int(1504) array(0) { }

أرشيف المقالات

إلى السادة العلماء

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
إلى السادة العلماء
الرياض في 9 رجب سنة 1435هـ - 8 أيار سنة 2014م


هناك أمور جدَّت تتَّصِل بشؤون الاقتصاد، وهناك أمور حدثت بشأن الدولة، وهناك أمور تتعلَّق بالمرأة، وهناك أمور تتعلَّق بالصلاة والصيام في بعض البلاد التي في شمال الكرة الأرضية، وهناك أمور تتَّصِل بقضايا التعليم، وما يجب أن يدرس، وما لا يجوز أن يدرس، وهناك أمور متَّصِلة باتِّباع المذاهب الأربعة والاجتهاد والتقليد، وهناك أمور تتَّصِل بشأن تحديد الموقف الشرعي من الفِرق الضالة.
 
إنها أمور كثيرة لا مجال لاستقصائها وذِكْرها، وهناك مشاكل كثيرة تقوم في حياتنا، وقد كانت هذه المشاكل نتيجة لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية وفِكْرية خلال أزمنة مُتطاولة من التاريخ.
 
والسادة العلماء - بارَك الله فيهم - مَدْعوُّون إلى مواجهة هذه الأمور والمشاكل بكل جرأة وحَزْم وقول كلمة الفصل فيها؛ لأن العلماء الذين يَحمِلون رسالةَ الإسلام هم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العلماء ورثة الأنبياء))[1].
 
والعلماء هم قادة الأُمَّة، والقَرْنان الهجريان الثالث عشر والرابع عشر قد حصل فيهما تطوُّر كبير في حياتنا وحياة العالم كلِّه، يساوي التطوُّر الذي حصل في أكثر من عشرة قرون..
وكان في هذين القرنين غزو فِكْري لنا ولديننا ولأخلاقنا، وكان هذا الغزو مُصاحَبًا بقوة عسكرية طاغية تُواجِه الناسَ بأسلحة لا عَهْد لهم بها، وظهرت فيها اختراعات في جوانب متعددة في وسائل النقل وفي شؤون البيت، وفي أدوات تكوين الرأي العام: كالإذاعة، والتلفاز، والفضائيات، ووسائل الاتصال كالفيسبوك وغيره، وفي أدوات الحرب وأنواعها.
 
فيجب على السادة العلماء أن يُقرِّروا الأحكامَ لها من وِجْهة النظر الإسلامية، وبعض هذه الأمور متَّصِل بحياة الأفراد، وبعضها مُتَّصِل بالدولة المسلمة.
 
وليس من شك في أن الوصول إلى ذلك يتطلَّب أمورًا عدة:
من أهمها العِلْم الوافر الذي يستمدُّ أسسَه وتفاصيلَه من كتاب الله وسُنَّة رسوله الصحيحة، ويستنير بما فَهِم الصحابةُ والعلماء الأئمة والسلف الصالح، ويعتمد أيضًا على معرفة جيدة بلغة القرآن، وتذوُّقها، وإدراك أسرارها.
 
• ومنها الوَرَع ومخافة الله والتقوى، والشعور بالمسؤولية العظمى بين يدي الله تعالى، والتريُّث في إصدار الأحكام.
 
• ومن هذه الأمور: التعاون البنَّاء بين العلماء الأتقياء؛ ليُكمِل كلُّ واحد منهم إخوانه الآخرين؛ ذلك لأن المواهب التي خصَّ الله بها عباده ليست من نوعية واحدة.
 
• ومن هذه الأمور: الصبر، والأناة؛ ذلك لأنه لا بد من مرور وقت كافٍ ليستطاع الوصول فيه إلى الغاية المرجوَّة.
 
• ومن هذه الأمور: المعرفةُ العميقة الواعية للحياة المعاصرة، والوقوف على أسس الحضارة الأوروبية القائمة ومصطلحاتها، والمعرفة الدقيقة للعلاقة التي قامت بين الغرب وبين المسلمين، إن هذه العلاقة هي الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين، والإدراك لواقع المسلمين المتخلِّف..
وهناك أمور أخرى.
 
وواضح أن هذه الأمور تحتاج إلى تَوافُر إمكانات، ربما لا تكون موجودة عندنا الآن، فينبغي أن نعمل على إيجادها بقَدْر المستطاع.
 
وقد يقول قائل: إن تحقيقَ هذه الغاية يحتاج إلى دولة تَملِك الإمكانات الكبيرة ولديها المؤسسات المختصَّة بكل فرع من فروع المعرفة، وهذا صحيح لا شكَّ فيه، ولكن ما دُمْنا قادرين على تحقيق بعض المطلوب، فعلينا أن نَبذُل جهدنا في تحقيق أي جزء من هذه الغاية.
وأنا متفائل جدًّا، وأعتقد أن شبابًا وشابات من الناشئين أصبحوا قادرين على العمل البنّاء في هذا الموضوع، والحمد لله الذي بنعمته تَتِم الصالحات.
 
ألا فلتَنْشط الهممُ ولْتَتعاون المواهب، ولتُعَد البحوث الموضوعية في مُعالجة هذه الأمور، بشرط ألا يَزعُم الباحث أن ما ينتهي إليه في بحثه هو الإسلام؛ بل إن ما توصَّل إليه رأي له، وصل إليه، وهو يستحق الشكر.
 
وليعلم من البداية أنه وكل باحث مُعرَّض إلى الوقوع في الخطأ؛ لأنه بشر من البشر، وليس معصومًا؛ فالمعصوم عند أهل السُّنة والجماعة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومهمتنا أن نُناقِشه فيما وصل إليه بالرُّوح الإسلامية العلمية البعيدة عن المِراء والجدال، وأن نُبيِّن له خطأه إن أخطأ بالأدب الإسلامي، هذا إذا كان الخطأ من قبيل الاجتهاد الذي تختلف فيه وِجهات النظر، أما إذا كان الخطأ ناشئًا عن تأثُّر بفِكْر مُنحرِف، أو كان هذا الرأي مصادمًا لأصل من أصول الدين، أو كان يُعارِض حقيقةً إسلامية تشهد لها نصوص من الكتاب والسنة، فمِن الواجب إنكار هذا الرأي وبيان سبب الإنكار بالأدب الإسلامي كذلك.
هذا وقد يكون سبب الوقوع في الخطأ الجهل؛ ذلك لأن الجهل آفة كثير ممن يحملون الأقلام..
وقد تكون مع الجهل الجرأة في تَناوُل الموضوعات العلمية المتخصِّصة، ولا يجوز أن نَلتفِت إلى كتابات هؤلاء الجَهَلة؛ بل علينا - إذا اطَّلعنا عليها - أن نُحذِّر الناسَ منها ومما فيها من الضلال والانحراف.
 
أيها السادة العلماء، إني أُوجِّه إليكم هذه الكلمة المخلصة، فأنتم القادة وأنتم المرجع، مرجع الأمة في أمور دينها وحياتها، وكثير من الناس حائرون في معرفة حُكْم الله في كثير من القضايا الجديدة التي تُواجِههم اليوم، والعلم أمانة ولا بد من أداء الأمانة، وأنا أعلم أن كثيرًا من هذه القضايا قال فيها بعض أهل العلم كلمتهم.
 
ولكن هذا بقي محصورًا في دائرة ضيِّقة، وبقي رأيًا فرديًّا، والذي نريده أن يتعاون العلماء ويُصدِروا قرارات، ويكون فيها بيان أنها بأكثرية الموقِّعين أو بالإجماع، وتُنشر بين الناس.
 
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.



[1] رواه أحمد (5 : 196)، وأبو داود 3641، والترمذي 2682، وابن ماجه 223، والدارمي (1 : 98)، وانظر: فتح الباري (1 : 160)، وقال: وشاهده في القرآن قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32] وهو حديث صحيح.

شارك المقال

مشكاة أسفل ٢