الخوف من الله


الحلقة مفرغة

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن حسن الظن والرجاء بمغفرة الله ومثوبته، ينبغي أن يكون لعبدٍ أخلص النية وأحسن العمل واجتهد في العبادة، أما العصاة المصرون على الذنوب المستهترون بفعلها، والمقيمون على الفواحش، فأي عملٍ صالحٍ يرجونه ويحسنون الظن به -يا عباد الله- فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.

أيها الأحبة في الله! إن كثيراً من أبنائنا، وكثيراً من شبابنا، وبعض المسلمين هداهم الله، ليتساهلون بالذنوب والمعاصي إلى حد الإصرار المقيم، والعمل المديم على المعاصي والفواحش والسيئات، دون تفكيرٍ أن يتوبوا أو أن يقلعوا أو أن ينيبوا إلى الله منها، فأولئك لو حادثت بعضهم وهو مصرٌ مقيمٌ على معصية الله، قال: إني أحسن الظن بالله، والله لو أحسن الظن لأحسن العمل.

إن المقيم على الذنب والمصر على المعصية، لفي أشد الحاجة إلى ما يخوفه ويزجره عن التمادي، ويردعه عن الوقوع في الغفلة والشهوات المحرمة، فمن كملت معرفته لربه وظهر خوفه من الله، وفاض أثر ذلك على قلبه، ثم انعكس على جوارحه بكفها عن المعاصي وإلزامها بالطاعات، تكفيراً لما سلف، واستعداداً لما سيأتي، وقال صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة) ولكن اعلموا -يا عباد الله- أن البكاء وحده ليس دليلاً على الخوف من الله، لكن حقيقة الخوف ترك العبد ما حرم ربه مع قدرته عليه، وإذا بلغ الخوف بالمؤمن هذه الدرجة انقمعت شهوته، وتكدرت لذته، فتصير المعصية المحبوبة إلى النفس مكروهةً يبغضها القلب، وتكف عنها الجوارح، وكلما تمكن الخوف من الله في قلب المؤمن زادت مراقبة العبد ومحاسبته لنفسه.

عباد الله! إن كثيراً من المسلمين لا يخافون من الله حق خوفه، ولا يخشونه حق خشيته، أيغرهم إمهاله لهم، أم يظنون أن الله غافلٌ عما يعملون سبحانه جل شأنه؟ وبعضهم إذا وقع في معصية ولم تصبه عقوبتها، ولم ير أثرها في الحال، يظن أن المعصية بعد ذلك لا تضره، وهو بفعله هذا على حد قول القائل:

إذا لم يغبر حائط في وقوعه     فليس له بعد الوقوع غبار

وقد نسي ذلك المسكين أن بعض الذنوب ولا حول ولا قوة إلا بالله لا يرى العبد أثرها وشؤمها إلا بعد عشر سنين، أو عشرين سنة، أو أربعين سنة، ترى بعضاً منهم لا يخشى ولا يخاف العاقبة السيئة وما اقترف من الخطيئة، والبعض يتقلب في لهوه وغفلته كأنما ضمنت له الجنة وقدمت بين يديه الرحمة والمغفرة، فأين هو من جيل الصحابة والسلف الصالحين ؟ أين هو من جيل الصحابة الراشدين والسلف الصالحين الذين بلغوا أعلى مراتب الخوف والخشية من ربهم، وما ذاك إلا لكمال معرفتهم بخالقهم.

شدة خوف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

معاشر المؤمنين! تأملوا كتاب الله، تعلمون كيف كان الملائكة المقربون الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، كيف كانوا يخافون من الله، كيف كانوا يخافون من خالقهم، يقول الله جل وعلا في وصفهم: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50] أما نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الذي غُُُُُُُُُُُُُُُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تقول عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم وكان إذا رأى غيماً وريحاً عُرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرفت الكراهة في وجهك، فقال: يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا) أخرجاه في الصحيحين .

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (أما والله لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تندبون أنفسكم وتجأرون إلى الله) أما الصحابة رضوان الله عليهم وفيهم من شهد له الرسول بالجنة، وهو بالجملة من أثنى الله عليهم في كتابه، فخوفهم من جلال ربهم، لقد كان أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه يقول: [يا ليتني كنت شجرةً تعضد ثم تؤكل] وكان رضي الله عنه يقول: [وددت أن أقدم على الله يوم القيامة لا لي ولا عليَّ] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم: [هل عدني رسول الله من المنافقين؟] وكان عمر رضي الله عنه يسمع الآية فيمرض فيعاد أياماً، وقرأ ذاتٍ يومٍ في صلاة الفجر: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر:8] فبكى ونشج نشيجاً عجيباً، فعاده الصحابة أياماً في بيته من شدة ما أصابه من خشية الله وخوفه، وكان عمر رضي الله عنه في وجهه خطان أسودان من البكاء.

وقال أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه: [وددت أن كنت كبشاً فذبحني أهلي فأكلوا لحمي وحشوا مرقي] وقال عمران بن حصين: [يا ليتني كنت رماداً تذروه الرياح] ويقول علي بن أبي طالب : [والله لقد رأيت أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزة، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، إذا طال القيام سجدوا، وإذا طال السجود قاموا، فإذا أصبحوا ذكروا الله عز وجل، مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين].

أما التابعون لهم بإحسان والسلف الصالح فلهم من خشية الله وخوف عقابه ما تهتز لذكره القلوب، وتهتز له الأفئدة.

الخوف عند السلف والخلف

كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلةً فأبكى أهل الدار معه، فلما تفلت العبرة عنهم، قالت زوجه فاطمة : بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين! مم بكيت؟ فقال عمر: بكيت من صرف القوم من بين يدي الله تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ثم صرخ فغشي عليه، والحسن البصري رضي الله عنه بكى بكاءً شديداً وسألوه، فتلا عليهم قول الله جل وعلا: وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا [الجاثية:3] وتلا أيضاً: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].

فهذا خوف الملائكة، وذلك خوف الأنبياء، وهذا خوف الصحابة والتابعين، ومنهم المعصوم ومنهم من شُهد له بالجنة، فنحن أجدر وأولى بالخوف منهم، فاخشوا الله حق خشيته، وتذكروا سطوته وأليم عقابه، واصحبوا -يا عباد الله- من يخوفونكم حتى تأمنوا، ولا تصحبوا من يؤمنونكم حتى تخافوا.

معاشر المسلمين! إن منزلة الخوف من الله جل وعلا قد تقهقرت في النفوس وتراجعت في الأفئدة إلى حدٍ عجيب عجيب جداً، ترى كثيراً من الناس يدفنون موتاهم بأيديهم، ثم يخرجون من أبواب المقابر ضاحكين، وترى كثيراً من الناس يرون ما أحل بالخلائق حولهم، وتراهم في أكلهم وشربهم لاهين غافلين، أفأمنوا مكر الله؟ أفأمنوا عقوبة الله؟ أفأمنوا سخط الله؟

إن أمةً من الأمم التي سلفت قد عُذبت بذنبٍ واحد من الذنوب، فكيف بهذه الأمة التي فيها أناس قد استجمعوا ذنوباً عظيمة، استجمعوا أكل الربا والسكوت على المنكرات، وبيع آلات اللهو والطرب، والتجارة بإفساد العقول والأفئدة، والسكوت عن كلمة الحق، وأمورٌ كثيرة، نسأل الله جل وعلا ألا يعذبنا بذنوبنا وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

معاشر المؤمنين! تأملوا كتاب الله، تعلمون كيف كان الملائكة المقربون الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، كيف كانوا يخافون من الله، كيف كانوا يخافون من خالقهم، يقول الله جل وعلا في وصفهم: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50] أما نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الذي غُُُُُُُُُُُُُُُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تقول عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم وكان إذا رأى غيماً وريحاً عُرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرفت الكراهة في وجهك، فقال: يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا) أخرجاه في الصحيحين .

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (أما والله لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تندبون أنفسكم وتجأرون إلى الله) أما الصحابة رضوان الله عليهم وفيهم من شهد له الرسول بالجنة، وهو بالجملة من أثنى الله عليهم في كتابه، فخوفهم من جلال ربهم، لقد كان أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه يقول: [يا ليتني كنت شجرةً تعضد ثم تؤكل] وكان رضي الله عنه يقول: [وددت أن أقدم على الله يوم القيامة لا لي ولا عليَّ] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم: [هل عدني رسول الله من المنافقين؟] وكان عمر رضي الله عنه يسمع الآية فيمرض فيعاد أياماً، وقرأ ذاتٍ يومٍ في صلاة الفجر: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر:8] فبكى ونشج نشيجاً عجيباً، فعاده الصحابة أياماً في بيته من شدة ما أصابه من خشية الله وخوفه، وكان عمر رضي الله عنه في وجهه خطان أسودان من البكاء.

وقال أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه: [وددت أن كنت كبشاً فذبحني أهلي فأكلوا لحمي وحشوا مرقي] وقال عمران بن حصين: [يا ليتني كنت رماداً تذروه الرياح] ويقول علي بن أبي طالب : [والله لقد رأيت أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزة، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، إذا طال القيام سجدوا، وإذا طال السجود قاموا، فإذا أصبحوا ذكروا الله عز وجل، مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين].

أما التابعون لهم بإحسان والسلف الصالح فلهم من خشية الله وخوف عقابه ما تهتز لذكره القلوب، وتهتز له الأفئدة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع