مصدران عظيمان لتفريج الكرب والمغفرة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
مصدران عظيمان لتفريج الكرب والمغفرةالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
فمن مصادر الأجر العظيم، ومن دلالات سلامة الصدر ومحبة الخير للغير: عملان عظيمان وسهلان ويفرِّط فيهما كثير من الناس، ما هما؟!
الأول: التألم الشديد لأحوال إخوانك أهل المصائب والدعاء لهم بإلحاح وباستمرار، وكذلك عموم أهل الكرب؛ مثل: الأرامل، المطلقات، العوانس، الفقراء، المسحورين، الممسوسين، المصابين بأمراض خطيرة، المديونين.
وأعظم منهم مَن ابتُلي في دينه بالشرك أو البدع، أو ترك الصلاة، أو تعاطي المخدرات والفواحش، وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أبي الدرداء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك: ولك بمثل)، وفي رواية أخرى عند مسلم أيضًا: (آمين ولك بمثل).
فأنت لا تخسر شيئًا، بل تكسب دعوة الملَك لك (ولك بمثل).
وإذا فرجت الكربة صار لك أجر عظيم آخر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فرَّج عن مسلم كربة، فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)؛ متفق عليه.
فاحرصوا بارك الله فيكم على ملازمة الدعاء لأي مكروب تعرفونه أو لا تعرفونه، قريب لكم أم بعيد، يعلم بدعواتكم أو لا يعلم، ولكن الله سبحانه يعلم ويثيب.
والأفضل ألا تُخبره ولا غيره؛ حتى لا يدخل نيَّتك شيءٌ من المن أو الرياء، ولتبقى لك عملًا خالصًا.
وتذكَّر أن دعوة الملَك (ولك بمثل) ربما كانت سببًا عظيمًا في تفريج كربتك أنت بسبب تأمين الملك عليها، وقوله: (ولك بمثل).
ولا تنسَ عملًا صالحًا آخرَ عظيمَ الأجر والأثر، لا يستطيعه إلا موفق ذو حظٍّ عظيم من الله، ما هو؟!
هو العفو عمن ظلمك، ومن تختلف معهم في أي أمر، والدعاء لهم؛ قال سبحانه: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه ﴾ [الشورى: 40]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].
وقِفْ عند آخر الآية، واسأل ربك سبحانه بإلحاح أن يجعلك من أهل الحظ العظيم.
قال سبحانه: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
وتذكَّر أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أهل مكة بعد فتحها مع قدرته على الانتقام منهم، وتذكر أن النبي يوسف عليه السلام عفا عن إخوانه مع قدرته على الانتقام منهم، وزاد على ذلك الدعاء لهم برغم شدة أذيَّتهم له، ولا تنسَ قصة أبي بكر رضي الله عنه عندما عفا عن مسطح بن أثاثة الذي خاض في عِرض ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ قال سبحانه: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].
فبكى رضي الله عنه وقال: بلى أُحب أن يغفر الله لي، ثم عفا عن مسطح وأعاد له النفقة.
وأخذ العلماء منها فائدة عظيمة، وهي أن عفو المظلوم عمن ظلمه سبب لعفو الله عن المظلوم.
أسأل الله سبحانه أن يَهدينا لأحسن الأخلاق وللعفو وسلامة الصدر، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومَن والاه.