مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}:لن تستمر الدنيا ولذاتها لكل من اغتر بها فيوم القيامة تدك الأرض بما فيها حتى تصير قاعاً صفصفاً, ثم يكون مجيء الرب سبحانه مجيئاً يليق بجلاله, والملائكة صفوف خاضعين خاشعين لجلال الله وحضرته.وتأتي الملائكة بجهنم يجرونها في مشهد مهيب, ساعتها يتذكر كل مجرم ما قدمت يداه ويسود الندم ولات حين مندم وتظهر الحسرات جلية على الوجوه, ويتمنى كل مقصر لو قدم لحياته الحقيقية بعدما أدرك أن الدنيا لم تكن سوى سويعات وانقضت.يوم القيامة عذابه شديد لا يقوى عليه إلا الله ولا يوثق المجرمين بمثل وثاقه إلا الملك الجبار سبحانه.قال تعالى:{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) } [الفجر]قال السعدي في تفسيره: {كَلَّا} أي: ليس كل ما أحببتم من الأموال، وتنافستم فيه من اللذات، بباق لكم، بل أمامكم يوم عظيم، وهول جسيم، تدك فيه الأرض والجبال وما عليها حتى تجعل قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمت.ويجيء الله تعالى لفصل القضاء بين عباده في ظلل من الغمام، وتجيء الملائكة الكرام، أهل السماوات كلهم، صفًا صفا أي: صفًا بعد صف، كل سماء يجيء ملائكتها صفا، يحيطون بمن دونهم من الخلق، وهذه الصفوف صفوف خضوع وذل للملك الجبار.{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } تقودها الملائكة بالسلاسل.فإذا وقعت هذه الأمور فـ{ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ } ما قدمه من خير وشر.
{وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى }فقد فات أوانها، وذهب زمانها.يقول متحسرًا على ما فرط في جنب الله: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } الدائمة الباقية، عملًا صالحًا، كما قال تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} .
وفي الآية دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها وكمالها ، وفي تتميم لذاتها، هي الحياة في دار القرار، فإنها دار الخلد والبقاء.{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} لمن أهمل ذلك اليوم ونسي العمل له.{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } فإنهم يقرنون بسلاسل من نار، ويسحبون على وجوههم في الحميم، ثم في النار يسجرون، فهذا جزاء المجرمين.قال ابن كثير:أي ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه.{ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } : أي وليس أحد أشد قبضا ووثقا من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين.#أبو_الهيثم#مع_القرآن