شرح العقيدة الواسطية [10]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد:

قال رحمه الله: [وقوله: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55]، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً [غافر:36-37]، وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17]].

أقسام العلو الوارد في الشرع

هذه الآيات كلها في إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى، وقد تقدم في المقطع السابق آيات تثبت صفة الاستواء لله عز وجل، وقلنا: إن الاستواء علو خاص، فبعد أن ذكر الأدلة الدالة على علو الله عز وجل الخاص انتقل إلى ذكر الأدلة على ثبوت العلو العام لله سبحانه وتعالى، وهو العلو الثابت له على كل شيء، فالله جل وعلا عالٍ على كل شيء كما دلت على ذلك الأدلة.

واعلم أن العلو الذي يثبته أهل السنة والجماعة للرب سبحانه وتعالى ثلاثة أنواع: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات.

أما علو القدر فله المثل الأعلى جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل:60]، وكما قال: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى [الروم:27]، وكما قال: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180] أي: البالغة في الحسن منتهاه، فهذا علو القدر.

وأما علو القهر فذلك في آيات كثيرة، ومنها قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18].

وأما علو الذات فذلك الذي دل عليه الكتاب بالآيات التي سمعناها، وجاء في السنة في أحاديث كثيرة سيأتي شيء منها، وأجمع عليه سلف الأمة، ودل عليه العقل، واقتضته الفطرة، واتفق عليه الناس أجمعون، مسلمهم وكافرهم، فإن علو الله عز وجل مستقر في فطر بني آدم، فما قال قائل قط: يا الله! إلا ووجد من قلبه طلب العلو، وهذا من الأدلة الفطرية التي لا يملك أحد ردها، وهذا مما يتفق عليه أهل الإسلام وأهل الكفر، وذلك أن العلو صفة كمال لائقة بالرب جل وعلا، وقد تقدم لنا قول الشيخ رحمه الله: إن العلو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية، وذلك لتنوع أدلته وكثرتها في الكتاب والسنة، حتى إن الإنسان ليقطع قطعاً لا ريب فيه ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى ذلك إلى أمته، وأن الله عالٍ على كل شيء، وهو فوق كل شيء سبحانه وتعالى، وسيأتي إن شاء الله تعالى في كلام الشيخ تقريره للعلو فيما ذكره من الصفات التي ركز عليها في بيانها كالعلو، والمعية، والكلام، والرؤية.

الطوائف التي ضلت في إثبات صفة العلو

وقد ضل في هذه الصفة طوائف منها: الجهمية المعطلة الذين قالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، وهذا منهم وصف لله عز وجل بالعدم؛ ولذلك لما قيل لأحد الأمراء هذا الوصف قال: فرق لنا بين هذا الرب الذي تصفه وبين العدم؟ فلم يملك جواباً؛ وذلك لأن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا على العدم، فهي صفات سلبية محضة، لا تفيد ثبوتاً ولا كمالاً، وهذا هو مذهب الجهمية المعطلة، وهو قول كثير من المعتزلة.

الطائفة الثانية التي ضلت في هذا: هم الذين قالوا: إن الله في كل مكان، وهو قول الجهمية الحلولية، وقول غالب المتصوفة، فيعتقدون أن الله عز وجل في كل مكان، ولا شك أن هذا كفر، فهم يعتقدون وجوده سبحانه وتعالى في الحشوش والأماكن القذرة، وفي أمعاء الكلاب والخنازير، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً! وقد دلت الأدلة على بطلان قولهم، وأنهم قد افتروا على الله كذباً.

القسم الثالث ممن ضلوا في هذه الصفة: هم الذين قالوا: إن الله فوق العرش بذاته، وهو مع الخلق بذاته، فهؤلاء أثبتوا العلو، وأثبتوا نقيضه، فجعلوه سبحانه وتعالى بذاته فوق العرش، وبذاته في كل مكان، والفرق بين هذا القول والذي قبله أن الذي قبله لم يصرحوا بأنه فوق كل شيء، وسيأتي مزيد بيان لهذه الصفة إن شاء الله تعالى في كلام الشيخ.

وهذه الصفة مرتبطة بصفة المعية؛ ولذلك إذا ذكر العلو ذكر معه معية الله عز وجل في كلام أهل العلم، وذلك لأن من الناس من توهم أن علوه سبحانه وتعالى ينافي معيته، وأنه لا يمكن أن يكون عالياً على كل شيء وهو معهم، وظنوا أن المعية تنافي العلو، وما ذاك إلا لأنهم قاسوا الله عز وجل على ما يعرفونه من أحوال الخلق، ولم يفهموا ما أخبر الله سبحانه وتعالى عن نفسه.

وقد أجمع أهل العلم على أن من نفى علو الله عز وجل على خلقه فهو كافر، وذلك لتوافر الأدلة في الكتاب والسنة مع الإجماع والعقل والفطرة على وصف الله عز وجل بهذه الصفة، والعلو الذي وقع الخلاف فيه بين أهل السنة وغيرهم هو علو الذات، أما علو القدر وعلو القهر فإنه ثابت له سبحانه وتعالى، ولم يخالف فيه أهل الكلام المخالفون لأهل السنة والجماعة في باب الصفات، فيثبتون علو القدر وعلو القهر، وهم يؤولون العلو الثابت له بهذين، فعلو القدر وعلو القهر يجعلونه المراد في كل موضع وصف الله عز وجل فيه نفسه بالعلو.

الآيات الواردة في إثبات العلو

قال في ذكر آيات العلو: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55]، وقوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158] والرفع: يقتضي العلو، وقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] والإصعاد والرفع دليل على علوه سبحانه وتعالى، وقوله: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ [غافر:36] في قول فرعون: أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً [غافر:37] وهذا فيه دليل على ما ذكرنا أن الفطر مجبولة على طلب العلو فيما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ولذلك فرعون موسى لم يطلبه لا يميناً ولا يساراً ولا نقب في الأرض، إنما قال لوزيره: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى [غافر:36-37]، وهذا مما يدل على أن العلو هو الذي جاءت به كل الرسل، وأن صفة العلو جاءت في كلام كل من أرسلهم الله عز وجل.

وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] في الآيتين، فقوله: (من في السماء) أي: على السماء، هذا إذا كانت السماء المراد بها السبع الطباق، وأما إذا أريد بالسماء العلو فليست بمعنى (على) يعني: أنه سبحانه وتعالى في العلو، فهو عال على كل شيء سبحانه وتعالى، عال على خلقه بائن منهم سبحانه وتعالى.

وعلى هذا تكون السماء اسم جنس للعالي، فقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] إن كانت السماء هي السماء المبنية فقوله: (في) المراد به على، وإن كان المراد بالسماء جهة العلو أي: اسم جنس للعالي فالمراد أنه سبحانه وتعالى في العلو.

وهذه الأدلة شيء يسير مما ذكره الله عز وجل في كتابه مما يدل على علوه، وإلا فالآيات الدالة على العلو أكثر من أن تحصر، وقد أطال ابن القيم رحمه الله في ذكر الأدلة على علوه في النونية إطالة بينة، يقف عليها من يطالع هذه المنظومة.

المهم أن علو الله سبحانه وتعالى ثابت بأدلة كثيرة لا يمكن حصرها، ولا يمكن رد مدلولها، ولذلك هم يؤولون هذا كله بعلو القهر وعلو القدر.

هذه الآيات كلها في إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى، وقد تقدم في المقطع السابق آيات تثبت صفة الاستواء لله عز وجل، وقلنا: إن الاستواء علو خاص، فبعد أن ذكر الأدلة الدالة على علو الله عز وجل الخاص انتقل إلى ذكر الأدلة على ثبوت العلو العام لله سبحانه وتعالى، وهو العلو الثابت له على كل شيء، فالله جل وعلا عالٍ على كل شيء كما دلت على ذلك الأدلة.

واعلم أن العلو الذي يثبته أهل السنة والجماعة للرب سبحانه وتعالى ثلاثة أنواع: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات.

أما علو القدر فله المثل الأعلى جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل:60]، وكما قال: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى [الروم:27]، وكما قال: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180] أي: البالغة في الحسن منتهاه، فهذا علو القدر.

وأما علو القهر فذلك في آيات كثيرة، ومنها قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18].

وأما علو الذات فذلك الذي دل عليه الكتاب بالآيات التي سمعناها، وجاء في السنة في أحاديث كثيرة سيأتي شيء منها، وأجمع عليه سلف الأمة، ودل عليه العقل، واقتضته الفطرة، واتفق عليه الناس أجمعون، مسلمهم وكافرهم، فإن علو الله عز وجل مستقر في فطر بني آدم، فما قال قائل قط: يا الله! إلا ووجد من قلبه طلب العلو، وهذا من الأدلة الفطرية التي لا يملك أحد ردها، وهذا مما يتفق عليه أهل الإسلام وأهل الكفر، وذلك أن العلو صفة كمال لائقة بالرب جل وعلا، وقد تقدم لنا قول الشيخ رحمه الله: إن العلو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية، وذلك لتنوع أدلته وكثرتها في الكتاب والسنة، حتى إن الإنسان ليقطع قطعاً لا ريب فيه ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى ذلك إلى أمته، وأن الله عالٍ على كل شيء، وهو فوق كل شيء سبحانه وتعالى، وسيأتي إن شاء الله تعالى في كلام الشيخ تقريره للعلو فيما ذكره من الصفات التي ركز عليها في بيانها كالعلو، والمعية، والكلام، والرؤية.

وقد ضل في هذه الصفة طوائف منها: الجهمية المعطلة الذين قالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، وهذا منهم وصف لله عز وجل بالعدم؛ ولذلك لما قيل لأحد الأمراء هذا الوصف قال: فرق لنا بين هذا الرب الذي تصفه وبين العدم؟ فلم يملك جواباً؛ وذلك لأن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا على العدم، فهي صفات سلبية محضة، لا تفيد ثبوتاً ولا كمالاً، وهذا هو مذهب الجهمية المعطلة، وهو قول كثير من المعتزلة.

الطائفة الثانية التي ضلت في هذا: هم الذين قالوا: إن الله في كل مكان، وهو قول الجهمية الحلولية، وقول غالب المتصوفة، فيعتقدون أن الله عز وجل في كل مكان، ولا شك أن هذا كفر، فهم يعتقدون وجوده سبحانه وتعالى في الحشوش والأماكن القذرة، وفي أمعاء الكلاب والخنازير، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً! وقد دلت الأدلة على بطلان قولهم، وأنهم قد افتروا على الله كذباً.

القسم الثالث ممن ضلوا في هذه الصفة: هم الذين قالوا: إن الله فوق العرش بذاته، وهو مع الخلق بذاته، فهؤلاء أثبتوا العلو، وأثبتوا نقيضه، فجعلوه سبحانه وتعالى بذاته فوق العرش، وبذاته في كل مكان، والفرق بين هذا القول والذي قبله أن الذي قبله لم يصرحوا بأنه فوق كل شيء، وسيأتي مزيد بيان لهذه الصفة إن شاء الله تعالى في كلام الشيخ.

وهذه الصفة مرتبطة بصفة المعية؛ ولذلك إذا ذكر العلو ذكر معه معية الله عز وجل في كلام أهل العلم، وذلك لأن من الناس من توهم أن علوه سبحانه وتعالى ينافي معيته، وأنه لا يمكن أن يكون عالياً على كل شيء وهو معهم، وظنوا أن المعية تنافي العلو، وما ذاك إلا لأنهم قاسوا الله عز وجل على ما يعرفونه من أحوال الخلق، ولم يفهموا ما أخبر الله سبحانه وتعالى عن نفسه.

وقد أجمع أهل العلم على أن من نفى علو الله عز وجل على خلقه فهو كافر، وذلك لتوافر الأدلة في الكتاب والسنة مع الإجماع والعقل والفطرة على وصف الله عز وجل بهذه الصفة، والعلو الذي وقع الخلاف فيه بين أهل السنة وغيرهم هو علو الذات، أما علو القدر وعلو القهر فإنه ثابت له سبحانه وتعالى، ولم يخالف فيه أهل الكلام المخالفون لأهل السنة والجماعة في باب الصفات، فيثبتون علو القدر وعلو القهر، وهم يؤولون العلو الثابت له بهذين، فعلو القدر وعلو القهر يجعلونه المراد في كل موضع وصف الله عز وجل فيه نفسه بالعلو.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الواسطية [16] 2360 استماع
شرح العقيدة الواسطية [3] 2197 استماع
شرح العقيدة الواسطية [21] 2140 استماع
شرح العقيدة الواسطية [6] 1994 استماع
شرح العقيدة الواسطية [25] 1912 استماع
شرح العقيدة الواسطية [2] 1904 استماع
شرح العقيدة الواسطية [18] 1868 استماع
شرح العقيدة الواسطية [12] 1849 استماع
شرح العقيدة الواسطية [24] 1824 استماع
شرح العقيدة الواسطية [19] 1746 استماع