شرح سنن أبي داود [244]


الحلقة مفرغة

شرح حديث خطبة الحاجة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خطبة النكاح.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره.

ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبة الحاجة: (إن الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71]).

لم يقل محمد بن سليمان : إن ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في خطبة النكاح ] أي: بين يديه وبين يدي عقده والمقصود بها هذا الذي جاء في الحديث من حمد الله عز وجل والاستعانة به واستغفاره والثناء عليه والتعوذ من شرور النفس، وأن من هدى الله فهو المهتدي، ومن يضلل فإنه لا هادي له.

وهذه الخطبة هي من الأمور المستحبة، فلو حصل النكاح بدونها فإنه يصح، ولكن الأولى أن يؤتى بها؛ لأن فيها ذكراً لله عز وجل وثناءً عليه، وتقديم العقد بحمد الله وبالثناء عليه لاشك في أنه من الأمور المهمة والأمور المفيدة، ولكنه ليس بفرض ولا واجب، ولكنه من الأمور المستحبة، ولو وجد العقد بدونه فإنه يصح، ولا يكون الإنسان بتركه قد ترك أمراً واجباً.

وقد وردت هذه الخطبة في الأحاديث بألفاظ مختلفة، منها ما هو أقل ومنها ما فيه زيادة.

وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره بألفاظ قد جاء في بعض الروايات زيادات عليها، يعني مثل زيادة (نحمده) وكذلك زيادة (ومن سيئات أعمالنا) وهي ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الرواية التي جاءت عند أبي داود ليس فيها ذلك الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كاملاً، وينبغي أن يؤتى به كاملاً، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم يؤتى بالآيات: آية في أول سورة النساء، وآية في وسط سورة آل عمران، وآية في آخر سورة الأحزاب.

ثم إن ما جاء في بعض الروايات من خطبة الحاجة في النكاح وغيره لا يعني أن كل خطبة من الخطب يستحب أن تبدأ بهذا اللفظ وحده وأن لا تبدأ بألفاظ أخرى، ولكن هذا يحمل على الغالب، وإلا فإنه قد جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البدء بغير ذلك، كما سبق أن مر بنا في كتاب الاستسقاء، فقد ورد فيه ذكر البدء (بالحمد لله رب العالمين)، وليس فيه ذكر هذا الذي جاء في هذا الحديث.

وعلى هذا فيكون الإكثار منه بناءً على الغالب، فهو الذي ينبغي قوله غالباً، ولكن لا يقال: إنه لا يؤتى بشيء سواه، وإنه اللفظ الذي يؤتى به فحسب.

وفي الحديث جاءت الأفعال المضارعة بنون الجمع في أولها إلا قوله: [ (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ] وذلك لأن الشهادة لا تصح إلا من قائلها ذاته، فلا يصح قولها عن الغير، أما العون المغفرة والعياذ بالله فيصح طلبها للنفس وللغير فلذلك أتى فيها بنون الجمع في أول المضارع.

تراجم رجال إسناد حديث خطبة الحاجة

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي إسحاق ].

هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي عبيدة ].

هو أبو عبيدة عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ولكن لم يصح سماعه من أبيه.

[ عن عبد الله بن مسعود ].

هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ].

قوله: [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد.

و محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود .

وقوله: [ المعنى ].

يعني أن المعنى واحد وإن كانت الألفاظ مختلفة فيما جاء في الطريقين.

[ ثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسرائيل ].

هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي إسحاق ].

أبو إسحاق قد مر ذكره.

[ عن أبي الأحوص ].

هو عوف بن مالك الجشمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ وأبي عبيدة عن عبد الله ].

أبو عبيدة وعبد الله قد مر ذكرهما في الإسناد السابق.

قوله: [ قال: لم يقل محمد بن سليمان : إن ].

أي: لم يقل محمد بن سليمان : (إن الحمد لله) وإنما قال: (الحمد لله نحمده ونستعينه...).

شرح حديث تعليم خطبة الحاجة من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ثنا أبو عاصم ثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تشهد.. ذكر نحوه، وقال بعد قوله: ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها نحو الرواية السابقة، وفيها بعد قوله: (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) زيادة [ (أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ] وهذه زيادة جاءت من هذه الطريق، وقد ضعفها الألباني ، ولعل السبب في ذلك هو أحد الرواة الذين جاءوا في الإسناد، وهو عمران بن داود القطان ، فإن فيه كلاماً كما قال المنذري .

وقوله: [ (ومن يعصمها) ] فيه الإتيان بالضمير (هما) العائد على الله جل جلاله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثله في الحديث (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وقد جاء في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لخطيب قوم (بئس خطيب القوم أنت) حين جمع بينهما، وحمل على أن الخطب الأصل فيها التفصيل لا الإجمال، فلذلك زجره.

تراجم رجال إسناد حديث تعليم خطبة الحاجة من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].

هو محمد بن بشار المقلب بـبندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ ثنا أبو عاصم ].

هو أبو عاصم النبيل ، وهو الضحاك بن مخلد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ثنا عمران ].

هو عمران بن داود القطان ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد ربه ].

هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري ، أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي عياض ].

هو عمرو بن الأسود ، حمصي سكن داريا، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن ابن مسعود ].

هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره.

شرح حديث جواز ترك خطبة الحاجة في النكاح

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ثنا بدل بن المحبر -وكنيته أبو المغير - ثنا شعبة عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي عن إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد ].

أورد أبو داود حديث رجل من بني سليم مبهم أنه خطب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب -يعني عمة النبي صلى الله عليه وسلم- فأنكحه ولم يتشهد.

ومعناه أنه ما ذكر الخطبة التي جاءت في حديث ابن مسعود ، فيستدل به على أنه ليس بلازم أن يؤتى بالخطبة بين يدي عقد النكاح؛ لأنه هنا قال: ولم يتشهد. لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو مجهول ومن هو مقبول.

ثم إنه قد اختلف في المرأة، وذكر الاختلاف البخاري في التاريخ الكبير، ففي بعض الروايات [ خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمته فأنكحني... ] وفي بعضها (ألا أنكحك أمامة بنت ربيعة بن الحارث؟).

وعلى كل حال فالحديث ضعيف وغير ثابت؛ لأن في إسناده من هو مجهول.

تراجم رجال إسناد حديث جواز ترك خطبة الحاجة في النكاح

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].

محمد بن بشار مر ذكره.

[ ثنا بدل بن المحبر ].

بدل بن المحبر ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ ثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي ].

العلاء ابن أخي شعيب الرازي مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن إسماعيل بن إبراهيم ].

إسماعيل بن إبراهيم مجهول، أخرج له أبو داود أيضاً.

[ عن رجل من بني سليم ].

هذا رجل مبهم، وهو من الصحابة، والإبهام في الصحابة لا يؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، وإنما الجهالة تؤثر في غيرهم، فالإبهام في غيرهم يؤثر والإبهام في الصحابة لا يؤثر، بل يكفي أن يعرف أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يسم.

وقد سماه الحافظ ابن حجر في المبهمات فقال: عباد بن شيبان السلمي .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خطبة النكاح.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره.

ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبة الحاجة: (إن الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71]).

لم يقل محمد بن سليمان : إن ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في خطبة النكاح ] أي: بين يديه وبين يدي عقده والمقصود بها هذا الذي جاء في الحديث من حمد الله عز وجل والاستعانة به واستغفاره والثناء عليه والتعوذ من شرور النفس، وأن من هدى الله فهو المهتدي، ومن يضلل فإنه لا هادي له.

وهذه الخطبة هي من الأمور المستحبة، فلو حصل النكاح بدونها فإنه يصح، ولكن الأولى أن يؤتى بها؛ لأن فيها ذكراً لله عز وجل وثناءً عليه، وتقديم العقد بحمد الله وبالثناء عليه لاشك في أنه من الأمور المهمة والأمور المفيدة، ولكنه ليس بفرض ولا واجب، ولكنه من الأمور المستحبة، ولو وجد العقد بدونه فإنه يصح، ولا يكون الإنسان بتركه قد ترك أمراً واجباً.

وقد وردت هذه الخطبة في الأحاديث بألفاظ مختلفة، منها ما هو أقل ومنها ما فيه زيادة.

وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره بألفاظ قد جاء في بعض الروايات زيادات عليها، يعني مثل زيادة (نحمده) وكذلك زيادة (ومن سيئات أعمالنا) وهي ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الرواية التي جاءت عند أبي داود ليس فيها ذلك الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كاملاً، وينبغي أن يؤتى به كاملاً، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم يؤتى بالآيات: آية في أول سورة النساء، وآية في وسط سورة آل عمران، وآية في آخر سورة الأحزاب.

ثم إن ما جاء في بعض الروايات من خطبة الحاجة في النكاح وغيره لا يعني أن كل خطبة من الخطب يستحب أن تبدأ بهذا اللفظ وحده وأن لا تبدأ بألفاظ أخرى، ولكن هذا يحمل على الغالب، وإلا فإنه قد جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البدء بغير ذلك، كما سبق أن مر بنا في كتاب الاستسقاء، فقد ورد فيه ذكر البدء (بالحمد لله رب العالمين)، وليس فيه ذكر هذا الذي جاء في هذا الحديث.

وعلى هذا فيكون الإكثار منه بناءً على الغالب، فهو الذي ينبغي قوله غالباً، ولكن لا يقال: إنه لا يؤتى بشيء سواه، وإنه اللفظ الذي يؤتى به فحسب.

وفي الحديث جاءت الأفعال المضارعة بنون الجمع في أولها إلا قوله: [ (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ] وذلك لأن الشهادة لا تصح إلا من قائلها ذاته، فلا يصح قولها عن الغير، أما العون المغفرة والعياذ بالله فيصح طلبها للنفس وللغير فلذلك أتى فيها بنون الجمع في أول المضارع.

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي إسحاق ].

هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي عبيدة ].

هو أبو عبيدة عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ولكن لم يصح سماعه من أبيه.

[ عن عبد الله بن مسعود ].

هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ].

قوله: [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد.

و محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود .

وقوله: [ المعنى ].

يعني أن المعنى واحد وإن كانت الألفاظ مختلفة فيما جاء في الطريقين.

[ ثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسرائيل ].

هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي إسحاق ].

أبو إسحاق قد مر ذكره.

[ عن أبي الأحوص ].

هو عوف بن مالك الجشمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ وأبي عبيدة عن عبد الله ].

أبو عبيدة وعبد الله قد مر ذكرهما في الإسناد السابق.

قوله: [ قال: لم يقل محمد بن سليمان : إن ].

أي: لم يقل محمد بن سليمان : (إن الحمد لله) وإنما قال: (الحمد لله نحمده ونستعينه...).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ثنا أبو عاصم ثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تشهد.. ذكر نحوه، وقال بعد قوله: ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها نحو الرواية السابقة، وفيها بعد قوله: (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) زيادة [ (أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ] وهذه زيادة جاءت من هذه الطريق، وقد ضعفها الألباني ، ولعل السبب في ذلك هو أحد الرواة الذين جاءوا في الإسناد، وهو عمران بن داود القطان ، فإن فيه كلاماً كما قال المنذري .

وقوله: [ (ومن يعصمها) ] فيه الإتيان بالضمير (هما) العائد على الله جل جلاله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثله في الحديث (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وقد جاء في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لخطيب قوم (بئس خطيب القوم أنت) حين جمع بينهما، وحمل على أن الخطب الأصل فيها التفصيل لا الإجمال، فلذلك زجره.

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].

هو محمد بن بشار المقلب بـبندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ ثنا أبو عاصم ].

هو أبو عاصم النبيل ، وهو الضحاك بن مخلد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ثنا عمران ].

هو عمران بن داود القطان ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد ربه ].

هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري ، أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي عياض ].

هو عمرو بن الأسود ، حمصي سكن داريا، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن ابن مسعود ].

هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ثنا بدل بن المحبر -وكنيته أبو المغير - ثنا شعبة عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي عن إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد ].

أورد أبو داود حديث رجل من بني سليم مبهم أنه خطب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب -يعني عمة النبي صلى الله عليه وسلم- فأنكحه ولم يتشهد.

ومعناه أنه ما ذكر الخطبة التي جاءت في حديث ابن مسعود ، فيستدل به على أنه ليس بلازم أن يؤتى بالخطبة بين يدي عقد النكاح؛ لأنه هنا قال: ولم يتشهد. لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو مجهول ومن هو مقبول.

ثم إنه قد اختلف في المرأة، وذكر الاختلاف البخاري في التاريخ الكبير، ففي بعض الروايات [ خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمته فأنكحني... ] وفي بعضها (ألا أنكحك أمامة بنت ربيعة بن الحارث؟).

وعلى كل حال فالحديث ضعيف وغير ثابت؛ لأن في إسناده من هو مجهول.