تفسير سورة الأحزاب [1-4]


الحلقة مفرغة

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الأحزاب:1].

سورة الأحزاب سورة مدنية.

وفيها ثلاث وسبعون آية، وسميت بسورة الأحزاب لأن فيها قصة غزوة الأحزاب الذين جاءوا من شتى أقاليم جزيرة العرب لحرب رسول الله عليه الصلاة والسلام والمسلمين.

تألبت قريش وغطفان من خارج المدينة واليهود من داخل المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءوا إلى عقر دار المسلمين يظنون أنهم سيقضون على الإسلام ونبي الإسلام وأهل الإسلام، فخابوا وخاب ظنهم، وعادوا بخفي حنين أذلاء مقهورين.

وتسمى غزوة الخندق، والخندق: هو الحفرة، وبعد أن علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القبائل تحزبت عليه من كل جانب جاء سلمان إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله! كان الفرس إذا حدث لهم مثل هذا يخندقون على أنفسهم، ويحفرون حفراً تحول بين وصول الأعداء وبينهم، فهلا حفرنا مثلهم وخندقنا مثلهم، فقبل صلى الله عليه وسلم هذا الرأي، وأمر المهاجرين والأنصار بحفر الخندق، فحفر الخندق)، وحيل بين هؤلاء الأحزاب وبين دخولهم المدينة المنورة.

واشتملت هذه الغزوة على غزوة بني قريظة، إذ هؤلاء غدروا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وألبوا عليه أعداءه، وحاولوا أن يحاربوه من الداخل.

وقد نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين نصراً عزيزاً مؤزراً كما سنرى تفصيل ذلك.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) من كرامة نبينا صلى الله عليه وسلم على الله أن أكثر ما يدعوه بالنبي والرسول، بخلاف ما كان يدعو الأنبياء قبله، فهو يقول: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وأنبياء بني إسرائيل، فإذا كان الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: (يا أيها النبي)، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)، (يا أيها الرسول)، وهكذا دواليك، وقد نبه على ذلك الشيخ ابن تيمية بأبين وأفصح عبارة كما في كتابه القيم الذي يعتبر الأول بين كتبه: (الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وعلى آله).

وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ أي: هو نداء مفرد مبني على الضم ينادى به الواحد، والهاء للتنبيه، يعني: يا هذا، والنبي نعت لهذا النداء، أي: يا هذا المنادى، أو يا أيها المدعو، أو يا نبي الله.

وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ يأمر الله عبده ونبيه وإمام أنبيائه بالتقوى، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يؤمر بالتقوى هو تنبيه بالأعلى على الأدنى، إذا كان النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا يعصي يؤمر بتقوى الله وطاعته فكيف بالعصاة مثلنا؟ وكيف بغير المعصومين مثلنا؟ فذلك نداء للنبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، وهو للناس كلهم بأن يتقوا الله، وأن يعبدوا الله ويوحدوه.

والتقوى: هي طاعة الله على نور من الله يرجو رضا الله، والتقوى: هي أن يطيع الإنسان ربه بفعل أوامره وترك نواهيه على نور من ربه، وعلى برهان ودليل، لا أن يطيعه بالهوى، ولا بالخواطر، ولا بالفلسفات الباردة، ولكنه يطيع الله على نور من الله، كما يريد ربنا عز وجل ويرضى.

وأن تكون الطاعة ابتغاء رضوان الله، ورجاءٍ رحمة الله، لا لمجرد الهوى والعادة.

والتقوى من الوقاية، وهي أن يجعل المؤمن وقاية بينه وبين عذاب ربه، وبين غضب ربه، وبين ما لا يرضي ربه، فالله جل جلاله يدعونا إلى طاعته وإلى البعد عن معصيته؛ ليكرمنا برضاه وبالجنان خالدين مخلدين فيها.

وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ .

يعني: يا نبي الله، اتق الله طاعة، واتق الله رضاء، واتق الله بعداً عن المخالفة، وإياك أن تطيع الكافر في قوله أو فعله، وأن تطيع المنافق في قوله أو فعله، هذا أمر للأعلى تنبيهاً للأدنى، فهو أمر للنبي الله المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا يعصي الله ما أمره، وهذا فيه تنبيه العصاة غير المعصومين من عموم الناس، أي: يا أيها الناس تبعاً لنبيكم وما أمر به رسولكم اتقوا الله ولا تطيعوا الكافرين بالله، ولا تطيعوا المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام كذباً وزوراً، ويخفون معصية الله، ويخفون الكفر بالله، فهؤلاء المنافقون إياكم وإياهم، وهؤلاء الكافرون إياكم وإياهم.

سبب نزول قول الله تعالى: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين...)

قال البعض من مفسري الآية الكريمة: وكان سبب نزول هذه الآية لما هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً في تلك المدة من السنوات التي هادنهم فيها، وجاء إلى المدينة أبو سفيان ، وجاء عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وجاء جماعة منهم، ونزلوا على رأس النفاق عبد الله بن أبي ابن سلول ، وواجهوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين له: (يا محمد، لو تركت عيب آلهتنا لتركناك ودينك، وتبعهم في هذا القول المنافقون وناصروهم وأضافوهم وأكرموهم، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، لو أمرتني أن أقتل هؤلاء جميعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: والعهد الذي بيننا؟!) أي: بيننا وبينهم عهد عشر سنين، فكيف نغدر بهم ونقتلهم.

فأمر بطردهم، فقام عمر وأخرجهم من المدينة المنورة ملعونين خزايا؛ لطلبهم هذا الطلب السخيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ أي: في أن تنصت لمثل هذا القول الباطل.

وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ أي: فيما طلبوه منك من مهادنة آلهتهم المزيفة، وتركهم على كفرهم ونفاقهم.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا أي: له العلم جل جلاله فيما يجري، وفيما سيكون بعد ذلك من أن هؤلاء مقهورون، ومغلوبون على أمرهم، وذاهبون وآلهتهم المزيفة، وأنت منصور عليهم النصر العزيز المؤزر، فلا تلتفت لأقوالهم، ولا تقبل كلامهم ولا كلام المنافقين الذين ساندوهم، فهو سبحانه عليم بباطل قول هؤلاء، وفساد ما يدعون إليه.

وهو حكيم في أفعاله، ما أمرك بقتالهم إلا وقوله منزل منزلة الحق يعود بالخير عليك وعلى المؤمنين من أتباعك، والله ناصرك وناصر أتباعك ومذل عدوك، ومذل كل كافر ومنافق، فقد علم الله ذلك في سابق علمه وهو الحكيم في أقواله وأفعاله.

قال البعض من مفسري الآية الكريمة: وكان سبب نزول هذه الآية لما هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً في تلك المدة من السنوات التي هادنهم فيها، وجاء إلى المدينة أبو سفيان ، وجاء عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وجاء جماعة منهم، ونزلوا على رأس النفاق عبد الله بن أبي ابن سلول ، وواجهوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين له: (يا محمد، لو تركت عيب آلهتنا لتركناك ودينك، وتبعهم في هذا القول المنافقون وناصروهم وأضافوهم وأكرموهم، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، لو أمرتني أن أقتل هؤلاء جميعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: والعهد الذي بيننا؟!) أي: بيننا وبينهم عهد عشر سنين، فكيف نغدر بهم ونقتلهم.

فأمر بطردهم، فقام عمر وأخرجهم من المدينة المنورة ملعونين خزايا؛ لطلبهم هذا الطلب السخيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ أي: في أن تنصت لمثل هذا القول الباطل.

وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ أي: فيما طلبوه منك من مهادنة آلهتهم المزيفة، وتركهم على كفرهم ونفاقهم.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا أي: له العلم جل جلاله فيما يجري، وفيما سيكون بعد ذلك من أن هؤلاء مقهورون، ومغلوبون على أمرهم، وذاهبون وآلهتهم المزيفة، وأنت منصور عليهم النصر العزيز المؤزر، فلا تلتفت لأقوالهم، ولا تقبل كلامهم ولا كلام المنافقين الذين ساندوهم، فهو سبحانه عليم بباطل قول هؤلاء، وفساد ما يدعون إليه.

وهو حكيم في أفعاله، ما أمرك بقتالهم إلا وقوله منزل منزلة الحق يعود بالخير عليك وعلى المؤمنين من أتباعك، والله ناصرك وناصر أتباعك ومذل عدوك، ومذل كل كافر ومنافق، فقد علم الله ذلك في سابق علمه وهو الحكيم في أقواله وأفعاله.

قال الله تعالى: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:2-3].

أي: دع قول هؤلاء الكافرين، ودع قول هؤلاء المنافقين، ولا تلتفت إليهم، ولا تهتم بهم، ولكن الذي تتبعه وتطيعه هو ما أوحاه الله إليك.

والأمر من الله لنبيه أمر للمؤمنين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة، ولا يليق بالمؤمن أن يستشير في دين الله كافراً أو منافقاً، فضلاً عن أن يعمل بقول الكافرين والمنافقين، ولكن المؤمن أمر بأن يعمل بما أوحى الله به وأنزله على نبيه وهو القرآن الكريم، وبما نطقت به السنة المطهرة، التي جاءت مبينة لكتاب الله.

وقوله: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ .

أي: اتبع الوحي الذي جاءك به جبريل عن الله.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا .

أي: كان الله بقولكم أيها المؤمنون خبيراً عليماً، فهو يعلم ما تقولون، وهو خبير بما تفعلون، فمن فعل خيراً فله، ومن فعل شراً فعليه، فهو الخبير بأعمالنا وبأقوالنا، فمن أطاع فله الجنة، ومن عصى فله النار.

والله جل جلاله يلزمنا بأن نطيعه، ومن عصاه قد أنذره، وتهدده وتوعده بعذابه وعقابه، وهو يعلم ما يعمل وما يحدث به نفسه إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

قال الله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:3].

أي: يا محمد اتق الله في نفسك، وأمر أتباعك المؤمنين بأن يتقوه، وألا يطيع أحد من أتباعك منافقاً ولا كافراً، بل قل لهم: اتبعوا ما أوحى الله إليكم وأنزله عليكم، وتوكلوا على الله في طاعتكم له، واجعلوا الله وكيلكم، وابتعدوا عن كل منافق وكافر، ومن جعل الله وكيلاً له كفاه كل شر وكل سوء، ونصره على أعدائه، وأيده في أعماله، وكان له كما يكون لأوليائه المتقين.

وقوله: وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي: يكفيك الله عدوك، ويكفيك شانئك، فلا تخرج عن طاعة الله، فذلك خير لك في دنياك وفي آخرتك، وكل هذا ديباجة وتمهيد لما أوحى الله به على نبيه في هذه السورة من غزوة الأحزاب غزوة الخندق، وما حصل فيها من إذلال عدو الله، ونصر رسول الله وأتباعه.




استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة الأحزاب [14-18] 2593 استماع
تفسير سورة الأحزاب [55-56] 2488 استماع
تفسير سورة الأحزاب [36-37] 2220 استماع
تفسير سورة الأحزاب [50-51] 2176 استماع
تفسير سورة الأحزاب [32-34] 2148 استماع
تفسير سورة الأحزاب [23-28] 2097 استماع
تفسير سورة الأحزاب [57-59] 1948 استماع
تفسير سورة الأحزاب [53-55] 1925 استماع
تفسير سورة الأحزاب [30-33] 1871 استماع
تفسير سورة الأحزاب [63-72] 1832 استماع