مقارنات في الاختبارات


الحلقة مفرغة

الحمد لله جعل الدار الدنيا ممراً، والدار الآخرة مقراً، وجعل الدنيا دار العمل والبذل والابتلاء، والآخرة دار الحساب والثواب والجزاء، له الحمد سبحانه وتعالى خلق فسوى، وقدر فهدى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته.

وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون! موضوعنا: مقارنات في الاختبارات؛ لأن طلابنا في نهاية العام يدخلون في الاختبارات.

والاختبارات عندنا مهمة، ولها من الاستعداد والإعداد والتهيؤ مالها، غير أن أمتنا تمر باختبارات أكبر وأصعب، دون أن يكون هناك ما يكافئ هذه الاختبارات من الاستعدادات.

ولعلنا نعرف ما ذكرته مراراً وتكراراً من أن القضية الأولى، والمسألة العظمى، والاختبار الأصعب الذي تمتحن فيه الأمة في إيمانها وعقيدتها وفي سيادتها وإرادتها، وفي مبادئها وأخلاقها وحضارتها، هو الاختبار على أرض فلسطين، وفي قضية الأقصى.

وجوب التهيؤ والاستعداد لما تمر به الأمة من اختبارات ومصاعب

هنا وقفات سريعة ننظر فيها بين اختبارات طلابنا واختبارات أمتنا:

الوقفة الأولى: التهيئة والاستعداد:

في اختبارات الطلاب تهيئة أسرية يُعنى بها الآباء والأمهات، حيث يهيئون الأجواء، ويوفرون أسباب الراحة، ويقدمون الخدمات، ويخففون التبعات والمسئوليات على الأبناء والبنات، وإن سألتهم: ما لكم؟ قالوا: إنه موسم الاختبارات.

ونجد كذلك استعداداً اجتماعياً, والمجتمع كله يراعي ذلك، فلا ترى المناسبات ولا المباريات، ولا المشاركات المعتادة في سائر الأوقات، فإن سألت لماذا؟ قالوا: لأنه موسم الاختبارات.

وترى أيضاً تهيئة واستعداداً إعلامياً، فلا ترى كثيراً من البرامج واللهو والترفيه المعتاد، بل تجد الدروس والتذكير والندوات والمساءلات في قضية الاختبارات.

وترى كذلك تهيئة واستعداداً نفسياً، وكل هذه العوامل توطد في نفوس الطلاب أن يثقوا بأنفسهم، وألا يتهيبوا تلك الاختبارات، وأن يقووا عزائمهم، وأن يعلوا هممهم، وأن يوطنوا أنفسهم على أن يبذلوا الجهد، ويواصلوا المسير حتى يجنوا النتائج والثمار.

كلنا يدرك هذه الأجواء ويعرفها، فكيف والأمة في اختبارها الصعب، ومرحلتها المريرة التي تستهدف وجودها وإيمانها، والذي تعادي مناهجها وأخلاقها، والتي تريد اجتثاث جذورها وأصولها، فهل ترون الأسر تستعد لمثل هذا الاستعداد أم أننا نرى غير ذلك؟ إننا نرى أسراً مضيعة لمهمات التربية، وآباء مهملين لصناعة الأجيال، وأمهات متخليات عن صناعة صانعات الأجيال.

ثم نرى المجتمع كذلك من المجتمعات المنشغلة وراء لقمة العيش، أو الكدح في هذه الدنيا، المنشغلة بأمور عارضة واهتمامات دنيا، فتلك هي مواسم ومسابقات الرياضات، وتلك هي مهرجانات الفنون والأفلام والتمثيليات، وتلك هي وسائل الإعلام التي تصم الآذان وتدمي القلوب، وتحزن النفوس، بكل لهو رخيص وتفاهات مغرية، وسخافات مضللة عن مشكلات الأمة ومهامها.

فهل أمتنا تستعد للاختبارات العصيبة بمثل تلك الاهتمامات الهزيلة؟

إنها وقفات ومقارنات لا أحتاج فيها إلى كثير من التعليقات، ولكنها تحتاج منا جميعاً إلى كثير من التأملات والمراجعات والتصحيحات، ليس على المسار العام الذي دائماً ما نلقي عليه بالتبعات، بل على مسارنا الخاص، وعلى تكويننا النفسي والقلبي، وعلى أدائنا الأسري والتربوي، وعلى معايشتنا الحياتية والمادية، فضلاً عن طموحاتنا وآمالنا، فضلاً قبل ذلك كله عن إيماننا واعتقادنا ومبادئنا وأخلاقنا.

فكيف نخوض خضم هذه العولمة الجارفة التي يراد بها تغيير الثقافة والأخلاق والفكر ونحن لا نهيئ شيئاً في تلك المواجهة، ولا للاختبارات العصيبة الرهيبة؛ فهل هذا إنصاف، وهل هذا معقول؟!

ونحن ندرك أن هذه الأمة هي الأمة التي اصطفاها الله عز وجل واختارها لتؤدي أعظم دور، وتقوم بأسمى وأرقى وأعظم رسالة في هذا الوجود، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143].

وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة).

فالجد والاجتهاد صورة حية واقعية في اختبارات طلابنا، والوقت مستغرق في الاختبارات، والجهد مبذول فيها، والفكر منشغل بها، والإمكانات مسخرة لأجلها، وكل شيء في هذه الأيام منصب في هذا الهدف، فإن قلت: لماذا؟ قالوا: لأهميته، وإن قلت: لم هذه الجهود المضنية وسهر الليالي وإمحال الجسم وترك الراحة؟ قالوا: لأنها معمعة يوشك بعدها أن نخرج إلى النجاح والتقدم.

ونحن نريد نصراً مؤزراً، وعزاً مؤثلاً، ومجداً فاخراً، وأمتنا تشهد تاريخها، دون بذل جد ولا جهد ولا اجتهاد، دون أن تسد خللاً ودون أن تنفق الأموال، ودون أن تسهر الليالي، ودون أن تتضافر كل الجهود، وأن تجتمع كل الحشود؛ لكي تتجاوز المرحلة العصيبة، والفترة القادمة من تاريخ أمتنا، من المواجهات الصعبة التي تتحداها، وذلك أمر أيضاً نراه في غير مساره الصحيح في جملة من أحوال أمتنا.

فأين الأوقات المبذولة حتى في ميادين الحياة العملية؟ لقد صدرت بعض الدراسات التي تقيس مدى إنتاج الموظف والعامل في بلاد عربية وبلاد إسلامية، وبلاد غير إسلامية أو عربية، فظهر التفاوت العظيم، والبون الشاسع، وتبين أن أوقاتنا غير مبذولة حتى في تقوية أمورنا المادية، وأين نحن من بذل الأموال في الأبحاث العلمية والتقدم التقني؟ وأين نحن من بذل الجهود الفكرية في معالجة أوضاع أمتنا المختلة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً وغير ذلك؟

أين نحن من هذا كله ونحن نرى الاجتماعات والمؤتمرات، ونرى الجهود والأوقات، ونرى غير ذلك يصرف فيما أشرت إليه من الجوانب التي ذكرناها، والحق جل وعلا يقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، إنه ميدان العمل الذي يكون جزاؤه يوم القيامة.

إن من لا يقدم عملاً لا ينال ثمرة، إن من يريد النتائج وهو ينام ملء جفنيه، ويأكل ملء ماضغيه، ويرتاح ملء جنبيه، إنما هو حالم واهم لا يجني إلا ما يجنيه القابض على الهواء، وينبغي أن ندرك ذلك، قال الشاعر:

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لا تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

فكيف نريد أن نعود أمة رائدة قائدة كما هو الشأن الذي كان لنا، وكما هو الواجب المنوط بنا، دون أن نبذل شيئاً يكافئ ذلك؟! ألا نستحضر تاريخ أمتنا؟! ألا نستحضر سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم؟! ألا نستحضر الأمة التي شرقت وغربت، وجاهدت، وبذلت الأنفس والأرواح، وعمرت الدنيا، وأسست الحضارة، وتفوقت في العلوم؟! أليس هذا هو ميدان الاختبار ونحن نرى أمتنا في مجمل أحوالها متخلفة في ميدان العلم، متأخرة في مجال التكنولوجيا، متراجعة في مجالات الفكر، دون جد ولا اجتهاد.

مراجعة الدروس الماضية لتصحيح الأخطاء

الوقفة الثانية: المراجعة والمذاكرة:

فطلابنا اليوم يعودون إلى أول درس، وإلى بداية المنهج، ويمرون عليه صفحة صفحة، ويقرءونه درساً درساً، ويراجعونه وحدة وحدة من البداية إلى النهاية؛ لأن المنهج لا يكون إلا متكاملاً؛ ولأن المنهج لابد أن يُستوعب استيعاباً شاملاً، وفي كل ذلك يمرون على الأخطاء السابقة، ويراجعون الاختبارات السالفة، ويرون كيف مرت بهم تلك الدروس، وفاتهم فقه بعضها ومعرفة بعض أسرارها، وكيف مرت بهم تلك الاختبارات فأحسنوا في بعض الإجابات وأخفقوا في تحقيق بعض النتائج، وكل ذلك يدخرونه لكي يتهيئوا لهذا الاختبار النهائي الكبير! وهنا نسأل: هل أمتنا مراجعة لمنهجها من أوله إلى آخره؟ وهل لها في ذلك مذاكرة ومشاورة؟

وأهم من ذلك: هل تعي دروس الماضي؟ وهل تراجع الاختبارات وما كان فيها من نجاحات أو إخفاقات، أم أنها تمر على ذلك مرور الكرام؟

إنها ترسب في اختبار مدريد لتواصل الرسوب بعد ذلك في اختبار أوسلو، ولتواصل المسيرة المنحدرة في المستوى الهابط فيما يأتي بعد ذلك، في صورة تبين أن الإجمال لهذا الحال الذي يتصدر فيه من يتصدر في أمتنا يدل على أن لا مراجعة، وأن لا مذاكرة، ولا منهج يقود، ولا رؤية تسدد، ولا قواعد تضبط قيادتها المتصدرة لمهامها العظمى كما ينبغي أن يكون عليه الحال.

عجباً لهزيمة أمتنا في عام (1984م) من قبل شراذم عصابات اليهود عليهم لعائن الله، وكان درس الفرقة، وكان درس المؤامرة، ثم تكرر درس النكبة في الخيانة العظمى والمؤامرة الكبرى في (1967م)، ثم توالت الحيل وتواصلت الإخفاقات فيما بعد ذلك دون أن نعي دروس الكذب والمراوغة، ودروس الغدر والإجرام، ودروس المفاوضة والمناورة.

فأنت صاحب حق وصاحب دار، ثم يأتيك ضيف -إن اعتبرته ضيفاً- فيحل ولا يخرج، ثم يدعي أنه صاحب المنزل، ثم يطردك، ثم يفاوضك على أن يكون لك مكان خارج الدار، أو بعد ذلك يمن عليك أن يجعلك في فنائه، ولكنك تحت قوته وسطوته، ثم يقول لك بعد ذلك: كيف تطلب أكثر من هذا؟!

ونحن نرى كيف دارت الأمور حتى أصبحت اليوم هذه القضية الإسلامية الإيمانية العقدية التي تمثل بؤرة المواجهة الحضارية بين الإسلام وأعدائه؛ أصبحت اليوم تقاس بالأشبار والأمتار، وتقاس بالطرقات والشوارع، بعد أن كانت قضية الإيمان والعقيدة قضية الحق الثابت، وقضية المبدأ الراسخ.

أخذ الحذر والاحتياط في جميع الأمور والأحوال

الوقفة الثالثة: التوقع والاحتياط:

فالطلبة عندما يذاكرون يستعدون لكل شيء، ويتوقعون أن يأتي السؤال في أي باب من الأبواب، ويتوقعون أن تأتي الأسئلة في غاية الصعوبة، ولا يعيشون على أوهام وأحلام.

فلو أن أحدهم كان يذاكر درساً واحداً ويقول: ستأتي الأسئلة كلها فيه، ويقول: ستأتي الأسئلة كلها سهلة، ويقول: سيعطوننا الدرجات وننجح، فبماذا نصف هذا الطالب؟

سنقول: إنه طالب غبي خائب ومصيره إلى الرسوب.

ولكننا نجد بعض الأحوال في هذه القضية، فقد حصرت الدروس والاختبارات كلها في درس واحد، وفي سؤال واحد أعدت له إجابة واحدة لجميع الأسئلة، وهذا ما نراه في قضية فلسطين اليوم، وفي مشهدها السياسي المعلن العام.

إنهم يقولون: ما هي الحرب؟ ونحن نقول في تعريفها وجوابها: هي السلام، ويقولون: ما هي أدوات المقاومة؟ هل هي الأسلحة والطائرات؟ ويكون الجواب: هي السلام، ويقولون: ما هي الوسيلة الناجعة لمواجهة تهديم البيوت وقتل الأطفال وتشريد الناس؟ فيكون الجواب: هي السلام، ونظن أن النتيجة ستكون نجاحاً بامتياز، وهذا حال الطالب الخائب الذي ذكرته، ولا يحتاج الأمر إلى بيان.

ولو أننا نفقه من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم مراجعة الدروس واستحضارها لوجدنا كيف تدرج عليه الصلاة والسلام مع اليهود أنفسهم، فعندما كان غدرهم في أول الأمر في دائرة معينة، وفي اعتداء على امرأة مسلمة، كانت العقوبة والإجابة في حصار وإجلاء مع سلامة الأرواح والأنفس ونقل الأموال والثروات، فلما تكرر الأمر مرة أخرى كان الجواب مختلفاً، كان حصاراً وطرداً وعقاباً مع سلامة الأرواح والأنفس، دون نقل الأموال والثروات، فلما تكرر الأمر في بني قريظة وكانت الخيانة أعظم، كان الحكم الذي وكله النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ ، يوم أن حكم بأن يقتل الرجال، وأن تسبى النساء والذرية والأموال، فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات)، ولما دعاه النبي أن يحكم في اليهود بحسب طلبهم، وتعيينهم لـسعد بن معاذ ظناً أنه يراعيهم، ويداهنهم، ويجاملهم؛ لعلاقات سابقة، ومصالح سالفة، فقالها سعد كلمات تدوي في سمع الزمان: (لقد آن لـسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم)، لقد أراد أن يذكر نفسه بأنه لابد أن يقول بالحق، وأن يحكم بالعدل، وأن يأتي بالجواب الصحيح للسؤال المباشر، وأن يجعل العقاب المناسب للفعل الشنيع، فحكم بحكمه الذي ثبته وأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام وفياً بعهده، قائماً بواجبه وبواجب أمته، لكنه كان يمثل قولة عمر رضي الله عنه: (لست بالخب، ولا الخب يخدعني)، فقد أعطى الحقوق، وأوفى بالعهود، فلما وجد الخلل، ولما وجد الطعن في الظهر كانت الإجابات مناسبة، وكانت الأحوال ملائمة، وكانت الاستعدادات والتوقعات والاحتياطات والتحسبات موجودة.

وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين)، فكيف بعشر مرات وعشرين مرة؟! أين ذهبت فطنة المؤمن؟! وأين ذهبت عزة المسلم؟! وأين غيرة صاحب الحق وحميته؟ كل ذلك يطوى فيما نشهده من المشهد العام.

أهمية التركيز والانتباه لما يحاك للأمة

وفي الاختبارات يحصل كذلك التركيز والدقة، فعندما يأتي الطلاب للإجابات يركزون في معرفة وفهم الأسئلة، ويقرءونها قراءة فاحصة، ويعيدون النظر إليها؛ ليعرفوا مغازيها ومراميها، وما قد يكون فيها من بعض الحيل المقصودة، وما قد يريده أصحاب الأسئلة من المعلمين من اكتشاف الذكاء والفطنة، واستحضار الانتباه والذكاء، ثم بعد ذلك يجيبون كل سؤال في مكانه مع الشمولية، فإنه لو أتقن إجابة سؤال واحد وحاز فيه على الدرجة الكاملة ثم ترك بقية الأسئلة فنتيجته إلى رسوب قطعاً.

ثم كلنا يعلم أنه لابد من المراجعة قبل تسليم أوراق الامتحانات؛ للتأكد من دقة الإجابات وصوابها، وذلك أيضاً مطلوب في هذه القضية المهمة، وفي كل اختبارات أمتنا الملمة، فلابد أن يكون الأمر كذلك.

أما هذه السذاجات أو إن شئت قل: المؤامرات والتآمر على الإسلام والمسلمين فأمرها بين، فنحن لا نكاد نرى أن القوم يقرءون الأسئلة، ولا يعرفون مغازي ما يقدم لهم من المبادرات، أو ما يطرح لهم على ما يسمى طاولة المفاوضات، بل يقرءون الأسئلة قراءة الطالب الغر الساذج الذي لا يفهمها، ثم يجيب في غير ذلك المجال، ثم يخفق في آخر الأمر.

ونحن نرى تشتتاً، وليس هناك تركيز، ونحن نرى هلامية وليس هناك وضوح، ونحن نرى جزئية وليس هناك شمول، وهذه من أخطر القضايا، حيث أصبحت قضية المسلمين ومقدساتهم قضية لشعب واحد، بل ربما لجزء من شعب، بل ربما لفئة محدودة من جزء من شعب؛ حتى تتلخص بعد ذلك في أشخاص معدودين، وكأنهم هم الذين يعنيهم الأمر، وهم الذين إذا قبلوا ينبغي أن نقبل، وإذا وافقوا ينبغي أن نوافق، وكأنما ننظر إلى سؤال واحد، ونترك بقية الأسئلة، وكأننا لا ندرك أن ما يجري اليوم في أقصى الأرض يمس من في أدناها، وما يحصل من حدث في شرقها وصل تأثيره إلى غربها، فكيف ونحن أبناء دين واحد ولغة واحدة وتاريخ واحد، ونحن نعرف اليوم بلا أدنى شك أن الاستهداف هو لديننا بذاته، وهو لكل مسلم منتسب للإسلام وإن لم يتحقق بحقائقه، فهو لهذه الأمة بمقدراتها ثقافية وحضارية ومادية واقتصادية، ثم نجيب هذه الإجابات، ولا نسعى إلى المراجعات قبل أن نقدم الإجابات.

استغلال الفرص

والراسب نعلم أنه قد تتاح له فرصة حتى يعوض، فإن أتيحت له فرصة فكيف تجدونه؟ هل تجدونه مهتماً مغتماً، حريصاً جاداً، يريد أن يعوض ما فات، أم أنه يعود إلى لهوه وغيه، وإلى تضييعه وتشتته، فيعاود الكرة؟ ولو عاود الكرة فرسب لأعاد عاماً كاملاً، ولو أعاد الرسوب لطرد من هذه المدارس.

تلك هي النتائج ولا شك، ولكننا نرى أن الراسبين في واقع أمتنا في هذه القضية ينجحون وينتقلون إلى مراحل أخرى، ويزدادون رسوباً ويرتفعون، وهذه من المعجزات الغريبة المحيرة للعقول.

ونحن لم نر أحداً من طلاب المدارس يرسب عشرات الأعوام، ثم يظل مع ذلك هو الطالب الناجح المتقدم في الفصول من مرحلة إلى مرحلة، إنه أمر عجيب! ونرى لذلك توقعاً خيالياً ونتائج عكسية ورسوباً متواصلاً.

نسأل الله عز وجل أن يقي أمتنا الشرور والآثام، وأن يجعلنا ممن يأخذون بأسباب نصر الأمة وعزها، ويعملون لدفع أعدائها، وأن يسخرنا لنصرة دينه ورفع رايته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

هنا وقفات سريعة ننظر فيها بين اختبارات طلابنا واختبارات أمتنا:

الوقفة الأولى: التهيئة والاستعداد:

في اختبارات الطلاب تهيئة أسرية يُعنى بها الآباء والأمهات، حيث يهيئون الأجواء، ويوفرون أسباب الراحة، ويقدمون الخدمات، ويخففون التبعات والمسئوليات على الأبناء والبنات، وإن سألتهم: ما لكم؟ قالوا: إنه موسم الاختبارات.

ونجد كذلك استعداداً اجتماعياً, والمجتمع كله يراعي ذلك، فلا ترى المناسبات ولا المباريات، ولا المشاركات المعتادة في سائر الأوقات، فإن سألت لماذا؟ قالوا: لأنه موسم الاختبارات.

وترى أيضاً تهيئة واستعداداً إعلامياً، فلا ترى كثيراً من البرامج واللهو والترفيه المعتاد، بل تجد الدروس والتذكير والندوات والمساءلات في قضية الاختبارات.

وترى كذلك تهيئة واستعداداً نفسياً، وكل هذه العوامل توطد في نفوس الطلاب أن يثقوا بأنفسهم، وألا يتهيبوا تلك الاختبارات، وأن يقووا عزائمهم، وأن يعلوا هممهم، وأن يوطنوا أنفسهم على أن يبذلوا الجهد، ويواصلوا المسير حتى يجنوا النتائج والثمار.

كلنا يدرك هذه الأجواء ويعرفها، فكيف والأمة في اختبارها الصعب، ومرحلتها المريرة التي تستهدف وجودها وإيمانها، والذي تعادي مناهجها وأخلاقها، والتي تريد اجتثاث جذورها وأصولها، فهل ترون الأسر تستعد لمثل هذا الاستعداد أم أننا نرى غير ذلك؟ إننا نرى أسراً مضيعة لمهمات التربية، وآباء مهملين لصناعة الأجيال، وأمهات متخليات عن صناعة صانعات الأجيال.

ثم نرى المجتمع كذلك من المجتمعات المنشغلة وراء لقمة العيش، أو الكدح في هذه الدنيا، المنشغلة بأمور عارضة واهتمامات دنيا، فتلك هي مواسم ومسابقات الرياضات، وتلك هي مهرجانات الفنون والأفلام والتمثيليات، وتلك هي وسائل الإعلام التي تصم الآذان وتدمي القلوب، وتحزن النفوس، بكل لهو رخيص وتفاهات مغرية، وسخافات مضللة عن مشكلات الأمة ومهامها.

فهل أمتنا تستعد للاختبارات العصيبة بمثل تلك الاهتمامات الهزيلة؟

إنها وقفات ومقارنات لا أحتاج فيها إلى كثير من التعليقات، ولكنها تحتاج منا جميعاً إلى كثير من التأملات والمراجعات والتصحيحات، ليس على المسار العام الذي دائماً ما نلقي عليه بالتبعات، بل على مسارنا الخاص، وعلى تكويننا النفسي والقلبي، وعلى أدائنا الأسري والتربوي، وعلى معايشتنا الحياتية والمادية، فضلاً عن طموحاتنا وآمالنا، فضلاً قبل ذلك كله عن إيماننا واعتقادنا ومبادئنا وأخلاقنا.

فكيف نخوض خضم هذه العولمة الجارفة التي يراد بها تغيير الثقافة والأخلاق والفكر ونحن لا نهيئ شيئاً في تلك المواجهة، ولا للاختبارات العصيبة الرهيبة؛ فهل هذا إنصاف، وهل هذا معقول؟!

ونحن ندرك أن هذه الأمة هي الأمة التي اصطفاها الله عز وجل واختارها لتؤدي أعظم دور، وتقوم بأسمى وأرقى وأعظم رسالة في هذا الوجود، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143].

وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة).

فالجد والاجتهاد صورة حية واقعية في اختبارات طلابنا، والوقت مستغرق في الاختبارات، والجهد مبذول فيها، والفكر منشغل بها، والإمكانات مسخرة لأجلها، وكل شيء في هذه الأيام منصب في هذا الهدف، فإن قلت: لماذا؟ قالوا: لأهميته، وإن قلت: لم هذه الجهود المضنية وسهر الليالي وإمحال الجسم وترك الراحة؟ قالوا: لأنها معمعة يوشك بعدها أن نخرج إلى النجاح والتقدم.

ونحن نريد نصراً مؤزراً، وعزاً مؤثلاً، ومجداً فاخراً، وأمتنا تشهد تاريخها، دون بذل جد ولا جهد ولا اجتهاد، دون أن تسد خللاً ودون أن تنفق الأموال، ودون أن تسهر الليالي، ودون أن تتضافر كل الجهود، وأن تجتمع كل الحشود؛ لكي تتجاوز المرحلة العصيبة، والفترة القادمة من تاريخ أمتنا، من المواجهات الصعبة التي تتحداها، وذلك أمر أيضاً نراه في غير مساره الصحيح في جملة من أحوال أمتنا.

فأين الأوقات المبذولة حتى في ميادين الحياة العملية؟ لقد صدرت بعض الدراسات التي تقيس مدى إنتاج الموظف والعامل في بلاد عربية وبلاد إسلامية، وبلاد غير إسلامية أو عربية، فظهر التفاوت العظيم، والبون الشاسع، وتبين أن أوقاتنا غير مبذولة حتى في تقوية أمورنا المادية، وأين نحن من بذل الأموال في الأبحاث العلمية والتقدم التقني؟ وأين نحن من بذل الجهود الفكرية في معالجة أوضاع أمتنا المختلة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً وغير ذلك؟

أين نحن من هذا كله ونحن نرى الاجتماعات والمؤتمرات، ونرى الجهود والأوقات، ونرى غير ذلك يصرف فيما أشرت إليه من الجوانب التي ذكرناها، والحق جل وعلا يقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، إنه ميدان العمل الذي يكون جزاؤه يوم القيامة.

إن من لا يقدم عملاً لا ينال ثمرة، إن من يريد النتائج وهو ينام ملء جفنيه، ويأكل ملء ماضغيه، ويرتاح ملء جنبيه، إنما هو حالم واهم لا يجني إلا ما يجنيه القابض على الهواء، وينبغي أن ندرك ذلك، قال الشاعر:

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لا تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

فكيف نريد أن نعود أمة رائدة قائدة كما هو الشأن الذي كان لنا، وكما هو الواجب المنوط بنا، دون أن نبذل شيئاً يكافئ ذلك؟! ألا نستحضر تاريخ أمتنا؟! ألا نستحضر سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم؟! ألا نستحضر الأمة التي شرقت وغربت، وجاهدت، وبذلت الأنفس والأرواح، وعمرت الدنيا، وأسست الحضارة، وتفوقت في العلوم؟! أليس هذا هو ميدان الاختبار ونحن نرى أمتنا في مجمل أحوالها متخلفة في ميدان العلم، متأخرة في مجال التكنولوجيا، متراجعة في مجالات الفكر، دون جد ولا اجتهاد.

الوقفة الثانية: المراجعة والمذاكرة:

فطلابنا اليوم يعودون إلى أول درس، وإلى بداية المنهج، ويمرون عليه صفحة صفحة، ويقرءونه درساً درساً، ويراجعونه وحدة وحدة من البداية إلى النهاية؛ لأن المنهج لا يكون إلا متكاملاً؛ ولأن المنهج لابد أن يُستوعب استيعاباً شاملاً، وفي كل ذلك يمرون على الأخطاء السابقة، ويراجعون الاختبارات السالفة، ويرون كيف مرت بهم تلك الدروس، وفاتهم فقه بعضها ومعرفة بعض أسرارها، وكيف مرت بهم تلك الاختبارات فأحسنوا في بعض الإجابات وأخفقوا في تحقيق بعض النتائج، وكل ذلك يدخرونه لكي يتهيئوا لهذا الاختبار النهائي الكبير! وهنا نسأل: هل أمتنا مراجعة لمنهجها من أوله إلى آخره؟ وهل لها في ذلك مذاكرة ومشاورة؟

وأهم من ذلك: هل تعي دروس الماضي؟ وهل تراجع الاختبارات وما كان فيها من نجاحات أو إخفاقات، أم أنها تمر على ذلك مرور الكرام؟

إنها ترسب في اختبار مدريد لتواصل الرسوب بعد ذلك في اختبار أوسلو، ولتواصل المسيرة المنحدرة في المستوى الهابط فيما يأتي بعد ذلك، في صورة تبين أن الإجمال لهذا الحال الذي يتصدر فيه من يتصدر في أمتنا يدل على أن لا مراجعة، وأن لا مذاكرة، ولا منهج يقود، ولا رؤية تسدد، ولا قواعد تضبط قيادتها المتصدرة لمهامها العظمى كما ينبغي أن يكون عليه الحال.

عجباً لهزيمة أمتنا في عام (1984م) من قبل شراذم عصابات اليهود عليهم لعائن الله، وكان درس الفرقة، وكان درس المؤامرة، ثم تكرر درس النكبة في الخيانة العظمى والمؤامرة الكبرى في (1967م)، ثم توالت الحيل وتواصلت الإخفاقات فيما بعد ذلك دون أن نعي دروس الكذب والمراوغة، ودروس الغدر والإجرام، ودروس المفاوضة والمناورة.

فأنت صاحب حق وصاحب دار، ثم يأتيك ضيف -إن اعتبرته ضيفاً- فيحل ولا يخرج، ثم يدعي أنه صاحب المنزل، ثم يطردك، ثم يفاوضك على أن يكون لك مكان خارج الدار، أو بعد ذلك يمن عليك أن يجعلك في فنائه، ولكنك تحت قوته وسطوته، ثم يقول لك بعد ذلك: كيف تطلب أكثر من هذا؟!

ونحن نرى كيف دارت الأمور حتى أصبحت اليوم هذه القضية الإسلامية الإيمانية العقدية التي تمثل بؤرة المواجهة الحضارية بين الإسلام وأعدائه؛ أصبحت اليوم تقاس بالأشبار والأمتار، وتقاس بالطرقات والشوارع، بعد أن كانت قضية الإيمان والعقيدة قضية الحق الثابت، وقضية المبدأ الراسخ.

الوقفة الثالثة: التوقع والاحتياط:

فالطلبة عندما يذاكرون يستعدون لكل شيء، ويتوقعون أن يأتي السؤال في أي باب من الأبواب، ويتوقعون أن تأتي الأسئلة في غاية الصعوبة، ولا يعيشون على أوهام وأحلام.

فلو أن أحدهم كان يذاكر درساً واحداً ويقول: ستأتي الأسئلة كلها فيه، ويقول: ستأتي الأسئلة كلها سهلة، ويقول: سيعطوننا الدرجات وننجح، فبماذا نصف هذا الطالب؟

سنقول: إنه طالب غبي خائب ومصيره إلى الرسوب.

ولكننا نجد بعض الأحوال في هذه القضية، فقد حصرت الدروس والاختبارات كلها في درس واحد، وفي سؤال واحد أعدت له إجابة واحدة لجميع الأسئلة، وهذا ما نراه في قضية فلسطين اليوم، وفي مشهدها السياسي المعلن العام.

إنهم يقولون: ما هي الحرب؟ ونحن نقول في تعريفها وجوابها: هي السلام، ويقولون: ما هي أدوات المقاومة؟ هل هي الأسلحة والطائرات؟ ويكون الجواب: هي السلام، ويقولون: ما هي الوسيلة الناجعة لمواجهة تهديم البيوت وقتل الأطفال وتشريد الناس؟ فيكون الجواب: هي السلام، ونظن أن النتيجة ستكون نجاحاً بامتياز، وهذا حال الطالب الخائب الذي ذكرته، ولا يحتاج الأمر إلى بيان.

ولو أننا نفقه من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم مراجعة الدروس واستحضارها لوجدنا كيف تدرج عليه الصلاة والسلام مع اليهود أنفسهم، فعندما كان غدرهم في أول الأمر في دائرة معينة، وفي اعتداء على امرأة مسلمة، كانت العقوبة والإجابة في حصار وإجلاء مع سلامة الأرواح والأنفس ونقل الأموال والثروات، فلما تكرر الأمر مرة أخرى كان الجواب مختلفاً، كان حصاراً وطرداً وعقاباً مع سلامة الأرواح والأنفس، دون نقل الأموال والثروات، فلما تكرر الأمر في بني قريظة وكانت الخيانة أعظم، كان الحكم الذي وكله النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ ، يوم أن حكم بأن يقتل الرجال، وأن تسبى النساء والذرية والأموال، فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات)، ولما دعاه النبي أن يحكم في اليهود بحسب طلبهم، وتعيينهم لـسعد بن معاذ ظناً أنه يراعيهم، ويداهنهم، ويجاملهم؛ لعلاقات سابقة، ومصالح سالفة، فقالها سعد كلمات تدوي في سمع الزمان: (لقد آن لـسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم)، لقد أراد أن يذكر نفسه بأنه لابد أن يقول بالحق، وأن يحكم بالعدل، وأن يأتي بالجواب الصحيح للسؤال المباشر، وأن يجعل العقاب المناسب للفعل الشنيع، فحكم بحكمه الذي ثبته وأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام وفياً بعهده، قائماً بواجبه وبواجب أمته، لكنه كان يمثل قولة عمر رضي الله عنه: (لست بالخب، ولا الخب يخدعني)، فقد أعطى الحقوق، وأوفى بالعهود، فلما وجد الخلل، ولما وجد الطعن في الظهر كانت الإجابات مناسبة، وكانت الأحوال ملائمة، وكانت الاستعدادات والتوقعات والاحتياطات والتحسبات موجودة.

وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين)، فكيف بعشر مرات وعشرين مرة؟! أين ذهبت فطنة المؤمن؟! وأين ذهبت عزة المسلم؟! وأين غيرة صاحب الحق وحميته؟ كل ذلك يطوى فيما نشهده من المشهد العام.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2909 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2732 استماع
فاطمة الزهراء 2699 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2630 استماع
المرأة والدعوة [1] 2544 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2535 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2534 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2488 استماع
خطبة عيد الفطر 2469 استماع
التوبة آثار وآفاق 2453 استماع