أرشيف المقالات

عذرا لبنان.... فما عدنا نقدر على صياغة بيان - محمد الأحمري

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .

جاءنا جهاد الخازن لا يملك إلا الحزن، ومعزياً من لبنان في المروءة والشهامة العربية، كتب ولعله يخاطب أحد الذين أمّل فيه يوما أن يحمي حمانا:
بعد كنّا معاوزينك
للشدايد شايلينك
كنت مشكى الضيم فينا سبع رابض في عرينك
حيف [كيف] يا حامي حمانا
السيف يسقط من يمينك؟ إنه ذاك المنادى الذي توقع منه خيراً فرآه يسقط، بل ويسقط من يده حتى سيف الكلام!! منذ زمن كنا نبكي على عهد بيانات الشجب، واليوم نبكي من بيانات الخنوع، والانصياع لرغبات إسرائيل، ونبكي على المروءة، وعلى الشعور الإنساني، أما الروح الإسلامية فقد أصبحت محرمة، والحديث عنها مكروه، لأنها تسمى أيديولوجية وتطرفاً وإرهابا!! والحمية والوحدة الإسلامية أصبحت (موضة) قديمة، ولم نعد نأمل في شهامة ولا حمية، ولا حق لأهل أسير عربي أو مسلم في استعادته إن كان بيد الإرهاب المقدس، ولأن إطلاق الأسرى أصبح "مغامرات غير محسوبة". إننا نأسف شديد الأسف من بيانات مخجلة وغريبة، وغاية في التجاهل للمشاعر الإنسانية، يموت اللبنانيون تحت قنابل النازية الصهيونية، فيستنكر المصدر المجهول على الضحية موته، ويجرؤ على القول في جنازة أخيه: "مغامرة غير محسوبة". أهكذا جادت قرائحكم، بلوم أخيكم، وإسلام أهلكم، وبينما نساؤكم وأطفالكم القتلى على رؤوس قبورهم؟؟ خدعوكم -والله- بشعار التعقّل والحنكة، وقالوا إن التبعية للصهيونية حكمة وسياسة وبراعة ودهاء وتقدير للموقف، خدعوكم بكلمات من مثل: "الوعي والحصافة، والحكمة"، ألم تعلموا أن كل جبان حكيم!! كم نأسف لشفاه وصحف وقنوات تهرف ضد المروءة، وضد الإنسان، وضد العقل وضد الكرامة، وتمجد تلك الشفاه كل خطل ما دام وراءه غنيمة، ورضاء للعدو، وهناك شفاه ستمجد كل بيان بأي محتوى، وستغرق في تزكية كل قول قيل وإن كان وراءه مصدر مجهول أو غير مسؤول، ما دام يضمن لها في كل عرس قرصاً!! كيف بلغ بنا الحال أن يشتم العربي أخاه المغدور به في جنازته، ويتهم القتيل المعتدى عليه بأن مغامراته غير محسوبة!!
ولماذا أصبح لبنان وقتلاه ودماره كله من شماله إلى جنوبه "حزب الله"؟ إنه المنطق التافه الذي قيل يوماً بلا حياء ولا مروءة عن العراق: "شعب نصفه بعث ونصفه شيعة"، دعوه فلا علاقة لكم به!! أما آن لكم أن تعلموا أن هذه الانعزالية المفروضة عليكم فيها نهايتكم بلا باكٍ ولا معين؟
ولهذا فستتركون يوما مصدر حياتكم وتقولون نصفه شيعة ونصفه...
قائمة التنازل لا حد لها ولا خلاق. هذا المصاب أو القتيل أرضه محتله، وأسراه في السجون، وأطفاله مقتولون، وبلاده مدمرة، والحرب قائمة معلنة لم تقف، فأصبحت حربه في أعينكم تهورا وأسره لعدو إرهابي محارب "اختطافاً" وأعماله غير مسئولة، وأنتم أيها المسئولون العقلاء ماذا صنعتم؟ غزة المحتلة المقهورة محاصرة، وتموت ببطء، وقد نفذت فيها كل الأساليب التدميرية النازية، وقد استشاروكم وحدثوكم وصرخوا في كل أطرافكم، فماذا فعلتم تركتموهم يموتون جوعا وقهرا وعلى المعابر وتحت الإرهاب النازي، وتفرحون بكل نقيصة تصيبهم، لأنهم اختاروا الإسلام، ولم يختاروا الاستسلام. وأنت أيها الثور الأسود متى ستعلم أنك على الطريق، وأنك سوف تبتلع في صمت القبور؟
كيف لا تضع في الطريق إليك كل عائق لعدوك حتى لا يصل إليك؟ سني أو شيعي، إسلامي أو قومي أو بعثي إنسي أو جني؟ ألست ترى أن إيران تضع دولاً وشعوباً وأدياناً وسنة وشيعة، تتقي بهم في كل مكان؟
في إيران وواشنطن كأن الحرب في الضواحي؟
أما الحرب فكأنها بعيدة عنهم، في زمبابوي! متى كان أمن الدول فقط في داخل وأعماق وأواسط بلادها؟
أمن الوطن في خارجه، ومتى وصلوا للحدود فقد انتهى الأمن؟ إنكم كما أشار الخازن تنتظرون دوركم، بل تنتظرون خسارة عظمى، يومها لا تلوموا الشامتين، وكان أولى بكم ألا تصدقوا المنافقين، والذين يزينون كل هوان ودناءة، ويحرمون الشعوب حتى من كتابة بيان!! ولسوف يرقصون على جثثكم وعلى أرضكم وعلى عزتكم، لأنكم سمحتم أو -ربما- سمح أجدادكم بوجود الإسلام أو العروبة أو الكرامة يوماً ما، وتلك جريمة سيحاسبكم عليها المنافقون. تمدون من الآن أعناقكم المستسلمة، وبلادكم الخائفة أو المحتلة، ولو وقف من أبنائكم من يدافع عنكم لأهنتموه، ولقلتم عنه أهوج، ومغامر، ومتطرفاً وإرهابياً، لأن هذه الكلمات مصنوعة هناك، وتقذف في الأفواه الفارغة، وتكون ثقافة لعقول سخيفة، ولهمم ميتة، ولرجولة منقوصة. تفاهة العبارات، والتحذلق بالعقلانية والاتزان هي شرعة الجبناء المفلسين عبر الأمم، ولكن بقية من حياء فقط كان الناس يتمنونها. لم نكن نتوقع منكم إلا مجاملة للمحاصرين وكلمات عزاء في المفقودين، واستنكارا للنازية الإسرائيلية، وتنديداً واستنكاراً للإرهاب المقدس، وللصهيونية الغادرة، لأننا نعلم أن ليس لديهم غير الكلام، ويصدق عليهم قول الأول: "فلستَ بذي سيف ولستَ بنبال". ثم يكمل الخازن نقله ويرد على الذين اتهموا الضحية يوم عزائه، بل في جنازته يتلقطون من يدافع بلسانه عنه ويشمتون بقوله: "الماشين بجنازتي وما بيخجلو". لم أكن أتوقع أن عرباً سيجرؤون على الشماتة جهراً ببلد قتيل، وعرض مستباح، وشقيق محاصر، ودم جار لأخيهم ويتورطوا في سم ناقع من الغباء والكره لأنفسهم، والتواطؤ الغبي ضد مصالحهم هم أنفسهم. لم أكن أتوقع أن يأتي يوم نفرح فيه بالبيان الذي يكتبه الفاتيكان، ونخجل من بيانات يصدرها قوم "نا".
كانت هذه البيانات -وهي كل ما يملك العاجزون- مثار سخرية العالم!!
خاب أملنا ولو في الكلام الرخيص، وحتى القول يسقط من لسانك. هذا قولكم على رؤوس إخوانكم القتلى في جنائزهم، فيا ترى ماذا سيقال عنكم في جنائزكم؟

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن