شرح متن نخبة الفكر [16]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم الجهالة وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته، ويذكر بغير ما اشتهر به لغرض، وصنفوا فيه الموضح، وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان، أو لا يسمى اختصاراً، وفيه المبهمات، ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح ].

قال المؤلف رحمه الله: (ثم الجهالة)، وهذا هو القسم الثاني من أقسام المردود بعد المخالفة، وهي الجهالة؛ لأن الرد له سببان:

السبب الأول: المخالفة. والسبب الثاني: الجهالة.

وتقدم لنا ما يتعلق بالمخالفة، وهنا ذكر المؤلف رحمه الله السبب الثاني من أسباب الرد وهي: الجهالة. ‏

أسباب الجهالة

والجهالة ذكر الحافظ رحمه الله تعالى ثلاثة أسباب لها:

السبب الأول: كثرة أسماء الراوي وذكره بغير ما اشتهر به

السبب الأول: (أن الراوي قد تكثر نعوته فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض وصنفوا فيه الموضح). الراوي قد تكون له نعوت كثيرة، قد تكون له أسماء كثيرة، قد تكون له ألقاب.. إلى آخره، فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض، فهذا سبب من أسباب الجهالة، لأنه إذا ذكر بغير ما اشتهر به جهل أمره، ومن أمثلة ذلك: محمد بن السائب الكلبي ، هذا الرجل متروك الحديث، والذين يدلسون ذكروه بغير ما اشتهر به، كل ذلك تدليساً، فتارة ينسب إلى جده محمد بن بشر ، وتارة يقال: محمد بن بشر، وتارة يكنيه بعضهم بـأبي النضر ، وتارة يكنى بـأبي هشام ، وتارة يكنى بـأبي سعيد وغير ذلك، وذلك لأنه متروك، وكل ذلك من قبيل التدليس.

وقوله: (وصنفوا فيه الموضح) ممن صنف فيه: الخطيب رحمه الله تعالى فقد توسع في التصنيف في مصطلح الحديث، وهذا يدل على سعة باعه، فما من فن من فنون مصطلح الحديث إلا ويكاد يصنف فيه مؤلفاً مستقلاً، وكذلك الشافعي .

ومما يتعلق بالجهالة: أن الراوي قد يسمى بغير ما اشتهر لغرض، وكأنه هنا لغرض التدليس، فـالخطيب رحمه الله صنف فيه الموضح، وطريقته أنه يأتي للراوي بأسماء وكنى وألقاب فيعده بعض المحدثين اثنين أو ثلاثة ويتبين بعد أن يسوق الطرق المبينة لذلك أنه رجل واحد سمي بغير ما اشتهر به.

هذا السبب الأول من أسباب الجهالة: أن الراوي يسمى بغير ما اشتهر به فيجهل أمره، وإنما سمي بغير ما اشتهر به لغرض، مثل محمد بن السائب رحمه الله رجل متروك، فيسمى ويكنى بغير ما اشتهر به بقصد التدليس، ومثل ذلك أيضاً: محمد بن سعيد المصلوب ، هذا الرجل أيضاً دلسوا اسمه كثيراً.

السبب الثاني: قلة الرواية

قال: (وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان).

النوع الثاني من أنواع الجهالة: أن الراوي يكون مقلاً لا يكثر الأخذ عنه، وكون الراوي مكثراً هذا مهم جداً؛ لأنه كيف نحكم على أن الراوي هذا ثقة أو ليس ثقة؟

العلماء يقولون: يحكم على الراوي بأنه ثقة أو ليس ثقة بواحد من أمرين: الأمر الأول: تنصيص من لقيه أو عاصره من العلماء وأئمة الجرح والتعديل على أنه ثقة أو ليس ثقة، أو يقبل أو غير مقبول.. إلى آخره.

الأمر الثاني: كثرة الرواية، فقد لا ينص، لكن كثرة الرواية، فإذا أكثر من الرواية فإننا نقارن ما رواه بما رواه غيره، وحينئذ يتبين لنا هل عنده ضبط أو ليس عنده ضبط.. إلى آخره.

ولهذا قال الحافظ رحمه الله: (وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه وصنفوا فيه الوحدان)، هذا النوع الثاني من أسباب الجهالة، إذا كان مقلاً ليس عنده أحاديث نقارنها بمن شاركوه فلا نتمكن من معرفة ضبطه، فتكون هنا الجهالة؛ لأنه كما تقدم لنا معرفة كونه ثقة وضابطا، لا بد من هذين الأمرين إما بتنصيص الإمام الذي عاصره ولقيه، وإما بكثرة الرواية لكي نقارن روايته برواية من شاركه.

قال: (وصنفوا فيه الوحدان)، ومن ذلك: تصنيف مسلم رحمه الله تعالى، وكذلك النسائي ، وكذلك أبو الفتح الأزدي .. إلى آخره.

السبب الثالث: الإبهام وعدم تسمية الراوي اختصاراً

قال: (أو لا يسمى اختصاراً، وفيه المبهمات).

السبب الثالث من أسباب الجهالة: قال: (لا يسمى اختصاراً). كيف لا يسمى اختصاراً؟ يعني: يقول الراوي حدثني رجل، أو حدثني شيخ ونحو ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: وصنفوا فيه المبهمات، وممن صنف فيه الخطيب رحمه الله، وكذلك أبو زرعة العراقي له: (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد).

فتلخص لنا أن أسباب الجهالة التي ذكرها الحافظ رحمه الله تعالى ثلاثة أسباب:

السبب الأول: أن الراوي قد يسمى أو يلقب أو يكنى بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض.

والسبب الثاني: أنه قد يكون مقلاً لا يكثر الأخذ عنه.

والسبب الثالث: أنه لا يسمى اختصاراً.

قال رحمه الله تعالى: (ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح).

يعني: إذا قال: حدثني رجل، أو حدثني شيخ ونحو ذلك لا يقبل، لوجود الجهالة، حتى ولو كان الإبهام بلفظ التعديل كأن يقول: حدثني الثقة، أو حدثني من أثق به، أو حدثني العدل، لا يقبل، فلا بد أن نعرف من هو هذا الرجل، ولهذا قال: (ولا يقبل المبهم، ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح)، كما لو قال: حدثني من أثق به، أو حدثني الثقة، وأكثر من يستعمله الشافعي رحمه الله، وارجع إلى كتاب الأم من كتب الشافعي تجد ذلك، واستقرأ العلماء رحمهم الله قول الشافعي : حدثني الثقة أو حدثني من أثق به.. إلى آخره، فوجدوا أنه يروي عن غير ثقات، مثل: إبراهيم بن أبي حبيب ومسلم بن خالد الزنجي .. إلى آخره، وهذان ليسا من الثقات، ولهذا قال: (لا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح)، مع أن الحافظ رحمه الله شافعي وهو يشير إلى الإمام الشافعي رحمه الله، وهذا من باب العدل.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح متن نخبة الفكر [18] 2545 استماع
شرح متن نخبة الفكر [11] 2298 استماع
شرح متن نخبة الفكر [27] 2228 استماع
شرح متن نخبة الفكر [10] 2189 استماع
شرح متن نخبة الفكر [24] 2121 استماع
شرح متن نخبة الفكر [20] 1857 استماع
شرح متن نخبة الفكر [15] 1816 استماع
شرح متن نخبة الفكر [6] 1753 استماع
شرح متن نخبة الفكر [9] 1679 استماع
شرح متن نخبة الفكر [13] 1659 استماع