سير أعلام النبلاء: الحسن البصري
مدة
قراءة المادة :
33 دقائق
.
هُو الحَسَنُ بنُ أبِي الحَسَنِ يسَارٍ، أبُو سَعِيدٍ، مَولَى زَيدِ بنِ ثَابِتٍ الأنصَارِيِّ، ويُقالُ مَولَى أبِي اليسَرِ كَعبِ بنِ عَمرٍو السُّلَمِيِّ، قالهُ عَبدُ السَّلَامِ أبِى مُطَهِّرٍ، عن غَاضِرَةَ بنِ قرهَدٍ العَوفي، ثُمَّ قال: وكَانَت أُمُّ الحَسَنِ مَولَاةً لِأُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ المَخزُومِيةِ، ويُقالُ: كان مَولَى جَمِيلِ بنِ قُطبَةَ.ويسَارٌ أبُوهُ مِن سَبيِ مَيسَانَ سَكَنَ المَدِينَةَ وأُعتِقُ، وتَزَوجَ بِهَا في خِلَافةِ عُمَرَ، فوُلِدَ لَهُ بِهَا الحَسَنُ -رَحمَةُ اللهِ عَلَيهِ- لِسَنَتَينِ بَقِيتَا مِن خِلَافةِ عُمَرَ واسمُ أُمِّهِ خَيرَةُ، ثُمَّ نَشَأ الحَسَنُ بِوادِي القُرَى، وحَضَرَ الجُمُعَةَ مَعَ عُثمَانَ، وسَمِعَهُ يخطُبُ، وشَهِدَ يومَ الدَّارِ ولَهُ يومَئِذٍ أربَعَ عَشرَةَ سَنَةً.
قال حَجَّاجُ بنُ نُصَيرٍ: سُبِيت أُمُّ الحَسَنِ البَصرِيِّ مِن مَيسَانَ وهِي حَامِلٌ بِهِ، وولَدَتهُ بِالمَدِينَةِ.
وقال سُويدُ بنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنِي أبُو كَرِبٍ، قال: كان الحَسَنُ وابنُ سِيرِينَ مَولَيينِ لِعَبدِ اللهِ بنِ رَواحَةَ، وقدَمَا البَصرَةَ مَعَ أنَسٍ.
قُلتُ: القولَانِ شَاذَّانِ.
قال مُحَمَّدُ بنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا أبُو عَمرٍو الشَّعَّابُ بِإسنَادِ لَهُ، قال: كَانَت أُمُّ سَلَمَةَ تَبعَثُ أُمُّ الحَسَنِ في الحَاجَةِ، فيبكِي وهُو طِفلٌ، فتُسكِتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِثَديِهَا وتُخرِجُهُ إلَى أصحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهُو صَغِيرٌ، وكَانَت أُمُّهُ مُنقطِعَةٌ إلَيهَا، فكَانُوا يدعُونَ لَهُ، فأخرَجَتهُ إلَى عُمَرَ فدَعَا لَهُ، وقال: اللهُمَّ فقِّههُ في الدِّينِ وحَبِّبهُ إلَى النَّاسِ.
قُلتُ: إسنَادُهَا مُرسَلٌ.
يُونُسُ، عن الحَسَنِ، عن أُمِّهِ، أنَّهَا كَانَت تُرضِعُ لِأُمِّ سَلَمَةَ.
قال المَدَائِنِيُّ: قال الحَسَنُ: كان أبِي وأُمِّي لِرَجُلٍ مِن بَنِي النَّجَّارِ، فتَزَوجَ امرَأةً مِن بَنِي سَلِمَةَ، فسَاق أبِي وأُمِّي في مَهرِهَا فأعتَقتنَا السَّلِمِيةُ.
يُونُسُ، عن الحَسَنِ، قال لِي الحَجَّاجُ: مَا أمَدُكَ يا حَسَنُ؟ قُلتُ: سَنَتَانِ مِن خِلَافةِ عُمَرَ
وكان سَيِّدَ أهلِ زَمَانِهِ عِلمًا وعَمَلًا.
قال مُعتَمِرُ بنُ سُلَيمَانَ: كان أبِي يقُولُ: الحَسَنُ شَيخُ أهلِ البَصرَةِ.
ورُوِي أنَّ ثَدي أُمِّ سَلَمَةَ دَرَّ عَلَيهِ ورَضِعَهَا غَيرَ مَرَّةٍ.
رَأى عُثمَانَ، وطَلحَةَ، والكِبَارَ.
ورَوى عن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ، والمُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ، وعَبدِ الرَّحمَنِ بنِ سَمُرَةَ، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ، وأبِي بَكرَةَ الثَّقفي، والنُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ، وجَابِرٍ، وجُندُبٍ البَجَلِيِّ، وابنِ عَبَّاسٍ، وعَمرِو بنِ تَغلِبَ، ومَعقِلِ بنِ يسَارٍ، والأسودِ بنِ سَرِيعٍ، وأنَسٍ، وخَلقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وقرَأ القُرآنَ عَلَى حِطَّانَ بنِ عَبدِ اللهِ الرَّقاشِيِّ، ورَوى عن خَلقٍ مِنَ التَّابِعِينَ.
وعنهُ أيُّوبُ وشَيبَانُ النَّحوِيُّ، ويُونُسُ بنُ عُبَيدٍ، وابنُ عَونٍ، وحُمَيدٌ الطَّوِيلُ، وثَابِتٌ البُنَانِيُّ، ومَالِكُ بنُ دِينَارٍ، وهِشَامُ بنُ حَسَّانَ، وجَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، والرَّبِيعُ بنُ صُبَيحٍ، ويزِيدُ بنُ إبرَاهِيمَ التُّستَرِيُّ، ومُبَارَكُ بنُ فضَالَةَ، وأبَانُ بنُ يزِيدَ العَطَّارُ، وقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وحَزمٌ القُطَعِيُّ، وسَلَامُ بنُ مِسكِينٍ، وشُمَيطُ بنُ عَجلَانَ، وصَالِحٌ أبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ، وعَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ، وأبُو حَرِيزٍ عَبدُ اللهِ بنُ حُسَينٍ قاضِي سَجِستَانَ، ومُعَاوِيةُ بنُ عَبدِ الكَرِيمِ الضَّالُّ وواصِلٌ أبُو حُرَّةَ الرَّقاشِيُّ، وهِشَامُ بنُ زِيادٍ، وشُبَيبُ بنُ شَيبَةَ، وأشعَثُ بنُ بَرَازٍ، وأشعَثُ بنُ جَابِرٍ الحُدَّانِيُّ، وأشعَثُ بنُ عَبدِ المَلِكِ الحُمرَانِيُّ، وأشعَثُ بنُ سَوارٍ، وأبُو الأشهَبِ، وأُمَمٌ سِواهُم.
وقد رَوى بِالإرسَالِ عن طَائِفةٍ: كَعَلِيٍّ، وأُمِّ سَلَمَةَ ولَم يسمَع مِنهُمَا، ولَا مِن أبِي مُوسَى، ولَا مِنَ ابنِ سَرِيعٍ، ولَا مِن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، ولَا مِن عَمرِو بنِ تَغلِبَ، ولَا مِن عِمرَانَ، ولَا مِن أبِي بَرزَةَ، ولَا مِن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ، ولَا مِنَ ابنِ عَبَّاسٍ، ولَا مِن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ ولَا مِن أبِي ثَعلَبَةَ، ولَا مِن أبِي بَكرَةَ، ولَا مِن أبِي هُرَيرَةَ، ولَا مِن جَابِرٍ، ولَا مِن أبِي سَعِيدٍ.
قالهُ يحيىُ بنُ مَعِينٍ.
وقال البُخَارِيُّ: لَم يُعرَف لِلحَسَنِ سَمَاعٌ مِن دَغفلٍ.
وقال غَيرُهُ: لَم يسمَع مِن سَلَمَةَ بنِ المُحَبَّقِ، ولَا مِنَ العَبَّاسِ، ولَا مِن أُبَيٍّ.
قال يعقُوبُ بنُ شَيبَةَ: قُلتُ لِابنِ المَدِينِيِّ: يُقالُ عن الحَسَنِ: أخَذتُ بِحُجزَةِ سَبعِينَ بَدرِيًّا، فقال: هَذَا بَاطِلٌ، أحصَيتُ أهلَ بَدرٍ الَّذِينَ يُروى عنهُم فلَم يبلُغُوا خَمسِينَ، مِنهُم مَنِ المُهَاجِرِينَ أربَعَةٌ وعِشرُونَ.
وقال شُعَيبُ بنُ الحَبحَابِ، عنهُ: رَأيتُ عُثمَانَ يُصَبُّ عَلَيهِ مِن إبرِيقٍ.
وقال يحيى القطَّانُ: أحَادِيثُهُ عن سَمُرَةَ، سَمِعنَا أنَّهَا كِتَابٌ.
قُلتُ: قد صَحَّ سَمَاعُهُ في حَدِيثِ العَقِيقةِ وفي حَدِيثِ النَّهيِ عن المُثلَةِ مِن سَمُرَةَ.
وقال قتَادَةُ: مَا شَافهَ الحَسَنُ بَدرِيًّا بِحَدِيثٍ.
قال يحيى القطَّانُ في أحَادِيثِ سَمُرَةَ رِوايةُ الحَسَنِ: سَمِعنَا أنَّهَا مِن كِتَابِ مَعنٍ القزَّازِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمرٍو: سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ: سَمِعتُ أبَا هُرَيرَةَ يقُولُ: الوُضُوءُ مِمَّا غَيرَتِ النَّارُ.
فقال الحَسَنُ: لَا أدَعُهُ أبَدًا.
مُسلِمٌ: حَدَّثَنَا أبُو هِلَالٍ، سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ: كان مُوسَى نَبِيُّ اللهِ -عَلَيهِ السَّلَامُ- لَا يغتَسِلُ إلَّا مُستَتِرًا.
فقال لَهُ ابنُ بُرَيدَةَ: مِمَّن سَمِعتَ هَذَا؟ قال: مِن أبِي هُرَيرَةَ.
قال يُونُسُ وعَلِيُّ بنُ جُدعَانَ: لَم يسمَعِ الحَسَنُ مِن أبِي هُرَيرَةَ.
هَمَّامٌ، عن قتَادَةَ، عن الحَسَنِ: سَمِعتُ عُثمَانَ -رضِي اللهُ عنهُ- يقُولُ في خُطبَتِهِ، أرَاهُ قال: اقتُلُوا الكِلَابَ والحَمَامَ.
شُعَيبُ بنُ الحَبحَابِ، عن الحَسَنِ: شَهِدتُ عُثمَانَ جَمعًا تِبَاعًا يأمُرُ بِذَبحِ الحَمَامِ وقتلِ الكِلَابِ.
عَفانُ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فضَالَةَ، وآخَرُ عن الحَسَنِ بِمِثلِهِ.
بَهزُ بنُ أسَدٍ: حَدَّثَنَا عَبدُ الواحِدِ بنُ زِيادٍ، عن يُونُسَ، عن الحَسَنِ، قال: رَأيتُ عُثمَانَ نَائِمًا في المَسجِدِ، حَتَّى جَاءَهُ المُؤَذِّنُ فقامَ، فرَأيتُ أثَرَ الحَصَى عَلَى جَنبِهِ.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن أيُّوبَ: سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ: خَرَجَ عَلَينَا عُثمَانُ، فكان بَينَهُم تَخلِيطٌ، فتَرَامَوا بِالحَصبَاءِ.
وعن أبِي مُوسَى، عن الحَسَنِ، قال: شَهِدتُ عُثمَانَ يومَ الجُمُعَةِ قامَ يخطُبُ، فقامَ إلَيهِ رَجُلٌ فقال: أنشُدُكَ كِتَابَ اللهِ.
فقال عُثمَانُ: اجلِس، أمَا لِكِتَابِ اللهِ مُنشِدٌ غَيرَكَ! قال: فجَلَسَ ثُمَّ قامَ، أو قامَ رَجُلٌ غَيرُهُ فقال مِثلَ مَقالتِهِ، فقال لَهُ: اجلِس، أمَا لِكِتَابِ اللهِ مُنشِدٌ غَيرَكَ، فأبَى أن يجلِسَ، فبَعَثَ إلَيهِ الشُّرَطُ لِيُجلِسُوهُ، فقامَ النَّاسُ فحَالُوا بَينَهُم وبَينَهُ، ثُمَّ تَرَامَوا بِالبَطحَاءِ حَتَّى يقُولَ القائِلُ: مَا أكَادُ أرَى السَّمَاءَ مِنَ البَطحَاءِ، فنَزَلَ عن مِنبَرِهِ ودَخَلَ دَارَهُ، ولَم يُصَلِّ الجُمُعَةَ يومَئِذٍ.
مُسلِمٌ: حَدَّثَنَا أبُو عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ، قال: خَرَجَ عُثمَانُ فقامَ يخطُبُ، فذَكَرَ بَعضَ حَدِيثِ أبِي مُوسَى.
سُلَيمُ بنُ أخضَرَ، عن ابنِ عَونٍ: أنبَأنَا الحَسَنُ، قال: كان عُثمَانُ يومًا يخطُبُ، فقامَ رَجُلٌ فقال: إنَّا نَسألُكَ كِتَابَ اللهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ نَحوهُ، فحَصَبُوهُ، فحَصَبُوا الَّذِينَ حَصَبُوهُ، ثُمَّ تَحَاصَبَ القومُ واللهِ، فأُنزِلَ الشَّيخُ يُهَادَى بَينَ رَجُلَينِ، مَا كَادَ أن يُقِيمَ عُنُقهُ حَتَّى أُدخِلَ الدَّارَ، فقال: لَو جِئتُم بِأُمِّ المُؤمِنِينَ عَسَى أن يكُفُّوا عنهُ.
قال: فجَاءُوا بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنتِ أبِي سُفيانَ، فنَظَرتُ إلَيهَا وهِي عَلَى بَغلَةٍ بَيضَاءَ في مِحَفةٍ فلَمَّا جَاءُوا بِهَا إلَى الدَّارِ، صَرَفُوا وجهَ البَغلَةِ حَتَّى رَدُّوهَا.
حُرَيثُ بنُ السَّائِبِ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ، قال: كُنتُ أدخُلُ بُيُوتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في خِلَافةِ عُثمَانَ أتَنَاولُ سَقفهَا بِيدِي وأنَا غُلَامٌ مُحتَلِمٌ يومَئِذٍ.
ضَمرَةُ، عن ابنِ شَوذَبٍ، قال: قال الحَسَنُ: كُنتُ يومَ قُتِلَ عُثمَانُ ابنَ أربَعَ عَشرَةَ سَنَةً، ثُمَّ قال الحَسَنُ: لَولَا النِّسيانُ كان العِلمُ كَثِيرًا.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن أيُّوبَ، عن الحَسَنِ، قال: دَخَلتُ عَلَى عُثمَانَ بنِ أبِي العَاصِ.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَمرُو بنُ تَغلِبَ مَرفُوعًا: «تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ».
أخبَرَنَا عَبدُ الحَافِظِ بنُ بَدرَانَ، ويُوسُفُ بنُ أحمَدَ، قالا: أنبَأنَا مُوسَى بنُ عَبدِ القادِرِ، أنبَأنَا سَعِيدُ بنُ البِنَّاءِ، أنبَأنَا أبُو القاسِمِ بنُ البُسرِيِّ، أنبَأنَا أبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ حَدَّثَنَا أبُو القاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا شَيبَانُ بنُ فرُّوخٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فضَالَةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ، عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ، قال: كان رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يخطُبُ يومَ الجُمُعَةِ إلَى جَنبِ خَشَبَةٍ، يُسنِدُ ظَهرَهُ إلَيهَا؛ فلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ، قال: «ابْنُوا لِي مِنْبَرًا لَهُ عَتَبَتَانِ».
فلَمَّا قامَ عَلَى المِنبَرِ يخطُبُ حَنَّتِ الخَشَبَةُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ.
قال: وأنَا في المَسجِدِ، فسَمِعتُ الخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِينَ الوالِهِ، فمَا زَالَت تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ إلَيهَا، فاحتَضَنَهَا فسَكَنَت.
وكان الحَسَنُ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ بَكَى، ثُمَّ قال: يا عِبَادَ اللهِ، الخَشَبَةُ تَحِنُّ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَوقًا إلَيهِ، فأنتُم أحَقُّ أن تَشتَاقُوا إلَى لِقائِهِ.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مَا وقعَ لِي مِن رِوايةِ الحَسَنِ أعلَى مِنهُ سِوى حَدِيثٍ آخَرَ سَأسُوقُهُ.
أخبَرَنَا أحمَدُ بنُ إسحَاق الهَمَذَانِيُّ، أنبَأنَا الفتحُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ، أنبَأنَا الأرمَوِيُّ ومُحَمَّدٌ الطَّرَائِفي، وأبُو غَالِبِ بنُ الدَّايةِ، قالُوا: أنبَأنَا أبُو جَعفرِ بنُ المُسلِمَةِ، أنبَأنَا أبُو الفضلِ عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ الزُّهرِيُّ، أنبَأنَا جَعفرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِريابِيُّ، حَدَّثَنَا شَيبَانُ بنُ فُرُّوخٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فضَالَةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ في هَذِهِ الآيةِ: أفرَأيتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ.
قال: هُو المُنَافِقُ لَا يهوى شَيئًا إلَّا رَكِبَهُ.
أخبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوهَّابِ بنِ الحُبَابِ الكَاتِبُ، أنبَأنَا عَلِيُّ بنُ مُختَارٍ، أنبَأنَا أبُو طَاهِرٍ السِّلَفي، أنبَأنَا القاسِمُ بنُ الفضلِ، وأنبَأنَا إسمَاعِيلُ بنُ الفرَّاءِ، أنبَأنَا أبُو مُحَمَّدِ بنُ قُدَامَةَ، أخبَرَتنَا شُهدَةُ الإبَرِيةُ وتَجَنِّي الوهبَانِيةُ قالتَا: أخبَرَنَا طِرَادٌ الزَّينَبِيُّ قال: حَدَّثَنَا هِلَالُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَفارُ، أنبَأنَا الحُسَينُ بنُ يحيى القطَّانُ، حَدَّثَنَا أبُو الأشعَثِ، حَدَّثَنَا حَزمٌ القُطَعِيُّ، سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ: بَلَغَنَا أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: رَحِمَ اللهُ عَبدًا تَكَلَّمَ فغَنِمَ، أو سَكَتَ فسَلِمَ.
وبِهِ، حَدَّثَنَا حَزمٌ، قال: رَأيتُ الحَسَنَ قدِمَ مَكَّةَ فقامَ خَلف المَقامِ فصَلَّى، فجَاءَ عَطَاءٌ وطَاوُسٌ ومُجَاهِدٌ، وعَمرُو بنُ شُعَيبٍ، فجَلَسُوا إلَيهِ.
هَذَا أعلَى مَا يقعُ لَنَا عن الحَسَنِ البَصرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
قال أحمَدُ بنُ أبِي خَيثَمَةَ: سَمِعتُ يحيى بنَ مَعِينٍ يقُولُ: لَم يسمَعِ الحَسَنُ مِن أبِي هُرَيرَةَ.
قِيلَ لَهُ: ففي بَعضِ الحَدِيثِ: حَدَّثَنَا أبُو هُرَيرَةَ.
قال: لَيسَ بِشَيءٍ.
مُوسَى بنُ إسمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بنُ كُلثُومٍ، عن الحَسَنِ، قال: نَبَّأنَا أبُو هُرَيرَةَ، قال: عَهِدَ إلَي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا: «الغَسلُ يومَ الجُمُعَةَ، والوِترُ قبلَ أن أنَامَ، وصِيامُ ثَلَاثَةٍ مِن كُلِّ شَهرٍ» رَبِيعَةُ صَدُوقٌ، خَرَّجَ لَهُ مُسلِمٌ.
الولِيدُ بنُ مُسلِمٍ، عن سَالِمٍ الخَياطِ: سَمِعتُ الحَسَنَ وابنَ سِيرِينَ يقُولَانِ: سَمِعنَا أبَا هُرَيرَةَ، فذَكَرَ حَدِيثًا.
سَالِمٌ واهٍ، والحَسَنُ مَعَ جَلَالَتِهِ فهُو مُدَلِّسٌ، ومَرَاسِيلُهُ لَيسَت بِذَاكَ، ولَم يطلُبِ الحَدِيثَ في صِبَاهُ، وكان كَثِيرَ الجِهَادِ، وصَارَ كَاتِبًا لِأمِيرِ خُرَاسَانَ الرَّبِيعِ بنِ زِيادٍ.
وقال سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ: كان الحَسَنُ يغزُو، وكان مُفتِي البَصرَةِ جَابِرُ بنُ زَيدٍ أبُو الشَّعثَاءِ، ثُمَّ جَاءَ الحَسَنُ فكان يُفتِي.
قال مُحَمَّدُ بنُ سَعدٍ كان الحَسَنُ -رحِمَهُ اللهُ- جَامِعًا، عَالِمًا، رَفِيعًا، فقِيهًا، ثِقةً، حُجَّةً، مَأمُونًا، عَابِدًا، نَاسِكًا، كَثِيرَ العِلمِ، فصِيحًا، جَمِيلًا، وسِيمًا.
ومَا أرسَلَهُ فلَيسَ بِحُجَّةٍ.
الأصمَعِيُّ عن أبِيهِ، قال: مَا رَأيتُ زَندًا أعرَضَ مِن زَندِ الحَسَنِ البَصرِيِّ، كان عَرضُهُ شِبرًا.
قُلتُ: كان رَجُلًا تَامَّ الشَّكلِ، مَلِيحَ الصُّورَةِ بَهِيًّا، وكان مِنَ الشُّجعَانِ المَوصُوفِينَ.
ضَمرَةُ بنُ رَبِيعَةَ، عن الأصبَغِ بنِ زَيدٍ: سَمِعَ العَوامَ بنَ حَوشَبٍ، قال: مَا أُشِبِّهُ الحَسَنَ إلَّا بِنَبِيٍّ.
وعن أبِي بُردَةَ، قال: مَا رَأيتُ أحَدًا أشبَهَ بِأصحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنهُ.
حُمَيدُ بنُ هِلَالٍ: قال لَنَا أبُو قتَادَةَ: الزَمُوا هَذَا الشَّيخَ؛ فمَا رَأيتُ أحَدًا أشبَهَ رَأيًا بِعُمَرَ مِنهُ، يعنِي الحَسَنَ.
وعن أنَسِ بنِ مَالِكٍ، قال: سَلُوا الحَسَنَ؛ فإنَّهُ حَفِظَ ونَسِينَا.
وقال مَطَرٌ الورَّاقُ: لَمَّا ظَهَرَ الحَسَنُ جَاءَ كَأنَّمَا كان في الآخِرَةِ، فهُو يُخبِرُ عَمَّا عَاينَ.
مُجَالِدٌ، عن الشَّعبِيِّ قال: مَا رَأيتُ الَّذِي كان أسودَ مِنَ الحَسَنِ.
عن أمَةِ الحَكَمِ، قالت: كان الحَسَنُ يجِيءُ إلَى حَطَّانَ الرَّقاشِيِّ، فمَا رَأيتُ شَابًّا قطُّ كان أحسَنَ وجهًا مِنهُ.
وعن جُرثُومَةَ قال: رَأيتُ الحَسَنَ يُصَفِّرُ لِحيتَهُ في كُلِّ جُمُعَةٍ.
أبُو هِلَالٍ: رَأيتُ الحَسَنَ يُغَيِّرُ بِالصُّفرَةِ.
وقال عَارِمٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قال: رَأيتُ الحَسَنَ يُصَفِّرُ لِحيتَهُ.
وقال قتَادَةُ: مَا جَمَعتُ عِلمَ الحَسَنِ إلَى أحَدٍ مِنَ العُلَمَاءِ إلَّا وجَدتُ لَهُ فضلًا عَلَيهِ، غَيرَ أنَّهُ إذَا أشكَلَ عَلَيهِ شَيءٌ، كَتَبَ فِيهِ إلَى سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ يسألُهُ، ومَا جَالَستُ فقِيهًا قطُّ إلَّا رَأيتُ فضلَ الحَسَنِ.
قال أيُّوبُ السَّختِيانِيُّ: كان الرَّجُلُ يجلِسُ إلَى الحَسَنِ ثَلَاثَ حِجَجٍ مَا يسألُهُ عن المَسألَةِ هَيبَةً لَهُ.
وقال مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: قُلتُ لِلأشعَثِ: قد لَقِيتَ عَطَاءً وعِندَكَ مَسَائِلُ، أفلَا سَألتَهُ؟! قال: مَا لَقِيتُ أحَدًا بَعدَ الحَسَنِ إلَّا صَغُرَ في عَينِي.
وقال أبُو هِلَالٍ: كُنتُ عِندَ قتَادَةَ، فجَاءَ الخَبَرُ.
بِمَوتِ الحَسَنِ، فقُلتُ: لَقد كان غُمِسَ في العِلمِ غَمسَةً.
قال قتَادَةُ: بَل نَبَتَ فِيهِ وتَحَقبَهُ وتَشَرَّبَهُ، واللهِ لَا يُبغِضُهُ إلَّا حَرُورِيٌّ.
مُحَمَّدُ بنُ سَلَّامٍ الجُمَحِيُّ، عن هَمَّامٍ، عن قتَادَةَ، قال: يُقالُ: مَا خَلَتِ الأرضُ قطُّ مِن سَبعَةِ رَهطٍ، بِهِم يُسقونَ، وبِهِم يُدفعُ عنهُم، وإنِّي لَأرجُو أن يكُونَ الحَسَنُ أحَدَ السَّبعَةِ.
قال قتَادَةُ: مَا كان أحَدٌ أكمَلَ مُرُوءَةً مِنَ الحَسَنِ.
وقال حُمَيدٌ ويُونُسُ: مَا رَأينَا أحَدًا أكمَلَ مُرُوءَةً مِنَ الحَسَنِ.
وعن عَلِيِّ بنِ زَيدٍ، قال: سَمِعتُ مِنَ ابنِ المُسَيِّبِ، وعُروةَ، والقاسِمَ وغَيرَهُم، مَا رَأيتُ مِثلَ الحَسَنِ، ولَو أدرَكَ الصَّحَابَةَ ولَهُ مِثلُ أسنَانِهِم مَا تَقدَّمُوهُ.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن حَجَّاجِ بنِ أرطَاةَ: سَألتُ عَطَاءً.
عن القِرَاءَةِ عَلَى الجِنَازَةِ؛ قال: مَا سَمِعنَا ولَا عَلِمنَا أنَّهُ يُقرَأُ عَلَيهَا.
قُلتُ: إنَّ الحَسَنَ يقُولُ: يُقرَأُ عَلَيهَا.
قال عَطَاءٌ: عَلَيكَ بِذَاكَ، ذَاكَ إمَامٌ ضَخمٌ يُقتَدَى بِهِ.
وقال يُونُسُ بنُ عُبَيدٍ: أمَّا أنَا فإنِّي لَم أرَ أحَدًا أقرَبَ قولًا مِن فِعلٍ مِنَ الحَسَنِ.
أبُو جَعفرٍ الرَّازِيُّ، عن الرَّبِيعِ بنِ أنَسٍ، قال: اختَلَفتُ إلَى الحَسَنِ عَشرَ سِنِينَ أو مَا شَاءَ اللهُ، فلَيسَ مِن يومٍ إلَّا أسمَعُ مِنهُ مَا لَم أسمَع قبلَ ذَلِكَ.
مُسلِمُ بنُ إبرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بنُ مِسكِينٍ: رَأيتُ عَلَى الحَسَنِ قبَاءً مِثلَ الذَّهَبِ يتَألَّقُ.
وقال ابنُ عُلَيةَ: عن يُونُسَ: كان الحَسَنُ يلبَسُ في الشِّتَاءِ قبَاءً حِبَرَةً، وطَيلَسَانًا كُردِيًّا، وعِمَامَةً سَودَاءَ، وفي الصَّيفِ إزَارَ كَتَّانٍ، وقمِيصًا وبُردًا حِبَرَةً.
ورَوى حَوشَبٌ، عن الحَسَنِ، قال: المُؤمِنُ يُدَارِي دِينَهُ بِالثِّيابِ.
يُونُسُ، عن الحَسَنِ، أنَّهُ كان مِن رُءُوسِ العُلَمَاءِ في الفِتَنِ والدِّمَاءِ والفُرُوجِ.
وقال عَوفٌ: مَا رَأيتُ رَجُلَا أعلَمَ بِطَرِيقِ الجَنَّةِ مِنَ الحَسَنِ.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن يزِيدَ بنِ حَازِمٍ، قال: قامَ الحَسَنُ مِنَ الجَامِعِ، فاتَّبَعَهُ نَاسٌ، فالتَفتَ إلَيهِم وقال: إنَّ خَفق النِّعَالِ حَولَ الرِّجَالِ قلَّمَا يُلبِثُ الحَمقى.
ورَوى حَوشَبٌ عن الحَسَنِ، قال: يا ابنَ آدَمَ، واللهِ إن قرَأتَ القُرآنَ ثُمَّ آمَنتَ بِهِ، لَيُطُولَنَّ في الدُّنيا حُزنُكَ، ولَيشتَدَّنَّ في الدُّنيا خَوفُكَ، ولِيكثُرَنَّ في الدُّنيا بُكَاؤُكَ.
وقال إبرَاهِيمُ بنُ عِيسَى اليشكُرِيُّ: مَا رَأيتُ أحَدًا أطولَ حُزنًا مِنَ الحَسَنِ؛ مَا رَأيتُهُ إلَّا حَسِبتُهُ حَدِيثَ عَهدٍ بِمُصِيبَةٍ.
الثَّورِيُّ، عن عِمرَانَ القصِيرِ، قال: سَألتُ الحَسَنَ عن شَيءٍ قُلتُ: إنَّ الفُقهَاءَ يقُولُونَ كَذَا وكَذَا.
فقال: وهَل رَأيتَ فقِيهًا بِعَينِكَ؟! إنَّمَا الفقِيهُ الزَّاهِدُ في الدُّنيا، البَصِيرُ بِدِينِهِ، المُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ.
عَبدُ الصَّمَدِ بنُ عَبدِ الوارِثِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ ذَكوانَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ صَفوانَ، قال: لَقِيتُ مَسلَمَةَ بنَ عَبدِ المَلِكِ فقال: يا خَالِدُ، أخبِرنِي عن حَسَنِ أهلِ البَصرَةِ؟ قُلتُ: أصلَحَكَ اللهُ، أُخبِرُكَ عنهُ بِعِلمٍ، أنَا جَارُهُ إلَى جَنبِهِ، وجَلِيسُهُ في مَجلِسِهِ، وأعلَمُ مَن قِبَلِي بِهِ: أشبَهُ النَّاسِ سَرِيرَةً بِعَلَانِيةٍ، وأشبَهُهُ قُولَا بِفِعلٍ، إن قعَدَ عَلَى أمرٍ قامَ بِهِ، وإن قامَ عَلَى أمرٍ قعَدَ عَلَيهِ، وإن أمَرَ بِأمرٍ كان أعمَلَ النَّاسِ بِهِ، وإن نَهَى عن شَيءٍ كان أترَكَ النَّاسِ لَهُ، رَأيتُهُ مُستَغنِيًا عن النَّاسِ، ورَأيتُ النَّاسَ مُحتَاجِينَ إلَيهِ، قال: حَسبُكَ، كَيف يضِلُّ قومٌ هَذَا فِيهِم.
هِشَامُ بنُ حَسَّانَ: سَمِعتُ الحَسَنَ يحلِفُ بِاللهِ، مَا أعَزَّ أحَدٌ الدِّرهَمَ إلَّا أذَلَّهُ اللهُ.
وقال حَزمُ بنُ أبِي حَزمٍ: سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ: بِئسَ الرَّفِيقانِ، الدِّينَارُ والدِّرهَمُ؛ لَا ينفعَانِكَ حَتَّى يُفارِقاكَ.
وقال أبُو زُرعَةَ الرَّازِيُّ: كُلُّ شَيءٍ قال الحَسَنُ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وجَدتُ لَهُ أصلًا ثَابِتًا مَا خَلَا أربَعَةَ أحَادِيثَ.
رَوحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الأسودُ، قال: تَمَنَّى رَجُلٌ فقال: لَيتَنِي بِزُهدِ الحَسَنِ، وورَعِ ابنِ سِيرِينَ، وعِبَادَةِ عَامِرِ بنِ عَبدِ قيسٍ، وفِقهِ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ، وذِكرِ مُطرِفِ بنِ الشِّخِّيرِ بِشَيءٍ.
قال: فنَظَرُوا في ذَلِكَ، فوجَدُوهُ كُلَّهُ كَامِلًا في الحَسَنِ.
عِيسَى بنُ يُونُسَ، عن الفُضَيلِ أبِي مُحَمَّدٍ: سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ: أنَا يومَ الدَّارِ ابنُ أربَعَ عَشرَةَ سَنَةً، جَمَعتُ القُرآنَ، أنظُرُ إلَى طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ.
الفُضَيلُ: لَا يُعرَفُ.
يعقُوبُ الفسَوِيُّ: سَمِعتُ أبَا سَلَمَةَ التَّبُوذَكِي يقُولُ: حَفِظتُ عن الحَسَنِ ثَمَانِيةَ آلَافِ مَسألَةٍ.
وقال حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أنبَأنَا عَلِيُّ بنُ زَيدٍ، قال: رَأيتُ سَعِيدَ بنَ المُسَيِّبِ، وعُروةَ، والقاسِمَ في آخَرِينَ؛ مَا رَأيتُ مِثلَ الحَسَنِ.
وقال جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، عن حُمَيدِ بنِ هِلَالٍ، قال لَنَا أبُو قتَادَةَ: مَا رَأيتُ أحَدًا أشبَهَ رَأيًا بِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ مِنهُ -يعنِي الحَسَنَ.
ابنُ المُبَارَكِ، عن مَعمَرٍ، عن قتَادَةَ، قال: دَخَلنَا عَلَى الحَسَنِ وهُو نَائِمٌ، وعِندَ رَأسِهِ سَلَّةٌ، فجَذَبنَاهَا فإذَا خُبزٌ وفاكِهَةٌ، فجَعَلنَا نَأكُلُ، فانتَبَهَ فرَآنَا، فسَرَّهُ، فتَبَسَّمَ وهُو يقرَأُ: أو صَدِيقِكُم لَا جُنَاحَ عَلَيكُم.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ: سَمِعتُ أيُّوبَ يقُولُ: كان الحَسَنُ يتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ كَأنَّهُ الدُّرُّ، فتَكَلَّمَ قومٌ مِن بَعدِهِ بِكَلَامٍ يخرُجُ مِن أفواهِهِم كَأنَّهُ القيءُ.
وقال السَّرِيُّ بنُ يحيى: كان الحَسَنُ يصُومُ البِيضَ، وأشهُرَ الحُرُمِ، والِاثنَينَ والخَمِيسَ.
يُونُسُ بنُ عُبَيدٍ، عن الحَسَنِ، قال: كُنَّا نُعَارِي أصحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ.
غَالِبٌ القطَّانُ، عن بَكرِ بنِ عَبدِ اللهِ المُزَنِيِّ، قال: مَن سَرَّهُ أن ينظُرَ إلَى أفقهِ مَن رَأينَا، فلينظُر إلَى الحَسَنِ.
وقال قتَادَةُ: كان الحَسَنُ مِن أعلَمِ النَّاسِ بِالحَلَالِ والحَرَامِ.
رَوى أبُو عُبَيدٍ الآجُرِّيُّ، عن أبِي دَاوُدَ، قال: لَم يحُجَّ الحَسَنُ إلَّا حَجَّتَينِ، وكان يكُونُ بِخُرَاسَانَ! وكان يُرَافِقُ مِثلَ قطَرِيِّ بنِ الفُجَاءَةِ، والمُهَلَّبِ بنِ أبِي صُفرَةَ، وكان مِنَ الشُّجعَانِ.
قال هِشَامُ بنُ حَسَّانَ: كان الحَسَنُ أشجَعَ أهلِ زَمَانِهِ.
وقال أبُو عَمرِو بنُ العَلَاءِ: مَا رَأيتَ أفصَحَ مِنَ الحَسَنِ والحَجَّاجِ.
فُضَيلِ بنُ عِياضٍ، عن رَجُلٍ، عن الحَسَنِ، قال: مَا حُلِّيتِ الجَنَّةُ لِأُمَّةٍ مَا حُلِّيت لِهَذِهِ الأُمَّةِ، ثُمَّ لَا تَرَى لَهَا عَاشِقًا.
أبُو عُبَيدَةَ النَّاجِيُّ، عن الحَسَنِ، قال: ابنَ آدَمَ، تَركُ الخَطِيئَةِ أهونُ عَلَيكَ مِن مُعَالَجَةِ التَّوبَةِ؛ مَا يُؤَمِّنُكَ أن تَكُونَ أصَبتَ كَبِيرَةً أُغلِق دُونَهَا بَابُ التَّوبَةِ فأنتَ في غَيرِ مَعمِلٍ.
سَلَّامُ بنُ مِسكِينٍ، عن الحَسَنِ، قال: أهِينُوا الدُّنيا؛ فواللهِ لَأهنَأُ مَا تَكُونُ إذَا أهَنتَهَا.
وقال جَعفرُ بنُ سُلَيمَانَ: كان الحَسَنُ مِن أشَدِّ النَّاسِ، وكان المُهَلَّبُ إذَا قاتَلَ المُشرِكِينَ يُقدِّمُهُ.
وقال أبُو سَعِيدِ بنُ الأعرَابِيِّ في (طَبَقاتِ النُّسَّاكِ): كان عَامَّةُ مَن ذَكَرنَا مِنَ النُّسَّاكِ يأتُونَ الحَسَنَ، ويسمَعُونَ كَلَامَهُ، ويُذعِنُونَ لَهُ بِالفِقهِ، في هَذِهِ المَعَانِي خَاصَّةً.
وكان عَمرُو بنُ عُبَيدٍ، وعَبدُ الواحِدِ بنُ زَيدٍ مِنَ المُلَازِمِينَ لَهُ، وكان لَهُ مَجلِسٌ خَاصٌّ في مَنزِلِهِ، لَا يكَادُ يتَكَلَّمُ فِيهِ إلَّا في مَعَانِي الزُّهدِ والنُّسُكِ وعُلُومِ البَاطِنِ، فإن سَألَهُ إنسَانٌ غَيرَهَا، تَبَرَّمَ بِهِ وقال: إنَّمَا خَلَونَا مَعَ إخوانِنَا نَتَذَاكَرُ.
فأمَّا حَلقتُهُ في المَسجِدِ فكان يمُرُّ فِيهَا الحَدِيثُ، والفِقهُ، وعِلمُ القُرآنِ، واللُّغَةِ، وسَائِرُ العُلُومِ؛ وكان رُبَّمَا يُسألُ عن التَّصَوُّفِ فيُجِيبُ، وكان مِنهُم مَن يصحَبُهُ لِلحَدِيثِ، ومِنهُم مَن يصحَبُهُ لِلقُرآنِ والبَيانِ، ومِنهُم مَن يصحَبُهُ لِلبَلَاغَةِ، ومِنهُم مَن يصحَبُهُ لِلإخلَاصِ وعِلمِ الخُصُوصِ، كَعَمرِو بنِ عُبَيدٍ وأبِي جَهِيرٍ، وعَبدِ الواحِدِ بنِ زَيدٍ، وصَالِحٍ المُرِّيِّ، وشُمَيطٍ، وأبِي عُبَيدَةَ النَّاجِيِّ؛ وكُلُّ واحِدٍ مِن هَؤُلَاءِ اشتُهِرَ بِحَالٍ -يعنِي في العِبَادَةِ.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن أيُّوبَ، قال: كَذَبَ عَلَى الحَسَنِ ضَربَانِ مِنَ النَّاسِ: قومٌ القدَرُ رَأيُهُم لِيُنَفِّقُوهُ في النَّاسِ بِالحَسَنِ، وقومٌ في صُدُورِهِم شَنَآنٌ وبُغضٌ لِلحَسَنِ.
وأنَا نَازَلتُهُ غَيرَ مَرَّةٍ في القدَرِ حَتَّى خَوفتُهُ بِالسُّلطَانِ، فقال: لَا أعُودُ فِيهِ بَعدَ اليومِ.
فلَا أعلَمُ أحَدًا يستَطِيعُ أن يعِيبَ الحَسَنَ إلَّا بِهِ، وقد أدرَكتُ الحَسَنَ -واللهِ- ومَا يقُولُهُ.
قال الحَمَّادَانِ، عن يُونُسَ قال: مَا استَخَف الحَسَنَ شَيءٌ مَا استَخَفهُ القدَرُ.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، أنَّ أيُّوبَ وحُمَيدًا خَوفا الحَسَنَ بِالسُّلطَانِ، فقال لَهُمَا: ولَا تَرَيانِ ذَاكَ؟ قالا: لَا.
قال: لَا أعُودُ.
قال حَمَّادٌ: لَا أعلَمُ أحَدًا يستَطِيعُ أن يعِيبَ الحَسَنَ إلَّا بِهِ.
ورَوى أبُو مَعشَرٍ، عن إبرَاهِيمَ، أنَّ الحَسَنَ تَكَلَّمَ في القدر ِ.
رَواهُ مُغِيرَةُ بنُ مِقسَمٍ، عنهُ.
وقال سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ: رَجَعَ الحَسَنُ عن قولِهِ في القدَرِ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن حُمَيدٍ، سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ: خَلَق اللهُ الشَّيطَانَ، وخَلَق الخَيرَ، وخَلَق الشَّرَّ.
فقال رَجُلٌ: قاتَلَهُمُ اللهُ، يكذِبُونَ عَلَى هَذَا الشَّيخِ.
أبُو الأشهَبِ: سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ في قولِهِ: وحِيلَ بَينَهُم وبَينَ مَا يشتَهُونَ قال: حِيلَ بَينَهُم وبَينَ الإيمَانِ.
وقال حَمَّادٌ، عن حُمَيدٍ، قال: قرَأتُ القُرآنَ كُلَّهُ عَلَى الحَسَنِ، ففسَّرَهُ لِي أجمَعَ عَلَى الإثبَاتِ، فسَألتُهُ عن قولِهِ: كَذَلِكَ سَلَكنَاهُ في قُلُوبِ المُجرِمِينَ قال: الشِّركُ سَلَكَهُ اللهُ في قُلُوبِهِم.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن خَالِدٍ الحَذَّاءِ، قال: سَألَ الرَّجُلُ الحَسَنَ فقال: ولَا يزَالُونَ مُختَلِفِينَ إلَّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ؟ قال: أهلُ رَحمَتِهِ لَا يختَلِفُونَ، ولِذَلِكَ خَلَقهُم، خَلَق هَؤُلَاءِ لِجَنَّتِهِ، وخَلَق هَؤُلَاءِ لِنَارِهِ.
فقُلتُ: يا أبَا سَعِيدٍ، آدَمُ خُلِق لِلسَّمَاءِ أم لِلأرضِ؟ قال: لِلأرضِ خُلِق.
قُلتُ: أرَأيتَ لَوِ اعتَصَمَ فلَم يأكُل مِنَ الشَّجَرَةِ؟ قال: لَم يكُن بُدٌّ مِن أن يأكُلَ مِنهَا؛ لِأنَّهُ خُلِق لِلأرضِ.
فقُلتُ: مَا أنتُم عَلَيهِ بِفاتِنِينَ إلَّا مَن هُو صَالِ الجَحِيمِ؟ قال: نَعَمِ، الشَّياطِينُ لَا يُضِلُّونَ إلَّا مَن أحَبَّ اللهُ لَهُ أن يصلَى الجَحِيمَ.
أبُو هِلَالٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيمٍ: دَخَلتُ عَلَى الحَسَنِ يومَ الجُمُعَةِ ولَم يكُن جَمَّعَ، فقُلتُ: يا أبَا سَعِيدٍ، أمَا جَمَّعتَ؟ قال: أرَدتُ ذَلِكَ، ولَكِن مَنَعَنِي قضَاءُ اللهِ.
مَنصُورُ بنُ زَاذَانَ: سَألنَا الحَسَنَ عن القُرآنِ، ففسَّرَهُ كُلَّهُ عَلَى الإثبَاتِ.
ضَمرَةُ بنُ رَبِيعَةَ، عن رَجَاءٍ، عن ابنِ عَونٍ، عن الحَسَنِ، قال: مَن كَذَّبَ بِالقدرِ فقد كَفرَ.
حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن ابنِ عَونٍ، قال: لَمَّا ولِي الحَسَنُ القضَاءَ كَلَّمَنِي رَجُلٌ أن أُكَلِّمَهُ في مَالِ يتِيمٍ يُدفعُ إلَيهِ ويضُمُّهُ، فكَلَّمتُهُ فقال: أتَعرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلتُ: نَعَم.
قال: فدَفعَهُ إلَيهِ.
رَجَاءُ بنُ سَلَمَةَ، عن ابنِ عَونٍ، عن ابنِ سِيرِينَ -وقِيلَ لَهُ في الحَسَنِ: ومَا كان ينحَلُ إلَيهِ أهلُ القدَرِ؟ قال: كَانُوا يأتُونَ الشَّيخَ بِكَلَامٍ مُجمَلٍ، لَو فسَّرُوهُ لَهُم لَسَاءَهُم.
ابنُ أبِي عَرُوبَةَ: كَلَّمتُ مَطَرًا الورَّاق في بَيعِ المَصَاحِفِ، فقال: قد كان حَبرَا الأُمَّةِ -أو فقِيهَا الأُمَّةِ- لَا يرَيانِ بِهِ بَأسًا: الحَسَنُ والشَّعبِيُّ.
ابنُ شَوذَبٍ، عن مَطَرٍ، قال: دَخَلنَا عَلَى الحَسَنِ نَعُودُهُ، فمَا كان في البَيتِ شَيءٌ؛ لَا فِرَاشَ ولَا بِسَاطَ ولَا وِسَادَةَ ولَا حَصِيرَ إلَّا سَرِيرٌ مَرمُولٌ هُو عَلَيهِ.
عَبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، عن أبِيهِ، قال: ولِي وهبٌ القضَاءَ زَمَنَ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ فلَم يُحمَد فهمُهُ، فحَدَّثتُ بِهِ مَعمَرًا، فتَبَسَّمَ وقال: ولِي الحَسَنُ القضَاءَ زَمَنَ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ فلَم يُحمَد فهمُهُ.
وقال أبُو سَعِيدِ بنُ الأعرَابِيِّ: كان يجلِسُ إلَى الحَسَنِ طَائِفةٌ مِن هَؤُلَاءِ، فيتَكَلَّمُ في الخُصُوصِ، حَتَّى نَسَبَتهُ القدَرِيةُ إلَى الجَبرِ، وتَكَلَّمَ في الِاكتِسَابِ حَتَّى نَسَبَتهُ السُّنَّةُ إلَى القدَرِ؛ كُلُّ ذَلِكَ لِافتِنَانِهِ وتَفاوُتِ النَّاسِ عِندَهُ، وتَفاوُتِهِم في الأخذِ عنهُ، وهُو بَرِيءٌ مِنَ القدَرِ ومِن كُلِّ بِدعَةٍ.
قُلتُ: وقد مَرَّ إثبَاتُ الحَسَنِ لِلأقدَارِ مِن غَيرِ وجهٍ عنهُ سِوى حِكَايةِ أيُّوبَ عنهُ، فلَعَلَّهَا هَفوةٌ مِنهُ ورَجِعَ عنهَا ولِلَّهِ الحَمدُ.
كَمَا نَقلَ أحمَدُ الأبَّارُ في (تَارِيخِهِ): حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بنُ إهَابٍ، حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ، عن مَعمَرٍ، عن قتَادَةَ، عن الحَسَنِ، قال: الخَيرُ بِقدرٍ، والشَّرُّ لَيسَ بِقدرٍ.
قُلتُ: قد رُمِي قتَادَةُ بِالقدرِ.
قال غُندُرٌ، عن شُعبَةَ: رَأيتُ عَلَى الحَسَنِ عِمَامَةً سَودَاءَ.
وقال سَلَّامُ بنُ مِسكِينٍ: رَأيتُ عَلَى الحَسَنِ طَيلَسَانًا كَأنَّمَا يجرِي فِيهِ المَاءُ، وخَمِيصَةً كَأنَّهَا خَزٌّ.
وقال ابنُ عَونٍ: كان الحَسَنُ يروِي بِالمَعنَى.
أيُّوبُ: قِيلَ لِابنِ الأشعَثِ: إن سَرَّكَ أن يُقتَلُوا حَولَكَ كَمَا قُتِلُوا حَولَ جَمَلِ عَائِشَةَ، فأخرِجِ الحَسَنَ.
فأرسَلَ إلَيهِ، فأكرَهُهُ.
قال سُلَيمُ بنُ أخضَرَ: حَدَّثَنَا ابنُ عَونٍ: قالُوا لِابنِ الأشعَثِ: أخرِجِ الحَسَنَ، قال ابنُ عَونٍ: فنَظَرتُ إلَيهِ بَينَ الجِسرَينِ وعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَودَاءُ، فغَفلُوا عنهُ، فألقى نَفسَهُ في نَهَرٍ حَتَّى نَجَا مِنهُم، وكَادَ يهلِكُ يومَئِذٍ.
وقال القاسِمُ الحُدَّانِيُّ: رَأيتُ الحَسَنَ قاعِدًا في أصلِ مِنبَرِ ابنِ الأشعَثِ.
هِشَامٌ، عن الحَسَنِ، قال: كان الرَّجُلُ يطلُبُ العِلمَ فلَا يلبَثُ أن يرَى ذَلِكَ في تَخَشُّعِهِ وزُهدِهِ ولِسَانِهِ وبَصَرِهِ.
حَمَّادٌ: سَمِعتُ ثَابِتًا يقُولُ: لَولَا أن تَصنَعُوا بِى مَا صَنَعتُم بِالحَسَنِ حَدَّثتُكُم أحَادِيثَ مُونِقةً.
ثُمَّ قال: مَنَعُوهُ القائِلَةَ، مَنَعُوهُ النَّومَ.
حُمَيدٌ الطَّوِيلُ: كان الحَسَنُ يقُولُ: اصحَبِ النَّاسَ بِمَا شِئتَ أن تَصحَبَهُم؛ فإنَّهُم سَيصحَبُونَكَ بِمِثلِهِ.
قال أيُّوبُ: مَا وجَدتُ رِيحَ مَرَقةٍ طُبِخَت أطيبَ مِن رِيحِ قِدرِ الحَسَنِ.
وقال أبُو هِلَالٍ: قلَّمَا دَخَلنَا عَلَى الحَسَنِ إلَّا وقد رَأينَا قِدرًا يفُوحُ مِنهَا رِيحٌ طَيِّبَةٌ.
مُسلِمُ بنُ إبرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا إياسُ بنُ أبِي تَمِيمَةَ: شَهِدتُ الحَسَنَ في جِنَازَةِ أبِي رَجَاءٍ عَلَى بَغلَةٍ، والفرَزدَقُ إلَى جَنبِهِ عَلَى بَعِيرٍ، فقال لَهُ الفرَزدَقُ: قدِ استَشرَفنَا النَّاسُ، يقُولُونَ: خَيرُ النَّاسِ وشَرُّ النَّاسِ؛ قال: يا أبَا فِرَاسٍ، كَم مِن أشعَثَ أغبَرَ، ذِي طِمرَينِ، خَيرٌ مِنِّي، وكَم مِن شَيخٍ مُشرِكٍ أنتَ خَيرٌ مِنهُ، مَا أعدَدتَ لِلمَوتِ؟ قال: شَهَادَةَ أن لَا إلَهَ إلَّا اللهُ.
قال: إنَّ مَعَهَا شُرُوطًا، فإياكَ وقذف المُحصَنَةِ.
قال: هَل مِن تَوبَةٍ؟ قال: نَعَم.
ضَمرَةُ، عن أصبَغَ بنِ زَيدٍ، قال: مَاتَ الحَسَنُ وتَرَكَ كُتُبًا فِيهَا عِلمٌ.
مُوسَى بنُ إسمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا سَهلُ بنُ الحُصَينِ البَاهِلِيُّ، قال: بَعَثتُ إلَى عَبدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ البَصرِيِّ: ابعَث إلَي بِكُتُبِ أبِيكَ، فبَعَثَ إلَي أنَّهُ لَمَا ثَقُلَ قال لِي: اجمَعهَا لِي، فجَمَعتُهَا لَهُ ومَا أدرِي مَا يصنَعُ بِهَا، فأتَيتُ بِهَا فقال لِلخَادِمِ: اسجُرِ التَّنُّورَ، ثُمَّ أمَرَ بِهَا فأُحرِقت غَيرَ صَحِيفةٍ واحِدَةٍ فبَعَثَ بِهَا إلَي وأخبَرَنِي أنَّهُ كان يقُولُ: اروِ مَا في هَذِهِ الصَّحِيفةِ.
ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعدُ فأخبَرَنِي بِهِ مُشَافهَةً بِمِثلِ مَا أدَّى الرَّسُولُ.
وعن عَلقمَةَ بنِ مَرثَدٍ في ذِكرِ الثَّمَانِيةِ مِنَ التَّابِعِينَ، قال: وأمَّا الحَسَنُ فمَا رَأينَا أحَدًا أطولَ حُزنًا مِنهُ؛ مَا كُنَّا نَرَاهُ إلَّا حَدِيثَ عَهدٍ بِمُصِيبَةٍ.
ثُمَّ قال: نَضحَكُ ولَا نَدرِي لَعَلَّ اللهَ قدِ اطَّلَعَ عَلَى بَعضِ أعمَالِنَا.
وقال: لَا أقبَلُ مِنكُم شَيئًا؛ ويحَكَ يا ابنَ آدَمَ، هَل لَكَ بِمُحَارَبَةِ اللهِ -يعنِي قُوةً- واللهِ لَقد رَأيتُ أقوامًا كَانَتِ الدُّنيا أهونُ عَلَى أحَدِهِم مِنَ التُّرَابِ تَحتَ قدَمَيهِ، ولَقد رَأيتُ أقوامًا يُمسِي أحَدُهُم ولَا يجِدُ عِندَهُ إلَّا قُوتًا، فيقُولُ: لَا أجعَلُ هَذَا كُلَّهُ في بَطنِي، فيتَصَدَّقُ بِبَعضِهِ ولَعَلَّهُ أجوعُ إلَيهِ مِمَّن يتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيهِ...
قال أيُّوبُ السَّختِيانِيُّ: لَو رَأيتَ الحَسَنَ لَقُلتَ: إنَّكَ لَم تُجَالِس فقِيهًا قطُّ.
وعن الأعمَشِ، قال: مَا زَالَ الحَسَنُ يعِي الحِكمَةَ حَتَّى نَطَق بِهَا، وكان إذَا ذُكِرَ الحَسَنُ عِندَ أبِي جَعفرٍ البَاقِرِ قال: ذَاكَ الَّذِي يُشبِهُ كَلَامُهُ كَلَامَ الأنبِياءِ.
صَالِحٌ المُرِّيُّ، عن الحَسَنِ قال: ابنَ آدَمَ، إنَّمَا أنتَ أيامٌ، كُلَّمَا ذَهَبَ يومٌ، ذَهَبَ بَعضُكَ.
مُبَارَكُ بنُ فضَالَةَ: سَمِعتُ الحَسَنَ يقُولُ: فضَحَ المَوتُ الدُّنيا، فلَم يترُك فِيهَا لِذِي لُبٍّ فرَحًا.
ورَوى ثَابِتٌ عنهُ، قال: ضَحِكُ المُؤمِنِ غَفلَةٌ مِن قلبِهِ.
أبُو نُعَيمٍ في (الحِليةِ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ الفضلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أحمَدُ بنُ زِيادٍ، حَدَّثَنَا عِصمَةُ بنُ سُلَيمَانَ الخَزَّازُ حَدَّثَنَا فُضَيلُ بنُ جَعفرٍ، قال: خَرَجَ الحَسَنُ مِن عِندِ ابنِ هُبَيرَةَ فإذَا هُو بِالقُرَّاءِ عَلَى البَابِ فقال: مَا يُجلِسُكُم هَاهُنَا؟ تُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَى هَؤُلَاءِ الخُبَثَاءِ، أمَا واللهِ مَا مُجَالَسَتُهُم مُجَالَسَةَ الأبرَارِ؛ تَفرَّقُوا فرَق اللهُ بَينَ أرواحِكُم وأجسَادِكُم، قد فرطَحتُم نِعَالَكُم، وشَمَّرتُم ثِيابَكُم، وجَزَزتُم شُعُورَكُم؛ فضَحتُمُ القُرَّاءَ فضَحَكُمُ اللهُ، واللهِ لَو زَهِدتُم فِيمَا عِندَهُم، لَرَغِبُوا فِيمَا عِندَكُم، ولَكِنَّكُم رَغِبتُم فِيمَا عِندَهُم، فزَهِدُوا فِيكُم، أبعَدَ اللهُ مَن أبعَدَ.
وعن الحَسَنِ، قال: ابنَ آدَمَ، السِّكِّينُ تُحَدُّ، والكَبشُ يُعلَفُ، والتَّنُّورُ يُسجَرُ.
ابنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا طَلحَةُ بنُ صُبَيحٍ، عن الحَسَنِ، قال: المُؤمِنُ مِن عَلِمَ أنَّ مَا قال اللهُ كَمَا قال، والمُؤمِنُ أحسَنُ النَّاسِ عَمَلًا، وأشَدُّ النَّاسِ وجَلًا، فلَو أنفق جَبَلًا مِن مَالٍ مَا أمِنَ دُونَ أن يُعَايِنَ، لَا يزدَادُ صَلَاحًا وبِرًّا إلَّا ازدَادَ فرَقًا، والمُنَافِقُ يقُولُ: سَوادُ النَّاسِ كَثِيرٌ وسَيُغفرُ لِي ولَا بَأسَ عَلَي، فيُسِيءُ العَمَلَ ويتَمَنَّى عَلَى اللهِ.
الطَّيالِسِيُّ في (المُسنَدِ) الَّذِي سَمِعنَاهُ: حَدَّثَنَا جَسرٌ أبُو جَعفرٍ، عن الحَسَنِ، عن أبِي هُرَيرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَرَأَ (يس) فِي لَيْلَةٍ الْتِمَاسَ وَجْهِ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ».
رَواهُ يُونُسُ بنُ عُبَيدٍ وغَيرُهُ عن الحَسَنِ.
خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ المُرِّيُّ، عن يُونُسَ، قال: لَمَّا حَضَرَتِ الحَسَنَ الوفاةُ جَعَلَ يستَرجِعُ، فقامَ إلَيهِ ابنُهُ فقال: يا أبَتِ قد غَمَّمتَنَا، فهَل رَأيتَ شَيئًا؟ قال: هِي نَفسِي لَم أُصَب بِمِثلِهَا.
قال هِشَامُ بنُ حَسَّانَ: كُنَّا عِندَ مُحَمَّدٍ عَشِيةَ يومِ الخَمِيسِ، فدَخَلَ عَلَيهِ رَجُلٌ بَعدَ العَصرِ، فقال: مَاتَ الحَسَنُ.
فتَرَحَّمَ عَلَيهِ مُحَمَّدٌ وتَغَيرَ لَونُهُ وأمسَكَ عن الكَلَامِ، فمَا تَكَلَّمَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمسُ، وأمسَكَ القومُ عنهُ مِمَّا رَأوا مِن وجدِهِ عَلَيهِ.
قُلتُ: ومَا عَاشَ مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ بَعدَ الحَسَنِ إلَّا مِائَةَ يومٍ.
قال ابنُ عُلَيةَ: مَاتَ الحَسَنُ في رَجَبٍ سَنَةَ عَشرٍ ومِائَةٍ.
وقال عَبدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ: إنَّ أبَاهُ عَاشَ نَحوًا مِن ثَمَانٍ وثَمَانِينَ سَنَةً.
قُلتُ: مَاتَ في أولِ رَجَبٍ، وكَانَت جِنَازَتُهُ مَشهُودَةً، صَلَّوا عَلَيهِ عَقِيبَ الجُمُعَةِ بِالبَصرَةِ، فشَيعَهُ الخَلقُ، وازدَحَمُوا عَلَيهِ، حَتَّى إنَّ صَلَاةَ العَصرِ لَم تُقم في الجَامِعِ.
ويُروى أنَّهُ أُغمِي عَلَيهِ ثُمَّ أفاق إفاقةً، فقال: لَقد نَبَّهتُمُونِي مِن جَنَّاتٍ وعُيُونٍ، ومَقامٍ كَرِيمٍ.
قُلتُ: اختَلَف النُّقادُ في الِاحتِجَاجِ بِنُسخَةٍ الحَسَنِ، عن سَمُرَةَ، وهِي نَحوٌ مِن خَمسِينَ حَدِيثًا، فقد ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِن سَمُرَةَ، فذَكَرَ أنَّهُ سَمِعَ مِنهُ حَدِيثَ العَقِيقةِ.
وقال عَفانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عن قتَادَةَ، حَدَّثَنِي الحَسَنُ، عن هَياجِ بنِ عِمرَانَ البُرجُمِيِّ، أنَّ غُلَامًا لَهُ أبَق، فجَعَلَ عَلَيهِ إن قدَرَ عَلَيهِ أن يقطَعَ يدَهُ فلَمَّا قدَرَ عَلَيهِ بَعَثَنِى إلَى عِمرَانَ فسَألتُهُ، فقال: أخبِرهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يحُثُّ في خُطبَتِهِ عَلَى الصَّدَقةِ وينهَى عن المُثلَةِ فليُكَفِّر عن يمِينِهِ، ويتَجَاوز عن غُلَامِهِ.
قال: وبَعَثَنِي إلَى سَمُرَةَ، فقال: كان رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحُثُّ في خُطبَتِهِ عَلَى الصَّدَقةِ وينهَى عن المُثلَةِ لِيُكَفِّر عن يمِينِهِ ويتَجَاوز عن غُلَامِهِ.
قال قائِلٌ: إنَّمَا أعرَضَ أهلُ الصَّحِيحِ عن كَثِيرٍ مِمَّا يقُولُ فِيهِ الحَسَنُ: عن فُلَانٍ، وإن كان مِمَّا قد ثَبَتَ لُقِيهُ فِيهِ لِفُلَانٍ المُعَينِ؛ لِأنَّ الحَسَنَ مَعرُوفٌ بِالتَّدلِيسِ، ويُدَلِّسُ عن الضُّعَفاءِ، فيبقى في النَّفسِ مِن ذَلِكَ؛ فإنَّنَا وإن ثَبَّتنَا سَمَاعَهُ مِن سَمُرَةَ، يجُوزُ أن يكُونَ لَم يسمَع فِيهِ غَالِبَ النُّسخَةِ التي عن سُمُرَةَ.
واللهُ أعلَمُ.