تفسير سورة الكهف - الآيات [37-44]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقناً عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

يقول تعالى: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً * هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً [الكهف:37-44].

ضرب الأمثال في القرآن للرد على المشركين المتكبرين

تقدم معنا الكلام أن الله ضرب مثلاً للمؤمنين والكافرين، وذلك رداً على المشركين المتكبرين من أمثال العاص بن وائل ، و عقبة بن أبي معيط ، و أبي جهل بن هشام ، و أمية بن خلف ، الذين جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: ( نحن سادات مضر، وأهل الوبر والمدر، فنح هؤلاء الفقراء عن مجلسك، لا تؤذينا روائح جبابهم )، فوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يصبر مع هؤلاء المؤمنين الطيبين، الذين يذكرون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن يعرض عن أولئك المشركين المتكبرين الذين أغفل الله قلوبهم، وكان أمرهم فرطاً.

فضرب الله عز وجل مثلاً لهذين الرجلين؛ فقال سبحانه: وَاضْرِبْ لَهُمْ [الكهف:32] أي: للمؤمنين والكافرين، مَثَلاً رَجُلَيْنِ [الكهف:32] أحدهما مؤمن والآخر كافر، جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا [الكهف:32] أي: للكافر، جَنَّتَيْنِ [الكهف:32] أي: بستانين عظيمين، مِنْ أَعْنَابٍ [الكهف:32]، أي: كانت هاتان الجنتان مزروعتين عنباً، وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ [الكهف:32]، أي: لا يحتاج أن يقيم حولهما سوراً؛ بل كان سورهما من النخل الطوال الباسقات، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً [الكهف:32]، أي: جعل الله عز وجل بين هاتين الجنتين العظيمتين زرعاً.

ثم قال تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا [الكهف:33]، أي: كلا البستانين كانا يعطيان ثماراً وافية ومحصولاً كافياً في كل عام، آتَتْ أُكُلَهَا [الكهف:33] أي: ثمرها، وَلَمْ تَظْلِمْ [الكهف:33] أي: ولم تنقص مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً [الكهف:33]، أي: لا يحتاج هذا الإنسان إلى سقي بالنواضح، ولا إلى تكلف مئونة؛ بل أجرى الله عز وجل بين هاتين الجنتين نهراً يسقيهما.

حال الكافر الغني البطر في توحيد الله

قال تعالى: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ [الكهف:34] أي: مال من ذهب وفضة سوى هذا الزرع الذي آتاه الله إياه، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [الكهف:34] أي: يراجعه الكلام على سبيل البطر والكبر: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً [الكهف:34]، أي: افتخر بهاتين النعمتين: نعمة المال، ونعمة الأمصار، كما قال ربنا عن نظيره في الكفر الوليد بن المغيرة : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً [المدثر:11-13].

وقال أيضاً في العاص بن وائل : أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً [مريم:77]. فهذا الكافر قال لصاحبه المؤمن: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً [الكهف:34].

ثم قال تعالى: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [الكهف:35]، أي: ظالم لنفسه بالكفر والجحود، وظالم لنفسه بالبطر والكبر، قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً [الكهف:35]، أي: هذه الجنة أبدية سرمدية، خالدة، تالدة، لا يلحقها هلاك، ولا يصيبها تلف.

ثم قال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [الكهف:36] أي: هذا الذي تحدثني به إنما هو حديث خرافة؛ فليس هناك قيامة ولا جنة ولا نار، ولا حشر ولا نشر، ولا حساب ولا ثواب، وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي [الكهف:36]، اللام واقعة في جواب القسم، يعني: ووالله لو فرض أن ما تقوله حق وأني سأرد إلى ربي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً [الكهف:36]، أي: سيعطيني الله خيراً مما يعطيك، وسأكون أوفر منك حظاً وأحسن نصيباً.

وتقدم معنا أن هذا هو حال كثير من أهل الغنى إذا غفل قلبه عن الله فإنه ينسى المنعم جل جلاله، ويظن أن هذه النعمة قد آتاه الله إياها لكرامته عليه، وأثرته لديه، كما قال ربنا سبحانه: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [الفجر:15].

حال المؤمن الفقير في توحيد الله

لكن المؤمن الفقير المعدم لم يسكت على كفر هذا الكافر وجحوده واستكباره؛ بل كان مستعلياً بإيمانه، فخوراً بإسلامه.

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ [الكهف:37] أي: المؤمن وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [الكهف:37]، أي: يراجعه في الكلام، فهو مشتق من الحور، ومنه قول الله عز وجل: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ [الانشقاق:14]، أي: ظن أن لن يرجع، وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [الكهف:37] أي: وهو يخاصمه ويجادله: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ [الكهف:37]، الاستفهام هنا استفهام إنكار وتعجب، يتعجب المؤمن من حال ذلك الكافر، فقال له: (أَكَفَرْتَ) وكفره هو إنكاره للبعث حين قال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [الكهف:36]، فذكره بالخلقة الأولى، خلقة آدم عليه السلام، قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ [آل عمران:59]، وهكذا نحن جميعاً مخلوقون من نتاج هذه الأغذية التي هي مكونة في الأصل من التراب، كما قال الله عز وجل: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ [يس:36].

وقد تكرر في القرآن تذكيرنا بأصل خلقتنا لنتواضع لربنا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ [الحج:5].

وفي الآية الأخرى يقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً [غافر:67]، هذا هو أصل الخلقة: وهنا المؤمن يذكر الكافر فيقول له: أيها الغني، أيها الثري، أيها الأشر البطر أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [الكهف:37]، (نطفة) أي: هذا الماء المهين، الذي خرج من مبال أبيك، وسميت النطفة نطفةً من النطف، وهو السيلان، ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً [الكهف:37]، أي: جعلك في هذه الصورة الحسنة، والشكل الجميل، والخلق البهي، فقامة مجيدة، وعينان بصيرتان، وأذنان سميعتان، ولسان ذلق يتكلم، ويدان تبطشان، ورجلان تمشيان، الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، والفرج وما طوى، ثم جعلك الله عز وجل حياً عليماً متكلماً مريداً سميعاً بصيراً، وهذه النعمة قد ذكرنا بها ربنا جل جلاله في قوله: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر:64]، وفي قوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]، وفي قوله: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8]، قال أهل التفسير: ما خلق الله خلقاً أحسن من الإنسان، وبعد تسويته إياك كساك الله عز وجل هذه الثياب التي زادتك جمالاً وبهاءً، قال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

وقوله: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً [الكهف:37]، كأن هذا المؤمن يستدل بالخلق على وجوب عبادة الخالق، وأداء شكر نعمته، وهذا المعنى كثير في القرآن، كقول ربنا الرحمن: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28].

وفي قول الله عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف:26-27].

وكذلك في قول الله عز وجل على لسان مؤمن آل ياسين: وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي [يس:22].

فإذا كنت أيها الإنسان مقراً بأن الله عز وجل هو الذي خلقك، وجب عليك أن تعبده وحده لا شريك له.

قال إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشعراء:75-81].

تقدم معنا الكلام أن الله ضرب مثلاً للمؤمنين والكافرين، وذلك رداً على المشركين المتكبرين من أمثال العاص بن وائل ، و عقبة بن أبي معيط ، و أبي جهل بن هشام ، و أمية بن خلف ، الذين جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: ( نحن سادات مضر، وأهل الوبر والمدر، فنح هؤلاء الفقراء عن مجلسك، لا تؤذينا روائح جبابهم )، فوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يصبر مع هؤلاء المؤمنين الطيبين، الذين يذكرون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن يعرض عن أولئك المشركين المتكبرين الذين أغفل الله قلوبهم، وكان أمرهم فرطاً.

فضرب الله عز وجل مثلاً لهذين الرجلين؛ فقال سبحانه: وَاضْرِبْ لَهُمْ [الكهف:32] أي: للمؤمنين والكافرين، مَثَلاً رَجُلَيْنِ [الكهف:32] أحدهما مؤمن والآخر كافر، جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا [الكهف:32] أي: للكافر، جَنَّتَيْنِ [الكهف:32] أي: بستانين عظيمين، مِنْ أَعْنَابٍ [الكهف:32]، أي: كانت هاتان الجنتان مزروعتين عنباً، وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ [الكهف:32]، أي: لا يحتاج أن يقيم حولهما سوراً؛ بل كان سورهما من النخل الطوال الباسقات، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً [الكهف:32]، أي: جعل الله عز وجل بين هاتين الجنتين العظيمتين زرعاً.

ثم قال تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا [الكهف:33]، أي: كلا البستانين كانا يعطيان ثماراً وافية ومحصولاً كافياً في كل عام، آتَتْ أُكُلَهَا [الكهف:33] أي: ثمرها، وَلَمْ تَظْلِمْ [الكهف:33] أي: ولم تنقص مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً [الكهف:33]، أي: لا يحتاج هذا الإنسان إلى سقي بالنواضح، ولا إلى تكلف مئونة؛ بل أجرى الله عز وجل بين هاتين الجنتين نهراً يسقيهما.

قال تعالى: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ [الكهف:34] أي: مال من ذهب وفضة سوى هذا الزرع الذي آتاه الله إياه، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [الكهف:34] أي: يراجعه الكلام على سبيل البطر والكبر: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً [الكهف:34]، أي: افتخر بهاتين النعمتين: نعمة المال، ونعمة الأمصار، كما قال ربنا عن نظيره في الكفر الوليد بن المغيرة : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً [المدثر:11-13].

وقال أيضاً في العاص بن وائل : أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً [مريم:77]. فهذا الكافر قال لصاحبه المؤمن: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً [الكهف:34].

ثم قال تعالى: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [الكهف:35]، أي: ظالم لنفسه بالكفر والجحود، وظالم لنفسه بالبطر والكبر، قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً [الكهف:35]، أي: هذه الجنة أبدية سرمدية، خالدة، تالدة، لا يلحقها هلاك، ولا يصيبها تلف.

ثم قال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [الكهف:36] أي: هذا الذي تحدثني به إنما هو حديث خرافة؛ فليس هناك قيامة ولا جنة ولا نار، ولا حشر ولا نشر، ولا حساب ولا ثواب، وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي [الكهف:36]، اللام واقعة في جواب القسم، يعني: ووالله لو فرض أن ما تقوله حق وأني سأرد إلى ربي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً [الكهف:36]، أي: سيعطيني الله خيراً مما يعطيك، وسأكون أوفر منك حظاً وأحسن نصيباً.

وتقدم معنا أن هذا هو حال كثير من أهل الغنى إذا غفل قلبه عن الله فإنه ينسى المنعم جل جلاله، ويظن أن هذه النعمة قد آتاه الله إياها لكرامته عليه، وأثرته لديه، كما قال ربنا سبحانه: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [الفجر:15].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير من سورة الأعلى إلى سورة البلد 2546 استماع
تفسير من سورة الفيل إلى سورة الكوثر 2534 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106] 2506 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [27-29] 2378 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [21-24] 2368 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآية [151] 2295 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [27-35] 2263 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [71-78] 2127 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [115-118] 2087 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36] 2049 استماع