شرح متن نخبة الفكر [22]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل. وصيغ الأداء: سمعت، وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني ثم شافهني، ثم كتب إليّ، ثم عن ونحوها، فالأولان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أشرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فكالخامس ].

تقدم لنا ما يتعلق بالسابق واللاحق ورواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، والعكس، ومن روى عن أبيه عن جده، وكذلك السابق واللاحق، والمهمل، ومن حدث ونسي، ثم قال المؤلف: (وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل).

المسلسل في اللغة: اتصال الشيء بالشيء.

وأما في الاصطلاح: فهو تتابع رجال الإسناد على صفة أو حالة للرواة أو للرواية.

مثال ذلك: مثاله في الإسناد: كأن يتتابع رجال الإسناد على صيغة حدثنا، كل منهم يقول: حدثنا. حدثنا، أو أخبرنا أخبرنا، أو سمعت إلى آخره.

أيضاً من أمثلة ذلك: أن يكون الرواة من أهل الكوفة، أو من أهل البصرة ونحو ذلك، أو كل واحد من الرواة يأخذ عن الآخر في يوم العيد فيما يتعلق بالزمان، أو كل واحد من الرواة يقول للآخر: إني أحبك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : ( إني أحبك يا معاذ )، أو كل واحد من الرواة شبك بين أصابعه وغير ذلك.

وفائدة المسلسل: هي زيادة الضبط، لكن عاد على كثير من الأحاديث بالضعف؛ لأن بعض الرواة يختلق بعض الأسانيد لإثبات التسلسل، حتى قال بعض العلماء: ليس هناك حديث يوصف بالصحة وهو مسلسل، إلا ما رواه الحفاظ الكبار، أو أهل مدينة معينة.. إلى آخره.

قال: (وصيغ الأداء سمعت وحدثني ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إليّ، ثم عن ونحوها)، طرق تحمل الحديث تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ، وهو المستعمل في عصر الرواية. القسم الثاني: بقية الأقسام هذه اشتهرت عند المتأخرين كما سيأتينا.

الطريق الأول: السماع من لفظ الشيخ

طرق التحمل:

الطريق الأول: السماع من لفظ الشيخ. وصورة ذلك: أن يحدث الشيخ بنفسه من حفظه أو من كتابه، وهذه أعلى طرق التحمل، واصطلح المتأخرون لهذا الطريق للفظي: (سمعت وحدثني)، ولهذا قال المؤلف: (وصيغ الأداء: سمعت وحدثني)، فقول: (سمعت وحدثني) هذه للسماع من الشيخ، سواء قاله الشيخ من حفظه أو من كتابه. هذا هو الطريق الأول، ولهذا قال: (فالأول لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره)، يعني: إذا سمع مع جماعة قال: (سمعنا، وحدثنا)، يعني: إذا سمع بنفسه قال: (سمعت، وحدثني)، وإذا كان مع جماعة قال: (سمعنا وحدثنا).

قال: (وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء)، ما هي أولها؟ سمعت، يقول هي أرفع من لفظ (حدثني) لماذا؟ قال: لأن لفظ حدثني يحتمل التدليس، وأما لفظ سمعت فلا يحتمل التدليس، فلفظ (حدثني) يحتمل الواسطة، وأما لفظ (سمعت) فلا يحتمل الواسطة.

قال: (وأرفعها في الإملاء)، أرفع شيء في الإملاء: أن يملي الشيخ من كتابه، وغالب الذين يملون عن طريق الكتاب لا يملي عن حفظه، وقد يملي من حفظه، ويقال بأن أبا داود الطيالسي رحمه الله أملى من حفظه في أصبهان مائة ألف حديث.

قال: (أرفعها في الإملاء)، وذلك أن الشيخ يتحفظ بسبب العدد الكبير في عصر الرواية، كان يحضر الآلاف يسمعون من الشيخ، ولهذا كان الغالب أنه يملي من كتابه، وقد يملي من حفظه، كما ذكرنا قصة أبي داود الطيالسي رحمه الله تعالى. هذا الطريق الأول.

الطريق الثاني: القراءة على الشيخ

الطريق الثاني: القراءة على الشيخ، وتسمى عرضاً، وذلك أن الطالب يقرأ والشيخ يسمع. ولفظها إذا كان قراءة على الشيخ فإن الطالب يقول: (أخبرني)، ولذلك قال: (سمعت وحدثني، ثم أخبرني)، فسمعت وحدثني هذه تكون للسماع، و(أخبرني) هذه تكون للعرض على الشيخ، يعني: يقرأ والشيخ يسمع، فإذا كان يقرأ وحده يقول: أخبرني، وإذا كان يقرأ مع غيره، يقول: أخبرنا.

الطريق الثالث: الإجازة

الطريق الثالث من طرق التحمل: الإجازة، وهي: الإذن بالرواية لفظاً أو كتابة. وكما تقدم الطريق الأول والطريق الثاني هما الطريقان المستعملان في عصر الرواية، وبقية الطرق هذه انتشرت عند كثير من المتأخرين، ومنها هذا الطريق الثالث: الإجازة، والإجازة: هي الإذن بالرواية لفظاً أو كتابة. يعني: أن يأذن الشيخ للتلميذ أن يروي عنه مروياته إما لفظاً أو كتابةً دون عرض أو سماع. وصورة ذلك: أن يقول الشيخ لأحد طلابه: أجزت لك أن تروي عني صحيح البخاري أو صحيح مسلم .. إلى آخره.

وكثرت أنواع الإجازة عند المتأخرين حتى صرح ابن الصلاح وغيره أن فيها توسعاً غير مرضي، كأن يجيز لأهل البلد أن يرووا عنه صحيح البخاري ، أو يجيز لفلان ولمن يولد له، أو لمن سيولد.. إلى آخره، فهذا توسع كما قال ابن الصلاح بأنه غير مرضي، والجمهور يقولون بأنه يجوز أن يجيز معيناً لمعين، كأجزت لفلان أن يروي عني صحيح البخاري ، أما ما عدا ذلك كأن يجيز لمجهول.. يجيز لمعدوم.. لغير معين.. إلى آخره، فهذه فيه خلاف كثير.

ولفظ الأداء بها: أن يقول: (أجاز لي فلان)، أو بعبارات السماع والقراءة، لكن مقيدة بالإجازة.

الطريق الرابع: المناولة

الطريق الرابع: المناولة، والمناولة نوعان:

النوع الأول: مناولة مقرونة بالإجازة، وهي أرفعها. وصورتها: أن يدفع الشيخ إلى الطالب كتابه، ويقول: هذه روايتي عن فلان فاروه عني.

النوع الثاني من أنواع المناولة: المناولة المجردة عن الإجازة كأن يدفع الشيخ كتابه إلى الطالب مقتصراً على قوله: هذه روايتي عن فلان، أو هذا سماعي عن فلان)، فهذه لا تجوز الرواية بها.

ولفظ الأداء بالمناولة: أن يقول: ناولني، أو ناولني إجازة، أو أخبرنا مناولة، أو سمعت أو قرأت مناولة.. إلى آخره.

الطريق الخامس: الكتابة

الطريق الخامس: طريق الكتابة، وهو أن يكتب الشيخ مسموعه لحاضر أو غائب، وهي تنقسم إلى قسمين بالإجازة، وبدون إجازة، فبالإجازة صححها بعض العلماء، وبدون إجازة هذه فيها خلاف، ولفظ الأداء بها يقول: (كتب إليّ أو حدثني كتابة).

الطريق السادس: الإعلام

الطريق السادس: الإعلام، والإعلام أن يخبر الشيخ الطالب أن هذا الكتاب أو هذا الحديث سماعه، فلا تجوز الرواية بها.

الطريق السابع: الوصية

الطريق الأخير: الوصية، وهو أن يوصي عند موته أو عند سفره لشخص بكتاب من كتبه، فلا تجوز الرواية بها.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.