خطب ومحاضرات
أخطاؤنا في علاج الأخطاء
الحلقة مفرغة
للطواف جملة سنن منها: صلاة ركعتين بعد الفراغ من الطواف خلف مقام إبراهيم والشرب من ماء زمزم والتضلع منه بعد الفراغ من صلاة الركعتين، والرجوع لاستلام الحجر الأسود قبل الخروج إلى المسعى وغيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد:
فلعله من طيب الفأل أن يتكرر لقاؤنا في مبدأ هذه الإجازة، وأظن أنا التقينا في مبدأ الإجازة الماضية في هذا المركز الصيفي ثانوية العز بن عبد السلام بالرياض في محاضرة كانت بعنوان: (كلانا على خير)، وكما ذكرنا في العام الماضي إن كنتم تتذكرون أن الدروس التربوية الشهرية التي كانت تلقى أثناء العام الدراسي تتوقف وتوزع في الإجازة على بعض المراكز أو المساجد، وهذا هو الدرس الأول في هذه الإجازة وكان آخر درس بعنوان: (وأنكحوا الأيامى منكم).
معشر الإخوة الكرام ليس غريباً أن نتحدث عن الأخطاء ونتحدث عن علاجها، وليس غريباً أن يتحدث أي متحدث عن الأخطاء سواء أكان حديثه من خلال منهج منضبط أم غير ذلك، ومن يتحدث عن الأخطاء لابد أن يجد أمامه رصيداً ضخماً؛ لأن البشر أياً كانوا، أياً لابد أن يقعوا في الخطأ والذنب فضلاً عن الخطأ الآخر الذي ليس إثماً ولا ذنباً إنما هو من قبيل الاجتهاد الذي يؤجر عليه صاحبه.
إذاً: فما دام الخطأ صفة ملازمة للبشر فإننا بحاجة إلى الحديث عن منهج علاج الأخطاء، وما دمنا نرى الأخطاء أمام ناظرينا فنحن بحاجة إلى أن نضبط المنهج حتى لا نقع في الخطأ ونحن نعالج الخطأ، وأمامي عدة أخطاء أشعر أننا جميعاً نقع فيها ونحن نعالج الأخطاء سواء كانت أخطاء أنفسنا فالمرء يدرك الخطأ والتقصير من نفسه ويسعى إلى تصحيحه وعلاجه، أو كانت أخطاؤنا في الميادين التربوية من خلال الأسرة أو من خلال المدرسة أو من خلال أي مؤسسة تربوية، فهي لابد أن تكتشف أنها تقع في الخطأ ومن ثم كانت بحاجة إلى أن تترسم معالم منهج واضح منضبط في علاج الأخطاء والتعامل معها.
ونحن أيضاً بحاجة إلى انضباط المنهج في التعامل مع الأخطاء في علاج أخطائنا العامة التي تقع في مجتمعاتنا والتي نسعى إلى علاجها، ونحن نقول هذا لأننا نرى جميعاً أننا نرتكب أخطاء باسم علاج الخطأ، وباسم التصحيح، وربما كان هذا الخطأ أكثر شناعة وأكثر خطأً من الخطأ الأول، وذلك راجع إلى افتقاد المنهج، إن من يسعى إلى تصحيح الخطأ قد يتصور أن حسن مقصده وسلامة نيته كاف في انضباط منهجه، فيرى أنه ما دام يريد الإصلاح والنصح فهذا وحده كاف في أن يرفع عنه اللوم، وهذا يؤهله أن يقول ما يشاء وأن يفعل ما يريد وأن يرتكب ما يحلو له باسم تصحيح الخطأ، ولئن كانت النية الحسنة وحدها ليست كافية في سلامة أي عمل وأي قول فهي كذلك أيضاً في تصحيح الخطأ.
ومن ثم كنا بحاجة إلى الحديث عن منهج تصحيح الأخطاء، وإلى الوقوف عند بعض أخطائنا التي نقع فيها ونحن نعالج الأخطاء، وربما كانت أكثر خطأً من الخطأ الذي حاولنا علاجه وإزالته.
وسنطوف في هذه القضايا أمام ميدان واسع رحب، فسنتحدث تارةً عن أخطاء أنفسنا، وتارة عن علاج الأخطاء التي تقع في المؤسسة التربوية الأولى (الأسرة)، وتارة في الأخطاء التي تقع في المؤسسات التربوية الأخرى كالمدرسة وغيرها، وتارة نتحدث عن المجتمعات وعن الصحوة، ولا جامع لهذا الحديث إلا أنه حديث عن الأخطاء لمعالجة الأخطاء.
إهمال علاج الخطأ والتهرب من التصحيح
أول خطأ نرتكبه في التعامل مع الأخطاء: إهمال علاج الخطأ أصلاً، والتهرب من التصحيح.
وهو أسلوب قد يسلكه المرء مع نفسه، فيمارس حيلاً لا شعورية، يتهرب فيها من المسئولية، ويتهرب فيها من تحميل النفس الخطأ، ويرفض أن يواجه بخطئه، ويرفض أن يقال له: أخطأت، فهو يرفض النقد جملة وتفصيلاً، تصريحاً وتلميحاً إشارة أو عبارة، وأحياناً أيضاً نرفض الخطأ في مناهجنا التربوية.
إننا لا بد أن نقع في الخطأ في ذوات أنفسنا أو في أعمالنا، في مؤسساتنا التربوية، أو على مستوى مجتمعاتنا ككل، أياً كانت أعمالنا وجهودنا لا بد أن نقع في الخطأ فيها، وحينئذٍ لا بد من المصارحة والوضوح والاعتراف بالخطأ، ورفض الحديث عن الأخطاء إنما هو استسلام للخطأ وإصرار عليه.
إنه لا يليق بالمرء أن يرفض المصارحة مع نفسه ومناقشة أخطائه، وأن يتهم النقد الموجه له من الآخرين، وكذلك لا يسوغ لنا داخل مؤسساتنا التربوية أن نرفض المراجعة.
إن من حقنا، بل من واجبنا أن نتحدث عن الأخطاء التي يقع فيها الأب تجاه تربيته لأبنائه حديثاً واضحاً صريحاً، ومن حقنا أن نتحدث عن الأخطاء التي تقع فيها الأمة في تربيتها لأبنائها وبناتها حديثاً صريحاً واضحاً.
إن من حقنا بل من واجبنا أن نطلب المراجع لمناهجنا التربوية، سواءً كانت في المؤسسة التعليمية أم التربوية، ومن حق أي ناقد مخلص أن يطالب بالتصحيح، وأن يبدي وجهة نظره في مناهج التربية وبرامجها داخل مؤسسات التربية الرسمية أو غيرها.
ومن حقنا داخل قطاع الصحوة أيضاً أن نرفع أصواتنا، وأن نطالب بإعادة النظر والتصفية ومراجعة البرامج التربوية تارة بعد أخرى، والتهرب من النقد والمراجعة واتهام من ينتقد إنما يعني الإصرار على الخطأ، واعتقاد العصمة للنفس، فلا بد أن نتربى وأن نربي غيرنا على أن تكون لغة النقد البناء لغة سائدة بين الجميع، وعلى أن يكون الحديث عن الأخطاء حديثاً لا تقف دونه الحواجز ولا العوائق، ما دام ذلك داخلاً في إطار النصيحة.
ردة الفعل وعلاج الخطأ بالخطأ
الخطأ الثاني: ردة الفعل، وعلاج الخطأ بخطأ آخر.
وهذا غالباً ما ينشأ عن زيادة الحماس لمواجهة هذا الخطأ، ولنضرب على ذلك أمثلة: قد يكتشف الإنسان خطأً في نفسه، وحينئذٍ يدعوه الحماس إلى تصحيح هذا الخطأ فيتعامل مع نفسه بردة فعل، ويتعامل مع هذا الخطأ بخطأ آخر، فربما كلف نفسه ما لا يطيق، وربما وقع في خطأ آخر مقابل لهذا الخطأ.
فعلى سبيل المثال: حين يكتشف المرء مثلاً أنه مقصر في طلب العلم الشرعي، ويرى أن أقرانه قد فاقوه وسبقوه، فسيسعى إلى تصحيح الخطأ، ويرسم لنفسه برنامجاً طموحاً لا يطيقه ولا يصبر على بعضه فضلاً عن أن يحيط به كله، وحين يبدأ التنفيذ ويخوض الميدان يصطدم بالواقع، ويرى أن ثمة مسافة هائلة بين المثال والواقع، أي: بين تلك الصورة التي رسمها لنفسه وكان يتطلع إليها، وبين ما كان يمكن أن يصل إليه من قدرٍ من التصحيح، وحين يصل إلى هذا الحال فإنه في الأغلب لا يعود إلى التوازن مرة أخرى، فلو رسم لنفسه مثلاً مقداراً من الحفظ أو قدراً من الوقت يقرأ فيه، أو قدراً من الدروس العلمية يلتزم بحضورها، واكتشف بعد فترة أن هذا البرنامج كان مثالياً وأنه خطأ، فإنه لا يعود إلى التوازن حتى وهو يصحح هذا الخطأ.
إذاً: فيجب أن نحذر الحذر الشديد عند تصحيح أخطاء أنفسنا من الوقوع في ردة الفعل التي قد توقعنا في الغلو والمبالغة، أو قد توقعنا في خطأ آخر في طرف مقابل.
فهذا الذي اكتشف أنه قد وقع في خطأ وإهمال في طلب العلم الشرعي قد يدعوه ذلك إلى إهمال واجبات أخرى، وما أكثر ما نقع في ذلك!
وقد يكون الخطأ تجاه أعمال الآخرين، فقد جاء مثلاً أعرابي إلى المسجد وبال فيه فأراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يعالجوا هذا الخطأ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يعالجوا الخطأ بخطأ آخر كما هو معلوم.
بل القضية تتعدى ذلك حين تكون ردة الفعل مسئولة عن رسم المناهج أصلاً.
فكم نرى من مناهج للتغيير يراهن أصحابها عليها، ويرون أنه لا منهج لتغيير الأمة إلا هذا المنهج، ولا طريق إلا هذا الطريق، وأي امرئ يسلك غير هذا الطريق لا يتصرف هذا التصرف الذي يتطرف فيه أصحابه فهو ضال منحرف زائغ، فهو لا يملك التأهل لإنقاذ الأمة والتغيير، وحين تتأمل في هذا المنهج كله تراه لا يعدو أن يكون ردة فعل تجاه خطأ آخر، ولا نريد أن نضرب الأمثلة فهي واضحة؛ لأن ضرب الأمثلة قد يثير بعض الحساسية، خاصة في الحديث عن مناهج التغيير والمناهج الدعوية.
لكن أنت لو تأملت الواقع ووضعت أمامك قائمة من مناهج التغيير المطروحة في الساحة، لرأيت أن عدداً منها لا يعدو أن يكون ردة فعل لعلاج خطأ في مناهج أخرى، والغالب أن الموقف الذي تتحكم فيه ردة الفعل يقع في خطأ آخر مقابل الخطأ الأول، وربما كان أشد خطأً منه.
إذاً ونحن نعالج الأخطاء، سواء كانت أخطاء أنفسنا أو أخطاء الآخرين، فلا يسوغ أن نعالج الخطأ بخطأ آخر، ولا يسوغ أن ننطلق من ردة فعل دون تأمل فيما نريد أن نسعى إليه، ودون تأمل في المنهج الذي نطرحه بديلاً لعلاج ذلك الخطأ.
رفض التصحيح العلني
ثالثاً: من أخطائنا في معالجة الأخطاء: رفض التصحيح العلني للأخطاء جملة.
نعم هناك أخطاء ينبغي أن تصحح من خلال قنوات خاصة، ومن خلال طرق شخصية وسرية، لكن ثمة أخطاء ومنكرات وقضايا لا بد أن يتحدث عنها، ولا بد أن تعالج تحت ضوء الشمس، ولا بد أن تعالج بوضوح، ومناط الأمر في ذلك كله يعود إلى المصلحة الشرعية، فحيث تقتضي المصلحة الشرعية علاج هذا الخطأ سراً وبطريقة شخصية، فإنه ينبغي أن يعالج كذلك، وحيث تقتضي المصلحة الشرعية علاج هذا الخطأ بصورة علنية واضحة، فالطريقة المثلى هي هذه الطريقة.
وإذا كان الأمر يدور مع المصلحة الشرعية، فلا شك أننا قد نجد داخل هذه الدائرة مجالاً للاجتهاد في بعض الجوانب.
لكن أن نرفض التصحيح العلني للأخطاء جملة فهذا منهج مرفوض، وهو ناشئ أصلاً من عقدة رفض النقد ابتداءً، حيث قد تربينا على رفض النقد، وتربينا على اعتبار أن النقد والحديث عن الأخطاء يعني بالضرورة الضلال والتأثيم والفشل والعداوة إلى غير ذلك من اللوازم التي نربطها بتصحيح الخطأ، وسيأتي مزيد حديث عن هذه القضية، لكن لو افترضنا ورأينا أنه يمكن أن يكون هناك حديث ونقد بناء عن الخطأ مع حسن النية وسلامة المقصد لاستطعنا أن نبني منهجاً سليماً للنقد يمكن أن يستفيد منه الجميع، ونحن نرى مثلاً ونقرأ في الصحف كثيراً من المقترحات ونقد بعض الأوضاع في المجتمع والمطالبة بالتصحيح، فنرى مثلاً من يطالب بزيادة اليوم الدراسي، ونرى من يطالب بإضافة مادة من المواد، وبتقليص مادة من المواد، والجميع يتحدثون ولا أحد يرى أن في مثل هذا الحديث طعناً في المناهج التربوية، واتهاماً لها بالفشل والقصور، وعدم الوفاء بمتطلبات العصر، بل الجميع يرون أنه يمكن أن نتحدث ونقترح، وليس بالضرورة أن يكون كل حديث صواباً صحيحاً، ثم ليس بالضرورة أن يكون كل حديث عن الخطأ إنما هو حديث مقرون بسوء النية والمقصد، لكن حين يتحدث المصلحون مثلاً عن المطالبة بالتصحيح يواجهون بألوان من الإرهاب الفكري والمحاصرة للكلمة من الصادقين ابتداءً قبل غيرهم، كمن يقول: إن في هذا الكلام طعناً واتهاماً وإثارة للبلبلة إلى غير ذلك من الأوصاف التي يوصف بها الناصحون.
إن مجتمعات المسلمين تعاني من أزمات كثيرة، ولنذكر مثلاً مشكلة المخدرات، فهي مشكلة تعاني منها مجتمعات المسلمين أجمع، والدليل على هذا أنك لا ترى دولة من دول المسلمين إلا وفيها جهاز أمني متكامل لمكافحة المخدرات، ويتحدث عنها في الصحف ووسائل الإعلام ويكتب عنها تحذيراً من الوقوع في هذه المشكلة، ومحاولة لعلاج من وقع فيها، إلى آخر المقاصد التي تدفع للحديث عن هذه المشكلة، ونرى أن مشكلات مجتمعات المسلمين الأخرى شأنها شأن هذه المشكلة ينبغي أن نتحدث عنها بوضوح، وعن انتشارها في المجتمعات، فلماذا تكون عندنا حساسية مفرطة، فعندما يتحدث عن انتشار بعض المشكلات في المجتمعات يقال إن في هذا تشكيكاً في المجتمع، وفي هذا إثارة للبلبلة وهذا الحديث طعن في المجتمع إلى غير ذلك، ولم يقل أحد من الناس مثلاً إن تخصيص أجهزة خاصة لمكافحة المخدرات يعني اتهام المجتمع بأنه غارق في ظاهرة المخدرات.
وحين نعود إلى تاريخ الأمة نرى أنها بنت منهجاً واضحاً للنقد العلني الواضح، ولم تر ذلك يعني الطعن ولا التشكيك، فيقوم أحد الرعية لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يخطب الناس على المنبر، فيواجهه بالحديث عن الخطأ علانية، ويناقشه عمر رضي الله عنه حتى يقتنع الجميع، وتحصل الحادثة نفسها مع معاوية رضي الله عنها وهو خليفة.
ونرى تلك الاختيارات الفقهية التي اختارها عمر ، أو عثمان أو علي أو غيرهم حول جمع المصاحف، أو حول متعة الحج، أو حول الإتمام في الحج واجهت انتقاداً علنياً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يرون أنهم لا يزالون إخوة.
ونرى مثلاً أبا سعيد الخدري رضي الله عنه ينكر على مروان حين كان والياً على المدينة، وقد قدم خطبة العيد على الصلاة، فيقول له في محضر من الناس: خالفت السنة يا مروان .
ونرى من ينكر على بشر حين حرك يديه في الخطبة ويخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يشير بالسبابة.
وحين ندعو إلى إهمال التصحيح العلني والحديث عن الأخطاء، فإن هذه دعوة إلى إلغاء التراث الذي حفظ لنا عن انتقاد المبتدعة، والحديث عن أسمائهم، والحديث عن أخطائهم، وانتقاد مناهجهم، وهذا يدعو إلى أن نصادر كل حدث وكل رواية وكل موقف قام فيه أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو قام فيه سلف الأمة، أو قام من تلاهم بعد ذلك من الناصحين، وأن نغض الطرف عنها، وأن لا نخرجها للناس؛ لأن هذه تربي الناس على الحديث العلني عن الخطأ.
بل لعل هذا المنهج يدعونا إلى التعسف في تأويل نصوص صحت عنه صلى الله عليه وسلم واضحة وضوح الشمس، فقد بايع صلى الله عليه وسلم أصحابه على السمع والطاعة والعسر واليسر والمنشط والمكره، وأن يقولوا بالحق حيث كان لا تأخذهم في الله لومة لائمة، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه واجب على كل مسلم أن يقول بالحق حيث رآه أو علمه، وأن ينكر المنكر حيث رآه، ونهى أن تمنع هيبة الناس امرأً أن يقول بحق رآه أو علمه.
إذاً: فنحن حين نكون واقعيين ومنطقيين فإنه خير لنا أن نبني منهجاً سليماً للنقد يتحدث عن الأخطاء تحت ضوء الشمس، ويتحدث عن الأخطاء علانية، لكن يكون هذا محاطاً بسياج المصلحة والحكمة، بعيداً عن مقصد الإثارة والتشكيك واتهام النوايا.
المثالية
رابعاً: من أخطائنا في معالجة الأخطاء: المثالية.
أن نكون مثاليين، فنطلب من أنفسنا أو من أبنائنا أو بناتنا، أو مجتمعاتنا، أو جيل الصحوة صورة مثالية، ثم نحاسبهم عليها، فالأم -مثلاً- كثيراً ما تعاتب أطفالها، وربما تعاقبهم على أخطاء لا بد أن يقع فيها الطفل ما دام طفلاً، فحين يأتي الطفل ويعبث ببعض أثاث المنزل، أو يعمد إلى آنية فيكسرها، أو يسيء إلى أحد إخوانه الصغار تعاتبه الأم وتعاقبه، وربما كانت العقوبة شديدة.
وهي تطلب منه أن يكون منضبطاً مثالياً، فلا يسيء إلى إخوانه الصغار، ولا يعبث بالتراب، ولا يعبث بالأثاث، ولا يرفع صوته، ولا يبكي، ولا .. إلى آخر هذه القائمة.
ولو راجعنا تعاملنا مع أبنائنا الصغار؛ لرأينا أننا مثاليون كثيراً، فنطلب منهم صورة مثالية لا يمكن أن يصلوا إليها، وبناءً على هذه الصورة التي نرسمها نحاسبهم عليها، فنحن نرسم صورة نريد أن يصلوا إليها، وحين يتخلفوا عن هذه الصورة، نرى أنهم قد وقعوا في الخطأ، وقل مثل ذلك مثلاً في الدعاة إلى الله عز وجل، وطلبة العلم، والشباب الأخيار، فالمجتمع وغيره ممن ينظر إليهم يطلب منهم صورة مثالية، وأقول بكل ثقة: إننا كثيراً ما نطلب منهم أن يكونوا معصومين، فنطالب منهم التجرد عن ذواتهم، والارتفاع عن كل ما يقع فيه البشر، وحين نرسم صورة مثالية للداعية أو لطالب العلم فهي صورة نظرية بعيدة عن الواقع الذي نعيشه، وبعيدة عن الواقع البشري، لكننا نحاسبهم عليها، ويترتب على هذا أن نعتبر من الأخطاء ما ليس كذلك.
وقل مثل ذلك مثلاً في الطالب: فالأستاذ قد يرسم صورة مثالية للطالب فيرى أنه ذاك الطالب الذي يلتزم بالأدب التام، فلا يسيء الأدب مع أستاذه في استئذانه وحديثه، ولا يسيء الأدب مع زملائه، ولا يمكن أن يتأخر عن أداء الواجب يوماً من الأيام، ولا بد أن يفهم ما يلقى عليه فهماً سليماً، ولا يسوغ له أن ينشغل عن الدرس، ولا أن يلهو ولا أن يتأخر عن الحضور إلى الفصل، ولا أن يغيب، ولا أن يمرض، ولا أن تصيبه عوارض، فيرسم هذه الصورة ويحاسب تلميذه بناءً عليها، ويطلب من التلميذ أن يعيش في جو مثالي، والأستاذ نفسه حين كان تلميذاً لم يصل إلى جزء مما يطالب تلامذته أن يصلوا إليه، وحين يكون الأستاذ والمربي واقعياً في التعامل مع من يربيه، فهو حينئذ لا بد أن يأخذ في الذهن أنه يتعامل مع بشر تأخذه عوارض النقص والغفلة والنسيان والهوى إلى غير ذلك، فحينئذٍ يضع الأخطاء في إطارها الطبيعي وحجمها المعقول.
الاعتذار المفرط
الخطأ الخامس: خطأ مقابل للخطأ السابق، وهو أن نعتذر بأننا بشر: صحيح أن البشر لا بد أن يقعوا في الخطأ، لكن ليس هذا عذراً نضرب به في وجه كل من يطالب بالتصحيح، وحين نقول هذا العذر فإننا يجب أن نقوله ونحن نحمل العزيمة والإرادة الجادة والاستعداد للتصحيح، وأن نحمل تبعة هذا الخطأ.
أضرب لك مثالاً: أنظمة المرور تطالب الإنسان الذي يسير في الطريق أن يكون منتبهاً، وأن يضع مسافة بينه وبين السيارة التي أمامه، لكن الإنسان بشر قد ينشغل فتقف السيارة التي أمامه فجأة فيصطدم بها، وحين يطالبه هذا الشخص بأن يتحمل مسئولية الخطأ الذي وقع فيه، وأن يقوم بإصلاح سيارته فإنه لا يقبل منه بحال أن يعتذر عنه بأنه بشر والبشر قد ينسى وقد يسهو وقد يغفل، وقد وقد، نعم قد يفعل ذلك كله، لكن عليه أن يتحمل تبعة الخطأ الذي وقع فيه، فيقوم بإصلاح ما أفسد، ولهذا فالخطأ الذي يقع من الإنسان ويترتب عليه تلف في أموال الآخرين أو أبدانهم لا يعذر فيه بالخطأ عن التبعات، فقتل الخطأ مثلاً يطالب الإنسان فيه أن يدفع الدية، ولو أتلف مال غيره خطأً فهو مطالب بالضمان، مع أنه بشر، وقيمة الخطأ هنا أنه رفع عنه الإثم، لكن بقي أن يتحمل تبعة الخطأ.
المقصود أننا يجب أن نتوازن، فلا نطلب من الناس المثالية، ولا ندافع عن أخطائهم، ونسوغ أخطاءهم بحجة أنهم بشر، فقد نرى الأب كثيراً ما يعتذر عن ابنه بأنه مراهق، وأن هذا شأن الشباب، وقد نرى أستاذاً يعتذر عن حال طلابه بأنهم مراهقون، وربما نعتذر عن الكبائر بحجة أن من يفعلها بشر، وبحجة أنهم مراهقون، وبحجة أنهم يعيشون في عصر مليء بالفتن والمغريات إلى غير ذلك.
أساليب الإسقاط والتبرير وغيرها من أساليب الدفاع عن الأخطاء
الخطأ السادس: أساليب الإسقاط والتبرير وغيرها من أساليب الدفاع عن الأخطاء:
قد نعترف بالخطأ لكننا لا نحمل أنفسنا مسئولية الخطأ، فنحاول مثلاً أن نحمل غيرنا الخطأ، أو نحاول أن نبحث عن أسباب وعوامل وهمية نعلق عليها مسئولية الخطأ، وقد تحدثنا عن هذه القضية في درس سابق بعنوان: (دعوة للمصارحة) فلا نريد أن نطيل فيها.
الخطأ في مقاييس تحديد الخطأ
الخطأ السابع: الخطأ في مقاييس تحديد الخطأ.
عندما نقول إن هذا الأمر خطأ فعلى أي أساس اعتبرنا أن هذا الأمر خطأ، فأحياناً قد نعتبر الخروج عن المألوف خطأ، وقد نعتبر من يأتي بشيء جديد مخطئاً، لا لشيء إلا لأنه جاء بأمر جديد لم نألفه، وأظن أن هذا المنطق مرفوض من الجميع، وهذا منطق عقلية الذين يرفضون التجديد، والمنطق نفسه هو الذي قاد قوماً من الناس إلى أن قالوا: إنا وجدنا آبائنا على أمة.
أيضاً: أن يكون المقياس مثلاً قول فلان من الناس، فنعتبر أن من خالف قول فلان من الناس فقد أخطأ، ونعتبر أن فلاناً هذا هو الحاكم على أقوال الناس وعلى أعمال الناس، وهذا منهج مرفوض تحدث عنه أئمة الإسلام، ممن تحدث عن ذلك شيخ الإسلام في مواضع كثيرة، ومما قاله في ذلك: وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني كانت هذه معارضة فاسدة؛ لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة، ولست أعلم من هذا ولا هذا، ولكن نسبة هؤلاء إلى الأئمة كنسبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي ومعاذ ونحوهم إلى الأئمة ونحوهم، إلى آخر كلامه.
يعني أنك مثلاً عندما يقول فلان من الناس قولاً يخالف قول هذا الرجل الذي جعلته حكماً، فإنه وإن خالف قول هذا الرجل الذي هو أعلم منه ولا شك وأتقى منه، إلا أنه قد وافق غيره ممن هو أعلم من هذا العلم الذي نصبته حاكماً على أقوال الناس وعلى آرائهم.
وقال أيضاً: قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] ، وقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك.
فالحكم هو الكتاب والسنة، ولا يسوغ أن نجعل قول فلان من الناس هو المقياس فمن خالفه وشذ عنه فهو الواقع في الخطأ، وهذا منطق المقلد، ومنطق الإرهاب الفكري، فليس أحد كائناً من كان حجة على هذه الأمة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يجادل ويحاج ويخطئ الناس ينبغي أن يجادل ويحاج بالمنطق والدليل والبرهان الشرعي.
الخطأ في التعامل مع مسائل الاجتهاد
الخطأ الثامن: الخطأ في التعامل مع مسائل الاجتهاد:
وذلك أن هناك مسائل هي مسائل اجتهاد الأمر فيها سائغ، وقد اختلفت الأمة فيها، ولا يزال الخلاف فيها إلى أن تقوم الساعة، وحين نعمد إلى تخطئة الناس في هذه المسائل، وربما التشنيع والتغليظ عليهم فإن هذا منهج مرفوض.
وقد تحدث الأئمة عن ذلك في باب الإنكار، قال ابن قدامة : لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بغير مذهبه، فإنه لا إنكار في المجتهدات.
وقال الإمام النووي ، ثم العلماء لا ينكرون إلا ما أجمعت عليه الأمة، وأما المختلف فيه فلا إنكار فيه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : بل المجتهد المخطئ لا يجوز ذمه بإجماع المسلمين. فما بالكم بما هو أعلى من الذم من الاتهام بالضلال والانحراف والخلل في المنهج، ... إلى غير ذلك، بحجة أنه خالف في مسألة من مسائل الاجتهاد!
وقال أيضاً: مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه، ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، والأقوال عن الأئمة في ذلك محفوظة مشهورة مدونة، أن مسائل الاجتهاد وهي التي ليس فيها دليل قاطع صريح من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوغ أن ننكر على الناس فيها، ونخطئهم ونؤثمهم خاصة إذا انطلقوا من الاجتهاد، بل إننا نرى أن هناك من يحول بعض مسائل الاجتهاد إلى أصول وإلى منهج فيقيم الناس من خلاله ويضللهم ويخطئهم ويؤثمهم عليه.
ولنضرب على ذلك مثالاً حتى تكون الصورة واضحة: نحن مثلاً في هذا المركز الصيفي، يقوم بعض الإخوة العاملين في المراكز الصيفية ببعض الأنشطة المستحدثة المعاصرة والتي اختلف أهل العلم في مشروعيتها وعدم مشروعيتها، وعلى سبيل المثال مثلاً قضية التمثيل وغيره، ولا نريد أن نخوض في هذه المسائل، لكن أياً كان الرأي الذي نصل إليه، فهي مسائل اجتهاد ليس فيها نص صريح واضح يقطع بحرمتها وعدم مشروعيتها أو يقطع بالعكس، ولئن توصلت أنت إلى قناعة تامة أدت بك إلى أن لا تشك في أن قولك حق، فيجب أن تتصور أن هناك من أهل العلم الذين لا يقلون عنك علماً وورعاً قد قالوا بخلاف ذلك، وهذا لا يعني بالضرورة أن قولهم أصح من قولك، لكنه يعني أن القضية دائرة في مجال الاجتهاد، فلماذا تقام معارك حول هذه القضية، ونجعل هذه القضية من المنهج الثابت للدعوة، بل لمستوى أن تجد من يجعل أن من منهج الدعوة تحريم التمثيل، أو يعتبر بعض الناس عندهم خلل في منهج الدعوة وذلك أنهم يقعون في التمثيل، يعني إذا قررت أنها خطأ فضعها في حجمها الطبيعي، وافترض مثلاً أنه آثم، مع أننا لا نرى أنه آثم ما دام مستنداً على اجتهاد وفتوى لأحد من أهل العلم في مثل هذه المسألة، فغاية ما عنده أنه مجتهد مخطئ، لكن حتى لو قررت أنه آثم فهل يعني أنه صار منحرفاً ضالاً، وصار عنده خلل في المنهج، وينبغي منابذته وهجره، وأنه لا يمكن أن يصلح الأمة ولا يمكن أن يفعل خيراً إلى غير ذلك.
بل هناك من يشن حرباً على بعض هذه الأنشطة ولو ناقشته وجدت أن السبب هو هذه القضية وقل مثل ذلك في قضايا أخرى، وكلها ناشئة عن ضيق العطن حول مسائل الاجتهاد وحول التعامل معها، فقد يبحث البعض مثلاً مسألة من مسائل الاجتهاد، ويستقصي أدلتها فيتضح له أن الأدلة الشرعية تدل على هذا القول، فمن حقه أن يصل إلى هذه القناعة أو يتبنى هذا الرأي أو يعلنه للناس.
فقد يبحث البعض مثلاً مسألة من مسائل الاجتهاد ويستقصي أدلتها، فيتضح له أن الأدلة الشرعية تدل إلى هذا القول، فمن حقه أن يصل إلى هذه القناعة أو يتبنى هذا الرأي أو يعلنه للناس، لكن ليس من حقه أن يصادر اجتهادات الآخرين وأن يسفه قناعاتهم بحجة أن هذا هو مقتضى الكتاب والسنة، وهو ما تؤيده الأدلة الشرعية، فالمعرض عنه معرض عن الكتاب والسنة، والرافض له رافض لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إما مقلد أو صاحب هوى، وكم تقذف لنا المطابع ودور النشر من كتاب يبحث مسألة من مسائل الاجتهاد، والتي اختلف السلف فيها، ولكل قول مرجح من الأئمة المعتبرين، فتقرأ في مقدمة الكتاب أو البحث أن هذا البحث جاء ليضع النقاط على الحروف في هذه المسألة المعضلة والتي كثر الجدل حولها وطال، ويبحث صاحبنا فيجير كل القواعد الحديثية والفقهية والأصولية لصالح ما توصل إليه.
ونحن لا نعترض على بحث هذه المسائل والاستقصاء فيها ونقاشها، لكن أن يصور الباحث للناس أن هذا البحث جاء ليقطع في هذه المسألة، ويضع النقاط على الحروف، ويستخدم كل القواعد الأصولية والفقهية، وكل قواعد مصطلح الحديث لتؤيد قوله في هذه المسألة التي اختلفت فيها الأمة من قبل، فأظن أن هذا منهج مرفوض.
نعم. من حقك أن تقضي ساعات طويلة في تقرير قولك، بل تؤلف وتناظر عليه، لكن ينبغي أن تحترم اجتهادات الآخرين، وينبغي أن ترى أنه مع ذلك لا تزال هذه المسألة مسألة اجتهاد.
وقد نرى الصورة تتكرر في مجال آخر، فقد يأتي بعض الناس إلى تحقيق كتاب لأحد الأئمة، ويرجح الإمام ابن القيم أو غيره قولاً في مسألة اجتهادية تخالف ما يراه الأخ المحقق، فيضع حاشية طويلة يسرد فيها الأدلة ويقرر فيها أن المحقق رحمه الله وهم في اختيار هذا القول، والقضية قضية اجتهاد وليس من حق المحقق الاعتراض على هذا الإمام في ترجيحه، والقارئ إنما اشترى هذا الكتاب لأنه من تأليف ابن القيم ؛ أو لأنه من تأليف فلان من الناس، واقرءوا في الكتب المحققة لتروا الكثير ممن يحقق يملأ لك صفحات هائلة بالحواشي في مناقشة المؤلف والإمام في مسألة اجتهادية ربما كان الحق مع صاحبها، وأظن أنه ليس من التوازن العلمي ولا الترشيد في التأليف والكتابة أن تجد في المكتبات الإسلامية عشرات الكتب حول مسألة اجتهادية وربما كانت سنة من السنن، في حين نرى أن هناك قضايا أهم تستحق التأليف والجدل والمناظرة، ولكنها تهمل وتطوى.
افتراض التلازم بين الخطأ والإثم
من الأخطاء وهو الخطأ التاسع: افتراض التلازم بين الخطأ والإثم والضلال، وذلك أننا قد نتصور أن الخطأ يعني بالضرورة الإثم، وأننا حينما نقول: أخطأ فلان، معناه أنه آثم، وأنه منحرف، وأنه غير مؤهل، إلى غير ذلك، وهذه من أكبر العقد لمواجهة النقد، وأظن أننا لو حطمنا هذا الوثن، ولو قضينا على هذه الإشكالية لاستطعنا أن نبني منهجاً سليماً للنقد.
وذلك مثلاً: أن نتصور أنه عندما يأتي شخص ويقول إن فلاناً من الناس أخطأ، فلا غضاضة، ولا يعني أنه فاشل، ولا آثم، إلى غير ذلك، حين نستوعب هذه القضية وتكون واضحة يهون الخطأ عندنا، ونتقبل النقد، لكن المشكلة أننا نتصور أن من يقول: إن فلاناً أخطأ فهذا يعني اتهامه بالجهل، والحط من شأنه وعلمه ومكانته، ولهذا عندما تتحدث عن قضية وتخالف اجتهاد غيرك يشغب عليك في الحديث عن مكانة العالم، أو مكانة فلان أو إلى غير ذلك، وكأن هذا اتهام لك بأنك لا تعتبر مكانة لأهل العلم.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة -يعني في القضايا التي يعلم أنها ذنب حقاً- وأما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون وتارة يخطئون، فإذا ما اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطئوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم، وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين، فتارةً يغلون فيهم ويقولون إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون إنهم باغون بالخطأ، لأنهم لا يعرفون التوسط وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون، ومن هذا الباب تولد كثير من فرق أهل البدع والضلال.
وقال أيضاً: وإذا ثبت في الكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان، فهذا عام عموماً محفوظاً، وليس في الأدلة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئاً على خطئه.
افتراض التلازم بين الخطأ والإثم، أو الخطأ والانحراف، ينشأ عنه خطآن:
الخطأ الأول: رفض التصحيح والنقد؛ لأنه بالضرورة يعني التأثيم والضلال.
الخطأ الثاني: الطعن في الشخص أو اعتقاد زيغه إذا وقع في الخطأ.
لكن لو فرضنا أنه لا تلازم وأن الخطأ لا يعني الإثم، وهذا من منهج أهل السنة كما قرره شيخ الإسلام فإننا نستطيع أن نتقبل القول أن فلاناً من الناس يقع في الخطأ، ونحفظ له مكانته وقيمته، وأنت عندما تكتشف عند نفسك خطأ رقم واحد واثنين وثلاثة، فترى أن الخطأ لا يعني أنك فاشل، يكون أمامك فرصة للتصحيح، لكن عندما ترى أن الخطأ يساوي بالضرورة الفشل، ويساوي بالضرورة عدم النجاح، فإن هذا سيكون عائقاً لك ومثبطاً عن التصحيح.
إهمال البعد الزمني في تصحيح الخطأ
عاشراً: إهمال البعد الزمني في تصحيح الخطأ:
أنت عندما تكتشف خطأً في نفسك، أو المربي عندما يكتشف خطأ في حق من يربيه، أو نحن عندما نكتشف خطأ في واقع الصحوة، أو واقع الدعاة أو غير ذلك، فإننا ينبغي أن نكون واقعيين، وأن نرى أن هذا الخطأ كان نتيجة تراكم عوامل عدة، وحين نسعى إلى تصحيحه فإن هذا يعني بالضرورة أن نعطيه المدى الزمني الكافي في تصحيحه حتى يمكن أن نصححه.
لو اكتشف إنسان أنه حاد وسريع الغضب وأراد أن يصحح هذا الجانب في نفسه، فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا يمكن أن يتحول من إنسان سريع الغضب سريع الانفعال إلى إنسان حليم بين يوم وليلة، لأنه لا بد أن يتدرج ويبقى وقتاً يربي نفسه.
وعندما تكتشف عند طفلك أو عند ابنك أو عند من تربيه خطأ أياً كان، فمن الظلم أن تطالبه بتصحيح الخطأ في وقت يسير، وقل مثل ذلك في الصحوة، إن عمر الصحوة لا يزال قصيراً، وهذا الجيل المتوافد على الخير والهداية نتاج تربية في المجتمع، ومن الظلم أن نحمل الصحوة الأخطاء التربوية التي في جيل الصحوة؛ لأن هذا الجيل نتاج تربية آباء وأمهات وتربية مؤسسات تربوية عامة، وهذا الجيل إفراز لمجتمع يعيشه، فالوضع التربوي الذي يعيشه هو إفراز لكل هذه القضايا، وليس المسئول عنه بالضرورة من يربيه ولا الصحوة ذاتها، وحين نسعى إلى تصحيح الأخطاء في هذا الجيل ونسعى إلى منهج من النضج فإننا ينبغي أن نعطيه المدى الزمني الذي يمكن أن يؤهله لحل هذه المشكلة إذا أردنا أن نكون واقعيين.
إحراج الواقع في الخطأ
الخطأ الحادي عشر: إحراج الواقع في الخطأ:
حين نريد أن نصحح الخطأ عند إنسان يقع في الخطأ، فلا يسوغ أن نحرجه، ومن ذلك مثلاً أن لا نعطيه فرصة للتفكير، فأنت عندما تريد أن تصحح خطأ عند إنسان، فينبغي أن تعطيه فرصة للتفكير حتى يفكر في خطئه، وأن تعطيه أيضاً فرصة للتراجع، فمن طبيعة النفس أنه يصعب عليها الاعتراف بالخطأ، فأنت تحصره في زاوية ضيقة وترى أنه لا بد أن يعترف لك، وأن يقول: إنني أخطأت مائة بالمائة، وهذا منطق غير معقول، لكن يمكن أن تعطيه فرصة للتراجع، فتبحث له مثلاً عن المسوغات والمبررات التي أوقعته في هذا الخطأ، فقد تقول له: إنني أعرف أنك قد وقعت في الخطأ لسبب كذا وكذا وكذا، وأن هناك عوامل أدت للوقوع في الخطأ، وليس المقصود اتهامك بالخطأ، ولا تحميلك المسئولية، لكن نريد أن تصحح هذا الخطأ.
أظن أنك عندما تسلك معه هذا المنهج فإنك تعينه على الاعتراف بالخطأ.
وكذلك ينبغي اختيار الوقت والمكان المناسب لعلاج الخطأ.
يعني: عندما يأتي الأب أو الأم فيلوم الطفل أمام إخوانه وأخواته لا يتقبل هذا اللوم، وكذلك الأستاذ حينما يلوم الطالب أمام تلامذته، وقل مثل ذلك في أي موقف؛ فعندما تأتي إلى إنسان وذهنه مشغول، أو إنسان في طور الحماس لرأيه والحديث عنه فهو موقف غير مناسب أن تواجهه بالحديث عن الخطأ، لكن عندما تنتظر إلى أن يهدأ حماسه وتناقشه في الخطأ، فإنك حينئذٍ تعطيه فرصة وتعطيه وقتاً مناسباً ولا تحرجه.
المقصود أنه من الخطأ أن نحرج الواقع في الخطأ، وحينئذ نطلب منه أن يعترف اعترافاً واضحاً بلا تفصيل ولا غموض أنه مخطئ مائة بالمائة، أظن أننا حين نسلك هذا المنهج، فإننا سنفشل كثيراً في تصحيح أخطاء كنا يمكن أن ننجح فيها لو سلكنا منهجاً أكثر اعتدالاً وتوازناً.
اتخاذ المخطئ خصماً
الخطأ الثاني عشر: أن نفترض المخطئ خصماً:
وهذا كثيراً ما ينشأ في الردود، حيث نفترض أنه خصم ونعامله على أن هذا خطأ وانحراف وضلال إلى آخره، واقرءوا الردود التي يكتبها بعض الناس ثم يقول: وأنا له ناصح أمين أن يراجع نفسه ويعلن توبته ويرجع عن خطئه.. إلى آخره، والجميع يعرفون أن هذا واقع عن اجتهاد وحسن نية، لكنك افتعلت خصومة، وربما ولدت عنده الحماس للوقوع في هذا الخطأ بأسلوبك.
مثلاً: لو قام واحد منكم بعد هذا الدرس ليتكلم عن خطأ وقعت فيه وبدأ يعلق وقال: إن هذا الخطأ من الأخ المحاضر، وهذا فيه كذا وكذا ويخالف الإجماع والقياس والمصلحة المرسلة وسد الذرائع وأقوال الأئمة، وبدأ يسرد لك، وأنا أنصح الأخ أن يتراجع ويعترف بخطئه.
وأنا أجزم لكم أني لا أستطيع أن أعترف بالخطأ، وحتى لو رأيت في قرارة نفسي أني واقع في الخطأ، ثم هذا يدعوني إلى أن أتعصب لرأيي، وأبحث له عما يسوغه، لكنه لو سلك أسلوباً آخر كان يمكن أن يعالج في الخطأ، إذاً حين تريد أن تكون جاداً في تصحيح الخطأ، فلا تجعل المخطئ خصماً لك، وأما إن عاملته بالخصومة فاعرف حينئذٍ أنك لم تزد على أن أثرت الحماس عنده وعند أتباعه بخطئه الذي وقع فيه.
المبالغة في تصوير الخطأ
الثالث عشر: المبالغة في تصوير الخطأ:
لأنه قد يقع إنسان في خطأ من مسائل الاجتهاد أو هوى، فنضخم الخطأ ونعطيه أكبر من حجمه، ومنطق الحق والاعتدال أن نضع الخطأ في إطاره الطبيعي، وحجمه المعقول، وقل مثل ذلك في أسلوب الإنسان مع نفسه، أنه عندما يقع في خطأ يضخم الخطأ، وكثيراً ما يسلك الإنسان مع نفسه أن يضخم الأخطاء التي وقع فيها، ويعطيها أكبر من حجمها، فيتولد عنده شعور أنه فاشل، وأنه غير مؤهل للنجاح، فيجب أن نضع الخطأ في إطاره الطبيعي وحجمه الطبيعي، ولا نضخم الأخطاء.
الحديث عن طرف واحد من المخطئين
الرابع عشر: الحديث عن طرف واحد من المخطئين:
مثلاً الحوادث التي تحصل في العالم الإسلامي، قد يأتي أحد المسلمين الغيورين، ويسلك أسلوباً خاطئاً في إنكار منكر من المنكرات التي ابتليت بها مجتمعات المسلمين، وحينئذٍ يعامل بعنجهية وقسوة وظلم، فيعتقل ويقتل، كما يحصل في العالم الإسلامي وإذا بنا كثيراً ما نتحدث عن خطأ هذا الشخص ونقول إنه جر على نفسه، وجر على الصحوة وفعل وفعل، وأما الشخص الآخر فلا، وكم يدركك الأسف حين ترى بعض الناصحين وهم يتحدثون عن صراع يدور بين بعض الدعاة وبين أعداء لهم باطنيين كفار، ويعمد هؤلاء الباطنيون إلى مجزرة رهيبة لأولئك فيبيدون خضراءهم ويقتلون منهم الآلاف دون رادع أو وازع، ومع ذلك نرى من الأخيار من يتحدث عن خطأ هؤلاء وأنهم تعجلوا وجروا وفعلوا وفعلوا، أما أولئك الذين استباحوا الدماء فلا يمكن أن يتحدث عنهم ببنت شفة، وربما وقعوا في جريمة من أكبر جرائم الحرب، أليسوا بدلوا شرع الله، أليسوا أباحوا الحرام، ألم يقفوا بالمرصاد لمحاربة شرع الله عز وجل، لماذا لا نكون واقعيين ومنطقيين، ونعطي كل خطأ حجمه الطبيعي.
هذا عندما نفترض أن هذا الداعية أخطأ في منهجه، لكن الآخر الظالم المجرم لماذا لا نتحدث عن خطئه، وإذا ادعينا مثلاً أنه يمكننا الحديث عن خطأ هذا الظالم المتجبر فلنترك القضية كلها؛ لأننا حين نتحدث عن ضرر طرف واحد ضعيف نصور للناس أن هذا الشخص بريء، وأنه حين أراق الدماء وحين فعل ما فعل، فهو غير مسئول، والمسئول الأول والأخير هو ذاك الذي وقع في الخطأ، وكثيراً ما نقع في هذا الخطأ في التعامل، خاصة مع القضايا التي تحصل في العالم الإسلامي من الدعاة إلى الله عز وجل والعاملين للإسلام.
البحث عن الخطأ والفرح به
الخطأ الخامس عشر: البحث عن خطأ والفرح به:
بعض الناس يفتش عن خطأ، وإذا وقع على خطأ فرح به وكأنه حصل على كنز ثمين وصار يخبر الناس ويدلهم على هذا الخطأ، ويوصيهم به، إذا عرفت هذا في نفسك أو عرفته في غيرك فاعلم أن هذا غير جاد في النصيحة، وأن هذا غير جاد في تصحيح الخطأ، وأنه رجل يفتش عن الأخطاء.
التمحل في إثبات الخطأ
السادس عشر: التمحل في إثبات الخطأ:
وهذا قد يتم من خلال القول باللازم، فيقول: يلزم من كلامك كذا وكذا، وأنت تقصد كذا وتريد كذا، أو الحديث عن النوايا، حينما قلت كذا تريد فلاناً، حينما قلت كذا تريد كذا، إلى غير ذلك.
وهذا كله ناشئ عن التمحل والسعي إلى إثبات الخطأ، ولو كنا نجري الناس على ظواهرهم ونعاملهم على الظاهر لسلمنا من كثير من مثل هذه المواقف، وغالباً ما يظهر هذا في الردود، تجد من يرد على شخص يحمله بعض الأخطاء التي لم يقع فيها.
أضرب على ذلك مثالاً: أحد علماء أهل السنة المعاصرين المشهود لهم بالخير قال كلمة حول القرآن بغض النظر هي صحيحة أو لا؛ فماذا قال الذي يرد عليه؟ قال: هذا دليل على أنه يرى خلق القرآن، طبعاً أنا أجزم أنه يعرف أنه لا يقول بهذا القول، لكنه تمحل وتحريف.
ومن ذلك أنهم قالوا عن بعض الدعاة إنه يرى وحدة الوجود، مع أنه صرح في مواطن من كتبه بالرد الصريح على دعاة وحدة الوجود، وهؤلاء يعرفون ذلك لمنه، فلماذا ينسبونه إلى هذه العقيدة الكفرية! قد نقول إن هذه العبارة غير منضبطة ينبغي إبدالها، لكن أن نتهمه بأنه يقول بوحدة الوجود هذا أمر ليس فيه عدل ولا إنصاف ولا نصيحة، وقل مثل ذلك في قضايا كثيراً ما نراها.
إهمال محاسن الرجل
السابع عشر: إهمال محاسن الرجل:
نحن نريد أن نتحدث عن خطأ إنسان، فينبغي أن لا نهمل محاسنه وأن ننظر باعتدال.
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن لا تذكر عيوبه، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله.
وقال محمد بن سيرين : ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم، وتكتم خيره.
وقال شيخ الإسلام : ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرون بالظن، ونوع من الهوى الخفي، ويحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المتقين، ومثل هذا إن وقع يكون فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحاً في ولايته وتقواه، بل في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه، بل حتى تخرجه من الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد، والخوارج والروافض وغيرهم من أهل الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم، وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه ويبغض من وجه، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم.
وقال ابن القيم رحمه الله: فلو أن كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه، لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها.
وهذا لا يعني عدم الحديث عن الأخطاء، لكن حين نتحدث عن الأخطاء فينبغي أن لا نهمل المحاسن، وينبغي أن نتحدث بتوازن وقد نقع في هذا الخطأ مع أطفالنا، فنعامل الطفل ونحدثه على أنه مشاغب وغير منضبط وغير مؤهل إلى غير ذلك، فنرسم له صورة تقضي عليه وتحطمه وتصور لنفسه أنه إنسان فاشل، وقل مثل ذلك مثلاً في الطالب وغيره ممن يتلقى التربية.
الحديث عن مظاهر الخطأ دون الأسباب والعلاج
الخطأ الثامن عشر: الحديث عن الخطأ ومظاهره دون الحديث عن الأسباب والعلاج:
يعني: قد نتحدث عن خطأ من الأخطاء ومشكلة من المشكلات ونفصل فيها، ثم لا نتحدث عن الأسباب ولا العلاج، وكثيراً ما يقع هذا من خطباء الجمعة اللهم إلا إذا كان في حالة ظاهرة، أو قضية واضحة الأسباب والعلاج، والمقصود إنما هو التنبيه عليها فحينئذ قد نكتفي بمثل هذا العرض، لكن حينما نتحدث عن الأخطاء بصفة عامة ينبغي أن نتلمس أسباب ومكمن الداء، وأن نبحث عن بعض الخطوات التي نوصي بها لعلاج مثل هذا الخطأ.
حصر منهج التربية في تصحيح الأخطاء
الخطأ التاسع عشر والأخير: اعتبار تصحيح الأخطاء وحده هو منهج التربية:
وذلك أن البعض من الآباء أو المربين قد يعتبر أن التربية ورفع مستوى الشخص إنما يتم من خلال إيقافه على أخطائه، ومن خلال الحديث عن أخطائه وحدها، وهذا منهج غير صحيح، فحين لا نتحدث إلا عن أخطاء فغاية ما نحققه إذا نجحنا أن نحافظ على الإنسان على موطن معين، لكننا ينبغي أن نتبنى منهجاً للبناء والرفع من مستوى التربية، مع الحديث عن الخطأ وفق المنهج المنضبط، وحين نتحدث عن الصحوة وعن الشباب من خلال أخطائهم فإننا لن نراوح مكاننا وسنصور للناس من حولنا أنهم أهل فشل وتأخر وأن الخطأ أصبح صفة ملازمة لهم.
أكتفي بهذا القدر من الحديث عن الأخطاء، وعلاج الأخطاء، وأرجو أن لا أكون قد وقعت في أخطاء وأنا أعالج مثل هذه الأخطاء، لكننا بشر، وكل يخطئ ويصيب ويؤخذ من قوله ويرد.
أول خطأ نرتكبه في التعامل مع الأخطاء: إهمال علاج الخطأ أصلاً، والتهرب من التصحيح.
وهو أسلوب قد يسلكه المرء مع نفسه، فيمارس حيلاً لا شعورية، يتهرب فيها من المسئولية، ويتهرب فيها من تحميل النفس الخطأ، ويرفض أن يواجه بخطئه، ويرفض أن يقال له: أخطأت، فهو يرفض النقد جملة وتفصيلاً، تصريحاً وتلميحاً إشارة أو عبارة، وأحياناً أيضاً نرفض الخطأ في مناهجنا التربوية.
إننا لا بد أن نقع في الخطأ في ذوات أنفسنا أو في أعمالنا، في مؤسساتنا التربوية، أو على مستوى مجتمعاتنا ككل، أياً كانت أعمالنا وجهودنا لا بد أن نقع في الخطأ فيها، وحينئذٍ لا بد من المصارحة والوضوح والاعتراف بالخطأ، ورفض الحديث عن الأخطاء إنما هو استسلام للخطأ وإصرار عليه.
إنه لا يليق بالمرء أن يرفض المصارحة مع نفسه ومناقشة أخطائه، وأن يتهم النقد الموجه له من الآخرين، وكذلك لا يسوغ لنا داخل مؤسساتنا التربوية أن نرفض المراجعة.
إن من حقنا، بل من واجبنا أن نتحدث عن الأخطاء التي يقع فيها الأب تجاه تربيته لأبنائه حديثاً واضحاً صريحاً، ومن حقنا أن نتحدث عن الأخطاء التي تقع فيها الأمة في تربيتها لأبنائها وبناتها حديثاً صريحاً واضحاً.
إن من حقنا بل من واجبنا أن نطلب المراجع لمناهجنا التربوية، سواءً كانت في المؤسسة التعليمية أم التربوية، ومن حق أي ناقد مخلص أن يطالب بالتصحيح، وأن يبدي وجهة نظره في مناهج التربية وبرامجها داخل مؤسسات التربية الرسمية أو غيرها.
ومن حقنا داخل قطاع الصحوة أيضاً أن نرفع أصواتنا، وأن نطالب بإعادة النظر والتصفية ومراجعة البرامج التربوية تارة بعد أخرى، والتهرب من النقد والمراجعة واتهام من ينتقد إنما يعني الإصرار على الخطأ، واعتقاد العصمة للنفس، فلا بد أن نتربى وأن نربي غيرنا على أن تكون لغة النقد البناء لغة سائدة بين الجميع، وعلى أن يكون الحديث عن الأخطاء حديثاً لا تقف دونه الحواجز ولا العوائق، ما دام ذلك داخلاً في إطار النصيحة.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الدويش - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الباحثات عن السراب | 2589 استماع |
الشباب والاهتمامات | 2464 استماع |
وقف لله | 2325 استماع |
رمضان التجارة الرابحة | 2257 استماع |
يا أهل القرآن | 2190 استماع |
كلانا على الخير | 2189 استماع |
يا فتاة | 2183 استماع |
الطاقة المعطلة | 2120 استماع |
علم لا ينفع | 2087 استماع |
المراهقون .. الوجه الآخر | 2083 استماع |