خطب ومحاضرات
تفسير سورة الأحزاب [32-34]
الحلقة مفرغة
تأديب أمهات المؤمنين وذكر فضلهن
هذه آيات على نسق واحد في أمر أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم بآداب وأخلاق تليق بأمثالهن؛ لأن الله سيجعلهن قدوة يقتدي بهن أمثالهن من النساء.
فالله جل جلاله هدد أمهات المؤمنين وأوعدهن إذا صنعن ما لا يليق بهن، ثم أمرهن بالأخلاق العالية وحضهن عليها فقال: (من يقنت منكن) أي: من تطع الله ورسوله وتعمل الصالحات نؤتها أجرها مرتين في الدنيا والآخرة، ونهيئ لها الرزق الكريم في الدنيا بحيث لا تتعب في ذلك، وفي الآخرة بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
ثم إن الله رفع من شأنهن فقال: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب:32] أي: أنتن أشرف النساء إطلاقاً، وأعلى النساء مقاماً، هذا إذا اتقيتن الله، وعملتن من الصالحات ما يليق بأمثالكن.
ثم قال: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].
أي: فلا تلن الكلام ولا ترققنه، ولا تتكسرن فيه، فيطمع ويرغب ويمني نفسه من في قلبه مرض من الفساق والفجار وأمراض القلوب، ولكن إذا تحدثتن فتحدثن بالقول المعروف الذي يرضي الله ورسوله، من أمر بمعروف ونهي عن منكر، بكلام هو إلى الخشونة أقرب، من غير تكسر ولا تغنج.
قال الله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:32-33].
هذه آيات على نسق واحد في أمر أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم بآداب وأخلاق تليق بأمثالهن؛ لأن الله سيجعلهن قدوة يقتدي بهن أمثالهن من النساء.
فالله جل جلاله هدد أمهات المؤمنين وأوعدهن إذا صنعن ما لا يليق بهن، ثم أمرهن بالأخلاق العالية وحضهن عليها فقال: (من يقنت منكن) أي: من تطع الله ورسوله وتعمل الصالحات نؤتها أجرها مرتين في الدنيا والآخرة، ونهيئ لها الرزق الكريم في الدنيا بحيث لا تتعب في ذلك، وفي الآخرة بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
ثم إن الله رفع من شأنهن فقال: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب:32] أي: أنتن أشرف النساء إطلاقاً، وأعلى النساء مقاماً، هذا إذا اتقيتن الله، وعملتن من الصالحات ما يليق بأمثالكن.
ثم قال: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].
أي: فلا تلن الكلام ولا ترققنه، ولا تتكسرن فيه، فيطمع ويرغب ويمني نفسه من في قلبه مرض من الفساق والفجار وأمراض القلوب، ولكن إذا تحدثتن فتحدثن بالقول المعروف الذي يرضي الله ورسوله، من أمر بمعروف ونهي عن منكر، بكلام هو إلى الخشونة أقرب، من غير تكسر ولا تغنج.
ثم عاد فأمرهن بقوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33].
أي: الزمن بيوتكن لا تكثرن خروجاً ولا دخولاً، فإن كان ولا بد من الخروج فإلى المساجد وأنتن تفلات غير متعطرات ولا متبرجات.
وقد أمر الله الرجال بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) أي: لا تمنعوا النساء إذا أردن الصلاة في المساجد، ومع ذلك قال لهن صلى الله عليه وسلم: (صلاتكن في مخدعكن أفضل لكن من صلاتكن في بيوتكن، وصلاتكن في بيوتكن أفضل لكن من صلاتكن في المساجد)، لكن إذا خرجن إلى الصلاة وأبين إلا ذلك فلا يخرجن وهن متعطرات، بل يخرجن تفلات بلا عطر ولا تبرج ولا إظهار زينة، وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].
إذاً: الزمن بيوتكن ولا تخرجن منها إلا لضرورة دينية أو دنيوية، فالضرورة الدينية مثل الخروج إلى المساجد، على أن يخرجن غير متبرجات ولا متعطرات ولا سافرات ولا متغنجات، أو يخرجن للحج على نفس الحال، أو خروجاً دنيوياً لصلة أرحامهن كالأب والأم ومن لا بد أن يزرنه من أقاربهن المحارم، لا يكون في هذا الخروج تبرج كتبرج الجاهلية.
التبرج في القديم والحديث
التبرج هو: إظهار النساء المحاسن، وخروجهن متبخترات، متعطرات، متكسرات في مشيتهن، فالله منعهن من ذلك، وحرم عليهن ذلك، وقال لهن: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].
وكما قال ابن عباس : (ما كانت جاهلية أولى حتى كانت جاهلية ثانية).
وقال قتادة بن دعامة السدوسي : (لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، والجاهلية الثانية ستأتي في آخر الزمان).
فما أصدق ابن عباس في فهمه وقد أوتي حسن التأويل، وما أصدق قتادة بن دعامة في فهمه كذلك لكتاب الله.
والجاهلية الأولى هي التي كانت قبل الإسلام، عندما كان النساء يخرجن متبرجات، متعطرات، مبرزات محاسنهن، متعرضات للرجال في ثياب هي إلى العري أقرب ويمشين في تكسر وميلان.
وهذه الجاهلية الأولى التي حرم الله على النساء أن يفعلنها عاد إليها النساء في زماننا هذا الفاسد، كما فسر ابن عباس وكما صرح قتادة بن دعامة ، فلقد عادت النساء للخروج وهن متبرجات متكسرات متغنجات، مبرزات للمحاسن ساقاً وفخذاً وصدراً وظهراً وعنقاً وخداً وشعوراً، من غير خوف من الله ولا خشية من الناس، وهذا ما قد حرمه الله في كتابه على أمهات المؤمنين، وعلى غيرهن تبعاً لهن، فالأمر للنساء عموماً.
وقد روى مسلم في الصحيح، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وعن أبي سعيد الخدري قالا: قال عليه الصلاة والسلام: (صنفان من الناس لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، يأتين أبواب المساجد على المياثر، لا يرحن ريح الجنة، وإن بينهن وبينها مائة عام، ورجال ...).
فقوله عليه الصلاة والسلام: (صنفان من الناس) أي: نوعان من الخلق أو فئتان: فئة من النساء لم يرهن بعد، وفئة من الرجال لم يرهم بعد، أي: لم يكونوا في عصره ولا زمانه، بل لم يكونوا بعد عصره بأكثر من ألف عام، إلى أن كانوا في عصرنا هذا، العصر اليهودي الفاسد الفاجر.
فقد وصف صلى الله عليه وسلم النساء بأنهن كاسيات عاريات، يلبسن ألبسة هي إلى العري أقرب، تظهر منها جميع محاسنهن، من ظهور وصدور وشعور وسوق، وتكاد تكون عارية، مع التكسر والتبختر والتعطر، وعرض أنفسهن على الرجال، فهؤلاء يخرجن في الشوارع وهن إلى العري أقرب، يلبسن على رءوسهن برانيط وقبعات، ويضعنها تارة على اليسار وتارة على اليمين، يملن على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف.
أسنمة: جمع سنام، كما يكون عادة سنام الجمال الهزيلة المائلة يميناً وشمالاً، وهي عادة ذات سنامين، يأتين على هذه الحالة إلى أبواب المساجد، مما يدل أنهن في الأصل محرمات.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن: (لا يرحن ريح الجنة) أي: لا يشممن لها ريحاً، مع أن ريحها يشم من مسيرة مائة سنة، فإذا كانت المرأة على هذه الحالة لم تقبل لها صلاة، ولا يقبل لها صيام، ولا يقبل لها حج ولا عبادة، ما لم تتخل عن هذه الفواحش والبلايا والمصائب، وقديماً قالت الحكمة: التخلية مقدمة على التحلية.
فبدل أن تذهب المرأة وتزف لزوجها وقد تعطرت ولبست الحلي والحلل، تذهب لتغسل بدنها وتتنظف، ثم بعد ذلك تزف.
وهكذا المؤمنة قبل أن تذهب للطاعة من صلاة وحج وصيام فلتتطهر من الأرجاس والأدناس والعري والتبرج، وما لا يليق بالمسلمات.
حض أمهات المؤمنين وغيرهن على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
أمرهن الله كما أمر النساء عموماً بأن يقمن الصلاة، وإقامة الصلاة المحافظة عليها أوقاتاً وطهارة وحشمة وستر عورة، وواجبات وسنناً ومستحبات، وأن يقمن الصلوات الخمس في أوقاتهن في كل حياتهن، كذلك إن كان لكن ما تتصدقن به، وجوباً أو سنة نافلة فافعلن ذلك، وزكين أموالكن، وتصدقن على كل سائل ومحروم.
وقوله: وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] خصص ثم عمم جل جلالة، فأمر بالتزام البيوت، وأمر بالحياء والحشمة وعدم التبرج منهن، إلا أن يخرجن لزيارة رحم كأب أو أم أو لمسجد أو لحج بشرط ألا يتبرجن، وأمرهن بملازمة الصلاة بأركانها وواجباتها وسننها، وبأن يؤدين الزكاة الواجبة والنافلة، ثم عمم عموماً فقال: وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]، وطاعة الله طاعته في كتابه، وطاعته في طاعة رسوله، بأن يقمن بكل الأركان، من شهادتين، وصلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وأن يتركن كل حرام حرمه الله، وأن يقمن بكل واجب أوجبه الله، ما أمرن به فليفعلن منه ما استطعن، وما نهين عنه فلينتهين عنه ألبتة.
كذلك أمر الله أمهات المؤمنين بأن يطعن رسول الله في سنته، وفيما يأمرهن به كفاحاً ومواجهة، يطعنه في كل أمر ونهي؛ لأنهن سادات النساء، ولأنهن لسن كأحد من النساء.
معنى الرجس الذي أذهبه الله عن أهل البيت
(إنما) أداة حصر، أي: ما أمر الله به أمهات المؤمنين مما ذكر في الآيات السابقة، إنما أراد الله بها أن يطهر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الرجس، وهن من أهل البيت.
والرجس: هو السوء والشهوة، وهو عمل الشيطان، وهو كل ما نهى الله عنه ورسوله.
إذاً: الرجس كل سوء من النواهي، وكل شر من الأعمال، وكل أعمال الشيطان.
فقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ [الأحزاب:33] أي: ليذهب الشر والإثم والفاحشة والسوء وما لا يليق بكن يا أهل بيت رسول الله.
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33] أي: أن تطهرن من السوء والفحشاء، ومن الذنوب والمعاصي.
حقيقة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
الخطاب في الآية لأمهات المؤمنين، وهي صريحة بأن أمهات المؤمنين من آل بيت رسول الله.
وقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33] أي: يا أهل البيت.
ولكن النبي عليه الصلاة والسلام عندما نزلت هذه الآية، فيما ترويه أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة ، وفيما يرويه أبو هريرة وأبو سعيد وزيد بن أرقم رضي الله عنهم وغيرهم كما في الصحاح والسنن، قالوا: (عندما نزلت هذه الآية الكريمة: نادى عليه الصلاة والسلام
فكان هذا الحديث زيادة بيان وتفسير وشرح لمعرفة آل البيت، فآل البيت هم في الدرجة الأولى بناته عليه الصلاة والسلام، ثم سلالته من فاطمة ، ولم يكن له سلالة من غيرها.
وفي الحديث المتواتر الذي صححه أئمة الشام، والشاميون إذا صححوا حديثاً عن آل البيت وعن بني هاشم فعض عليه بالنواجذ، كما إذا صحح أهل الكوفة والعراق أحاديث في أبي بكر وعمر فتمسك بها؛ لأن الحديث الذي صح عادة بشهادة من اتهم في هؤلاء واتهم في هؤلاء يكون صحيحاً.
فعن زيد بن أرقم وعمر بن الخطاب وعن جماهير من الصحابة قالوا: عندما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في اليوم السادس والعشرين من شهر ذي الحجة، وهو عائد للمدينة المنورة مع من معه من الحجاج أقام ونزل في الجحفة ودعا: الصلاة جامعة، فحضر من معه من الحجاج، فصلى بهم رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم وقف خطيباً بعد ذلك، فأشاد بـعلي بن أبي طالب وأشاد بآل بيته رضوان الله عليهم جميعاً، ثم قال: (
نص الإمام ابن كثير والإمام الذهبي والمزني وكلهم من الشام على تواتر هذا الحديث، وأنه كان في يوم مشهود عند غدير خم في الجحفة، وقد انجحفت وذهبت واندثرت، وهي أقرب ما يكون إلى ما يسمى اليوم رابغ.
استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة الأحزاب [14-18] | 2592 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [55-56] | 2487 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [36-37] | 2217 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [50-51] | 2173 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [23-28] | 2094 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [57-59] | 1946 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [53-55] | 1923 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [1-4] | 1914 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [30-33] | 1871 استماع |
تفسير سورة الأحزاب [63-72] | 1829 استماع |