شرح متن نخبة الفكر [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ومع الضعف فالراجع المعروف ومقابله المنكر].

تقدم معنا تعريف الحديث الحسن، وأيضاً متى يصحح؟ وتقدم لنا أيضاً قول المؤلف: (فإن جمع فللتردد في الناقل حيث التفرد وإلا فباعتبار إسنادين)، يعني: إذا قال المصنف: هذا حديث حسن صحيح، وذكرنا أنه هذا الاصطلاح اشتهر عند الترمذي رحمه الله تعالى، وذكرنا خلاف أهل الاصطلاح رحمهم الله تعالى في هذه المسألة.

وأيضاً: نحب أن ننبه أن هذا الاصطلاح عند المتأخرين، وإلا فإن الأئمة يقولون بأن هذا الحديث حسن، ويقصدون به الصحيح كما جاء عن الشافعي وابن المديني والإمام أحمد ، والبخاري ، وكذلك ابن خزيمة ، وابن حبان والحاكم ، يدخلون الحسن في الحديث الصحيح، فاصطلاح المتأخرين أن الحسن هو الذي رواه من خف ضبطه.. إلى آخره.

فنفهم من هنا أن اصطلاح الأئمة المتقدمين وأنهم يقصدون بالحسن ليس كما في اصطلاح المتأخرين، وإنما يقصدون بالحسن عدة مقاصد:

المقصد الأول: يطلقون الحسن ويريدون به الحديث الصحيح.

الإطلاق الثاني: أنهم يطلقون الحسن، ويريدون به الحسنٌ اللغوي كقول بعضهم: هذا حديث حسن ليس له إسناد. فقوله: (ليس له إسناد ...) إلى آخره يقصد به الحسن اللغوي.

أيضاً: يطلقون الحسن ويريدون به الغريب. فلا بد أن نفهم ما يتعلق باصطلاح الأئمة المتقدمين.

أيضاً مما ننبه له مما يتعلق باصطلاح الأئمة المتقدمين:

أن الأئمة يسمون الشاذ بالمنكر، وتقدم لنا أن الشاذ له عدة تعاريف وأن أشهر التعاريف: أنه مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه لزيادة عدد أو لمزيد ضبط.

أو نقول بأنه ما تفرد به الثقة مع ترجيح الخطأ.

وهنا تأتينا أيضاً مسألة، وهي: ما هو الفرق بين الشذوذ والعلة كما جاء في تعريف الحديث الصحيح بأنه: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وخلا من الشذوذ والعلة؟

اختلف العلماء رحمهم الله في الفرق بين الشذوذ والعلة على أقوال:

القول الأول: أن هذا من ذكر العام بعد الخاص، ولو قيل: إنه ما خلا من العلة لكفى ذلك. يعني: أن أحدهما داخل في الآخر.

القول الثاني: قالوا بأن الشاذ علته ظاهرة، وأما المعلل فإن علته خفية.

القول الثالث: أن الشاذ هو تفرد الثقة مع ترجيح الخطأ، فإذا تفرد الثقة بالحديث وترجح أنه أخطأ فهذا هو الشاذ، وأما المعلل فهو وجود المخالفة، فإذا وجدت المخالفة فهذا هو المعلل، يعني: كونه خالف هذا الثقة من هو أوثق منه.

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ)، وقلنا بأن المحفوظ عكس الشاذ، وأن المحفوظ ما رواه الأوثق مخالفاً لرواية الثقة.

قال: (ومع الضعف فالراجح المعروف، ومقابله المنكر). المعروف: ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الضعيف، وقيل بأن المعروف ما اشتهر بالصحة وعرف مخرجه، المعروف فيه تعريفان:

التعريف الأول: ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الضعيف، فرواية الثقة هي المعروفة.

وقيل بأن المعروف هو ما اشتهر بالصحة وعرف مخرجه.

قال: (ومقابله المنكر). المنكر مأخوذ من الإنكار، وهو ضد الإقرار، والمنكر: ما رواه الضعيف مخالفاً لما رواه الثقة.

وبهذا نعرف الفرق بين الشاذ والمنكر في اصطلاح المتأخرين: أن الشاذ ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه، وأما المنكر فإنه: ما رواه الضعيف مخالفاً لما رواه الثقة. وهذا عند المتأخرين، وإلا عند المتقدمين يطلقون المنكر، ويريدون به الشاذ بالتعريفين السابقين. يعني: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه. وأيضاً: تفرد الثقة مع ترجيح الوقوع في الخطأ. والمتقدمون من الأئمة يطلقون المنكر ويريدون به الشاذ، فيسمون الشاذ منكراً، وتقدم أن ذكرنا مثالاً للشذوذ في الإسناد، وذكرنا دليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن رجلاً توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع وارثاً إلا مولى هو أعتقه )، وأن ابن عيينة وابن جريج رفعا الحديث، وأن حماد بن زيد أرسله، وأن أبا حاتم رحمه الله تعالى رجح رواية ابن عيينة وابن جريج على رفع الحديث، وحماد بن زيد وإن كان ثقة إلا أنه خالف من هو أوثق منه، فروايته هذه شاذة.

أيضاً مثال الشاذ في المتن: ما رواه الترمذي ، وكذلك أبو داود من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم الفجر فليضطجع على يمينه ) بلفظ الأمر هكذا، هذا رواه عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم الفجر فليضطجع على يمينه ).

العدد الكثير من أصحاب الأعمش كلهم يروونه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وليس من قوله، فهذا مثال للشذوذ في المتن، فـعبد الواحد بن زياد خالف العدد الكثير من أصحاب الأعمش فإنهم يروونه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وليس من قوله.

قال رحمه الله تعالى: [والفرد النسبي إن وافقه غيره فهو المتابع].

المتابعة في اللغة: الموافقة.

وأما في الاصطلاح: فالمتابعة أو التابع هو الحديث الذي يشارك فيه رواة الحديث الفرد.

وما هو الفرد النسبي؟ تقدم لنا أن الفرد هي الغرابة وقد تكون في أصل السند، وقد تكون في أثناء السند، فالغرابة إذا كانت في أثناء السند فهذه تسمى بالفرد النسبي.

وإذا وجدت الغرابة في أثناء السند يبحث: هل لهذا الراوي الذي تفرد بهذه الرواية متابع أو ليس له متابع؟ فنقول: المتابعة في اللغة: هي الموافقة، وأما في الاصطلاح: فهو الحديث الذي يشارك فيه رواة الحديث الفرد لفظاً ومعنىً، أو معنىً فقط مع الاتحاد في الصحابي.

ومثال ذلك: ما رواه الشافعي رحمه الله تعالى روى عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشهر تسع وعشرون يوماً فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه ) الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

والبخاري رحمه الله تعالى أخرج هذا الحديث عن محمد بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، فهنا حصلت متابعة للشافعي ، فـمحمد بن مسلمة رحمه الله تعالى تابع الشافعي في هذا الحديث، وهذه يسمونها متابعة تامة. يعني: إذا كانت المتابعة من أول الإسناد فهي متابعة تامة، وإن كانت المتابعة من أثناء الإسناد فهي متابعة قاصرة، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.