خطب ومحاضرات
المرأة بين الحرية والاستقلالية
الحلقة مفرغة
الحمد لله رضي لنا الإسلام ديناً، وحفظ لنا القرآن دستوراً وشرعاً، وأكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، أحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده جل وعلا على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اختاره الله جل وعلا ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله كافة للناس أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
تشويه مكانة المرأة في الإٍسلام
والحرية كلمة جميلة وشعار مغر هو كالمساواة التي سبق الحديث عنها، تدغدغ به المشاعر وتستمال به القلوب وتضل به العقول؛ لتخرج من شرع الله عز وجل، ومن الميزان العدل والحرية الحقة التي شرعها الله جل وعلا العليم بخلقه: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فيدعى للمسلمين ويشاع بينهم أن في شريعتهم بالنسبة للمرأة قيوداً، وأن في ذلك أيضاً ضرباً من العبودية والتبعية والاضطهاد والظلم للمرأة، وإلغاء شخصيتها ومصادرة استقلاليتها، إلى غير ذلك مما يشاع ويذاع، وقد يغتر به بعض الجهلة من المسلمين، ويتشدق به بعض المفتونين بالكافرين من غربيين وشرقيين، ولذا فإن بيان هذا الأمر وتجليته ينبغي أن يكون مما يحرص عليه المسلم والمسلمة؛ ليكون على بينة من أمره، وليكون المجتمع المسلم مجتمعاً متماسكاً عارفاً أحكام شرع الله، مطلعاً على الحِكَم والمنافع والمصالح التي تنتج من التزام أمر الله سبحانه وتعالى.
الفوضى المطلقة ليست من الحرية
وإذا وجد ما يظنه بعض الناس قيوداً فإنه لابد أن يعلم أن الحرية لا يمكن في أي مذهب ولا نحلة، ولا مجتمع ولا تاريخ قديم ولا حديث أن تكون بلا قيد مطلقاً؛ لأن معنى إعطاء الحرية لكل أحد بلا قيد أن يتعدى حدوده ليعتدي على حقوق الآخرين، وكل حرية لها حد تقف عنده، وهو ألا تُتجاوز حقوق الآخرين ويُعتدى عليها، ومن ثم فليس هناك ما يعرف بالحرية المطلقة، إلا أن يكون هناك الفوضى التي تسمى باسم الحرية؛ لأن الحرية إذا أعطيت لي على أني أنا حر في أن أصنع ما أشاء، فلأقم بكل عمل ولو كان فيه ما يضر الآخرين أو يزعجهم أو يقلقهم، فهل يقبل أحد أن يعطيني مثل هذه الحرية؟! وأنا حر في أن أمتلك ما أشاء، فهل تعطيني هذه الحرية الحق في أن أسطو أو أسرق أو أعتدي على حقوق الآخرين لأحقق حريتي؟! والحرية أيضاً في مجال الشهوات والغرائز هي أيضاً موجودة في الفطرة، فهل يقر أحد أن تكون الحرية على حساب أعراض الآخرين؟! كل هذا ينبغي أن يكون معلوماً وأن يكون من الأمور المستقرة المسلّمة عند كل أحد.
فلننظر إلى الحرية الحقة في الميادين الرئيسة، وفي الأسس المهمة في حياة البشرية، التي أعطاها الله عز وجل ووفرها شرع الله سبحانه وتعالى للمرأة المسلمة.
أيها الإخوة المؤمنون: (المرأة بين الحرية والاستقلالية والعبودية والتبعية) هذا موضوع من الموضوعات المهمة التي تبرز مكانة المرأة في الإسلام وإظهار حقوقها ورعايتها وحمايتها في دين الله عز وجل، وبالمقارنة تتضح أيضاً معالم الجاهلية التي تبخسها حقها، والتي تفرط في مكتسباتها، والتي تجعلها نهباً للخوف ولكل ما يتعلق بالاعتداء على عفتها وشرفها وأنوثتها وحيائها.
والحرية كلمة جميلة وشعار مغر هو كالمساواة التي سبق الحديث عنها، تدغدغ به المشاعر وتستمال به القلوب وتضل به العقول؛ لتخرج من شرع الله عز وجل، ومن الميزان العدل والحرية الحقة التي شرعها الله جل وعلا العليم بخلقه: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فيدعى للمسلمين ويشاع بينهم أن في شريعتهم بالنسبة للمرأة قيوداً، وأن في ذلك أيضاً ضرباً من العبودية والتبعية والاضطهاد والظلم للمرأة، وإلغاء شخصيتها ومصادرة استقلاليتها، إلى غير ذلك مما يشاع ويذاع، وقد يغتر به بعض الجهلة من المسلمين، ويتشدق به بعض المفتونين بالكافرين من غربيين وشرقيين، ولذا فإن بيان هذا الأمر وتجليته ينبغي أن يكون مما يحرص عليه المسلم والمسلمة؛ ليكون على بينة من أمره، وليكون المجتمع المسلم مجتمعاً متماسكاً عارفاً أحكام شرع الله، مطلعاً على الحِكَم والمنافع والمصالح التي تنتج من التزام أمر الله سبحانه وتعالى.
عندما يتأمل المرء في تشريع الإسلام يجد أنه أعطى المرأة الحرية والاستقلالية الكاملة التامة فيما ينفعها ويعود عليها بالخير والصلاح.
وإذا وجد ما يظنه بعض الناس قيوداً فإنه لابد أن يعلم أن الحرية لا يمكن في أي مذهب ولا نحلة، ولا مجتمع ولا تاريخ قديم ولا حديث أن تكون بلا قيد مطلقاً؛ لأن معنى إعطاء الحرية لكل أحد بلا قيد أن يتعدى حدوده ليعتدي على حقوق الآخرين، وكل حرية لها حد تقف عنده، وهو ألا تُتجاوز حقوق الآخرين ويُعتدى عليها، ومن ثم فليس هناك ما يعرف بالحرية المطلقة، إلا أن يكون هناك الفوضى التي تسمى باسم الحرية؛ لأن الحرية إذا أعطيت لي على أني أنا حر في أن أصنع ما أشاء، فلأقم بكل عمل ولو كان فيه ما يضر الآخرين أو يزعجهم أو يقلقهم، فهل يقبل أحد أن يعطيني مثل هذه الحرية؟! وأنا حر في أن أمتلك ما أشاء، فهل تعطيني هذه الحرية الحق في أن أسطو أو أسرق أو أعتدي على حقوق الآخرين لأحقق حريتي؟! والحرية أيضاً في مجال الشهوات والغرائز هي أيضاً موجودة في الفطرة، فهل يقر أحد أن تكون الحرية على حساب أعراض الآخرين؟! كل هذا ينبغي أن يكون معلوماً وأن يكون من الأمور المستقرة المسلّمة عند كل أحد.
فلننظر إلى الحرية الحقة في الميادين الرئيسة، وفي الأسس المهمة في حياة البشرية، التي أعطاها الله عز وجل ووفرها شرع الله سبحانه وتعالى للمرأة المسلمة.
إن هذا الدين جاء بشطر آية هي من أعظم شعاراته ومن أبلغ حقائقه: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]، فليس هناك إكراه في دين الله عز وجل على الناس سواء كانوا رجالاً أو نساء؛ أن يدخلوا في دين الله قهراً أو قسراً أو غصباً فإن ذلك ليس من شرع الله سبحانه وتعالى، وليس الجهاد كما نعلم ضرباً من هذا القهر أو الإكراه، وإنما هو ضرب من تكسير القيود وتهديم الحواجز؛ حتى يكون للناس اختيار تام فيما يعتقدون ويعتنقون.
والإسلام الذي أباح للمسلم أن يتزوج بالكتابية من أهل الكتاب لم يجعل من شرط زواجه أن تسلم، ولا من حقه أن يكرهها على الدخول في الإسلام، وإنما جعل ذلك باباً من الأبواب الذي قد يحصل به مثل هذا من خلال الإقناع والتأثر بالقدوة الحسنة.
والله سبحانه وتعالى قد بين حق المرأة المسلمة في اعتناق دينها الإسلامي وحرصها عليه وثباتها عليه، وذلك عندما نزلت سورة الممتحنة تقرر عقيدة المرأة المسلمة وحريتها، وتفرض على المجتمع المسلم أن يحميها ممن يريد أن يضطهدها في دينها: إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار [الممتحنة:10].
ويضرب لنا القرآن المثل العظيم في استقلالية شخصية المرأة وحريتها الاعتقادية، حتى في المجال السلبي، وذلك عندما ضرب الله سبحانه وتعالى المثل بكفر امرأة نوح وامرأة لوط قال: كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [التحريم:10].
ثم ضرب لأهل الإيمان مثلاً عظيماً وهو قوله جل وعلا: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11]، انظر إلى هذا المثل، المرأة في بيت الطاغية الأكبر مدعي الربوبية والألوهية الذي قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، هذا الكافر الأعظم في بيته زوجة مؤمنة تدعو الله سبحانه وتعالى، تحافظ على عقيدتها وإيمانها وتتشبث وتتمسك به.
لقد ضرب لنا القرآن مثلاً ونموذجاً من الأمم السابقة ليبين أن للمرأة شخصية مستقلة، وأنها بإيمانها وإسلامها لشرع ربها سبحانه وتعالى تكون في أعظم قوة وفي أقوى شخصية، تتمرد حتى على فرعون الذي كان مضرب المثل في القوة والطغيان والتكبر.
و سمية أول شهيدة في الإسلام مضرب مثل عظيم تحدت أبا جهل فرعون هذه الأمة، ومرغت كبرياءه في التراب، ولم يستطع أن ينال منها كلمة تتنازل بها عن عقيدتها أو تتخلى عن إيمانها، أو تساوم في دينها أو تشتري دنياها بأخراها، فما كانت المرأة المسلمة إلا هذا النموذج الحي القوي في ثباته واستقلاليته وقوته.
حق المرأة في التملك بالميرات والمهر
ليست هناك الصورة الجاهلية السابقة في أن تكون المرأة من ضمن الميراث، ولا الصورة الجاهلية الحاضرة التي يمكن أن تلغي حقها بمجرد الهوى والشهوة، كلا، فقد أنزل الله عز وجل آيات تحفظ لها حقها، وتحمي حريتها من الاعتداء عليها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19] قرآن يتنزل وآيات تتلى لتحفظ لها استقلاليتها وملكيتها وحريتها المالية فيما اكتسبته بالطرق الشرعية، أو آل إليها من خلال إرث أو مهر أو نحو ذلك.
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:20-21] حقها لا يمكن أن ينتقص، وما هو شائع في بعض بيئات المسلمين هو ضرب من الإعراض عن شرع الله، فليس للآباء حق في مهور بناتهم ولا أن يأخذوا نسبة من نصف أو ثلث أو نحو ذلك، فكل ذلك ليس من شرع الله ولا يلصق بدين الله.
قد قلنا من قبل: إن معرفتنا للدين إنما تكون من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التطبيق في العهد النبوي الكريم، ولا يمكن أن نجعل بعض العادات أو التقاليد أو الأعراف الجاهلية هي التي تعطينا صورة الإسلام، أو التي يحصل منها التطبيقات العملية للإسلام، فليس هذا من الحق في شيء مطلقاً.
حق المرأة في البيع والتبرع
روى مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، زوج الزبير رضي الله عنه، تقول: (كان لي جارية فبعتها -يعني كما يظهر من الرواية أنها باعتها من غير إذن سابق من زوجها- قالت: فدخل الزبير وثمنها في حجري فقال: هبي هذه الأموال لي، يطلب منها الزبير وهو الزوج الذي له حق الطاعة في شرع الله عز وجل قالت: فقلت: إني قد تصدقت بها).
هذه صورة حية من داخل بيت مسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه المرأة باعت جاريتها لأن لها حق التصرف في ملكها ومالها، وليس من شرط صحة عقدها إذن زوجها وإن كانت لو أخذت رأيه أو استشارته لكان ذلك حسناً، لكن لا يترتب عليه فساد عقد ولا إبطال بيع، فلها مطلق الحرية في التصرف في مثل هذا الشأن.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها -أي: أن تقطف التمر من النخل- فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً)، أي: جدي نخلك فهو ملك لك عسى أن تبيعيه ثم تتصدقي منه أو تصنعي معروفاً.
فهذه أيضاً صورة حية لاستقلالية المرأة المالية في إطار الشريعة الإسلامية.
وكذلك حديث ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: (لما أعتقت وليدة لها فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: إني أعتقت وليدتي-فهو لم يكن يعلم من قبل بما فعلت، ولم يكن يترتب على إذنه صلى الله عليه وسلم صحة فعلها- فقال لها: أما إنك لو وهبتيها لأخوالك لكان أعظم لأجرك)، كما في صحيح البخاري .
هذه أيضاً من الأمور المهمة التي جعل الله عز وجل للمرأة فيها حرية وحقاً مستقلاً وتميزاً ظاهراً بيناً، فجعل لها حق التملك في الميراث، وحق تملك المهر، وحق تملك النفقة، وحق التملك بالكسب، فلها شخصيتها المستقلة وحريتها الكاملة في مجال ما تكتسبه وما تمتلكه، وليس لأبيها ولا لزوجها حق في أن يأخذ منه شيئاً من غير طيب نفس ومن غير رضاً ومن غير قناعة.
ليست هناك الصورة الجاهلية السابقة في أن تكون المرأة من ضمن الميراث، ولا الصورة الجاهلية الحاضرة التي يمكن أن تلغي حقها بمجرد الهوى والشهوة، كلا، فقد أنزل الله عز وجل آيات تحفظ لها حقها، وتحمي حريتها من الاعتداء عليها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19] قرآن يتنزل وآيات تتلى لتحفظ لها استقلاليتها وملكيتها وحريتها المالية فيما اكتسبته بالطرق الشرعية، أو آل إليها من خلال إرث أو مهر أو نحو ذلك.
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:20-21] حقها لا يمكن أن ينتقص، وما هو شائع في بعض بيئات المسلمين هو ضرب من الإعراض عن شرع الله، فليس للآباء حق في مهور بناتهم ولا أن يأخذوا نسبة من نصف أو ثلث أو نحو ذلك، فكل ذلك ليس من شرع الله ولا يلصق بدين الله.
قد قلنا من قبل: إن معرفتنا للدين إنما تكون من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التطبيق في العهد النبوي الكريم، ولا يمكن أن نجعل بعض العادات أو التقاليد أو الأعراف الجاهلية هي التي تعطينا صورة الإسلام، أو التي يحصل منها التطبيقات العملية للإسلام، فليس هذا من الحق في شيء مطلقاً.
وانظر إلى التطبيق العملي لحق التملك وحق التصرف وحق الأهلية والاستقلالية المالية:
روى مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، زوج الزبير رضي الله عنه، تقول: (كان لي جارية فبعتها -يعني كما يظهر من الرواية أنها باعتها من غير إذن سابق من زوجها- قالت: فدخل الزبير وثمنها في حجري فقال: هبي هذه الأموال لي، يطلب منها الزبير وهو الزوج الذي له حق الطاعة في شرع الله عز وجل قالت: فقلت: إني قد تصدقت بها).
هذه صورة حية من داخل بيت مسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه المرأة باعت جاريتها لأن لها حق التصرف في ملكها ومالها، وليس من شرط صحة عقدها إذن زوجها وإن كانت لو أخذت رأيه أو استشارته لكان ذلك حسناً، لكن لا يترتب عليه فساد عقد ولا إبطال بيع، فلها مطلق الحرية في التصرف في مثل هذا الشأن.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها -أي: أن تقطف التمر من النخل- فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً)، أي: جدي نخلك فهو ملك لك عسى أن تبيعيه ثم تتصدقي منه أو تصنعي معروفاً.
فهذه أيضاً صورة حية لاستقلالية المرأة المالية في إطار الشريعة الإسلامية.
وكذلك حديث ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: (لما أعتقت وليدة لها فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: إني أعتقت وليدتي-فهو لم يكن يعلم من قبل بما فعلت، ولم يكن يترتب على إذنه صلى الله عليه وسلم صحة فعلها- فقال لها: أما إنك لو وهبتيها لأخوالك لكان أعظم لأجرك)، كما في صحيح البخاري .
استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رمضان ضيفنا المنتظر | 2909 استماع |
المرأة بين الحرية والعبودية | 2732 استماع |
فاطمة الزهراء | 2699 استماع |
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها | 2630 استماع |
المرأة والدعوة [1] | 2544 استماع |
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم | 2535 استماع |
غزوة أحد مواقف وصور | 2534 استماع |
قراءة في دفاتر المذعورين | 2488 استماع |
خطبة عيد الفطر | 2469 استماع |
التوبة آثار وآفاق | 2453 استماع |