خطب ومحاضرات
شرح العقيدة الواسطية [14]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.
وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج ].
هذا بقية ما ذكره المؤلف رحمه الله من المسائل التي مثل بها لوسطية أهل السنة والجماعة، وهي من مسائل العقيدة.
قال رحمه الله: (وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية) الوعيد تقدم تعريفه، وأنه الإخبار بإيقاع ما يسوء، ويقابله الوعد وهو: الإخبار بإيقاع ما يسر.
فقول المؤلف رحمه الله: (في باب وعيد الله) هل الخلاف الذي بين المرجئة وبين القدرية هو فقط في باب الوعيد؟
الجواب: لا، بل هو في باب الوعد والوعيد، وإنما اقتصر على أحد الأمرين اكتفاءً بدلالته على الآخر، فالخلاف الذي توسط فيه أهل السنة والجماعة هو في باب الوعد والوعيد.
الطوائف التي ضلت في باب الوعد والوعيد وموقف أهل السنة من ذلك
طائفة غلت في النفي، وطائفة غلت في الإثبات.
وأهل السنة والجماعة سلكوا طريقاً وسطاً بين هاتين الضلالتين، فسلموا من ضلالة الإرجاء، ومن ضلالة القدرية.
نصوص الوعد والوعيد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم جاءت عامة مطلقة، وهذه النصوص العامة المطلقة عطل عمومها المرجئة، فقالوا: إنها لا تعم أهل المعاصي، إنما هي في أشخاص معينين، هذا أحد ما حملوا نصوص الوعيد عليه، وقالوا أيضاً: إن نصوص الوعيد إنما هي في الكفار، وليست في أهل الإسلام، فكل نص تضمن وعيداً فإنه ليس في أهل الإسلام، إنما هو في أهل الكفر، فخصوا عمومها، بل إن غلاة المرجئة عطلوا العموم بالكلية فقالوا: لا عموم لهذه النصوص.
وقابلتهم طائفة أخرى وهم القدرية الوعيدية الذين قالوا: إن نصوص الوعيد يدخل فيها مرتكب الكبيرة، وهي متحققة الوقوع فيه، فكل من فعل كبيرة فإنه خارج عن دائرة الإيمان، وحكمه الخلود في النار، فقالوا بتخليد أهل التوحيد في النار وذلك فرع عن إخراجهم من الإيمان بالكلية ، والبدع متسلسلة يأخذ بعضها برقاب بعض، فالبدعة التي كانت في الاسم انتقلت إلى الحكم، كما سيأتينا أنهم أيضاً ضلوا في أسماء الإيمان والدين، وهذا الضلال في هذا الباب تبعه الضلال في باب الأحكام.
قوله: (وفي باب وعيد الله بين المرجئة والقدرية) البحث الآن هو في ضلالهم في الحكم، حيث حكم القدرية على أهل الإيمان بالتخليد في النار، وحكم المرجئة بأن نصوص الوعيد لا تتوجه لأهل الإسلام، ولا يدخل فيها أهل الإيمان، بل أهل الإيمان ليس لهم إلا الوعد، وأما الوعيد فهو في حق الكفار، أو أنه في شخص معين ، وقالوا: يجوز ألا يعذب الله أحداً بالكلية، فتكون هذه النصوص مقصودها التهديد، وليس معناها مراداً، وإنما يقصد بها التهديد.
وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: نصوص الوعيد عامة، ولكن الوعيد مقيد، وكذلك نصوص الوعد عامة، ولكنها مقيدة، فكما أننا نقيد نصوص الوعد بعدم الكفر، فكذلك نقيد نصوص الوعيد بعدم التوبة.
وبه نفهم أن لنصوص الوعد شروطاً وموانع، فعمومها له شروط وموانع، وكذلك نصوص الوعيد لها شروط وموانع في تنزيلها على الأفراد، وهذه مسألة مهمة إلى الغاية؛ لأن الخطأ فيها كثير، والفهم فيها حسير عند كثير من الناس، فبعض الناس قد يظن أن إطلاق الوعد أو إطلاق الحكم في أمر معين يلزم منه انطباق هذا الحكم على كل من قام بهذا الفعل، وهذه مسألة خطيرة، وهي التي أوقعت أهل التكفير في التكفير، ولم يفهموا ما نقل عن السلف مثلاً في تكفير من أنكر العلو؛ لأنه قد نقل عن السلف أنهم قالوا: من أنكر العلو فهو كافر، فهل الذين يقولون الآن من عوام المسلمين: إن الله في كل مكان، كفار بأعيانهم؟
الجواب: لا، لا نقول بذلك، وقد صرح شيخ الإسلام رحمه الله بهذا، ومثل بهذا المثال بعينه، فقال: إن من السلف من أطلق التكفير على بعض من قال بمقالات الجهمية كنفي العلو، ولكن لا يلزم من هذا أن يكون كل من قال بهذا القول فهو كافر؛ لأن التكفير لابد فيه من توافر الشروط وانتفاء الموانع، فلابد من قيام الحجة التي تنقطع بها المعذرة ممن قامت عليه.
فكذلك هنا نصوص الوعد مشروطة بعدم الكفر وهذا لا إشكال فيه، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى عن أعمال أهل الكفر الصالحة: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، والمقصود به: العمل الصالح، فلما لم يتوفر شرط الإيمان لم ينتفع به، فنصوص الوعد من موانع تحققها وجود الكفر، ومن شروط ثبوت فضلها لأهلها وجود الإيمان.
كذلك نصوص الوعد في كونها لمعين لابد من شرطين:
الأول: الإخلاص.
الثاني: المتابعة.
ونصوص الوعد في تحقق الفضل لمعين يشترط لها الإخلاص، والمتابعة.
فمن تحقق فيه الإخلاص والمتابعة فإنه يثبت له الفضل.
ونصوص الوعيد -أيضاً- مقيدة بتوافر الشروط وانتفاء الموانع، فلو أن الإنسان فعل فعلاً مما توعد الله عليه بالنار فهل نحكم بأنه من أهل النار؟
الجواب: لا؛ لأنه لابد من أن ننظر هل الشروط متوافرة؟ فإن وجدت الشروط، فهل الموانع منتفية؟ فإن انتفت الموانع وتوافرت الشروط ثبت الحكم على المعين، ولذلك الحكم على المعين يحتاج إلى نظر، فأهل السنة والجماعة أطلقوا العمومات في نصوص الوعد وفي نصوص الوعيد، وقالوا: يدخل فيها أهل الإيمان كغيرهم، ولكن تنزيلها على أهل الإيمان لابد فيه من توافر الشروط وانتفاء الموانع، والموانع كثيرة:
منها: التوبة، فالتوبة من موانع نزول العقاب.
ومنها: الحسنات الماحية من موانع حصول العقاب.
ومنها: سابق الفضل والعفو من الله جل وعلا، وهذا أيضاً من موانع حلول العقاب والوعيد.
المهم أن الموانع متعددة، ولذلك كان أهل السنة والجماعة وسطاً بين هاتين الضلالتين، بين المرجئة الذين قالوا: لا يتوجه نص من نصوص الوعيد إلى أهل الإسلام، وبين القدرية الذين جعلوا نصوص الوعد حكماً على الأفراد دون نظر إلى توافر الشروط وانتفاء الموانع، فجعلوا نصوص الوعيد في حق كل أحد، فكل من ارتكب كبيرة فإنه مخلد في النار، هذا من حيث الحكم.
موقف أهل السنة والجماعة في باب الإيمان والفرق التي ضلت في هذا الباب
هذه أسماء الإيمان والدين، وهي تمثل مراتب الناس في دينهم.
فأهل السنة والجماعة وسط في هذا الباب بين فرقتين:
الحرورية والمعتزلة من جهة، والمرجئة والجهمية من جهة أخرى.
الحرورية هم: الخوارج، والمعتزلة معروفون، وجميع هؤلاء اتفقوا على بدعة وهي: سلب وصف الإيمان ممن ارتكب الكبيرة، فكل من ارتكب كبيرة فإنه غير مؤمن ولا مسلم فنفوا عنه الاسمين:
الإسلام، والإيمان.
وأثبت الخوارج له وصف الكفر، فقالوا: إنه كافر، أما المعتزلة فقالوا: إنه في منزلة بين المنزلتين، هذا من حيث الاسم، لكن من حيث الحكم يتفقون أن من خرج عن وصف الإسلام والإيمان فإنه مخلد في النار، فمن حيث الحكم يتفقون، وأما من حيث الاسم فهم يختلفون، فالخوارج يسمونه كافراً، والمعتزلة يقولون: لا نسميه كافراً، إنما هو في منزلة بين المنزلتين.
يقابلهم المرجئة الجهمية، الذين قالوا: إن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، فأثبتوا له كمال الإيمان وتمامه ولم ينقصوا منه شيئاً، وأصل هذه البدعة بشقيها هو: اعتقادهم في الإيمان، وسيأتينا بيان ذلك مفصلاً في كلام الشيخ رحمه الله.
فإن الفريقين أصحاب هاتين الضلالتين يعتقدون أن الإيمان كل لا يتبعض.
وأنا أقول: من المهم لطالب العلم أن يعرف منشأ البدعة وأصلها حتى يتمكن من الرد عليها ومناقشتها.
والفريقان: الخوارج والمعتزلة من جانب، ومرجئة الجهمية من جانب، كلهم يعتقدون أن الإيمان كل لا يتبعض، فالمعتزلة والخوارج قالوا: إذا خالف الإيمان في شيء واحد سلب منه جميعه؛ لأن الإيمان لا يتبعض، وإذا كان لا يتبعض وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الكبيرة؛ فهذا دال على نقص إيمانه، والإيمان لا يتبعض؛ فقد خرج منه الإيمان بالكلية، وإذا خرج منه الإيمان بالكلية فهو إما كافر على قول الخوارج، أو في منزلة بين المنزلتين على قول المعتزلة.
والآخرون الذين قابلوهم وهم مرجئة الجهمية قالوا: المعاصي لا تضر بالإيمان؛ لأن الإيمان كل لا يتبعض، فلو قلنا: إن الإيمان ينقص بالمعصية لزم خروجه؛ لأن الإيمان إما أن يبقى جميعاً أو يسلب جميعاً.
وسلم من هذه البدعة أهل السنة والجماعة فأثبتوا زيادة الإيمان ونقصه، وقالوا: صاحب الكبيرة لا يسلب عنه مطلق الإيمان، ولا يثبت له الإيمان المطلق، كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ذلك في كلام المؤلف، وإنما المراد بيان وسطية أهل السنة والجماعة في اسم الإيمان والإسلام، والكفر والفسق.
موقف أهل السنة والجماعة من الصحابة والفرق التي ضلت في ذلك
ويقابلهم الخوارج الذين كفروا علياً وعثمان . والرافضة جمعوا بين البدعتين بين الغلو والتقصير في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالوا بعضهم حتى رفعوهم إلى درجة الإلهية، وقصروا في أكثرهم حتى وصفوهم بالكفر والخيانة، فكفروا أبا بكر وعمر والزبير وجمهور صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الخوارج فكفروا علياً وعثمان ، وكفروا من كان معهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأهل السنة والجماعة وسط بين هاتين الضلالتين، فيوالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، ويعتقدون أنهم خير القرون، وأنه لا كان ولا يكون مثلهم رضي الله عنهم، وسيأتي بيان موقف أهل السنة والجماعة تفصيلاً في كلام الشيخ رحمه الله.
والمراد: أن الشيخ رحمه الله بين لنا وسطية أهل السنة والجماعة في خمسة أبواب من أبواب الاعتقاد:
في صفات الله عز وجل.
وفي أفعال الله جل وعلا.
وفي وعيده سبحانه وتعالى.
وفي أسماء الإيمان والدين.
وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الأمور سيأتي لها تفصيل في بقية هذه الرسالة المباركة.
باب الوعد والوعيد ضل فيه طائفتان:
طائفة غلت في النفي، وطائفة غلت في الإثبات.
وأهل السنة والجماعة سلكوا طريقاً وسطاً بين هاتين الضلالتين، فسلموا من ضلالة الإرجاء، ومن ضلالة القدرية.
نصوص الوعد والوعيد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم جاءت عامة مطلقة، وهذه النصوص العامة المطلقة عطل عمومها المرجئة، فقالوا: إنها لا تعم أهل المعاصي، إنما هي في أشخاص معينين، هذا أحد ما حملوا نصوص الوعيد عليه، وقالوا أيضاً: إن نصوص الوعيد إنما هي في الكفار، وليست في أهل الإسلام، فكل نص تضمن وعيداً فإنه ليس في أهل الإسلام، إنما هو في أهل الكفر، فخصوا عمومها، بل إن غلاة المرجئة عطلوا العموم بالكلية فقالوا: لا عموم لهذه النصوص.
وقابلتهم طائفة أخرى وهم القدرية الوعيدية الذين قالوا: إن نصوص الوعيد يدخل فيها مرتكب الكبيرة، وهي متحققة الوقوع فيه، فكل من فعل كبيرة فإنه خارج عن دائرة الإيمان، وحكمه الخلود في النار، فقالوا بتخليد أهل التوحيد في النار وذلك فرع عن إخراجهم من الإيمان بالكلية ، والبدع متسلسلة يأخذ بعضها برقاب بعض، فالبدعة التي كانت في الاسم انتقلت إلى الحكم، كما سيأتينا أنهم أيضاً ضلوا في أسماء الإيمان والدين، وهذا الضلال في هذا الباب تبعه الضلال في باب الأحكام.
قوله: (وفي باب وعيد الله بين المرجئة والقدرية) البحث الآن هو في ضلالهم في الحكم، حيث حكم القدرية على أهل الإيمان بالتخليد في النار، وحكم المرجئة بأن نصوص الوعيد لا تتوجه لأهل الإسلام، ولا يدخل فيها أهل الإيمان، بل أهل الإيمان ليس لهم إلا الوعد، وأما الوعيد فهو في حق الكفار، أو أنه في شخص معين ، وقالوا: يجوز ألا يعذب الله أحداً بالكلية، فتكون هذه النصوص مقصودها التهديد، وليس معناها مراداً، وإنما يقصد بها التهديد.
وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: نصوص الوعيد عامة، ولكن الوعيد مقيد، وكذلك نصوص الوعد عامة، ولكنها مقيدة، فكما أننا نقيد نصوص الوعد بعدم الكفر، فكذلك نقيد نصوص الوعيد بعدم التوبة.
وبه نفهم أن لنصوص الوعد شروطاً وموانع، فعمومها له شروط وموانع، وكذلك نصوص الوعيد لها شروط وموانع في تنزيلها على الأفراد، وهذه مسألة مهمة إلى الغاية؛ لأن الخطأ فيها كثير، والفهم فيها حسير عند كثير من الناس، فبعض الناس قد يظن أن إطلاق الوعد أو إطلاق الحكم في أمر معين يلزم منه انطباق هذا الحكم على كل من قام بهذا الفعل، وهذه مسألة خطيرة، وهي التي أوقعت أهل التكفير في التكفير، ولم يفهموا ما نقل عن السلف مثلاً في تكفير من أنكر العلو؛ لأنه قد نقل عن السلف أنهم قالوا: من أنكر العلو فهو كافر، فهل الذين يقولون الآن من عوام المسلمين: إن الله في كل مكان، كفار بأعيانهم؟
الجواب: لا، لا نقول بذلك، وقد صرح شيخ الإسلام رحمه الله بهذا، ومثل بهذا المثال بعينه، فقال: إن من السلف من أطلق التكفير على بعض من قال بمقالات الجهمية كنفي العلو، ولكن لا يلزم من هذا أن يكون كل من قال بهذا القول فهو كافر؛ لأن التكفير لابد فيه من توافر الشروط وانتفاء الموانع، فلابد من قيام الحجة التي تنقطع بها المعذرة ممن قامت عليه.
فكذلك هنا نصوص الوعد مشروطة بعدم الكفر وهذا لا إشكال فيه، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى عن أعمال أهل الكفر الصالحة: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، والمقصود به: العمل الصالح، فلما لم يتوفر شرط الإيمان لم ينتفع به، فنصوص الوعد من موانع تحققها وجود الكفر، ومن شروط ثبوت فضلها لأهلها وجود الإيمان.
كذلك نصوص الوعد في كونها لمعين لابد من شرطين:
الأول: الإخلاص.
الثاني: المتابعة.
ونصوص الوعد في تحقق الفضل لمعين يشترط لها الإخلاص، والمتابعة.
فمن تحقق فيه الإخلاص والمتابعة فإنه يثبت له الفضل.
ونصوص الوعيد -أيضاً- مقيدة بتوافر الشروط وانتفاء الموانع، فلو أن الإنسان فعل فعلاً مما توعد الله عليه بالنار فهل نحكم بأنه من أهل النار؟
الجواب: لا؛ لأنه لابد من أن ننظر هل الشروط متوافرة؟ فإن وجدت الشروط، فهل الموانع منتفية؟ فإن انتفت الموانع وتوافرت الشروط ثبت الحكم على المعين، ولذلك الحكم على المعين يحتاج إلى نظر، فأهل السنة والجماعة أطلقوا العمومات في نصوص الوعد وفي نصوص الوعيد، وقالوا: يدخل فيها أهل الإيمان كغيرهم، ولكن تنزيلها على أهل الإيمان لابد فيه من توافر الشروط وانتفاء الموانع، والموانع كثيرة:
منها: التوبة، فالتوبة من موانع نزول العقاب.
ومنها: الحسنات الماحية من موانع حصول العقاب.
ومنها: سابق الفضل والعفو من الله جل وعلا، وهذا أيضاً من موانع حلول العقاب والوعيد.
المهم أن الموانع متعددة، ولذلك كان أهل السنة والجماعة وسطاً بين هاتين الضلالتين، بين المرجئة الذين قالوا: لا يتوجه نص من نصوص الوعيد إلى أهل الإسلام، وبين القدرية الذين جعلوا نصوص الوعد حكماً على الأفراد دون نظر إلى توافر الشروط وانتفاء الموانع، فجعلوا نصوص الوعيد في حق كل أحد، فكل من ارتكب كبيرة فإنه مخلد في النار، هذا من حيث الحكم.
أما توسط أهل السنة والجماعة من حيث الاسم فهو في قوله رحمه الله: (وفي باب أسماء الإيمان والدين) المراد بأسماء الإيمان والدين: (مؤمن، ومسلم، وكافر، وفاسق).
هذه أسماء الإيمان والدين، وهي تمثل مراتب الناس في دينهم.
فأهل السنة والجماعة وسط في هذا الباب بين فرقتين:
الحرورية والمعتزلة من جهة، والمرجئة والجهمية من جهة أخرى.
الحرورية هم: الخوارج، والمعتزلة معروفون، وجميع هؤلاء اتفقوا على بدعة وهي: سلب وصف الإيمان ممن ارتكب الكبيرة، فكل من ارتكب كبيرة فإنه غير مؤمن ولا مسلم فنفوا عنه الاسمين:
الإسلام، والإيمان.
وأثبت الخوارج له وصف الكفر، فقالوا: إنه كافر، أما المعتزلة فقالوا: إنه في منزلة بين المنزلتين، هذا من حيث الاسم، لكن من حيث الحكم يتفقون أن من خرج عن وصف الإسلام والإيمان فإنه مخلد في النار، فمن حيث الحكم يتفقون، وأما من حيث الاسم فهم يختلفون، فالخوارج يسمونه كافراً، والمعتزلة يقولون: لا نسميه كافراً، إنما هو في منزلة بين المنزلتين.
يقابلهم المرجئة الجهمية، الذين قالوا: إن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، فأثبتوا له كمال الإيمان وتمامه ولم ينقصوا منه شيئاً، وأصل هذه البدعة بشقيها هو: اعتقادهم في الإيمان، وسيأتينا بيان ذلك مفصلاً في كلام الشيخ رحمه الله.
فإن الفريقين أصحاب هاتين الضلالتين يعتقدون أن الإيمان كل لا يتبعض.
وأنا أقول: من المهم لطالب العلم أن يعرف منشأ البدعة وأصلها حتى يتمكن من الرد عليها ومناقشتها.
والفريقان: الخوارج والمعتزلة من جانب، ومرجئة الجهمية من جانب، كلهم يعتقدون أن الإيمان كل لا يتبعض، فالمعتزلة والخوارج قالوا: إذا خالف الإيمان في شيء واحد سلب منه جميعه؛ لأن الإيمان لا يتبعض، وإذا كان لا يتبعض وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الكبيرة؛ فهذا دال على نقص إيمانه، والإيمان لا يتبعض؛ فقد خرج منه الإيمان بالكلية، وإذا خرج منه الإيمان بالكلية فهو إما كافر على قول الخوارج، أو في منزلة بين المنزلتين على قول المعتزلة.
والآخرون الذين قابلوهم وهم مرجئة الجهمية قالوا: المعاصي لا تضر بالإيمان؛ لأن الإيمان كل لا يتبعض، فلو قلنا: إن الإيمان ينقص بالمعصية لزم خروجه؛ لأن الإيمان إما أن يبقى جميعاً أو يسلب جميعاً.
وسلم من هذه البدعة أهل السنة والجماعة فأثبتوا زيادة الإيمان ونقصه، وقالوا: صاحب الكبيرة لا يسلب عنه مطلق الإيمان، ولا يثبت له الإيمان المطلق، كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ذلك في كلام المؤلف، وإنما المراد بيان وسطية أهل السنة والجماعة في اسم الإيمان والإسلام، والكفر والفسق.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة الواسطية [16] | 2362 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [3] | 2199 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [21] | 2141 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [6] | 1992 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [25] | 1914 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [2] | 1905 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [18] | 1868 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [12] | 1853 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [24] | 1827 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [19] | 1747 استماع |