدروس العلمية الشرعية في الفقه، أو العقيدة، أو النحو، أو غيرها، فيكون تلميذاً ملازماً، لهذا تجعل بينك وبينه وترسم معه منهجاً تحفظ فيه معه أجزاء من القرآن، وأحاديث من السنة، ونصوص من المتون، بمعنى اجعل هذا الرجل أو اجعل هذين الرجلين قضيتك هذا العام.

إننا أيها الأحبة لو سلكنا هذا الطريق، لنمى الخير بطريقة الأعداد المضاعفة المركبة، فلو اجتهد عشرة من الشباب على عشرة مثلهم، لكانت حصيلة هذا الجهد- بإذن الله- عشرين من المهتدين، ثم إذا اجتهد العشرون، كانت حصيلة سعيهم أربعين، فثمانين، فمائة وستين، وهكذا يتضاعف الخير بهذه الوسيلة المهمة.

نعم، لك أن تقول: شتان شتان بين أن أفرغ جهدي ووقتي لدعوة واحدة أو اثنين، وبين أن أقف خطيباً، أو محاضراً، أو متحدثاً أمام ثلاثة آلاف، أو أربعة آلاف، لا شك أن الأرقام هنا بينها بونٌ شاسعٌ، وفرقٌ واسعٌ، ولكن ثق أن الجماهير- في الغالب- عاطفتها وقتية، في الغالب من تأثر منها فإنما يتأثر في لحظة سماع الموعظة أو الخطبة أو النصيحة، وليس هذا تقليل لشأن الخطبة أو المواعظ، ولكن ذلك -كما قلت- يوجه، ولا يغني عن الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع
الغفلة في حياة الناس 2436 استماع