خطب ومحاضرات
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس السابع عشر)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وبعد.. فقد تكلمنا عن النار نعوذ بالله من النار وأن نكون من أهلها، واليوم نختم بأن النار كما قال العلماء: سبع طبقات: جهنم، فلظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم الجحيم، ثم الهاوية، ثم سقر، قالوا: ولكل طبقة منها داخلون وسكان، ونعوذ بالله أن نكون من أهلها.
يقول شيخ الإسلام : (والنار يصلاها الشقي) ذكرنا تعريفاً للشقي، ولعل هذا الشقي هو الذي ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (فيرسل إليه ملك، فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد) وأود أن أنبه على مسألة، حتى لا يظن بأن ما دام أنه قد كتب على الإنسان أنه شقي أو كتب عليه أنه سعيد أنه لا خيار له في قضية العمل ولا غيره، وهذا مما سيجعلنا نتكلم عن مبحث القضاء والقدر تكلماً سريعاً، وإن كان المؤلف رحمه الله تعالى لم يذكره هنا.
قال رحمه الله:
والنار يصلاها الشقي بحكمة وكذا التقي إلى الجنان سيدخل |
إن الله سبحانه وتعالى كتب على هذا العبد بأنه شقي، وهذا كتب عليه بأنه سعيد ليس هذا جبراً لهذا العبد على العمل، ولكن الله سبحانه وتعالى عالم بما سيعمله العبد، لأن من مراتب القضاء والقدر: العلم، وهو أن تثبت بأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء، عالم بما كان في الماضي، وعالم بما هو كائن الآن، وعالم بما سيكون في المستقبل، فهذا الجليل علم ما سيفعله هذا الإنسان، فكتب عليه أهو شقي أم سعيد.
ثم نقول للأحبة: إن الإنسان إذ يعمل العمل، ولنضرب بمثال يسير: حضور الإنسان حلقات العلم، هل يشعر الإنسان بقهر وإلزام بها؟ لا، بل ربما الأشياء التي تسعده لا يشعر الإنسان إلا بالاختيار التام الكامل، ولهذا قال بعض أهل العلم: القضاء والقدر ينقسم إلى قسمين:
1- قسم مجبور الإنسان فيه لا خيار له فيه أبداً.
2- قسم للإنسان فيه خيار، ويضرب بمثال للقسم الذي مجبور فيه الإنسان: طول الإنسان وقصره، هل للإنسان خيار فيه؟ لا.
ومنه قالوا: كون الإنسان من عائلة فلان دون فلان، ليس للإنسان خيار فيه.
منه: موطن الإنسان فكون هذا -مثلاً- يميناً وهذا عمانياً وهذا من بلد كذا؛ ليس للإنسان فيه خيار، ولو طلب من الإنسان أن يختار لتمنى أن لو كان من أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أهل مكة والحرم، لكنه لا خيار له فيه، ولون الإنسان لا خيار له فيه، ولذلك قال العلماء: إن ما كان من القضاء والقدر المسير فيه العبد، ليس محلاً للتفاضل ولا للتفاخر قالوا: ولا للثواب والعقاب، هذا من رحمة الله تعالى، لا يعاقب الإنسان لأنه من بلد كذا فتزاد عليه العقوبة، والآخر من بلد كذا فيخفف عنه.
وتكلم العلماء إيماءة لطيفة، وممن أومأ إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم ، وهي قضية: تفضيل جنس العرب على غيرهم بناءً على الاصطفاءات الربانية التي لهم، اصطفى إبراهيم، ومن إبراهيم إسماعيل، ومن إسماعيل .. حتى قال: واصطفاني الله من بني هاشم، قالوا: فتلك الاصطفاءات تدل على فضل العرب على سائر الناس.
وتأتي قضية: هل معناها أن العربي يزداد في الأجر أكثر من غيره؟
الجواب: اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال: إذا تساوى العربي وغيره في التقوى والإيمان والصلاح قد يعطى شيئاً من المزية، لكنه لا يظلم ذاك الرجل، أي: من ليس من العرب.
ومن العلماء من قال بالقاعدة العامة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فجعل الميزان هو تقوى الله تعالى.
قوله: (بحكمة) أي: أنه بحكمة أحكم الحاكمين، فإن الله إذ يدخل هذا الشقي النار بحكمة يعلمها، ليس ظلماً له ولا عبثاً، وإنما بحكمة يعلمها الله تعالى، ولإظهار عدله سبحانه وتعالى.
ذكرنا فيما سبق قضية التقوى والخلاف في التعريف، وجعلناها لبعض العلماء، وذكروا في تعاريفها الاصطلاحية: لما سأل عمر أُبياً عن التقوى؟ قال: [يا أمير المؤمنين! إذا مشيت في أرض ذات شوك ماذا تعمل؟ قال: أشمر -أي: أرفع ثوبي- وأنظر مواطئ قدمي حتى لا أصاب بشوك، قال: فكذلك التقوى].
وعرفها الإمام ابن القيم في مدارج السالكين بأنها: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وعرفت بأنها: العمل بطاعة الله بنور من الله، والبعد عن معصية الله بنور من الله.
أي: أنه سائر في الطاعة وفي ترك المعصية بنور من الله وهو الكتاب والسنة، فهو يحمل ما أمر به وينتهي عما نهي عنه.
قوله: (وكذا التقي إلى الجنان سيدخل) بين الآن أن التقي إلى الجنان سيدخل، وسبب دخول هذا التقي إلى الجنان: أنه دخل برحمة الله تعالى وليس بعمله، ولقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: يا رسول الله! ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) فدل على أن دخول الإنسان إلى الجنة ليس بعمله، وإن كانت وردت: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32].. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [غافر:17] قالوا: هذه الباء هي باء السببية، أي: أنهم بسبب أعمالهم يدخلون، ولو لم توجد تلك الأعمال لا يدخلونها، وهذه تدل على أن الإنسان ما عمله في هذه الحياة الدنيا سيجده أمام عينه يوم القيامة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ونعوذ بالله أن نكون من أهل الشر.
الجنة أعظم ثواب الله
دخول الجنة .. وشفاعة المصطفى
الشفاعة الأولى: شفاعته في أهل الموقف العظيم، وهذه قد ثبتت في الصحيح وغيره، حيث يأتي الخلائق كلهم يبحثون من شدة ما أصابهم من الهول العظيم في هذا الموقف، يأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيسجد تحت العرش ويقول: أنا لها، ثم يفتح الله عليه بمحامد، وحينئذٍ يقال له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع للخلائق جميعاً من آدم إلى قيام الساعة أن يقضي الله بينهم.
الشفاعة الثانية الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: شفاعته في دخول أهل الجنة الجنة.
والشفاعة الثالثة: شفاعته في عمه أبي طالب بأن يشفع له في أن يخفف عنه العذاب، فيكون في ضحضاح من نار يغلي منها دماغه، وهو أهون أهل النار عقوبة، هذه الشفاعة الخاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ذكروا أن أهل الجنة بعد أن يعبروا الصراط يقفون في قنطرة، وهذه القنطرة ثبتت في حديث أبي سعيد الخدري ، وهو في صحيح البخاري (يخلص الناس من النار فيحبسون على قنطرة) والمقصود منها: (ليقتص بعضهم من بعض) بمعنى: أنهم لا يستحقون دخول النار، وحدوث القصاص بينهم حتى يعرف هذا منزلته: أفي أعلى الجنة، أم في وسطها، أم في أدناها؟ فيؤخذ بعضهم من بعض، دل على أنهم لا يستحقون النار، وإنما يكون الاقتصاص بمجرد أن توجد مراتبهم في جنات عدن.
أول من يدخل الجنة
مراتب الذين يدخلون الجنة وصفاتهم
ويأتي تسلية لأولئك الذين لم يأخذوا شيئاً من زهرة الحياة الدنيا، وهم الفقراء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الفقراء من المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً، أي: أربعين سنة. ومن الأمور التي تأتي تسلية لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صحيح البخاري من حديث أسامة بن زيد قال: (قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين) مما دل على أنهم حرموا شيئاً من اللذة، فيعطون شيئاً من التعويض يوم القيامة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأصحاب الجد -أي: الغنى- محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أدخلوا النار أو دخلوها).
وثبت في الصحيح كذلك أن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، أي: أصحاب الأموال وأكثر أهل الأموال هم أقل الناس دخولاً الجنة يوم القيامة، والسبب: لأنهم يعيشون في المعاصي والفجور، وتكون تلك الأموال سبباً للوبال عليهم، فيحبسون عن الجنة.
ونجد أن آخر قوم من الناس يخرجون من النار، ولعل هؤلاء من عصاة الموحدين ويدخلون الجنة، ويسمى هؤلاء بالجهنميين، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس أصابتهم النار بذنوبهم أو بخطاياهم، فأماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن الله بالشفاعة فيهم، فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويخرجون من النار وقد امتحشوا فكانوا كالفحم، ثم يوضعون في أنهار الجنة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يخرجون ويوجد عليهم إشارة تبين أن هؤلاء هم آخر أهل الجنة دخولاً، ويسميهم أهل الجنة بالجهنميين، وليس استنقاصاً لهم، وإنما تميزاً لهم بفضل الله تعالى عليهم؛ لأنهم أقحموا في النار وخرجوا، فوجدوا شيئاً من هذا النعيم الذي أعطاهم الله، والأحاديث في هذا كثيرة.
وقد ذكرنا فيما سبق آخر من يدخل الجنة عندما تكلمنا على الصراط.
وذكر من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحديث أخرجه البخاري ومسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً فيها، رجل يخرج من النار حبواً، فيقال له: اذهب إلى الجنة، فيقف على باب الجنة، ويجدها مزدحمة، فيرجع إلى ربه فيقول: يا رب وجدتها ملأى وليس لي موضع فيها، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشر أمثالها، فيقول: أي رب! أتسخر بي وأنت رب العالمين، قالوا: فيضحك الرب، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك حتى بدت نواجده، فكان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أدنى أهل الجنة منزلاً) فإذا كان هذا أدنى أهل الجنة منزلاً يعطى مثل الدنيا عشر مرات، فدل على أن هذه الجنة عظيمة، وأن مكانها كبير، وما نظر إليها هذا المسكين فإنما هو نظر لما أعطى الله لأوليائه من عظيم المنازل.
أبدية الجنة وخلود أهلها فيها
ولذلك يؤتى بالموت بعد أن يخرج أهل النار من الموحدين من النار، ولا يبقى فيها إلا الخلص من المشركين والكفار، فيؤتى بالموت فيذبح بين الجنة والنار، ويقال لأهل الجنة: خلود فلا موت، ولأهل النار: خلود فلا موت، وذكروا أنه إذا جيء به قيل لأهل الجنة: أتعرفونه؟ وقيل لأهل النار: أتعرفونه؟ فأهل الجنة يخشون منه مخافة أن يزول عنهم هذا النعيم، وأهل النار يفرحون برؤيته يتمنون أن لو جاءهم ملك الموت ليقبض أرواحهم، ولذلك يقولون: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] ثم يذبح زيادة حسرة على الكفار، وزيادة نعيم لأهل الجنة، بمعنى: أن هؤلاء خلود لهم فلا موت، ولهؤلاء خلود فلا موت، ولذلك يبقون على ما هم فيه، ونعوذ بالله أن نكون من قوم يبقون في النار خالدين.
أبواب الجنة
أبواب الجنة ثمانية، وقد ثبت ذلك في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد ورواه أهل السنن، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تؤضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء) بمعنى: أنه لو مات في هذه اللحظة فإن أبواب الجنة مفتوحة له يدخلها، وقد ثبت كذلك في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله -أي: من ماله في سبيل الله- دعي من أبوب الجنة الثمانية، فمن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، فقال
ذكر شيخنا العلامة أن من الأمثلة عليه: أن ينفق صاعين .. ينفق درهمين .. ينفق كذا من أعماله.
وبعضهم قال: لا، ينفق زوجين، أي: من نوعين مختلفين، يعني: من مال ومن بر ومن غيره.
وعلى كل حال إن أخذ بهذا القول أو بهذا القول فإنه يرجى له أن يدعى من أبواب الجنة الثمانية.
نور الجنة وريحها
العلماء يقولون: ليس فيها شيء، وإنما تجد أن فيها نوراً يخرجه الله يميزون به بين الليل وبين النهار.
هذه الجنة لها ريح، وريح الجنة ليس كريح الأمور الدنيوية التي توجد، ولهذا ثبت في صحيح البخاري وكذلك في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وسنن ابن ماجة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً) أي: مسيرة أربعين عاماً تجد ريح الجنة، ومع ذلك هذا الذي يقتل معاهداً لا يجد ريح الجنة، ولعل عدم وجود ريح الجنة عقوبة له، ويعتبر هذا من نوع العقوبة لهذا الذي قتل هذا المعاهد، وقد ورد كذلك في مسند الإمام أحمد وفي سنن النسائي وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم بسند صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً) دل على أن للجنة ريحاً وتتميز به.
أشجار الجنة
الجنة فيها أشجار، ولسنا بصدد ذكر الأشجار التي توجد فيها بأنواعها، سدرة المنتهى، وطوبى.. وغيرها، فقد ثبت كذلك في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطع ظلها) لا يقطع هذه الشجرة، دل على أنها شجرة عظيمة، وهو مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) عقل الإنسان لا يمكن أن يتصور شجرة مسيرتها مائة عام على الجواد المضمر السريع، وهذا يدل على أنها ولا شك أكبر من الأرض كلها التي نحن ساكنون فيها، ولذلك لو جئت بجواد مضمر سبعين أو مائة عام ويمشي فيها، ما احتاج إلى هذه المسافة كلها ليقطعها، مما يدل على عظم هذه المخلوقات، وأن ما نشاهده من هذا الكون ليس إلا شيئاً يسيراً، وأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل ما خلقه وأوجده سبحانه وتعالى وهو المدبر له.
ووجد كذلك سدرة المنتهى، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من صفاتها العظيمة، بين النبي صلى الله عليه وسلم أن نذقها -أي: ثمرها- مثل تلال هجر ، وورقها مثل آذان الفيلة، وأنه يخرج من أصلها أربعة أنهار، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الراكب يسير فيها سبعين عاماً لا يقطع ظلها.
منها: شجرة طوبى، وذكروا أن شجرة طوبى شجرة عظيمة، ومنها يخرج ثياب أهل الجنة، تخرج من أكمامها، وهذا يدل على أنها شجرة عظيمة، ولها صفة معينة، وهذا الحديث ذكر في مسند الإمام أحمد ، وتفسير ابن جرير الطبري ، وفي صحيح ابن حبان ، والحديث صححه جمع من أهل العلم.
دواب الجنة
من الأمور وهي من لطائف الجنة: أن في الجنة دواب، ولذلك قال الله: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21] دل على أن فيها طيوراً، ويدل على أن الإنسان يمر الطائر فإذا اشتهاه الإنسان ينزل مشوياً طيباً يأكله الإنسان، وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيها نهر الكوثر، وكذلك ورد بسند صحيح، بل في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة، وقال: يا رسول الله! هذه اجعلها فيما تراه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك بها سبعمائة ناقة يوم القيامة) ويصح أن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وورد في حديث رواه أبو نعيم والحاكم في مستدركه من حديث ابن مسعود أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك بها سبعمائة ناقة في الجنة) بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، مما يدل على أن الله يأتيهم شيئاً من هذه.
صفات أهل الجنة
ذكر العلماء في صفات أهل الجنة: أنهم على صورة أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام، قالوا: لا أكمل ولا أتم من هذه الصورة، لأنه خلقه الله بيده، وصوره سبحانه وتعالى.
قالوا: وطوله ستون ذراعاً، دل على أن الطول عظيم جداً، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم أنه قال من حديث أبي هريرة : (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لا زال الخلق ينقص) أي: إلى الآن الناس إلى قصر ليسوا إلى طول، وكان الناس إذا رأيت بعض الحضارات القديمة تجد فيها شيئاً عجيباً، من الأماكن الكبيرة، ومما جعله الله لهؤلاء القوم من القوة، ودل على أن الخلق لا يزال ينقص، وهذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وتصبح أمة محمد هي أقصر الخلق وأقلهم.
وذكر أنه يدخل أهل الجنة الجنة وهم جرد مرد كأنهم مكحلون، أبناء ثلاث وثلاثين، والحديث في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي بسند صحيح، وذكر أنهم لا يبصقون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، وأن أهل الجنة كذلك لا ينامون.
ومما ذكر من فضل الله تعالى على أهل الجنة أنه ربما يتمنى أحدهم الأمنية فتحقق له مباشرة.
ومن اللطائف التي وردت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعها، ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ، قال: كان الناس يتحدثون -أي: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم- وعندهم رجل من أهل البادية، فسأل أحدهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه بالزرع) أي: هو في الجنة ويريد أن يزرع، فهذا الرجل لما استأذن فقال الله له: (ألست فيما شئت) أي: ما تطلبه موجود بين يديك: (قال: بلى. ولكني يا رب أحب الزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته في استواء) في لحظة حصل له النبات والاستواء والجني كله وحتى الحصاد، فكان أمثال الجبال، فيقول الله له: (دونك يا ابن آدم هذا زرعك) فكان أحد الأعراب موجود في المجلس، فقال الأعرابي: والله لا تراه إلا أنصارياً أو قرشياً، هم الذين يحبون الزرع، والأعراب لا يزرعون أصلاً، ولا يعرفون الزراعة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا من اللطائف التي تحدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإخبار، وليس الحكم خاص بالأنصار وغيرهم، فإن الزرع يحدث لقريش ولغيرهم، لكن يدل على أن ما تمناه الإنسان يحدث له.
بل إنه قد يتمنى الإنسان الولد فيخلق الله له أمنيته في لحظة، وهذا من فضل الله تعالى.
أعظم نعيم أهل الجنة ذكر العلماء أنه: رؤية الرب سبحانه وتعالى، وقد تكلمنا عليه بشيء من التفصيل في رؤية الرب سبحانه وتعالى.
الجنة تعتبر أعظم ثواب الله تعالى، وسبب دخول الإنسان الجنة بسبب الأعمال الصالحة التي قدمها في هذه الحياة الدنيا، والله قد بين في قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] فقد ثبت في الحديث القدسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ومهما يخطر على قلبك فالجنة أعظم من ذلك، وقد قال: (ما لا عين رأت) وقد نستثني منها عين النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد رأى الجنة صلوات الله وسلامه عليه، ورأى ما أعد الله فيها لأوليائه، وقد بين أن الدنيا مهما كانت فهي بالنسبة للجنة أمرٌ هين، ولذلك ثبت في صحيح البخاري من حديث سهل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) فما تكون الدنيا أمام الجنات والقصور والأنهار، نسأل الله أن نكون من أهل تلك الجنات.
ومما ينبغي أن يعلم أنه لن يدخل أحد الجنة أبداً إلا بعد شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهلها، ولذلك فقد ورد في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه أول شافع وأول مُشفع، وأن من شفاعته صلى الله عليه وسلم الشفاعة الخاصة به، والشفاعة الخاصة به ثلاثة أنواع:
الشفاعة الأولى: شفاعته في أهل الموقف العظيم، وهذه قد ثبتت في الصحيح وغيره، حيث يأتي الخلائق كلهم يبحثون من شدة ما أصابهم من الهول العظيم في هذا الموقف، يأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيسجد تحت العرش ويقول: أنا لها، ثم يفتح الله عليه بمحامد، وحينئذٍ يقال له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع للخلائق جميعاً من آدم إلى قيام الساعة أن يقضي الله بينهم.
الشفاعة الثانية الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: شفاعته في دخول أهل الجنة الجنة.
والشفاعة الثالثة: شفاعته في عمه أبي طالب بأن يشفع له في أن يخفف عنه العذاب، فيكون في ضحضاح من نار يغلي منها دماغه، وهو أهون أهل النار عقوبة، هذه الشفاعة الخاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ذكروا أن أهل الجنة بعد أن يعبروا الصراط يقفون في قنطرة، وهذه القنطرة ثبتت في حديث أبي سعيد الخدري ، وهو في صحيح البخاري (يخلص الناس من النار فيحبسون على قنطرة) والمقصود منها: (ليقتص بعضهم من بعض) بمعنى: أنهم لا يستحقون دخول النار، وحدوث القصاص بينهم حتى يعرف هذا منزلته: أفي أعلى الجنة، أم في وسطها، أم في أدناها؟ فيؤخذ بعضهم من بعض، دل على أنهم لا يستحقون النار، وإنما يكون الاقتصاص بمجرد أن توجد مراتبهم في جنات عدن.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عمر سعود العيد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الأول) | 2467 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن) | 2414 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس) | 2367 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس عشر) | 2224 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس السادس عشر) | 2210 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثاني عشر) | 2102 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس التاسع) | 2087 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الرابع) | 2071 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن عشر) | 2004 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الحادي عشر) | 1944 استماع |