العدة شرح العمدة [67]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [وهو عقد جائز].

يعني: عقد الوكالة عقد جائز شرعاً، جائز يعني: غير ملزم للطرفين، فهناك عقود ملزمة لطرف وغير ملزمة لطرف آخر، وهناك عقود ملزمة للطرفين، وهناك عقود جائزة للطرفيين.

والعقود الملزمة للطرفين مثل: الزواج والبيع.

ومثال الملزم لطرف وجائز لطرف آخر: الرهن، ملزم للراهن، وجائز للمرتهن، إذا قلت لك: لن أعطيك ديناً إلا برهن، فجئت بالرهن ثم قلت لك: لا أريده. فهذا لي، لكن أنت ملزم بالرهن.

كذلك الوصية ملزمة لمن يسمعها، غير ملزمة لمن يوصي، إذ له أن يوصي وألا يوصي.

ما تبطل به الوكالة

قال: [ وهو عقد جائز، تبطل بموت كل واحد منهما، وجنونه، والحجر عليه لسفه].

بمعنى: لو مات الموكل تبطل الوكالة، أو مات الوكيل تبطل الوكالة، أو أصيب الوكيل بسفه، أو جنون؛ فإن وكالته لا تسري، فبمجرد أن جُن تسقط الوكالة.

رجل وكلك ثم حجر عليه، تسقط الوكالة بالحجر.

قال: [ لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف، ويبطل بفسخ كل واحد منهما].

يعني: إذا فسخ الوكيل عقد الوكالة بطلت الوكالة، وللموكل أيضاً أن يفسخ، إلا إذا تشارطا على غير ذلك، يعني: أنت وكلتني، ثم ذهبت إلى الشهر العقاري وألغيت التوكيل، والوكيل أيضاً له حق الإلغاء.

مسألة: لو أن زوجاً يقيم في السعودية أرسل توكيلاً لموكله بطلاق زوجته: وكلت أنا فلان بن فلان في تطليق زوجتي بشروط كذا وكذا، وبينما التوكيل في الطريق توفى الله الزوج، هل يقع الطلاق أم لا يقع؟ يعني: في الطريق مات أحدهما إما الموكل وإما الوكيل هل يقع الطلاق أم لا يقع؟

لا يقع؛ لأنه نوى الطلاق أو وكل بالطلاق لكنه ما وقع الطلاق، كرجل قال لزوجته: سأطلقك، وعد بالطلاق لكنه ما طلق، والطلاق لا بد أن يقع باللفظ والنية، فحينما وكل هذا يعتبر نية طلاق لكنه ما تلفظ لا هو ولا وكيله، فالتوكيل أمر مستقبلي، لكنه ما وقع، فإذا مات أحدهما لا تطلق، ولها سائر الحقوق.

قال: [ وكذلك الحكم في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة].

أي أنه في كل هذه العقود يجوز لكل طرف فسخ العقد.

المساقاة هو: أن أعطيك شجرة وأقول لك: ارعها بجزء من ثمرتها محدد.

وعقد المزارعة هو: ازرع هذه الأرض على أن تأخذ نصفها أو ربعها، ولا يجوز أن أقول لك: ازرع هذه الأرض على أن تأخذ نتاج هذا الجزء، لا بد أن يكون مشاعاً.

في عقد الشركة شروط الربح لا بد أن تكون واضحة، الربح لا بد أن يكون مشاعاً، وأن يكون معلوماً، ومشاع أي مختلط بين الطرفين، كلاهما شريك فيه.

مسألة: لو قال أحد الطرفين للآخر: أنا شريك معك بربح ألف جنيه شهرياً.لم يصح فقد تربح الشركة تسعمائة فقط.

مسألة: لو قلت لك: شاركتك على أن تعطيني بعض الربح هل يجوز أم لا؟ لا يجوز؛ لأن بعض الربح غير معلوم، ولا بد أن يكون الربح معلوماً أو: شاركتك على أنه لك ربح الأطعمة وأنا لي ربح السيارة، لا يجوز، فربما تربح الأطعمة وتخسر السيارة، فأنا أربح وأنت تخسر هذا لا يجوز، وبعض الناس الآن يأكلون الربا ويتجرعونه حينما يعطي شخصاً مبلغاً ويشترط عليه أن يدفع له مبلغاً شهرياً ثابتاً، لا بد أن تكون شريكاً في الربح والخسارة، فالشريكان شريكان في المغنم والمغرم، هذه شروط عقد الشركة.

ما يجوز للوكيل التصرف فيه

قال: [ وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً ].

يعني: ليس للوكيل أن يتصرف إلا فيما يتناوله عقد الوكالة إما باللفظ وإما بالعرف.

مثال ذلك: أخذت هذا التسجيل ووضعته عند تاجر أدوات كهربائية، لما وضعته أصبح وكيلي لبيع هذا الجهاز، والعرف يقول: إن هذا يباع بمائة جنيه.

أيضاً لو كتبت في التوكيل: وكلت أنا الموقع أدناه الأستاذ فلان الفلاني في بيع العقار الكائن بشارع كذا خمسة طوابق بمبلغ ثلاثمائة ألف جنيه لا تقل عن ذلك، وللوكيل أن يوقع نيابة عني في البيع والشراء.

إذاً: المهمة هنا محدودة بوظيفة بيع هذا العقار؟ فهل يجوز للوكيل أن يأخذ هذا التوكيل يوزوج به الموكل؟ لا؛ لأن التوكيل في البيع فلا يجوز له أن يستخدمه إلا في البيع فقط، وهل يجوز له أن يبيع سيارتي بتوكيل العقار؟ لا؛ لأن التوكيل هنا محدد، ولذلك قال: [ وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً ].

ثم قال: [ وليس للوكيل توكيل غيره ]، الأصل ألا يوكل غيره إلا إذا نُص في التوكيل على ذلك، كقوله: وله حق توكيل غيره في كل ما ذكر. وإذا لم يذكر فليس له حق التوكيل إلا في حالات آتية.

أحكام توكيل الوكيل لغيره

قال: [ وليس للوكيل توكيل غيره، وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال:

أحدها: أن ينهاه الموكل عن التوكيل، فلا يجوز له ذلك رواية واحدة ]، يعني: إذا نهاني الموكل عن التوكيل وكتبت في التوكيل: وليس له الحق في أن يوكل غيره في كل ما ذكر، فلا يجوز له أن يوكل؛ لأنه نهاني عن توكيل غيري.

قال: [ وإن أذن له في التوكيل فيجوز له رواية واحدة؛ لأنه عقد أذن له فيه فكان له ذلك، كما لو أذن له في البيع، ولا نعلم في هذين خلافاً ]، إما أن ينهاه وإما أن يأذن له. هذه الروايات لا خلاف فيها بين العلماء.

لكن الخلاف في النوع الثالث: لو أطلق الوكالة، لم يأمر ولم ينه، ففي هذه الحالة قال: [ فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله، كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها، فإنه يجوز له التوكيل فيها؛ لأنها إذا كانت مما لا يفعله الوكيل لنفسه عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه ]، بمعنى: وكلتك في بيع سيارة بطيخ، وأنت عالم تصعد المنابر هل يليق بالعالم أن يبيع البطيخ؟ لا. فطبيعة هذا العمل تتنافى مع عمل العالم، العرف يقول: ليس من عمله بيع البطيخ، فإذاً في هذه الحالة له أن يوكل غيره حتى ولو لم ينص، طالما أن الأعمال الدنيئة لا تليق بصاحب التوكيل، إذاً: طالما أن العرف يتنافى مع طبيعة العمل فيجوز له أن يوكل غيره.

الحال الثاني: [ أن يكون عمل لا يرتفع عن مثله إلا أنه عمل كثير لا يقدر الوكيل على فعله جميعه؛ فإنه يجوز له التوكيل ].

مثلاً: وكلني في هدم عمارة مكونة من عشرة طوابق وإزالتها حتى سطح الأرض، فهنا لا بد أن أوكل غيري؛ لأن هذا العمل أنا لا أطيقه، ولا بد أن أوكل غيري؛ لأن الوكالة هنا انصبت على عمل ليس في طاقتي.

الحال الثالث: [ أن يكون مما لا يرتفع عنه الوكيل ويمكنه عمله بنفسه فليس له أن يوكل فيه؛ لأنه لم يأذن في التوكيل ولا تضمنه إذنه، فلم يجز كما لو نهاه عنه ].

بمعنى: أن التوكيل مطلق، والعمل في طاقتي، والعمل في عرف الناس يناسبني، في هذه الحالة ليس لي أن أوكل.

إذاً: نحن أمام ثلاثة أحوال: إذا أذن له بتوكيل غيره فيجوز باتفاق، وإذا نهاه عن توكيل غيره فيمتنع باتفاق، وإذا أطلق الوكالة فنحن أمام ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول: أن يكون العمل من الأعمال الدنيئة التي لا تناسب الموكل، كأن أقول: وكلتك في بيع هذا اللبن صباحاً، على أن تحمله وتمشي وتقول: من يشتري اللبن؟ فله أن يوكل من يبيع اللبن؛ لأن هذا لا يناسب طبيعته، والله سبحانه وتعالى يريد منا أن ننزل الناس منازلهم.

الاحتمال الثاني: ألا يكون في طاقته.

الاحتمال الثالث: أن يكون في طاقته وليس من الأعمال الدنيئة، فليس له أن يوكل غيره.

بيع الوكيل لنفسه وشراء ما لم يأذن به الموكل

قال: [ وليس للوكيل الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن ].

يعني: أنا وكلتك في بيع السيارة الخاصة بي، هل يجوز أن تبيعها لنفسك؟ المذهب يقول: لا، لكن الراجح نعم، طالما أن هذا البيع ليس فيه ظلم للموكل، ولكن المذهب لا يجوز أن يشتري الوكيل أو أن يبيع لنفسه إلا بإذن الموكل، طالما أن الموكل أذن له في البيع والشراء فيبيع لنفسه أو لغيره، طالما كان ذلك في مصلحة الموكل.

نفترض أنك ذهبت بالسلعة إلى السوق فسعرت بخمسين ألف جنيه، وأنت كغيرك لم أصادر حقك، إذا كان غيرك سوف يشتريها بنفس السعر، وليس هناك ظلم على الموكل؟ ولذلك في بيع السيارات دائماً يكتبون هذه الصيغة: وله حق البيع لنفسه أو لغيره.

قال: [ وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز ].

المعنى: إن اشتريت لك مروحة دون أن تكلفني؛ لأني رأيت أنك بحاجة لها، فأجزت ذلك وأخذتها صح، وإن رديتها لزمت من اشتراها لك.

ما يضمن فيه الوكيل

قال: [ والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما أتلف إذا لم يتعد ].

يد الوكيل يد أمين وليست يد ضامن، والوديعة كذلك لو وضعت عندك مبلغاً من النقود -مائة ألف جنيه أمانة- فوضعته في الخزنة وأغلقت الخزنة، وأخذت بالأسباب التي في عرف الناس، ورغم ذلك سرق، المذهب أنه لا يلزمك الضمان؛ لأنك الآن أمين، وأخذت بالأسباب ويدك يد أمانة، وكذلك لو أعطيتك السيارة لبيعها ثم صدمت من الخلف، هل يلزم الوكيل تلف السيارة؟ لا؛ لأنه حافظ عليها ورعاها ولم يفرط فيها، ولم يتعد الحدود، والتلف جاء بغير إرادة منه، ولذلك قال: والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد.

مداخلة: إذا معرض السيارات فتح أبوابه وأجر السيارات؟

الشيخ: هذه مشكلة؛ لأنه يعطيه سيارة ويوقع المستأجر على وصف أن يده يد أمانة، مع أن إيجار السيارة للمعرض، وإن أتلف السيارة ينظر هل تعدى أم لم يتعد؟ طالما لم يتعد فلا ضمان عليه؛ لأن يد السائق يد أمين وليست يد ضمان، ولو كانت يد أمين فلا شيء عليه، أما إن كانت يد ضمان فيلزمه.

قال: [ وإن قضى الدين بغير بينة وأنكره الغريم المدين ضمن؛ لأن الموكل لا يقبل قوله على الغريم وكذلك وكيله ].

بمعنى: أن وكيلك أرسلك لسداد دين عليه فقضيته، ثم ذهبت إلى الموكل وقلت له: قضيت عنك ألفاً من الجنيهات لفلان، فقال: هل معك بينة؟ قلت: لا، قال: هل أشهدت على هذا القضاء؟ قلت: لا، لا بد أن تقيم بينة على هذا القضاء، وتقيم دليلاً على أنك وفيت هذا الدين، وإلا ضمنته في حال أنكره الدائن.

قال: [ إلا أن يكون قضاه بحضرة الموكل ].

يعني: إذا حضر الموكل فلا بينة، ولا ضمان عليه؛ لأن التفريط من الموكل حيث لم يشهد ومعنى هذا أنه قبل أن يقضيه.

وهنا نقول: هل يصح التوكيل بجعل؟ الجعل هو المقابل، يعني: يجوز أن أوكل غيري بمقابل، وهذا توكيل المحامين، فالوكيل له حق في أخذ مقابل، ويجوز التوكيل بغير جعل.

قال: [ لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عنه ].

المعنى: ممكن يكون بمقابل ويمكن ألا يكون بمقابل.

قال: [ لأنه تصرف لغيره لا يلزمه أخذ العوض عنه، كرد الآبق، فإذا قال: بعه بعشرة، فما زاد فهو لك. صح، وله الزيادة؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما ما كان يرى بذلك بأساً ].

وهذا شرط الموكل على نفسه إذا باعه بزيادة جاز.

أما لو قال له: بع هذا بمائة فباعه بمائة وعشرة لا بد أن يعطيه الباقي، وليست الزيادة من حقه؛ لأنه الآن وكيل، فلا بد أن يبين للموكل ما باع به وما اشترى.

والقول في الرد والتلف ونفي التعدي قول الوكيل، إلا إذا جاء الموكل ببينة.