أخطار تهدد البيوت بالانهيار


الحلقة مفرغة

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا الدرس بعنوان: (أخطار تهدد البيوت بالانهيار)، وهذا الموضوع يتناول عدة قضايا كل منها لها أهمية كبرى، وهي قضية حية وظاهرة بينة في الأسر والبيوت، وسينتظم الحديث في أربع قضايا أو أربع مشكلات وأخطار: اثنتان منها بشرية، واثنتان غير بشرية.

فالأول يتعلق بالعنصر النسائي والمتمثل في المربية والخادمة، والثاني يتعلق بالعنصر الرجالي والمتمثل في السائق أو الخادم، والثالث يتعلق بالهاتف، والرابع يتعلق بالفيديو، وهذا التخصيص أو التنصيص لا يدل على أن هذه هي فقط المشكلات أو الأخطار، ولكن هذه أبرزها, وفي نفس الوقت تندرج تحتها أخطار أخرى، وسر أو غاية الحديث في مثل هذه الأمور أن هناك أخطاراً يقع فيها الناس من حيث لا يشعرون.

وثانياً: أنهم قد يعرفون أن هذه الأمور أخطاء، ولكنهم لا يدركون حجم خطورة آثارها وما يترتب عليها من مشكلات؛ إذ يرون الأمر الكبير سهلاً يسيراً، ولا يلتفتون إلى النتيجة إلا في وقت متأخر، ويفاجئون بأن المقدمات التي استسهلوها وظنوها يسيرة إذا بها تنتهي إلى نتائج كبيرة ووخيمة.

وثالثاً: أن هذه المشكلات –للأسف- لا تخص أصحابها الذين يجهلون بها أو الذين يعرفونها ولا يدركون أخطارها, بل هي بصورة مباشرة أو غير مباشرة تمس الآخرين الذين عندهم نوع من الحرص والإدراك لخطورة هذه المشكلات؛ فإن المجتمع اليوم لم يعد منفصلاً، ولم يعد بالإمكان أن يكون الإنسان بنفسه أو بأسرته قادراً على تأمين جميع جوانب الاحتكاك والاختلاط بالآخرين؛ فإن وسائل الاتصال وإن القضايا الاجتماعية تفرض نفسها أحياناً، وتمس البعيد عنها شاء أم أبى، ومن هنا فإن لهذه القضايا أهميتها الكبرى من هذه الوجوه الثلاثة التي أشرت إليها بإيجاز.

ونبدأ في القضية الأولى، وهي قضية العنصر النسائي في البيوت، والمتعلق بالمربية والخادمة، ولوجود التقارب والتداخل بين المربية والخادمة نتحدث عن الموضوع بغير انفصال، بمعنى: نتحدث عن وجود العنصر النسائي الغريب أو المستخدم في البيوت، وأول ما أشير إليه أن هذه الظاهرة لم تعد قضية محدودة، بل هي في الحقيقة تكاد تكون متجسدة وحاصلة في أغلب الأسر والبيوت، فإن الإحصاءات والدراسات تدل على هذا، فقد نشرت جريدة (المسلمون) في العدد الثالث بعد الثلاثمائة في دراسة إحصائية أن عدد المربيات في دول الخليج يبلغ مليوناً ونصف المليون مربية، ويقصدون بالمربية مسمى المربية التي هي مخصصة لتربية الأطفال، وهي أعم من الخادمة.

وفي دراسة إحصائية أخرى نشرت في مجلة (المجتمع) تقول: إن عدد الخادمات في الكويت يبلغ مائة وثمانين ألف خادمة، ليشكل هذا العدد عشرة في المائة من مجموع السكان، ويعطي معدلاً أن لكل ثلاثة أفراد من مجتمع الكويت خادمة واحدة، ويشكل معدل ثلاث خادمات للأسرة الواحدة!

وعند تعميم هذه الإحصائيات -كما سيأتي في بعض الدراسات أثناء الحديث- سنجد أن القضية بحجمها الكبير في الحقيقة تثير الرعب حتى في مجالات أخرى؛ إذ إن بعض دول الخليج أيضاً في دراستها الإحصائية ذكرت أن المستخدمين مع المستخدمات مع العاملين يزيدون بنسبة لا بأس بها، أي: تزيد نسبتهم عن عدد السكان الأصليين بنسبة مئوية لا بأس بها، فيصبح أهل البلد أو أهل المجتمع الذين من المتوقع أنهم في غالبهم تجمعهم ديانة الإسلام في هذه الجزيرة ولغة العرب والحرص على الأحكام الشرعية يصبحون أقلية في مجموع هذه الأخلاط التي سيأتي ذكر جنسياتها ولغاتها ودياناتها المختلفة!

فإذاً القضية ذات حجم كبير، وذات أثر خطير لما يترتب عليها من هذه الجوانب.

في قضية الخادمات نتعرض أولاً إلى أسباب استخدام الخادمات، ولماذا الخادمات في البيوت؟

ثانياً: المخاطر المترتبة على ذلك في الناحية العقدية، ثم في الناحية الأخلاقية, ثم في الناحية الثقافية والتربية الأسرية, والنقطة التي تلي هذه المخاطر المتعلقة بالمجتمع.

إن الأسباب مبنية أو مستخلصة من الدارسات الميدانية الاجتماعية التي نفذت بصورة رسائل علمية أو التي كانت - أيضاً- بتكليفات رسمية؛ فإن مكتب التربية لدول الخليج العربي وكثير من الصحف والمجلات والجامعات تستشعر أو استشعرت أهمية هذه القضية، فكلفت بدراسات, ومن ذلك أن مكتب التربية كلف كل دولة من الدول بإجراء دراسة ميدانية إحصائية, ثم جمعت هذه الدراسات من جميع الدول، وجعل لها نوع من الجمع والتصنيف، بحيث تعطي صورة متكاملة للظاهرة في دول الخليج العربي.

الترف

أول الأسباب -وهذه الأولية ليست أولية نسبة، وإنما أول سبب نذكره- هو الترف، وزيادة الرفاهية, وارتفاع مستوى المعيشة؛ فإنه معلوم أن المجتمع الخليجي بحكم البترول والطفرة التي يُعلم ما كان من شأنها واشتدادها خاصة في بداية التسعينات الهجرية أدت إلى حصول نوع من الارتفاع في مستوى المعيشة، والحرص على إبداء كل مظهر من مظاهر الترف والتنعم والترهل والاستمتاع بكل أسباب الراحة المتوهمة عند أصحابها, والذي يلاحظ هذه الظاهرة أو يريد أن يتأكد منها فإنه يجد أن القضية ليست فقط محصورة في طبقة الأغنياء، بل لما صار ارتفاع مستوى المعيشة يعم معظم القطاعات أو كثيراً من الأسر في هذه المجتمعات أصبحت هذه الظاهرة موجودة حتى في القرى والمدن الصغيرة، وأضرب لذلك أمثلة واقعية: ففي مدينة خليصة -على بعد ثمانين كيلو متر من جدة- وهي بلدة صغيرة ربما تسمى (بليدة) ولك أن تسميها تجوزاً مقارنة بالمدن الكبيرة قرية, لكن يفاجأ الإنسان حين يعرف أن هذا المجتمع الصغير الذي ربما ليس فيه مظاهر المدنية الكبرى التي تتضح في المدن يفاجأ بأن أكثر من ثمانين أو تسعين في المائة من البيوت فيها خادمات, بل إن كثيراً من الأسر عندها خادمتان.

هذه الصورة أيضاً تجدها في كثير من القرى والهجر، حتى إن القضية أصبحت مسألة داخلة ضمن الاحتياجات والمصاريف المعتادة.

الانفتاح والاتصال بالمجتمعات الأخرى

السبب الثاني: الانفتاح والاتصال بالمجتمعات الأخرى، ونشوء مفاهيم مغلوطة ربما ساعد عليها المستوى التعليمي الثانوي والجامعي وما فوق ذلك, وأصبحت هناك أفكار من خلال الانفتاح على المجتمعات الغربية على وجه الخصوص التي عندها دور الحضانة, واستئجار المربيات, والحرص على الخادمات، وكذلك المجتمعات المتمسلمة في كثير من الديار الإسلامية التي لا تطبق شرع الله سبحانه وتعالى، والتي فيها كثير من الانحرافات.

وأيضاً قررت هذه المسألة كقضية اجتماعية عادية، بل ربما تصور على أنها أمر لازم وحتم لا مفر منه, واتصال المجتمعات ببعضها جعل هذه القضية أيضاً أسهل وأقرب وأدعى لتصور الحاجة إليها والافتقار إليها من الأمر الحقيقي الذي هي عليه, بمعنى أن هناك تضخيماً لمسألة الحاجة إلى الخادمة أكثر من الحقيقة، وذلك من خلال الانفتاح والاتصال, وكذلك أحياناً مستوى الجامعيات والأمهات اللاتي يتلقين تعليماً عالياً ترى إحداهن أنه ليس من المعقول أن تكون حاملة لشهادة الماجستير ثم تقوم بأعمال الطبخ أو الكنس، بل لابد أن تكون حياتها متناسقة ومتناسبة مع هذا المستوى, فلابد إذاً من أن تترفع عن هذه الأعمال, وإذا ترفعت عن عنها فلابد من أن يقوم بها أحد غيرها أو أن تتولى ذلك الخادمة.

الاتكالية والكسل

السبب الثالث: التربية الاتكالية التكاثرية التكاسلية في المجتمع، والناشئة عن الأمرين السابقين، والتي تولد احتقار العمل اليدوي وممارسة المهن المنزلية, فإن التربية التي تولد من خلال هذه البيئة تنتج مثل هذا الاحتقار، فتجد أن المرأة تأتي من بيئة عندها خدم وحشم, فهي أصلاً متربية تربية فيها اتكالية واعتماد على الغير، وفيها تكاسل وعدم رغبة في العمل أو القيام بالواجب مطلقاً، فهذه النفسية هي التي تستدعي الحصول على الخادمة، وليست الحاجة الحقيقية، حتى إن الإنسان يجد بعض الأسر تشترط على الزوج قبل زواجه أن يوفر الخادمة؛ لأن ابنتهم لا تستطيع أن تتعب أو أن ترهق أو أن تقطع يدها في أثناء عمل المطبخ.

وهذه الصورة نشأت في المجتمع حتى –للأسف- في الشباب، وليس فقط في الفتيات، فتجد أنه بحكم التربية الضعيفة الهزيلة لا يعتمد على نفسه، ولا ينطلق في العمل، ولا يأخذ الحياة بجد، بل هو دائماً في كسل وخور، ويحتاج دائماً إلى من يقوم عنه بالمهمات، ومن يؤدي عنه الواجبات.

محاكاة الآخرين

السبب الرابع -وهو من أخطر الأسباب-: المحاكاة الزائفة للآخرين، والمظاهر الاجتماعية الكاذبة، فكما أنه لابد من أن يكون ديكور المنزل جميلاً، وأن يكون في الصالون النجف كذلك لابد من أن يكون في البيت الخادمة، حيث أصبحت عبارة عن مظهر تماماً مثل بقية أجزاء الديكور ولو لم تكن هناك حاجة، فلماذا يكون عند فلانة خادمة وفلانة ليس عندها خادمة؟! أو الأسرة تقول: لماذا آل فلان عندهم خادمتان ونحن ليس عندنا أي خادمة؟! فلابد من إكمال هذه الصورة.

وهناك دراسات تدل على أن هذا السبب يحظى بنسبة عالية في مسألة الاستعانة بالخادمات، فهناك دراسة من هذه الدراسات في دول الخليج تدل على أن استقدام الخادمات مرادف للوجاهة الاجتماعية، ولا يرتبط باضطرار المرأة إلى العمل خارج المنزل، أي: ليس السبب هو أن المرأة تعمل، بل لمجرد الوجاهة الاجتماعية، بل إن بعض الاستفتاءات دلت على أن أربعين في المائة من أولياء أمور الأسر جعلوا الخادمة سبباً من أسباب ظهور الأسرة بمظهر لائق، فهذا رب الأسرة هو الذي يأتي بالخادمة، وليس هو الذي يحتاج إليها؛ لأنه ليس هو المناطة به أعمال المنزل حتى نقول: هو يحتاج إليها. بل هو المستغني، ولو قيل: إن هذه النسبة في النساء أو في ربات البيوت لكانت معقولة، لكن النسبة في الرجال الذين يقولون: إن وجود الخادمة ‏سبب من أسباب الظهور بمظهر لائق للأسرة. وهذه مسألة -للأسف- أصيلة في كثير من البيئات والمجتمعات، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة.

الانشغال بالمظاهر الفارغة

السبب الخامس: الانشغال الفارغ بالمظاهر والعادات الاجتماعية، فإن المرأة تقول: إنها مشغولة. وليس عندها عمل، لكنها مشغولة بالزيارات، وبالاتصالات الهاتفية التي تمتد إلى الساعات، وبالذهاب إلى مشغل الخياطة، وبالاعتناء ببرامج التخفيف، وبحضور الأعراس، وكلما تزوجت واحدة أو ماتت واحدة أو ولدت واحدة في شرق الأرض أو غربها لابد من أن تذهب لزيارتها، فإذاً هي مشغولة, وبالتالي لابد من أن يكون هناك من يقوم بالعمل بدلاً عنها، بينما حقيقة هذه المشاغل كلها مشاغل فارغة لا يمكن أن تزاحم المهمة الأولى للمرأة في بيتها في رعاية زوجها وتربية أبنائها وحفظ بيتها، وهذه الناحية الاجتماعية والمظاهر الاجتماعية تجعل المرأة مشغولة، وتجد بعض النساء تقول: إنها مشغولة لمدة أسبوع أو لمدة شهر متقدم لهذه المواعيد وهذه السخافات التي -للأسف- طغت في بعض صور ومظاهر الأسر والمجتمعات، وأصبحت أولويات لا يمكن التنازل عنها، بل هي التي تكون مقدمة، وغيرها إما أن يصرف، وإما أن يلتمس له تأجيل أو نحو ذلك، أما هذه فلا يمسها التأجيل، ولا يمكن أن يطالها الإلغاء، ولا يمكن أن يكون فيها أية صورة من صور التنازل.

وهذا السبب -أيضاً- يتعلق بالرجال؛ فإن الرجل أيضاً يقول: إنه مشغول. فهو دائم السفر، ودائم الزيارة لأصحابه، ودائم الحضور في المجالس والمقاهي والسمر ولعب الورق وغير ذلك، وعنده المواعيد التي ليس فيها إلا القيل والقال، وبالتالي هو منشغل، وإذا أراد أن يسد الباب على زوجته بعدم تحقيقه للمطالب أحضر السائق وأحضر الخادمة، فإن لم يكفها أتى بثانٍ وثانية، حتى يسكت الجميع ويتفرغ هو لأشغاله المهمة مع أصحابه الفارغين، وهذه المظاهر –للأسف- موجودة في صفوف بعض الرجال.

عمل المرأة خارج المنزل

السبب السادس: عمل المرأة خارج المنزل، حيث إن المرأة تكون موظفة مدرسة أو طبيبة أو نحو ذلك، وسيأتي الحديث عن هذا لاحقاً، وفي بعض الدراسات أثبتت أن ستين وسبعة من عشرة في المائة في بعض العينات سبب إحضار الخادمة فيها هو أن المرأة تعمل ، بينما بعض الدراسات -مثل دراسة أجريت في البحرين- تقول: إن عمل المرأة ليس سبباً أساسياً في وجود الخادمة، بل هو سبب عارض. أي: ليس هو الأساس. وهناك دراسات أخرى في مناطق أخرى تدور على أنه ربما يكون أول وأهم الأسباب.

وجود الظروف الطارئة

السبب السابع: الظروف الطارئة وغير المعتادة، ووجود الحاجة الحقيقية.

وهذه الظروف الطارئة هي مثل مرض المرأة، كأن تمرض الزوجة بحيث لا تستطيع أن تقوم بمهمات المنزل أو تعجز بمرض مقعد أو نحو ذلك، أو لو جود حاجة حقيقية من كثرة الأعمال والأعباء, كأن يكون البيت كبيراً والأولاد كثيرين، والوضع الاجتماعي فيه كثير من الدعوات والمناسبات، ويتردد عندهم أقارب كثيرون ونحو ذلك، أي: وجود حاجة حقيقية يظهر من خلالها أن المرأة لا تستطيع أن تقوم بهذا العبء وحدها، وتحتاج إلى إعانة، وليس نوعاً من الاستبدال الكلي أو الكامل.

ضعف الاهتمام بمراعاة الأحكام الشرعية

السبب الأخير: ضعف الاهتمام بمراعاة الأحكام الشرعية، أو الجهل بها، وقد يأتي أي سبب من الأسباب السابقة، لكن لو كان حريصاً على مراعاة الشرع لفكر في الأضرار الشرعية، ولنظر قائلاً: هل هناك مخالفات شرعية؟ وهل هذا يجوز؟ لكن عدم وجود المراعاة للأحكام الشرعية، وعدم الاحتفاء بها، حتى عدم المعرفة بها -أيضاً- هو من الأسباب التي تجعل الناس يتساهلون ولا يدققون أو يتحرجون أو يمتنعون عن مثل هذا.

فهذه جملة من الأسباب التي تستدعي وجود الخادمة, وبغض النظر عن أي سبب من الأسباب فإننا نناقش هذه الخادمة وقد وجدت في المنزل, ولأي سبب أتت لا يهمنا، لكنها الآن موجودة في المنزل وفي الأسرة، فما هي المخاطر المترتبة على وجود الخادمة أو المربية؟

أول الأسباب -وهذه الأولية ليست أولية نسبة، وإنما أول سبب نذكره- هو الترف، وزيادة الرفاهية, وارتفاع مستوى المعيشة؛ فإنه معلوم أن المجتمع الخليجي بحكم البترول والطفرة التي يُعلم ما كان من شأنها واشتدادها خاصة في بداية التسعينات الهجرية أدت إلى حصول نوع من الارتفاع في مستوى المعيشة، والحرص على إبداء كل مظهر من مظاهر الترف والتنعم والترهل والاستمتاع بكل أسباب الراحة المتوهمة عند أصحابها, والذي يلاحظ هذه الظاهرة أو يريد أن يتأكد منها فإنه يجد أن القضية ليست فقط محصورة في طبقة الأغنياء، بل لما صار ارتفاع مستوى المعيشة يعم معظم القطاعات أو كثيراً من الأسر في هذه المجتمعات أصبحت هذه الظاهرة موجودة حتى في القرى والمدن الصغيرة، وأضرب لذلك أمثلة واقعية: ففي مدينة خليصة -على بعد ثمانين كيلو متر من جدة- وهي بلدة صغيرة ربما تسمى (بليدة) ولك أن تسميها تجوزاً مقارنة بالمدن الكبيرة قرية, لكن يفاجأ الإنسان حين يعرف أن هذا المجتمع الصغير الذي ربما ليس فيه مظاهر المدنية الكبرى التي تتضح في المدن يفاجأ بأن أكثر من ثمانين أو تسعين في المائة من البيوت فيها خادمات, بل إن كثيراً من الأسر عندها خادمتان.

هذه الصورة أيضاً تجدها في كثير من القرى والهجر، حتى إن القضية أصبحت مسألة داخلة ضمن الاحتياجات والمصاريف المعتادة.

السبب الثاني: الانفتاح والاتصال بالمجتمعات الأخرى، ونشوء مفاهيم مغلوطة ربما ساعد عليها المستوى التعليمي الثانوي والجامعي وما فوق ذلك, وأصبحت هناك أفكار من خلال الانفتاح على المجتمعات الغربية على وجه الخصوص التي عندها دور الحضانة, واستئجار المربيات, والحرص على الخادمات، وكذلك المجتمعات المتمسلمة في كثير من الديار الإسلامية التي لا تطبق شرع الله سبحانه وتعالى، والتي فيها كثير من الانحرافات.

وأيضاً قررت هذه المسألة كقضية اجتماعية عادية، بل ربما تصور على أنها أمر لازم وحتم لا مفر منه, واتصال المجتمعات ببعضها جعل هذه القضية أيضاً أسهل وأقرب وأدعى لتصور الحاجة إليها والافتقار إليها من الأمر الحقيقي الذي هي عليه, بمعنى أن هناك تضخيماً لمسألة الحاجة إلى الخادمة أكثر من الحقيقة، وذلك من خلال الانفتاح والاتصال, وكذلك أحياناً مستوى الجامعيات والأمهات اللاتي يتلقين تعليماً عالياً ترى إحداهن أنه ليس من المعقول أن تكون حاملة لشهادة الماجستير ثم تقوم بأعمال الطبخ أو الكنس، بل لابد أن تكون حياتها متناسقة ومتناسبة مع هذا المستوى, فلابد إذاً من أن تترفع عن هذه الأعمال, وإذا ترفعت عن عنها فلابد من أن يقوم بها أحد غيرها أو أن تتولى ذلك الخادمة.

السبب الثالث: التربية الاتكالية التكاثرية التكاسلية في المجتمع، والناشئة عن الأمرين السابقين، والتي تولد احتقار العمل اليدوي وممارسة المهن المنزلية, فإن التربية التي تولد من خلال هذه البيئة تنتج مثل هذا الاحتقار، فتجد أن المرأة تأتي من بيئة عندها خدم وحشم, فهي أصلاً متربية تربية فيها اتكالية واعتماد على الغير، وفيها تكاسل وعدم رغبة في العمل أو القيام بالواجب مطلقاً، فهذه النفسية هي التي تستدعي الحصول على الخادمة، وليست الحاجة الحقيقية، حتى إن الإنسان يجد بعض الأسر تشترط على الزوج قبل زواجه أن يوفر الخادمة؛ لأن ابنتهم لا تستطيع أن تتعب أو أن ترهق أو أن تقطع يدها في أثناء عمل المطبخ.

وهذه الصورة نشأت في المجتمع حتى –للأسف- في الشباب، وليس فقط في الفتيات، فتجد أنه بحكم التربية الضعيفة الهزيلة لا يعتمد على نفسه، ولا ينطلق في العمل، ولا يأخذ الحياة بجد، بل هو دائماً في كسل وخور، ويحتاج دائماً إلى من يقوم عنه بالمهمات، ومن يؤدي عنه الواجبات.

السبب الرابع -وهو من أخطر الأسباب-: المحاكاة الزائفة للآخرين، والمظاهر الاجتماعية الكاذبة، فكما أنه لابد من أن يكون ديكور المنزل جميلاً، وأن يكون في الصالون النجف كذلك لابد من أن يكون في البيت الخادمة، حيث أصبحت عبارة عن مظهر تماماً مثل بقية أجزاء الديكور ولو لم تكن هناك حاجة، فلماذا يكون عند فلانة خادمة وفلانة ليس عندها خادمة؟! أو الأسرة تقول: لماذا آل فلان عندهم خادمتان ونحن ليس عندنا أي خادمة؟! فلابد من إكمال هذه الصورة.

وهناك دراسات تدل على أن هذا السبب يحظى بنسبة عالية في مسألة الاستعانة بالخادمات، فهناك دراسة من هذه الدراسات في دول الخليج تدل على أن استقدام الخادمات مرادف للوجاهة الاجتماعية، ولا يرتبط باضطرار المرأة إلى العمل خارج المنزل، أي: ليس السبب هو أن المرأة تعمل، بل لمجرد الوجاهة الاجتماعية، بل إن بعض الاستفتاءات دلت على أن أربعين في المائة من أولياء أمور الأسر جعلوا الخادمة سبباً من أسباب ظهور الأسرة بمظهر لائق، فهذا رب الأسرة هو الذي يأتي بالخادمة، وليس هو الذي يحتاج إليها؛ لأنه ليس هو المناطة به أعمال المنزل حتى نقول: هو يحتاج إليها. بل هو المستغني، ولو قيل: إن هذه النسبة في النساء أو في ربات البيوت لكانت معقولة، لكن النسبة في الرجال الذين يقولون: إن وجود الخادمة ‏سبب من أسباب الظهور بمظهر لائق للأسرة. وهذه مسألة -للأسف- أصيلة في كثير من البيئات والمجتمعات، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة.

السبب الخامس: الانشغال الفارغ بالمظاهر والعادات الاجتماعية، فإن المرأة تقول: إنها مشغولة. وليس عندها عمل، لكنها مشغولة بالزيارات، وبالاتصالات الهاتفية التي تمتد إلى الساعات، وبالذهاب إلى مشغل الخياطة، وبالاعتناء ببرامج التخفيف، وبحضور الأعراس، وكلما تزوجت واحدة أو ماتت واحدة أو ولدت واحدة في شرق الأرض أو غربها لابد من أن تذهب لزيارتها، فإذاً هي مشغولة, وبالتالي لابد من أن يكون هناك من يقوم بالعمل بدلاً عنها، بينما حقيقة هذه المشاغل كلها مشاغل فارغة لا يمكن أن تزاحم المهمة الأولى للمرأة في بيتها في رعاية زوجها وتربية أبنائها وحفظ بيتها، وهذه الناحية الاجتماعية والمظاهر الاجتماعية تجعل المرأة مشغولة، وتجد بعض النساء تقول: إنها مشغولة لمدة أسبوع أو لمدة شهر متقدم لهذه المواعيد وهذه السخافات التي -للأسف- طغت في بعض صور ومظاهر الأسر والمجتمعات، وأصبحت أولويات لا يمكن التنازل عنها، بل هي التي تكون مقدمة، وغيرها إما أن يصرف، وإما أن يلتمس له تأجيل أو نحو ذلك، أما هذه فلا يمسها التأجيل، ولا يمكن أن يطالها الإلغاء، ولا يمكن أن يكون فيها أية صورة من صور التنازل.

وهذا السبب -أيضاً- يتعلق بالرجال؛ فإن الرجل أيضاً يقول: إنه مشغول. فهو دائم السفر، ودائم الزيارة لأصحابه، ودائم الحضور في المجالس والمقاهي والسمر ولعب الورق وغير ذلك، وعنده المواعيد التي ليس فيها إلا القيل والقال، وبالتالي هو منشغل، وإذا أراد أن يسد الباب على زوجته بعدم تحقيقه للمطالب أحضر السائق وأحضر الخادمة، فإن لم يكفها أتى بثانٍ وثانية، حتى يسكت الجميع ويتفرغ هو لأشغاله المهمة مع أصحابه الفارغين، وهذه المظاهر –للأسف- موجودة في صفوف بعض الرجال.