خطب ومحاضرات
الغنائم أيها النائم
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، نحمده سبحانه وتعالى هو أهل الحمد والثناء، حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه وإنعامه، وينيلنا رحمته ورضوانه، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد صادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم وسار على نهجم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد:
فعنوان هذا الدرس: (الغنائم أيها النائم)، وبمجرد إطلاق هذا العنوان لا شك أن الخواطر تدور فيها الأسئلة عن هذه الغنائم وما عسى أن تكون، وعن هذا النائم ومن عسى أن يكون؟ وليس في الموضوع صعوبة أو غرابة، وإنما أردت أن يكون في هذا العنوان ما يلفت النظر، ويسترعي الانتباه، ويشد العقول والأذهان؛ علَّ الله عز وجل أن يحقق ما نصبو إليه من موعظة وتذكرة تتعلق بهذا الموضوع المهم.
وأبدأ الموضوع بمثال لعله أن يكون توطئة وتقريباً لما يأتي من هذا الموضوع:
لو أن إنساناً كان يغط في نومه وقد استغرق في النوم استغراقاً عميقاً، كما هو حال كثير من الناس، وقد علا شخيره، وتمكن منه النوم تمكناً كاملاً، ثم جاءه من أهل بيته أو من أصدقائه من يوقظه على عجل، ويدعوه مباشرة إلى أن يقوم ليأخذ حظاً من أموال توزع أو غنائم تهدى أو شيء من ذلك، فإنه في الغالب ينتبه ويسارع ويبادر، وربما مع مبادرته يكون مرتبكاً وغير مستوعب لما يقال له، وكذلك ربما كان النوم قد تمكن منه فلم يلتفت إلى هذه الدعوة التي فيها مصلحة وفائدة أو فيها غنيمة باردة ليس فيها عناء ولا تعب، لكن لو أن هذا الإنسان لم يكن نائماً، وإنما كان مستيقظاً، وقلنا له: في هذه الليلة في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل نريد منك أن تستيقظ، وأن تأتي لنعطيك من المال أو من الجواهر أو من الذهب شيئاً ما. فهل تراه عندما ينام -إذا نام- سيستغرق في نومه؟ وإذا استغرق في نومه هل سيحتاط لاستيقاظه؟ أو ربما يفكر تفكيراً عملياً وتفكيراً استثمارياً فيقول: وما الذي سيحصل إذا لم أنم هذه الليلة؟ وسيرابط ويجاهد نفسه على أن لا تغفو عينه وأن لا ينام حتى يأتي الوقت المضروب والموعد المحدد وهو مستيقظ، فيمد يده إلى من يعطيه فيأخذ.
فلو أردنا أن نحدد هذا المثال فإننا نكاد نجزم بأن الوعد نصر كان ممن يعرف بوفاء وعده وصدق قوله وقدرته على مطابقة فعله لقوله، فإن المردود العملي سيكون أنّ هذا الذي أُخبر بهذا الوعد سوف يكون مستيقظاً متأهباً مستعداً عند الوقت المحدد ليأخذ هذه الغنيمة أو الأموال الجزيلة، فإذا جئنا له بعد أن جرب في المرة الأولى واستيقظ في الوقت وأخذ ما أخذ مما قد يشقى لأجله غيره ولا يأخذ عشر معشاره ولا جزءاً يسيراً منه وقلنا له: في كل يوم عند الساعة الثانية والنصف ستستلم -على سبيل المثال- خمسة آلاف ريال فثق تماماً أنه سيلغي وظيفته، وينام في النهار، ويستيقظ في الليل، وسيسعى بكل ما يستطيع وبكل وسيلة من الوسائل حتى لا يتخلف عن هذا الموعد؛ لئلا تفوته هذه الغنيمة الجزيلة العظيمة.
ولو تصورنا أنه أخذ هذه الأموال ليلة بعد ليلة، ثم في يوم من الأيام أخذته عينه ونام، فاستيقظ بعد فوات الوقت، ولم يحصل على المخصص الموعود في كل ليلة، فما عسى أن يكون؟ لا شك أنه سيتحسر ويندم، وربما لو كان من أهل الحب لهذه الأموال لبكى واستعبر، وربما شكا وعلا صوته بالشكوى.
وهكذا لو أردنا أن نسترسل في هذا المثال لطال بنا الوقت، فالمهم هو أن النائم تظهر له حاسية إضافية إذا كان هناك أمر مهم أو نافع له يرتبط بموعد يتعارض مع نومه، وهذا أمر محسوس، فالمسافر الذي وقت سفره بعد منتصف الليل لا شك أنه يتأهب ويستعد، ولو نام لكان نومه خفيفاً، ولو نام واستغرق لكان انتباهه لمن يوقظه عظيماً، وهكذا في كل أمر من الأمور الحياتية التي يشهدها الناس كارتباطهم بأوقات العمل المبكر ونحو ذلك من الأمور.
إن ذلك النائم –في الغالب- نعتقد أنه لا يفوت الغنائم، ولو كانت على حساب قليل من الراحة أو شيء من النوم، ونحن نقول: إن هناك غنائم أعظم، وإن هناك جوائز أكبر، وإن هناك مواصلة واستمراراً لهذه الغنائم، ولكن ذلك النائم هل ينتبه؟ وهل يستيقظ ويهتم ويعتني كما اعتنى في هذا الجانب وهذا المثال الذي ذكرناه؟ هذا هو الذي نأمله ونرجوه للنائم عن صلاة الفجر المضيع لغنائم الأجر.
ولا شك أن هذا الموضوع عندما نطرقه ونذكره قد يقول القائل: ما الجديد فيه؟ وما الذي سيقال عنه؟ وهل ثمة من لا يعرف عظمة الأجر في صلاة الفجر؟ وهل ثمة من يحتاج إلى التنبيه والتذكير في هذا؟ أو بصورة أدق: هل ثمة نفع يرجى من هذا التذكير والتنبيه؟
وأقول: لعل ما سيذكر في هذه الموعظة أحسب أنه بجمعه وتتابعه سيوقظ هذا النائم، ولعله أن يجعل اهتمامه أعظم ممن ضربنا به المثال، ولو أدى به الحال إلى أن يسهر ليله أو أن يجتهد بكل أنواع الاجتهاد لئلا تفوته هذه الغنائم.
وأحب أن نبدأ مباشرة في ذكر هذه الغنائم دون عناية بترتيب أو تدرج في ذكرها؛ لأنا نريد أن نبين أنها كلها من كل وجه من الوجوه فيها أجر وثواب وفضل، وأثر دنيوي وأخروي، ومصلحة عملية، ونواحٍ نفسية وتربوية بلكل وجه من الوجوه، ثم بعد ذلك نعقب بمعالم رئيسة تتعلق بهذه الغنائم والفوائد والتشريعات في هذا الدين العظيم دين الإسلام، وسنمر بعد ذلك ببعض الأوهام والشبهات، وبعد ذلك أيضاً ببعض الأسباب والمسببات، ثم ببعض المقترحات والعلاجات؛ علَّ الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا جميعاً بأن نحوز هذا الفضل، ونغتنم ذلك الأجر.
الطهارة المعنوية
وهذه الغنائم سأذكرها -كما قلت- بلا ترتيب ولا تبويب؛ لأن كلاً منها لها ومضة ولها فضل وأجر، ولها تعلق إيماني بقلب المسلم الذي يتفكر في أمر الله ويتذكر الآخرة بإذن الله عز وجل.
شهادة الملائكة
قال الألوسي في تفسيره معلقاً على قوله جل وعلا في قرآن الفجر: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] قال: أخرج النسائي وابن ماجة والترمذي والحاكم -وصححاه- وجماعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسير هذه الآية: (تشهده- أي: قرآن الفجر- ملائكة الليل وملائكة النهار).
قال الألوسي: وقيل: يشهده الكثير من المصلين في العادة. وقيل: من حقه -أي: هذا القرآن- في صلاة الفجر أن تشهده الجماعة الكثيرة. وقيل: تشهده وتحضر فيه شواهد القدرة. من تبدل الضياء بالظلمة، والانتباه بالنوم الذي هو أخو الموت. وهو احتمال أبداه بعض العلماء، وبسط الكلام فيه، ثم قال: وهذا هو المراد من قوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78].
وكما قال هنا: لا حصر للمدلول؛ لأن هناك أسباباً عديدة يمكن أن تكون من أسباب شهادة هذا القرآن وهذه الصلاة، ولا ينبغي أن يقال ذلك في غيره.
ولا يخفى ما في هذه الجملة من الترغيب والحث على الاعتناء بأمر الفجر؛ لأن العبد في ذلك الوقت مشيع كراماً ومتلقٍ كراماً -أي: الملائكة- فينبغي أن يكون على أحسن حال يتحدث به الراحل، ويرتاح له النازل.
وما أعظم أن تشهد لك ملائكة الرحمن التي جعلها الله سبحانه وتعالى من المخلوقات العابدة المسبحة له سبحانه جل وعلا: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، والذين جعلهم الله سبحانه وتعالى لا يعصونه سبحانه وتعالى أبداً، فهؤلاء الملائكة يأتون بالأعداد العظيمة المتكاثرة وبالآلاف المؤلفة وبما لا يحصيه العد، فيشهدون المؤمنين وهم في صلاة الفجر وهم في صلاة العصر، فكيف يكون حال ذلك النائم الذي تفوته مثل هذه الغنائم؟!
وهذه شهادة عظيمة عند ملك عظيم هو رب الأرباب وملك الملوك سبحانه وتعالى، وانظر كيف يسأل عنك رب العباد سبحانه وتعالى ملائكته، وتشهد ملائكته عنده جل وعلا بشهادة أنك فيها من العابدين ومن المصلين ومن المستيقظين ومن المبادرين ومن المسارعين ومن أصحاب الهمم العالية والمراتب الرفيعة، فهذا لا شك أنه من أعظم هذه الغنائم، كما قال صاحب الظلال في ظلاله: ولهذين الآنين -أي: آن الفجر وآن العصر- خاصيتهما، وهما إدبار الليل وإقبال النهار، ولهما تعلق، ولهما وقعهما العميق في النفس؛ فإن مقدم الليل وزحف الظلام كمطلع النور وانكشاف الظلمة؛ كلاهما يخشع فيه القلب، وكلاهما مجال للتأمل والتفكر في نواميس الكون التي لا تفتر لحظة، ولا تختل مرة، وللقرآن إيقاعه في الحس في مطلع الفجر ونداوته ونسماته الرخية، وهدوئه ونبضه بالحركة وتنفسه بالحياة، فما أجمل أن تكون في هذا الوقت مستيقظاً عابداً تالياً للقرآن ساجداً لله سبحانه وتعالى.
أداء صلاة الفجر سبب من أسباب مغفرة الذنوب
البشارة لمن يخرج إلى المسجد في الظلمات بالنور التام يوم القيامة
ففي حديث أنس رضي الله عنه -ويروى هذا الحديث عن ستة عشر من الصحابة بروايات مختلفة- عند أبي داود والترمذي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، وما أعظم هذه البشارة بهذا النور في الوقت الذي تظلم فيه على الإنسان الظلمة الشديدة والكرب العصيب والهول العظيم، ويلتمس أهل النفاق النور فيضرب بينهم بسور قال الله تعالى عنه: لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13]، فيوم لا يختص بالنور إلا أهل الإيمان يأتي هذا الحديث بشارةً من النبي صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد...) ومن هذه الظلم المشي إلى المساجد في صلاة الفجر، قال صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، إنه نور تام في يوم القيامة، والعبد أحوج ما يكون إلى النور الذي ينور له طريقه ويهديه بإذن الله عز وجل سبيله، ويجعله بإذنه سبحانه وتعالى من أهل الرحمة والمغفرة والرضوان.
فما أعظم هذه الغنيمة التي تأتي وتضيع على ذلك النائم وهو يغط في نومه ويعلو شخيره، وقد وقع به من الغفلة والركون إلى الدعة والراحة ما وقع، فهو أكثر خسارة من ذلك الذي فوت بعض أجر الدنيا أو بعض مالها أو بعض ذهبها وجواهرها، فجعل يعض أصابع الندم، فكم من نائم عن صلاة الفجر ولم يعبأ بها، ولم يكترث لها، ولم يحزن لعدم إتيانه بها، ولم يتندم على عدم صلاته إياها في وقتها! وكم يمر ببعض الناس يوم إثر يوم وهم لا يؤدون الصلاة في وقتها، بل ربما لا يؤدونها بالكلية إلا من رحم الله، نسأل الله عز وجل أن يعصمنا من أن نكون من أولئك الغافلين النائمين.
الحيوية والنشاط في روح مصلي الفجر وبدنه
فمن صلى الفجر في جماعة واستيقظ في ذلك الوقت وتوضأ صرف الله عز وجل عنه عقد الشيطان وما ضرب عليه، فيصبح منشرح الصدر طيب النفس قوي العزم متجدد النشاط، فيه حيوية للعمل والانطلاق والتحرك، وفيه أيضاً أريحية، فتلقاه إذا لقيته يبتسم في وجهك، ويبش لمقدمك، ويهب لمساعدتك، وقد وجد في نفسه من برد الإيمان ومن الاستقامة ومن عظمة ما تلقاه النفس البشرية من أثر العبادة لله عز وجل من عظيم هذه الآثار ما يجعل في انطلاقته في أمر حياته وفي سائر شئونه ما الله سبحانه وتعالى به عليم.
ومن نام عنها فحاله -كما ورد في الحديث-: (أصبح خبيث النفس كسلان) حيث تجد بعض الناس إذا لقيته في الصباح كأنما ركبه الشيطان، فإذا هو مقطب الجبين معبس الوجه، وحين تسلم عليه كأنما قد سببته أو شتمته، وتجده في أموره متعثراً، وتجد بعض القضايا اليسيرة التي تمر به فإذا به يضيق أشد الضيق، وكثيراً ما ترى بعض الناس ممن لا يشهدون الفجر في جماعة دائماً يشتبكون ويتعاركون ويختصمون في أول النهار؛ لأنهم قد حرموا من هذا الأثر لهذه النفس التي تتحرك وتنطلق، ولذلك انظر إلى ما يحصل -وهذا واقع ينبغي أن نربطه بمثل هذا الحديث- عند انطلاق الناس إلى الأعمال وإلى المدارس في الصباح، فكم ترى دائماً من المشاكسات والمعاكسات بالسيارات والاشتباكات بين السائقين!
وذكر بعض الكتاب في هذا كلاماً جيداً فقال: من وقع له مثل هذا فإنه يستقبل يومه بخير، فإذا بزوجته تبش في وجهه، وإذا بأبنائه يستيقظون نشيطين، وإذا به إذا مر بسيارته يجد الإشارة خضراء، وإذا به يذهب إلى عمله فيجد أموره ميسرة، ونحو ذلك، أما غيره فلا يجد مثل هذا.
وللأسف أن بعضاً منا لا يربط مثل هذا الربط، بل بعض الناس يستغربه، بل بعضهم يعترض عليه ويقول: ما دخل هذا بهذا؟ ونقول: إن الفقه الإيماني يجعل للطاعة أثرها المحسوس الملموس، ويجعل للمعصية أثرها المحسوس الملموس، وقد سئل الحسن رضي الله عنه: ما بال أهل الليل على وجوههم النور؟ فقال: خلوا بربهم فألبسهم من نوره.
وهكذا ينبغي أن نوقن أن الطاعة لها أثر في التيسير وفي انشراح الصدر وطمأنينة القلب وسكينة النفس وكل هذه الأمور، فهذا الحديث -أيضاً- شاهد من هذه الشواهد، والشيطان يقول: (عليك ليل طويل فارقد) أي: ما زال في الليل طول. وإذا أذن المؤذن قال: ما زال هناك وقت طويل على الإقامة. فإذا أقيمت الصلاة قال: يمكن أن تدرك الركوع، وهذا الإمام يطول في قراءته وهكذا حتى يذهب الوقت.
أما من لا يستيقظ فذاك نومه أصلاً طويل قد غفل عن طاعة الله عز وجل ونام عن العبادة، نسأل الله عز وجل السلامة.
مصاحبة رعاية الله عز وجل لمصلي الفجر
أداء صلاة الفجر سبب من أسباب دخول الجنة
والبردان -كما ذكر أهل العلم والمحدثون- هما: صلاة الفجر وصلاة العصر. لوقوعهما وقت برد الهواء وطيبه، عندما تكون في نومك تهب عليك نسائم الفجر، وأنت قد نمت بعد تعب وعناء واجتهاد أو عمل، وتأتيك هذه النسائم، وتسمع ذلك النداء: (الصلاة خير من النوم)، فإذا تركت هذا الهواء العليل وهذا البرد الجميل وتلك الراحة اللذيذة والنومة العزيزة، وقمت لله عز وجل لتصلي الفجر فإن الثواب مقطوع به ووعد من النبي عليه الصلاة والسلام: (دخل الجنة).
وحث عليهما لأنهما وقت اجتماع الحفظة، ولأن الصبح وقت التثاقل والكسل من النوم، والعصر وقت انهماك الناس.
أداء صلاة الفجر سبب من أسباب رؤية الله عز وجل يوم القيامة
وفي حديث جرير رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إن إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا. ثم قرأ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا[طه:130]) رواه أصحاب السنن الأربع.
وقوله: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر) التشبيه في صفة الرؤية لا في صفة المرئي. أي: سترونه بوضوح كوضوح رؤيتكم للقمر في ليلة البدر.
وقوله: (لا تضامون في رؤيته) أي: ليس هناك زحام، وليس هناك صراع، بل ترون الله عز وجل رؤية عظيمة هي من أعظم الأجر، وهي كما قال الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى أي: الجنة وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، وهي لذة النظر إلى وجه الله عز وجل.
وحث النبي عليه الصلاة والسلام على نيل هذه الغنيمة العظيمة بقوله: (فإن استطعتم على أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا) والمقصود صلاة الفجر وصلاة العصر، وقرأ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130].
قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة ورفع الأعمال وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازى المحافظ عليهما بأفضل العطايا، وهو النظر إلى الله تعالى.
أداء صلاة الفجر سبب من أسباب البركة والنجاح
وفي رواية عن ابن عمر عند الطبراني في المعجم الكبير بمثل هذا اللفظ أيضاً، وفي بعض رواته اختلاف بين توثيق وتجريح من بعض أهل العلم.
وفي حديث عائشة -وفي سنده ضعف- قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (باكروا طلب الرزق؛ فإن الغدو بركة ونجاح) فالحديث الأول عن جابر صححه أهل العلم وفيه: (اللهم! بارك لأمتي في بكورها) والبكور: أول النهار. ومصلي الفجر هو مقتنص ذلك البكور، وهو الذي ينال هذه البركة، وهذه البركة ينبغي أن نذهب ونبحث في واقعنا لنرى أثرها الملموس، فإن الذي يصلي الفجر ويباشر حياته فلا ينام يجد اتساع الوقت والقدرة على إنجاز الأعمال، إضافة إلى القدرة على الحفظ والاستحضار للمعلومات أو المقروءات، إضافة إلى قوة الاستيعاب والاستنباط؛ لأن العقل في ذلك الوقت يكون أنشط ما يكون بعد راحة الجسد، والقوة الذهنية التي يستأنف بها أول يومه وأول نهاره يبارك له فيها، فكيف إذا كان مع هذا البكور قد سبقه بالطاعة والعبادة لله سبحانه وتعالى؟
صلاة الفجر سبب من أسباب صحة الجسم
لكننا نخص الفجر، فقد ذكر ذلك بعض أهل الطب فقال: أما الفوائد الصحية التي يجنيها الإنسان بيقظة الفجر فهي كثيرة، منها أنه في وقت الفجر تكون أعلى نسبة لغاز الأوزون في الجو عند الفجر، وتقل تدريجياً -وتأمل حكمة التشريع- حتى تضمحل عند طلوع الشمس -أي: بانتهاء وقت الفجر ينتهي هذا الأوزون- ولهذا الغاز تأثير مفيد للجسم، ومنشط للعمل الفكري والعضلي، بحيث يجعل الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر الجميل المسمى بريح الصبا يجد لذة ونشوة لا شبيه لها في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل. ذكر هذا الدكتور عبد الحميد زياد في كتابه (مع الطب في القرآن الكريم).
فإذاً صلاة الفجر -أيضاً- صحة ونشاط وحيوية في أمور واضحة محسوسة، فهذه -كما قلت- بعض هذه الغنائم العظيمة والفوائد الجزيلة التي يفوتها ويضيعها ذلك النائم، وتأمل وتذكر أن هذه الغنائم ليست مرة واحدة في العمر، وليس عليها سحب كما في المسابقات السنوية أو الشهرية، وليس فيها مجال -أيضاً- للتخلف بأن يكون هناك وعد ثم يكون هناك تأخر، كلا، بل هذه غنائم يومية مستمرة ما دامت هذه الحياة الدنيا، وهي مقطوع بها لا يمكن أن تتخلف، ولا أن تتأخر، ولا أن تنقص؛ لأنها من عند الله سبحانه وتعالى، وشواهد الواقع العملي تدل على ذلك، وشواهد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم تدل على ذلك أيضاً.
الغنيمة الأولى: الطهارة المعنوية، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)، رواه الخمسة إلا أبا داود، وهذا الحديث فيه غنيمة الطهارة المعنوية التي يغتسل بها العبد -بإذن الله عز وجل- من ذنوبه وخطاياه، كما ورد في الحديث الصحيح الآخر عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في شأن الوضوء، وأن المؤمن مع قطر الماء أو مع آخر قطر الماء إذا غسل وجهه وإذا غسل يديه وإذا غسل رجليه تتساقط ذنوبه... إلى آخر ما ورد في ذلك الحديث، فهذا المعنى هو من أجل المعاني، سيما في صلاة الفجر التي تأتي عقب نوم الإنسان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، فالنوم مظنة وقوع اليد في مواضع النجاسة، وكذلك النائم قد يكون في عينيه وفي وجهه من أثر النوم ما يحتاج إلى هذه الطهارة الحسية والمعنوية معاً، فينشط ويكون -بإذن الله عز وجل- قد أخذ بشيء من هذه الغنائم العظيمة.
وهذه الغنائم سأذكرها -كما قلت- بلا ترتيب ولا تبويب؛ لأن كلاً منها لها ومضة ولها فضل وأجر، ولها تعلق إيماني بقلب المسلم الذي يتفكر في أمر الله ويتذكر الآخرة بإذن الله عز وجل.
الغنيمة الثانية: الشهادة الملكية، قال الله سبحانه وتعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] وفي حديث أبي هريرة الذي يذكره العلماء في سياق تفسير هذه الآية قال رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم الله وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، فهذه شهادة من ملائكة الرحمن الذين يتنزلون من السماء كل يوم وليلة عند صلاة الفجر وصلاة العصر، فملائكة نازلون وملائكة صاعدون، والنازلون سيسألون، والصاعدون سيسألون عما يفعل عباد الله المؤمنون، ويأتي الجواب لمن كان من المستيقظين لا من النائمين فيقال عنه ويدرج ضمن الشهادة باسمه وبوصفه -والله عز وجل به عليم قبل سؤال ملائكته-: (تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون).
قال الألوسي في تفسيره معلقاً على قوله جل وعلا في قرآن الفجر: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] قال: أخرج النسائي وابن ماجة والترمذي والحاكم -وصححاه- وجماعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسير هذه الآية: (تشهده- أي: قرآن الفجر- ملائكة الليل وملائكة النهار).
قال الألوسي: وقيل: يشهده الكثير من المصلين في العادة. وقيل: من حقه -أي: هذا القرآن- في صلاة الفجر أن تشهده الجماعة الكثيرة. وقيل: تشهده وتحضر فيه شواهد القدرة. من تبدل الضياء بالظلمة، والانتباه بالنوم الذي هو أخو الموت. وهو احتمال أبداه بعض العلماء، وبسط الكلام فيه، ثم قال: وهذا هو المراد من قوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78].
وكما قال هنا: لا حصر للمدلول؛ لأن هناك أسباباً عديدة يمكن أن تكون من أسباب شهادة هذا القرآن وهذه الصلاة، ولا ينبغي أن يقال ذلك في غيره.
ولا يخفى ما في هذه الجملة من الترغيب والحث على الاعتناء بأمر الفجر؛ لأن العبد في ذلك الوقت مشيع كراماً ومتلقٍ كراماً -أي: الملائكة- فينبغي أن يكون على أحسن حال يتحدث به الراحل، ويرتاح له النازل.
وما أعظم أن تشهد لك ملائكة الرحمن التي جعلها الله سبحانه وتعالى من المخلوقات العابدة المسبحة له سبحانه جل وعلا: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، والذين جعلهم الله سبحانه وتعالى لا يعصونه سبحانه وتعالى أبداً، فهؤلاء الملائكة يأتون بالأعداد العظيمة المتكاثرة وبالآلاف المؤلفة وبما لا يحصيه العد، فيشهدون المؤمنين وهم في صلاة الفجر وهم في صلاة العصر، فكيف يكون حال ذلك النائم الذي تفوته مثل هذه الغنائم؟!
وهذه شهادة عظيمة عند ملك عظيم هو رب الأرباب وملك الملوك سبحانه وتعالى، وانظر كيف يسأل عنك رب العباد سبحانه وتعالى ملائكته، وتشهد ملائكته عنده جل وعلا بشهادة أنك فيها من العابدين ومن المصلين ومن المستيقظين ومن المبادرين ومن المسارعين ومن أصحاب الهمم العالية والمراتب الرفيعة، فهذا لا شك أنه من أعظم هذه الغنائم، كما قال صاحب الظلال في ظلاله: ولهذين الآنين -أي: آن الفجر وآن العصر- خاصيتهما، وهما إدبار الليل وإقبال النهار، ولهما تعلق، ولهما وقعهما العميق في النفس؛ فإن مقدم الليل وزحف الظلام كمطلع النور وانكشاف الظلمة؛ كلاهما يخشع فيه القلب، وكلاهما مجال للتأمل والتفكر في نواميس الكون التي لا تفتر لحظة، ولا تختل مرة، وللقرآن إيقاعه في الحس في مطلع الفجر ونداوته ونسماته الرخية، وهدوئه ونبضه بالحركة وتنفسه بالحياة، فما أجمل أن تكون في هذا الوقت مستيقظاً عابداً تالياً للقرآن ساجداً لله سبحانه وتعالى.
الغنيمة الثالثة: المغفرة الربانية، ففي حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه والترمذي في سننه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن، ما لم تغش الكبائر) فهذه مغفرة ربانية إلهية دائمة متكررة، فكلما وقع منك قول أو خاطر أو فعل عن غفلة أو زلة أو وسواس شيطان أو استزلال هوى أو داعي شهوة فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل في هذه الصلوات -ومنها الفجر- هذه المغفرة الربانية، وهي من أعظم هذه الغنائم التي ينبغي أن لا يفوتها العبد.
وانظر رعاك الله إلى ما هو أعظم في هذه الغنائم وأكثر وأهم، ومن هذه الغنائم -وهي الغنيمة الرابعة-: البشارة النورانية.
ففي حديث أنس رضي الله عنه -ويروى هذا الحديث عن ستة عشر من الصحابة بروايات مختلفة- عند أبي داود والترمذي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، وما أعظم هذه البشارة بهذا النور في الوقت الذي تظلم فيه على الإنسان الظلمة الشديدة والكرب العصيب والهول العظيم، ويلتمس أهل النفاق النور فيضرب بينهم بسور قال الله تعالى عنه: لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13]، فيوم لا يختص بالنور إلا أهل الإيمان يأتي هذا الحديث بشارةً من النبي صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد...) ومن هذه الظلم المشي إلى المساجد في صلاة الفجر، قال صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، إنه نور تام في يوم القيامة، والعبد أحوج ما يكون إلى النور الذي ينور له طريقه ويهديه بإذن الله عز وجل سبيله، ويجعله بإذنه سبحانه وتعالى من أهل الرحمة والمغفرة والرضوان.
فما أعظم هذه الغنيمة التي تأتي وتضيع على ذلك النائم وهو يغط في نومه ويعلو شخيره، وقد وقع به من الغفلة والركون إلى الدعة والراحة ما وقع، فهو أكثر خسارة من ذلك الذي فوت بعض أجر الدنيا أو بعض مالها أو بعض ذهبها وجواهرها، فجعل يعض أصابع الندم، فكم من نائم عن صلاة الفجر ولم يعبأ بها، ولم يكترث لها، ولم يحزن لعدم إتيانه بها، ولم يتندم على عدم صلاته إياها في وقتها! وكم يمر ببعض الناس يوم إثر يوم وهم لا يؤدون الصلاة في وقتها، بل ربما لا يؤدونها بالكلية إلا من رحم الله، نسأل الله عز وجل أن يعصمنا من أن نكون من أولئك الغافلين النائمين.
الغنيمة الخامسة: الانطلاقة الحيوية، وهذه أيضاً غنيمة عملية دنيوية دينية وإيمانية في الوقت نفسه، وهذه أثرها واضح، وأمثلتها العملية بالكثرة التي لا تحصى، يشرحها لنا أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة منها فيقول: عليك ليل طويل فارقد، فإذا استيقظ- أي: النائم- فذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) رواه مسلم .
فمن صلى الفجر في جماعة واستيقظ في ذلك الوقت وتوضأ صرف الله عز وجل عنه عقد الشيطان وما ضرب عليه، فيصبح منشرح الصدر طيب النفس قوي العزم متجدد النشاط، فيه حيوية للعمل والانطلاق والتحرك، وفيه أيضاً أريحية، فتلقاه إذا لقيته يبتسم في وجهك، ويبش لمقدمك، ويهب لمساعدتك، وقد وجد في نفسه من برد الإيمان ومن الاستقامة ومن عظمة ما تلقاه النفس البشرية من أثر العبادة لله عز وجل من عظيم هذه الآثار ما يجعل في انطلاقته في أمر حياته وفي سائر شئونه ما الله سبحانه وتعالى به عليم.
ومن نام عنها فحاله -كما ورد في الحديث-: (أصبح خبيث النفس كسلان) حيث تجد بعض الناس إذا لقيته في الصباح كأنما ركبه الشيطان، فإذا هو مقطب الجبين معبس الوجه، وحين تسلم عليه كأنما قد سببته أو شتمته، وتجده في أموره متعثراً، وتجد بعض القضايا اليسيرة التي تمر به فإذا به يضيق أشد الضيق، وكثيراً ما ترى بعض الناس ممن لا يشهدون الفجر في جماعة دائماً يشتبكون ويتعاركون ويختصمون في أول النهار؛ لأنهم قد حرموا من هذا الأثر لهذه النفس التي تتحرك وتنطلق، ولذلك انظر إلى ما يحصل -وهذا واقع ينبغي أن نربطه بمثل هذا الحديث- عند انطلاق الناس إلى الأعمال وإلى المدارس في الصباح، فكم ترى دائماً من المشاكسات والمعاكسات بالسيارات والاشتباكات بين السائقين!
وذكر بعض الكتاب في هذا كلاماً جيداً فقال: من وقع له مثل هذا فإنه يستقبل يومه بخير، فإذا بزوجته تبش في وجهه، وإذا بأبنائه يستيقظون نشيطين، وإذا به إذا مر بسيارته يجد الإشارة خضراء، وإذا به يذهب إلى عمله فيجد أموره ميسرة، ونحو ذلك، أما غيره فلا يجد مثل هذا.
وللأسف أن بعضاً منا لا يربط مثل هذا الربط، بل بعض الناس يستغربه، بل بعضهم يعترض عليه ويقول: ما دخل هذا بهذا؟ ونقول: إن الفقه الإيماني يجعل للطاعة أثرها المحسوس الملموس، ويجعل للمعصية أثرها المحسوس الملموس، وقد سئل الحسن رضي الله عنه: ما بال أهل الليل على وجوههم النور؟ فقال: خلوا بربهم فألبسهم من نوره.
وهكذا ينبغي أن نوقن أن الطاعة لها أثر في التيسير وفي انشراح الصدر وطمأنينة القلب وسكينة النفس وكل هذه الأمور، فهذا الحديث -أيضاً- شاهد من هذه الشواهد، والشيطان يقول: (عليك ليل طويل فارقد) أي: ما زال في الليل طول. وإذا أذن المؤذن قال: ما زال هناك وقت طويل على الإقامة. فإذا أقيمت الصلاة قال: يمكن أن تدرك الركوع، وهذا الإمام يطول في قراءته وهكذا حتى يذهب الوقت.
أما من لا يستيقظ فذاك نومه أصلاً طويل قد غفل عن طاعة الله عز وجل ونام عن العبادة، نسأل الله عز وجل السلامة.
الغنيمة السادسة: الحصانة الإلهية، وهذه أيضاً تابعة للتي قبلها، وكم يحتاج الإنسان إلى أن يحصن نفسه! فإذا كانت هذه الحصانة من الله، وإذا كان هذا الحفظ من الله فانظر -رعاك الله- كيف يكون من صلى الفجر في جماعة في سلامة وأمن وطمأنينة لا يمكن أن يحوزها أي إنسان! لأن أي إنسان سيعتمد في هذا الحفظ أو في هذه الحصانة على جهود بشرية أو على قوىً أرضية، وأنت معتمد على رب الأرباب سبحانه وتعالى، كما في حديث جندب بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله في ذمته بشيء) أي: هو في حفظ الله ما دام على طاعة الله. ولهذا جاء تنبيه النبي عليه الصلاة والسلام على أن لا يطلبك الله عز وجل في ذمته بشيء، فإذا كنت الآن في حماية إنسان يحميك ويسترك ويدافع عنك، ثم في أثناء هذه الحماية تتكلم عليه أو تسيء إليه، أو يكون قد طلب منك أمراً فلم تستجب له فلا شك أنك حينئذٍ تخسر ذمته، وقد يرفع عنك حصانته، ويقطع عنك حمايته، فأنت في حماية الله وفي حفظ الله قد أخذت هذا العهد وهذه الذمة من الله منذ أول يومك عندما ينشق الفجر ويبزغ أول بصيص للنور وأنت قائم بالصلاة ساجد لله عز وجل، فإذا كنت في ذمة الله فاحفظ هذه الذمة بالطاعة لتكون في حفظ الله وذمته سائر يومك، وما أعظم هذه الغنيمة! فإنها غنيمة من الغنائم الكبرى.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رمضان ضيفنا المنتظر | 2910 استماع |
المرأة بين الحرية والعبودية | 2732 استماع |
فاطمة الزهراء | 2699 استماع |
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها | 2630 استماع |
المرأة والدعوة [1] | 2544 استماع |
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم | 2537 استماع |
غزوة أحد مواقف وصور | 2536 استماع |
قراءة في دفاتر المذعورين | 2488 استماع |
خطبة عيد الفطر | 2470 استماع |
التوبة آثار وآفاق | 2454 استماع |