العدة شرح العمدة [23]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ذكرنا أيها الإخوة الكرام في الأسبوع الماضي أن الجمعة يجوز أن تقدم، وفهم البعض أن هذا أمر على الإطلاق، ونقول: لا، هذا أمر للإمام الراتب، إن رأى عذراً يدفع لتقديمها؛ لحديث جابر بن عبد الله في صحيح مسلم : (كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ونذهب إلى جمالنا ولم تزل الشمس في كبد السماء)، يعني: وقت الظهر لم يؤذن بعد وكانوا قد صلوا الجمعة وانتهوا منها، يقول العلماء: وفي هذا جواز التبكير لوقت الجمعة للإمام الراتب إن كان هناك عذر يستدعي ذلك.

قلت: والسنة في الجمعة التبكير وليس التأخير.

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ فمن أدرك منها ركعة أتمها جمعة ].

إذاً: إدراك الجمعة بإدراك ركعة، وإدراك الركعة بإدراك الركوع، فمن أدرك الإمام راكعاً في الركعة الثانية فقد أدرك الجمعة طالما أدرك معه ركعة، ومعلوم أن مذهب الجمهور هو إدراك الركعة بإدراك الركوع فيها.

قال: [ وإلا أتمها ظهراً ]. أي: أن من لم يدرك مع الإمام ركعة عليه أن يصلي ظهراً.

قال: [ وكذلك إن نقص العدد ]. المذهب هنا يشترط للجمعة عدداً وهو أربعون مستوطناً من أهل التكليف الشرعي.

قال: [ وكذلك إن نقص العدد -يعني: عن الأربعين- وقد صلوا منها ركعة أتموها جمعة؛ لأنه شرط يختص بالجمعة، فلا يعتبر في أكثر من ركعة كالجماعة، وإن نقصوا قبل ركعة أتموها ظهراً كالمسبوق بركوع الثانية ].

والمقصود: إذا كان عدد الجمعة قل عن الأربعين، وبينما نحن نصلي تم العدد في الركعة الثانية إلى الأربعين فإننا نصليها جمعة؛ لأن العدد تم قبل الانتهاء من الركعة الثانية إلى الأربعين، فإن تم العدد بعد ركعتين -يعني: ونحن في السجود الثاني- نصليها ظهراً؛ لأن شرط انعقاد الجمعة أربعون عند الحنابلة. قلت: وهذا رأي مرجوح، إذ إن الجمعة تنعقد بما ينعقد به الجماعة.

قال رحمه الله: [ وإن خرج الوقت وقد صلوا ركعة أتموها جمعة ]. والمعنى: أنهم أخروا الجمعة إلى الساعة الرابعة والثلث، وصلى الإمام من الجمعة ركعة، واعتدل للثانية فأذن العصر، فإن إدراك الركعة إدراك للوقت، فمن صلى من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، ومن صلى من الصبح ركعة قبل أن تشرق الشمس فقد أدرك الصبح، فإدراك الجمعة يكون بإدراك ركعة في وقتها، فلو أدرك ركعة في الوقت ثم جاء العصر فقد أدرك الجمعة. وهذا هو الذي أراده المصنف.

قال: [ وإن خرج الوقت وقد صلوا أقل من ركعة أتموها ظهراً لذلك ]، بمعنى: أنه لم يدرك ركعة في الوقت، وإنما أدرك أقل من ركعة، يعني: كبر تكبيرة الإحرام ولم يركع، فأذن العصر، هنا نقول: عليه أن يصلي ظهراً؛ لأن وقت الجمعة قد خرج.

يقول رحمه الله: [ وقال عليه الصلاة والسلام: (من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة). مفهومه: أن من أدرك أقل لا يكون مدركاً لها ]. فإدراك الجمعة يكون بركعة في وقتها مع الإمام.

قال المصنف رحمه الله: [ ولا يجوز أن يصلى في المصر أكثر من جمعة ]. المصر: هو البلد الواحد، ولا بد أن ننبه إلى أن إطالة الجمعة في الخطبة إلى العصر مخالف للسنة، والمواظبة على درس بعد الجمعة مخالف للسنة؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان لا يواظب على موعظة بعد الجمعة. قال تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ [الجمعة:10] فمرة نعظ ومرة نترك ولا نواظب على الدوام، بل نحن نقيم السنة، والكلام عن أشخاص بأعينهم ليس من هديه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يجر علينا مفسدة أكبر من المصلحة، فنحن لا نريد بذلك إلا وجه الله عز وجل.

قال: [ ولا يجوز أن يصلى في المصر أكثر من جمعة ]. يعني: طالما هي رقعة واحدة فإننا لا نقيم فيها أكثر من جمعة.

قال: [ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة ].

أي: أن الجمعة كانت تنعقد في المدينة في المسجد النبوي، فأهل قباء يأتون وبنو سلمة يأتون وأهل العوالي يأتون، فكل أهل يجتمعون في مسجد واحد، فكان المسجد يسمى جامعاً؛ لأنه يجمع المسلمين جميعاً، أما الآن لو حصرنا حياً مثل حي الزيتون فإننا سنجد فيه أربعة آلاف مسجد؛ وخمسة آلاف زاوية، وأربعة آلاف مصلى، وكل شخص يعمل له جمعة بنفرين أو ثلاثة، مسجد متران في متر وفيه جمعة، زاوية أربعة في أربعة وفيها جمعة.. وهكذا، فمن الذي قال لك: إن هذه الجمعة تجوز أصلاً يا عبد الله؟! انظر إلى قول العلماء.

قال: [ إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها فيجوز ]. يعني: إذا ضاق المسجد الجامع برواده عند ذلك لنا أن نفتح مسجداً آخر بإذن ولي الأمر، فلا بد من تنظيم وجمع للكلمة، فإن تفتت الكلمة ترتب عليه الكثير من المفاسد.

إن مسئولية الدعوة والدين مسئولية كبيرة، وهل هناك ما هو أغلى من الدين؟ وهل هناك ما يحتاج إلى ترتيب وضبط سوى الدين؟ فحصر المساجد وإعطاء الأماكن الكبيرة الأولوية في الجمعة هو الأولى، فإن ضاق المسجد عن رواده أٌمِرَ بفتح مسجد آخر.

قال: [ ولا يجوز أن يصلى في المصر أكثر من جمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة، إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها فيجوز؛ لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير، فكان إجماعاً؛ ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها ].

والمعنى: أن الجمعة ما سميت جمعة إلا أنها تجمع المسلمين في مكان واحد، فنحن فرقنا كلمة الناس وفتتنا هذا الجمع بانتشار هذه الأماكن التي لا ينبغي أن تقام فيها الجمعة.

قال الشارح: [ ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب؛ لما روى سلمان : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) ].

وقوله: (ولا يفرق بين اثنين)، هناك ظاهرة تخطي الرقاب، وهذه الظاهرة الخطيرة نتجاوز نحن فيها بسبب أننا لا نرتب الجلوس على الأسبقية، فالمفروض أن من جاء أولاً يجلس أولاً ولا يفرط؛ لأن هذا المجلس من حقه، والتبكير إلى الصف الأول له ثواب، فلا يجوز له أن يأتي مبكراً ويجلس متأخراً كي يسند ظهره على الحائط، أما ما يحدث من تخطي الرقاب فهناك نهي عنه، ولذلك قال: (ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له)، إذاً: المشروع قبل الجمعة الصلاة، وليس المشروع قبل الجمعة أن نأتي بمقرئ يقرأ سورة جهرية، فإن ذلك لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل لـابن مسعود : اجلس يا ابن مسعود ! نسمع منك سورة الكهف يوم الجمعة. فهذا ما ثبت عنه، إنما الثابت أنه كان يصلي ما شاء الله له أن يصلي، فهذا يصلي وهذا يسبح وهذا يقرأ، وهذه السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: [ وغسل الجمعة على كل محتلم وسواك وأن يمس طيباً ].

غسل الجمعة فيه خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه واجب، وذهب إلى ذلك ابن حزم الظاهري ، ودافع عنه في المحلى، وأتى بأدلة تدل على الوجوب، ومنهم من قال: إنه سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والراجح: أنه سنة وليس واجباً؛ لما ثبت أن عثمان رضي الله عنه جاء إلى الجمعة دون أن يغتسل، والحديث في البخاري ، فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سبب تأخيره، فأخبره أنه تأخر لحاجة ولم يغتسل، فعاتبه عمر رضي الله عنه لأنه لم يغتسل، فلو كان هذا الأمر واجباً لأمره عمر أن يغتسل؛ لأن تحصيل الواجب ضروري.

ثانياً: لا يمكن أن نتصور أن عثمان رضي الله عنه يجهل واجباً عند عامة المسلمين، فالأدلة كثيرة على عدم الوجوب، فهو من آكد السنن، وقد يصبح غسل الجمعة واجباً في حق من له رائحة نفاذة، حتى لا يؤذي إخوانه في صلاة الجمعة، فالتطيب والغسل ولبس أجمل الثياب والتسوك والتبكير من سنن الجمعة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: [ والمذهب الأول ] يعني: المختار في مذهب الحنابلة أن غسل الجمعة ليس بواجب.

[ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، وإن اغتسل فالغسل أفضل)، والمراد بالخبر الأول: تأكيد الاستحباب، وكذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين].

إذاً: غسل يوم الجمعة من آكد السنن، فتغسل يوم الجمعة وتتطيب وتلبس أجمل الثياب، ويمكن أن تجعل للجمعة ثياباً مخصوصة، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم للجمعة والعيدين حلة خاصة، يلبسها في ذلك اليوم، ويتسوك ويبكر.

قال: [ ويبكر إليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غسل واغتسل) ].

اختلف العلماء في معنى (غسل واغتسل)، فمنهم من قال: يعني: تسبب في غسل زوجته، وعندنا في بعض الأرياف مازال غسل الجمعة في حقهم واجباً، وهذا له أصل في الشرع؛ فإن الرجل حينما يجامع أهله في ليلة الجمعة يخرج وقد قضى وطره.

قال: [ (من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع، ولم يلغ -يعني: يتحدث بلغو- كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) رواه ابن ماجه ]. وتخريج الحديث صحيح.

وجاء في البخاري : (من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن جاء في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن جاء في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، ومن جاء والإمام يخطب فكأنه لم يقرب شيئاً)، لكننا نحن حتى البيضة زهدناها، كان أبو هريرة يبكي عند سماع حديث: (من صلى على جنازة ثم تبعها كتب له من الأجر قيراطان، كل قيراط كجبل أحد)، ويقول: كم ضيعنا والله من قراريط، ويروى أن ابن مسعود بكر للجمعة؛ لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الناس في الجنة يصفون على قدر تبكيرهم)، يعني: يوم القيامة تقف على حسب التبكير، فـابن مسعود صلى الفجر وذهب واغتسل ولبس أجمل الثياب، وتطيب وجاء مبكراً ليكون أول الداخلين، فوجد اثنين وفي رواية: ثلاثة، فأخذ يبكي ويقول: ثالث ثلاثة. يا عبد الله! وما ثالث ثلاثة من الله ببعيد، فالتبكير ليوم الجمعة فيه أجر عظيم ونحن نفرط فيه كثيراً، وهو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف العلماء أيهما أفضل في الأضحية: الناقة أم الكبش؟ فمنهم من قال: الكبش كالمالكية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، والجمهور على أن الأفضل الناقة؛ وذلك لأن من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، فقدم البدنة على الكبش، ثم رد الجمهور بدليل آخر على المالكية فقالوا: فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه الأفضل؛ لأنه فعل ما يستطيع الفقير أن يفعله؛ فلو ذبح ناقة للزم الفقير أن يذبح ناقة، فذبح كبشاً لبيان الجواز للجميع.

قال بعض العلماء: ويمكن أن تكون الساعة الأولى بعد شروق الشمس، وتقسم الوقت إلى خمس ساعات من الشروق إلى الجمعة، فإنك ستجد أن الوقت يتسع لهذه الساعات الخمس، إلا أن ابن حجر في الفتح قال: هذا تقريب للأفهام وإنما يشير إلى التبكير، فالذي يأتي الساعة الثانية عشرة ويكون أول الداخلين فإنه قد جاء في الساعة الأولى، لكن الشيخ حماد الأنصاري من علماء المدينة رحمه الله تعالى عنده مخطوطات من زمن التابعين رحمه الله تعالى، ومعروف في المدينة بأنه علم من أعلامها، يقول: عندنا في السعودية ساعتان: ساعة شروقية وساعة زوالية، فتقسم الساعة من شروق الشمس إلى غروبها اثني عشر ساعة، وعلى هذا النحو يمكن أن تضبطها بخمس ساعات أيضاً، والله تعالى أعلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما ]. فصلاة ركعتين قبل الجمعة مشروعة، لكن الشافعية حملوا الحديث على علة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسمى سليكاً جلس، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيصلي؛ لأنه ملابسه كانت رثة؛ وأراد من المسلمين أن يتصدقوا عليه، لكن هذا الكلام ضعيف جداً لأسباب:

الأول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأمر بعمل غير مشروع، الثاني: لو أنه قال بعد الصلاة: تصدقوا على أخيكم، فهل سيمتنع أحد؟ وهذا الكلام كله علل لا وزن لها، وحديث أبي ذر الذي رواه مسلم واضح: (أنه دخل وجلس، فقال له: صليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين).

فالراجح: أن من دخل إلى الجمعة ينبغي له أن يصلي ركعتين يوجز فيهما.

قال: [ لحديث جابر : (دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: صليت يا فلان؟ قال: لا؛ قال: فصل ركعتين) متفق عليه. زاد مسلم : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليوجز فيهما) ].

فالصلاة ركعتين قبل صلاة الجمعة ليست واجبة، وإنما على وجه الاستحباب، لكن متى يأمر الخطيب المأموم أن يصلي ومتى لا يأمره؟

نقول: إن رأى الإمام أن من جلس يجهل الحكم فعليه أن يأمره وأن يعلمه؛ لأنه جاهل بالحكم، فتعليمه إياه لسببين: السبب الأول: ليتعلم هو. السبب الثاني: حتى يبين الحكم للجميع، فهذا يجوز.

[ ولا يجوز الكلام والإمام يخطب؛ لقوله عليه السلام: (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت) ]. وابن حجر هنا كلمة (لغوت) أفاض وزاد، هل معنى لغوت: أن الصلاة لغت، أم أن لغوت: نقصان الأجر؟ والراجح: هو نقصان الأجر.

[ ولا يجوز الكلام والإمام يخطب، وعنه لا يحرم ]. يعني: لا يحرم الكلام، والبخاري أجاد وأبدع، فقال: يجوز الكلام من الإمام للمأموم، ويجوز الكلام من المأموم للإمام دون أن يتحدث المأموم مع أخيه المجاور، فإن رأيت الإمام قد أخطأ خطأً فادحاً في العقيدة، فعلي أن أستوقفه وأن أستوضحه وأن أتبين منه بحسن أدب، وللإمام أن يسأل المأموم، وللمأموم أن يجيب، والدليل عند البخاري في أكثر من حديث، أولاً: (دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبة الجمعة، فقال: يا رسول الله! هلك الزرع)، فالرجل يتحدث والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أحياناً الجالس عن أمور وأجابه.

فهنا يقول المصنف: [ لحديث أنس : (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول الله! هلك الكراع، هلك الشاه. فادع الله أن يسقينا) متفق عليه ].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من ذبح ذبيحتنا ونسك نسكنا ومن ذبح قبل الصلاة فهو لحم قربه لأهله، ومن ذبح بعد الصلاة فهي نسك)-يبين الأضحية- فقال رجل: يا رسول الله! عندي جذعة -يعني: شاة صغيرة لم تبلغ السن- أتجزئ عني؛ لأنني ذبحت قبل الصلاة، وكان لي جيران فقراء، فأخذتني بهم رأفة فذبحت قبل صلاة العيد، ووزعت اللحم على الفقراء، هل تجزئ هذه الجذعة؟ قال: (تجزئ عنك ولا تجزئ عن أحد بعدك) فعندما بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم الأضحية استوقف الرجل النبي صلى الله عليه وسلم وسأله، والنبي صلى الله عليه وسلم سأله، فهذا حوار بين الإمام والمأموم، فإن قال قائل: أنا أكتب الخطبة يوم الجمعة خلف الإمام، هل هذا مشروع أم غير مشروع؟

أقول: هو مشروع؛ لأنه انشغال بالخطبة وليس انشغالاً عن الخطبة، ففرق بين الانشغال بها والانشغال عنها، فإنك حين تسمع وتكتب معنى ذلك: أنك تثبت المعلومة أكثر، وكما أن مناقشة الإمام للمأموم من هذا الصنيع.

كذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل على المنبر: (صليت يا فلان؟!)، فهذا كلام من النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام قال: (صليت يا فلان؟! فقال الرجل: لا)، إذاً: يجيب المأموم والإمام يناقشه.

قال المصنف رحمه الله: [ وهي فرض على الكفاية إذا قام بها أربعون من أهل المصر سقطت عن سائرهم، ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، والسنة فعلها في المصلى، وتعجيل الأضحى وتأخير الفطر، والفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة، ويسن أن يغتسل وأن يتنظف ويتطيب، فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام.

ويرفع يديه مع كل تكبيرة، ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين، ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر فيهما بالقراءة، فإذا سلم خطب بهم خطبتين، فإن كان فطراً حثهم على الصدقة وبين لهم حكمها، وإن كان أضحى بين لهم حكم الأضحية والتكبيرات الزوائد، والخطبتان سنة.

ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها، ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها، ومن فاتته فلا قضاء عليه، فإن أحب صلاها تطوعاً: إن شاء ركعتين وإن شاء أربعاً وإن شاء صلاها على صفتها، ويستحب التكبير في ليلتي العيدين، ويكبر في الأضحى عقيب الفرائض في الجماعة من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.

وصفة التكبير شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ].

قال: [وهي فرض على الكفاية] هذا اختيار المذهب، واختلف العلماء في حكمها، لكن الشوكاني له استنباط جيد في كتاب الروضة الندية، حيث قال: إن صلاة العيدين فرض على المكلف، وتاركها عاص؛ لأنه لو اجتمع العيد مع الجمعة في يوم واحد فإنه يجوز لمن صلى العيد ألا يصلي جمعة وأن يصليها ظهراً، فإن لم يكن العيد واجباً، فهل يستطيع غير الواجب أن يسقط واجبة؟ بمعنى: أن الجمعة واجب فأسقطها العيد وحولها إلى ظهر، فهل يقوى غير الواجب على أن يسقط الواجب؟

ثانياً: أن أم عطية قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج إلى العيد، وأن نخرج العواتق من النساء والحيض وذوات الخدور؛ ليشهدن الخير)، وقولها: (أمرنا) يفيد الوجوب.

إذاً: أدلة وجوب العيدين على الأعيان من أقوى الأدلة، وقول المذهب: إنها فرض على الكفاية نرد عليه بهذه الأدلة.

ثم قال: [ إذا قام بها أربعون ]، أيضاً يشترط للعيد عدد.

قال: [ من أهل المصر سقطت عن سائرهم، بدليل قوله سبحانه: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] ].

وهذا استدلال في غاية الضعف؛ لأن قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ليس معناه: صل العيد، وإنما الراجح عند المفسرين: صل لربك وانحر لربك، فالصلاة ليست إلا إلى ربك، والنحر ليس إلا إلى ربك، وليس المقصود: فصل وانحصر كما هو معروف عند الناس، وإنما الراجح: الصلاة لربك والذبح لربك عز وجل.

قال: [ والمشهور في التفسير أن المراد بها: صلاة العيد، وهو أمر والأمر يقتضي الوجوب؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يداومون عليها؛ ولأنها من شعائر الإسلام فأشبهت الجهاد ].

بيان وقت صلاة العيدين

قال في الشرح: [ مسألة: وأول وقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها في هذا الوقت ].

يعني: بمجرد أن تشرق الشمس وترتفع بقدر رمحين تبدأ صلاة العيد، والسنة التأخير في الفطر والتبكير في الأضحى، أما التأخير في الفطر لإعطاء فرصة لمن لم يخرج زكاة الفطر، وعند الحديث في باب الزكاة سيتبين لنا أننا نخرج زكاة الفطر خطأً؛ نخرجها في أول رمضان: في عشرين، في ثلاثة وعشرين، والراجح من أقوال العلماء: أن تؤخر بعد غروب شمس اليوم الأخير من رمضان؛ لأن لها علة، والعلة هي: (اغنوهم عن المسألة في يوم العيد)، فكلما كانت أقرب للعيد كانت أفضل على وجه الاستحباب، فلو أن رجلاً أخرجها في يوم العشرين من رمضان وأنفقها الفقير، فهل ينتفع بها في يوم العيد؟ الجواب: لا.

ثانياً: لو أن رجلاً مات في يوم عشرين من رمضان، فهل يلزم الورثة أن يخرجوا عنه زكاة الفطر؟

الجواب: لا، لابد أن يتم صيام الشهر كاملاً. وهذا بالنسبة للمكلف، أما الصغير فهذا يخرج عنه الولي.

قال: [ والسنة فعلها في المصلى ] أي: أن صلاة العيد تصلى في المصلى.

قال: [ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يفعلونها في الصحراء، فإن كان ثم عذر من مطر أو نحوه لم يكره فعلها في الجامع؛ لما روى أبو هريرة : (أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد) رواه أبو داود ]، وهذا الحديث ضعيف، لكن السنة أن تصلى في المصلى.

ومعنى مصلى: مكان بعيد عن البنيان يجمع معظم الناس، فما هو الحاصل الآن؟ الحاصل أن كل حي يعمل مصلى، وفي كل شارع مصلى، ويخرجون السجاد من المسجد في الشارع المجاور، ويخرجون والميكرفون والشيخ يتوكل على الله، فهل هذا يا عبد الله هو المقصود من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟! حرفنا وبدلنا، فالمصلى الجامع الذي يجمع الناس من أطفال ونساء وكبار ويكون تعدادهم مائتي ألف ويكبرون تكبيراً واحداً؛ يجعل المنافقين يدخلون جحورهم مباشرة، لكننا نجد في كل شارعين مصلى، والأدهى من ذلك حمية الجاهلية، ونقول: هذا مصلى السلفية، وهذا مصلى الحزبيين المبتدعين، وهذا مصلى الخوارج، فيا لها من مصيبة كبرى!

أيها الإخوة! هذه الجماعات الحزبية مزقت الأمة وضيعتها، ونحن أمة واحدة على منهج السلف، والسلف ليس جماعة وإنما هو منهج، فانتبه لمثل هذا، فالذي يدعوك للانضمام إلى جماعة يدعوك إلى بدعة ويدعوك إلى معصية؛ لأنه يفرق جمع الأمة ويضرب وحدتها.

قال: [ والسنة تعجيل الأضحى وتأخير الفطر؛ لأن السنة إخراج الفطرة قبل الصلاة، ففي تأخيرها توسيع لوقتها، ولا يجوز التضحية إلا بعد الصلاة ففي تعجيلها مبادرة إلى الأضحية ].

وهذا من فقه الواقع فالناس مشغولون بالذبح، وأنت تجد الشخص الذي أتى المصلى يريد أن ينتهي من الصلاة ويذهب مباشرة ليذبح الأضحية، ثم بعد ذلك يذهب إلى أخته في الأرياف، فلا بد من تعجيل صلاة عيد الأضحى وتخفيف الخطبة، فلا يجوز يا أخي المسلم! أن تغفل الطرف عن واقع الأمة، فتكون أنت في واد والناس في واد آخر، فإن مراعاة ظروف الناس وفقه الواقع أمور مهمة جداً كثيراً ما نغفل عنها.

قال: [ ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ]. شأنه شأن الجمعة.

بيان صفة صلاة العيدين

قال المصنف رحمه الله: [ فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام وصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة ]. فقول: الصلاة جامعة بدعة.

قال: [ ولا خلاف بينهم أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان، يكبر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ ستاً سوى تكبيرة الإحرام، وفي الثانية بعد القيام من السجود خمساً؛ لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التكبير في الفطر والأضحى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس سوى تكبيرة القيام) رواه أبو داود ].

ومن البدع إخراج المنبر في صلاة العيد، وهذا ما فعله مروان بن الحكم في عهد الدولة الأموية، فجذبه أبو سعيد الخدري وقال: كم غيرتم وبدلتم، والذي نفسي بيده ما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم المنبر في صلاة العيد، إنما كان يخطب على الأرض، فقال: أما هذا فقد أدى الذي عليه، فمن البدع المحدثة إخراج المنبر في صلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على الأرض.

ثم قال: [ ويرفع يديه مع كل تكبيرة ].

قد تجد في صلاة الجنازة بعض الإخوة يقول: لا ترفع اليد إلا في تكبيرة الإحرام! لأن الرفع لم يثبت، بل اعلم أن الرفع هو الثابت، وهذا فعل عمر وفعل ابن عمر وعليه جمهور الصحابة.

ففي الجنازة والعيد ترفع يديك مع كل تكبيرة.

قال: [ ويرفع يديه مع كل تكبيرة في العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير، وروى الأثرم عن عمر : أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة والعيد ولا يعرف له مخالف ].

فـعمر بن الخطاب كان يرفع وهو خليفة أمام الناس جميعاً، وأقره الصحابة على فعله.

والمأموم يكبر خلفه ويرفع، فما ينطبق على الإمام ينطبق على غيره: (إنما جعل الإمام ليؤتم به).

قال في الجنائز: [ ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد، ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن لها الرفع كتكبيرة الإحرام ].

إن الخلاف السائغ الذي تعدد عن السلف، هو أنهم فعلوا هذا وفعلوا هذا، فقد ثبت عن ابن عمر الرفع، وثبت عن غيرهم عدم الرفع. إذاً: هذا من خلاف التعدد والتنوع، وليس من خلاف التناقض والتعارض، فلا تحجر على الناس واسعاً.

قال: [ ويسن الفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة، ويمسك في الأضحى حتى يصلي ]. يعني: من السنة أن تأكل في عيد الفطر قبل أن تخرج إلى المصلى تمرات، وفي الأضحى تؤخر الفطر حتى تعود وتأكل من الأضحية، وذكر البخاري أن هذا في شأن من كانت له أضحية، أما من ليس عنده أضحية في عيد الأضحى فإنه يأكل قبل الخروج إلى المصلى.

قال: [ ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب. وإذا حلت الصلاة تقدم الإمام وصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يكبر في الأولى سبع تكبيرات يرفع يديه مع كل تكبيرة ويحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين ].

هذا في الحقيقة كلام مذهبي لا دليل عليه؛ لأن الفصل بين التكبيرتين بتسبيح هذا فعل بعض السلف، وليس عندنا عليه دليل.

قال: [ لما روى الأثرم في سننه أن علقمة وعبد الله بن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد وقال: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير؟ قال: تبدأ تكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك إلى أن قال: وتركع ]. يعني يقول: الله أكبر، ويفصل بين كل تكبيرتين بتسبيح وتحميد، لكن هذا القول نقف عنده؛ لأنه في الحقيقة ليس عندنا فيه دليل حتى ولو كان له حكم الرفع.

والحقيقة أن تكبيرات صلاة العيدين وكذلك الجنازة قد تعددت، فقد ورد فيها خمس تكبيرات وست تكبيرات وسبع تكبيرات وثمان تكبيرات، وهذا اختلاف تعدد على حسب الحال، هذا ورد وهذا ورد. قال بعض العلماء: يمكن أن تزيد في عدد تكبيرات الجنازة إن كان الميت من أهل الفضل؛ للإكثار من الدعاء عليه.

قال: [ فيحمد الله ويثني عليه، ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر بها بالقراءة ].

الجهر وارد؛ لأنهم رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سبح والغاشية، وهذا يعني: أنهم ما علموا أنه يقرأ سبح والغاشية إلا لأنه جهر بالصلاة، فصلاة العيد فيها جهر بدون أدنى شك.

قال: [ فإذا سلم خطب بهم خطبتين ]. أو خطبة، فإن فيه خلافاً بين العلماء، ولم أقف على نص بين أنه خطب خطبة واحدة، وجاء نص بأنه خطب خطبتين كالجمعة.

قال: [ يجلس بينهما؛ لما روى ابن ماجه عن أبي الزبير ]. وهذا الحديث منكر.

قال: [ فإن كان فطراً حثهم فيها على الصدقة، وبين لهم ما يخرجون فيذكر لهم قدرها ووجوبها ووقت إخراجها ].

قلت: إن قال ذلك في الصلاة فقد انتهت الزكاة وما الفائدة حينئذ؟

فلا بد أن يبين لهم قبل فوات الأوان، وكتمان العلم عند الحاجة لا يجوز.

قال: [ وإن كان أضحى رغبهم في الأضحية ]. وهذا ممكن؛ لأن الأضحية وقتها يمتد من أول أيام الأضحى إلى آخر أيام التشريق.

قال: [ رغبهم في الأضحية ووقتها وأنها سنة، وما يجزئ منها، والعيوب التي تمنع منها؛ ليعلموا بذلك. والتكبيرات الزوائد والذكر بينها سنة، وهي التي بين تكبيرات الصلاة، وقد سبق ذكرها بدليل حديث علقمة ].

ثم قال: [ ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها ]. لا صلاة قبل العيد ولا صلاة بعد العيد إماماً كان أو مأموماً؛ لما روى ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها) متفق عليه، ولا بأس بالصلاة بعد رجوعه؛ لما روى أبو سعيد قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين بعد شروق الشمس) ]. يقصد ركعتي الشروق، أو ما اصطلح الناس على تسميتهم لهذه الصلاة.

قال: [ ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها ] يعني: من أدرك الإمام قبل أن يسلم في العيد قام وقضى وصلى الصلاة على صفتها التي بينها سابقاً.

قال: [ لأنه قضاء فكان على صفته كبقية الصلوات، وإن فاتته فلا قضاء عليه؛ لأنها ليست فرض عين فلا يلزمه قضاؤها كصلاة الجنازة ]. والحقيقة أن له أن يقضيها؛ لما ثبت أن ابن مسعود قضاها، والراجح: أنه يقضيها على صفتها.

أحكام التكبير في العيدين

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويستحب التكبير في ليلتي العيدين؛ لقوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] ]. والتكبير في الفطر آكد منه في الأضحى؛ لأن الآية في سورة البقرة: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ، فجاء التكبير في عيد الفطر في القرآن الكريم واضحاً، ونكبر في الفطر من ثبوت هلال شوال إلى الخروج إلى المصلى، وينقطع التكبير بخروج الإمام؛ ومن فقه الإمام أن يكون هو آخر الناس خروجاً إلى المصلى، حتى ينقطع بخروجه التكبير، ويكبرون فرادى؛ لأن التكبير الجماعي على إيقاع واحد ليس من السنة.

قال: [ وعن ابن عباس قال: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا. هذا في الفطر، وأما في الأضحى فالتكبير فيه على ضربين: مطلق ومقيد، فالمطلق التكبير في جميع الأوقات من أول الشهر إلى آخر أيام التشريق ].

أي: من أول يوم في ذي الحجة تكبر إلى الثالث عشر من ذي الحجة، وهو آخر أيام التشريق، فهذا تكبير مطلق؛ لقوله سبحانه: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203]. قيل: هي أيام التشريق، وقيل: أيام النحر، وقيل: العشر، والتكبير في أول العشر إلى آخر أيام التشريق يجمع الأقوال الثلاثة.

قال: [ وأما المقيد: فهو التكبير في أدبار الصلوات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق بعد صلاة العصر ].

قيل لـأحمد : أي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع، علي وعمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم ].

والمعنى: أن التكبير قيد بالصلوات فقط، فقد كان أبو هريرة وابن عمر يدخلان السوق ويكبران، فيكبر الناس بتكبيرهما، فيرتج السوق من تكبيرهم في هذه الأيام المباركة، وتكبر حين تدخل إلى منزلك وحين تخرج.

وصفة التكبير أرجح الروايات فيها ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

يعني: شفعاً وليس وتراً، ورواية الوتر: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً وردت أيضاً، لكن الحديث الوارد في مصنف ابن أبي شيبة هو أرجح الأقوال فيها: الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وعندما أقول: الراجح: الشفع أي: اثنتان فقط، فإننا لا نحدث خلافاً؛ لأن بعض الإخوة إن دخلوا مصلى يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، وأنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً. الله أكبر.. الله أكبر..

أقول: نعم. هذه الصيغة وردت في كتب الشافعية، لكن إن أحدثت فتنة فاترك الناس على حالهم، فأحياناً درء المفسدة يقدم في بعض الأحوال، ولا داعٍ أبداً إلى أن نحدث خلافاً.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، نسألك رضاك والجنة، نعوذ بك من سخطك والنار.

اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.

آمين.. آمين.. آمين.

وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
العدة شرح العمدة [13] 2696 استماع
العدة شرح العمدة [68] 2619 استماع
العدة شرح العمدة [26] 2594 استماع
العدة شرح العمدة [3] 2517 استماع
العدة شرح العمدة [1] 2474 استماع
العدة شرح العمدة [62] 2373 استماع
العدة شرح العمدة [19] 2336 استماع
العدة شرح العمدة [11] 2332 استماع
العدة شرح العمدة [56] 2301 استماع
العدة شرح العمدة [15] 2236 استماع