المسلم بين الظن واليقين


الحلقة مفرغة

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، رفع السموات بلا عمد وبسط الأرض ومد، وأفاض النعم بلا حصر وعد، أحمده سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، نحمده جل وعلا حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، خلق فسوى، وقدر فهدى، ودعا إلى الطاعة والإيمان، ووعد عند الاستجابة بالنعيم في الجنان، ونهى عن الكفر والجحود وتوعد على ذلك بعذاب النيران.

وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، وبعثه كافة للناس أجمعين، ورحمة للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ورزقنا وإياكم اتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى سائر عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

تعريف الظن في الشرع

أيها الإخوة المؤمنون! حديث اليوم: المسلم بين الظن والقين:

نستكمل به صورة الملامح الأساسية للشخصية الإسلامية، وقد سلف لنا حديث عن المسلم بين الفردية والجماعية، واليوم نقف هذه الوقفة مع هذا الموضوع الذي له أهمية كبيرة؛ لما له من تعلق بالواقع في التصورات والاعتقادات، ولما له من صلة وطيدة بالطاعات والعبادات، ولما له من أثر واضح في الممارسات والسلوكيات.

فالظن: قصور عن العلم القاطع، وعدول عن الدليل الساطع، ورجم بالغيب، واعتساف في غير حق، ولذلك فإن الله جل وعلا قد بين لنا صورة الظن وحقيقته، حتى ندرك أن المسلم ينبغي ألا يكون من أهل الظنون، ولا من أهل الشك والارتياب، وإنما من أهل العلم واليقين بإذن الله عز وجل.

يقول جل وعلا: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس:36]، فالحق أمر واضح قاطع، له الأدلة الساطعة، وله مصداقيته في الواقع، والظن بعيد عن هذا، لا يغني عن الحق شيئاً، ولا يكون عنه بديلاً.

ويقول الله جل وعلا في شأن أهل الكتاب، وما رجموا به من الظنون، وما انحرفوا به من العقائد: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157].

أثر الظنون على الناس

ويبين الله سبحانه وتعالى أن الظنون تعصف بالناس عصفاً، وتأخذ بالعقول أخذاً إلا من رحم الله عز وجل من أهل الإيمان.. ومن اعتصم بمنهج القرآن.. وتابع المصطفى صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116].

إنهم أقوام رضوا بالتلفيق، وأخذوا بالتشكيك، وما عرفوا النور في آيات الله سبحانه وتعالى، وما عرفوا الاستقامة في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرفوا الثبات على الحق والاعتصام به؛ لأنه الطريق الموصل إلى رضوان الله عز وجل من غير حيرة ولا اضطراب، ومن غير شك ولا ارتياب.

الظن صورة من صور الجاهلية

والله سبحانه وتعالى يبين لنا أن الظن في حقيقة أمره إنما هو صورة من صور الجاهلية التي لا تعرف لله عز وجل قدراً، ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم وقاراً، ولا تأخذ من نهج كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يقول جل وعلا: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [آل عمران:154] أي: كما يظن أهل الجاهلية في الله سبحانه وتعالى.

ويقول جل وعلا: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]، فالظن والهوى شيء آخر يختلف عما جاء به الله عز وجل من الهدى والحق واليقين.

ومن ثم أخي المسلم! لابد أن تكون من أهل الإيمان واليقين، من أهل العلم والمعرفة والحجة، لا تكن ممن يرجمون بالغيب، ويظنون ظن السوء.

أيها الإخوة المؤمنون! حديث اليوم: المسلم بين الظن والقين:

نستكمل به صورة الملامح الأساسية للشخصية الإسلامية، وقد سلف لنا حديث عن المسلم بين الفردية والجماعية، واليوم نقف هذه الوقفة مع هذا الموضوع الذي له أهمية كبيرة؛ لما له من تعلق بالواقع في التصورات والاعتقادات، ولما له من صلة وطيدة بالطاعات والعبادات، ولما له من أثر واضح في الممارسات والسلوكيات.

فالظن: قصور عن العلم القاطع، وعدول عن الدليل الساطع، ورجم بالغيب، واعتساف في غير حق، ولذلك فإن الله جل وعلا قد بين لنا صورة الظن وحقيقته، حتى ندرك أن المسلم ينبغي ألا يكون من أهل الظنون، ولا من أهل الشك والارتياب، وإنما من أهل العلم واليقين بإذن الله عز وجل.

يقول جل وعلا: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس:36]، فالحق أمر واضح قاطع، له الأدلة الساطعة، وله مصداقيته في الواقع، والظن بعيد عن هذا، لا يغني عن الحق شيئاً، ولا يكون عنه بديلاً.

ويقول الله جل وعلا في شأن أهل الكتاب، وما رجموا به من الظنون، وما انحرفوا به من العقائد: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157].

ويبين الله سبحانه وتعالى أن الظنون تعصف بالناس عصفاً، وتأخذ بالعقول أخذاً إلا من رحم الله عز وجل من أهل الإيمان.. ومن اعتصم بمنهج القرآن.. وتابع المصطفى صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116].

إنهم أقوام رضوا بالتلفيق، وأخذوا بالتشكيك، وما عرفوا النور في آيات الله سبحانه وتعالى، وما عرفوا الاستقامة في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرفوا الثبات على الحق والاعتصام به؛ لأنه الطريق الموصل إلى رضوان الله عز وجل من غير حيرة ولا اضطراب، ومن غير شك ولا ارتياب.

والله سبحانه وتعالى يبين لنا أن الظن في حقيقة أمره إنما هو صورة من صور الجاهلية التي لا تعرف لله عز وجل قدراً، ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم وقاراً، ولا تأخذ من نهج كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يقول جل وعلا: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [آل عمران:154] أي: كما يظن أهل الجاهلية في الله سبحانه وتعالى.

ويقول جل وعلا: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]، فالظن والهوى شيء آخر يختلف عما جاء به الله عز وجل من الهدى والحق واليقين.

ومن ثم أخي المسلم! لابد أن تكون من أهل الإيمان واليقين، من أهل العلم والمعرفة والحجة، لا تكن ممن يرجمون بالغيب، ويظنون ظن السوء.

وانظر إلى الملامح المنهجية في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لتدرك أنه لابد لك من الاستمساك باليقين، والبعد عن الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً في أمر الاعتقاد والعبادة، وفي أمر الإيمان، وهو أساس حياة الإنسان المسلم.

يقول جل وعلا: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، إنه إيمان مبني على يقين، وعلى دليل واضح، وعلى حجج وبراهين ساطعة، ينبغي أن يكون هذا هو ديدنك لتدخل في وصف أهل الإيمان الذين قال الله جل وعلا فيهم: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [لقمان:4]، واليقين: علم جازم لا يخالطه شك، ولا يمازجه ريب، ولا يغيره ظرف ولا يبدله قهر، ولا إجبار؛ لأنه مستند إلى أسس ثابتة، وإلى أدلة قاطعة لا تتغير مطلقاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد جعلها آيات تتلى في كتابه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ثم إن الله جل وعلا قد جعل في هذه الحياة الدنيا من آياته ومن خلقه سبحانه وتعالى شواهد تدل على وجوده وتنبئ عن عظيم صفاته وكماله سبحانه وتعالى، حتى يصل المؤمن إلى اليقين، وحتى يرى هذه الأدلة المبسوطة في كتاب الله عز وجل، والأمثلة التي ضربها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما وبين لهم المنهج الحق بالاعتقاد الصحيح بالله سبحانه وتعالى، يقول جل وعلا: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام:75]، فإنه لا رضا بدون منزلة اليقين في الإيمان والثبات عليه، والاعتقاد الجازم به.

ويقول جل وعلا لسائر الخلق أجمعين: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:20]، ينبغي أن تكون على بينة من أمرك وعلى وضوح في اعتقادك، لا يمكن للمسلم أن يجعل في إيمانه شكاً، أو أن يدخل في يقينه ظناً، فإن ذلك هو عين الانحراف وهو مبدأ الشرك، وهو طريق الجنوح عن التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى، ولذلك لابد أن يكون موقفك أخي المسلم! موقف الرافض لكل تشكيك في دين الله، وإن كثر القائلون به، وإن كثر الداعون إليه، وإن كثر الملبسون فيه: قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ [الأنعام:57]، لو كفرت الدنيا كلها، ولو شك البشر جميعاً في حقائق الإيمان الثابتة بالآيات القرآنية القاطعة ما تزحزح المؤمن عن إيمانه قيد شعرة، ولا شك في دينه قيد أنملة؛ لأنه على بينة من ربه سبحانه وتعالى.

وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية:32]، هذا المنهج مرفوض عند المسلم ليس له مكان، إذا جاء الحشد الكبير، وإذا جاءت الشبه المتكاثرة فإنها لا قيمة لها عنده، أما أهل الزيغ وضعف الإيمان وأهل قلة العلم، فإنهم يميدون شمالاً ويميناً، وإنهم يضطربون فيقولون: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية:32].

بل لابد لك -أيها المسلم- ألا تلقي بهذه الأمور جانباً فحسب، بل ينبغي أن تدحضها بالآيات والأدلة الواضحة، وأن تكون على بينة من أمرك تحفظ بها إيمانك، بل وتستطيع أن تكشف زيغ الزائغين، وضلال المبطلين، كما قال جل وعلا: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ [إبراهيم:10]، هؤلاء الرسل جابهوا أهل الشك فيما شكوا فيه، وأقاموا الأدلة حتى بينوا بطلان قولهم، فينبغي أن تكون كذلك أيها المسلم! وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ [الحج:3-4].

لابد أن تدرك أن عندك من الحق ما يدحض الباطل، وأن عندك من نور الوحي ما يبدد كل ظلام للشبهة مهما تكاثف، لابد أن تكون على يقين قوي راسخ بما عندك من الحق، وأنه هو الكمال، وأنه هو الدين الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، لاشك في ذلك ولا ارتياب، وهو الكمال كما قال جل وعلا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

وانظر يميناً ويساراً، وانظر في كثير من بقاع الأرض، وانظر إلى كثير من أحوال المسلمين لترى كيف تسرب الشك إلى نفوسهم؟ وكيف دب الضعف إلى إيمانهم؟ وكيف صاروا في حيرة من أمرهم؟ ذلك أنهم لم يأخذوا اليقين من منبعه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ذلك أنهم أصغوا آذانهم للباطل، وجعلوا قلوبهم نهباً للشهوات والشبهات، تعمل فيها فتفتك بما فيها من إيمان، لأنه إيمان وراثة وعادة، ولم يكن إيمان يقين وعبادة لله سبحانه وتعالى.

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65]، ويخاطبهم الله جل وعلا ليبين لنا الطريق الذي ندحض بها حجج المبطلين: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران:66]، وأكثر المتكلمين بغير الإسلام وبغير القرآن والسنة في أمور الاعتقاد وفي أمور الكون وفي أمور الآخرة، إنما هم ممن يظنون ظناً وما هم بمستيقنين، إنما هم من المتبعين للظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، إنما هم من أهل الظن الذي هو ظن الجاهلية، وقد كثرت الأقوال في مجتمعات المسلمين حتى بدت تزاحم -عند من ليس عنده ثبات- كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصار الناس يأخذون من زيد وعمرو، ويأخذون من شرق وغرب، ويقارنون ويقابلون؛ فاضطربوا وتحيروا وزاغوا، وكثرت في مجتمعات المسلمين صور الشرك والانحراف العقدي، وانتشرت بينهم البدع، وتمكنت منهم الخرافات، وصاروا ألعوبة في أيدي أهل الأهواء، وأهل الباطل، وأهل المصالح الذاتية، ذلك أنه إذا لم يكن هناك يقين فهناك مهاوٍ كثيرة، ومشارب عدة مختلفة يبقى فيها الإنسان حائراً مضطرباً حتى يأذن الله عز وجل أن يرده إلى الحق بإذنه سبحانه وتعالى. فهذا أمر اليقين في الاعتقاد.