أرشيف المقالات

لو ساعة واحدة في اليوم - خالد الشافعي

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
لو ساعة واحدة في اليوم 
لو ساعة واحدة فقط
مثلًا تكون بين الفجر والشروق
أو قبل الفجر
ساعة من غير تليفونك وتابك
ومن غير ضجيج الأولاد
بدون ضجيج التفاصيل التي سرقتنا من كل حاجة حلوة
ساعة من غير فيس ولا تويتر ولا آسك
تقفل على نفسك باب غرفتك
تُخرج مصحفك
استرخاء كامل
تقرأ كلام ربنا بهدوء
بهدوء جدًا
دع عنك حكاية أنك ستقرأ بكم آية
دعك من هذه الحكاية تمامًا
الساعة هذه ليست لأجل الكم
لكن لأجل الكيف
لأجل جوع روحك المسحوقة تحت وطأة غول التفاصيل المادية القاسية
ساعة لأجل أن تعالج كل أمراضك النفسية
ساعة لأجل نصفك الروحاني
بمنتهى الصراحة أنت لو راجعت اهتماماتك وأولوياتك ومشاريعك اليومية
ستجدها -تقريبًا- كلها موجهة لخدمك النصف الطيني الذي فيك

للأسف
أنت مسخر مواهبك وإمكانياتك تقريبًا كلها لخدمة الجسد وتلبية طموحاته
وتارك نصفك الروحي يموت من الجوع، والتيه، والاغتراب، والشوق
حتى العبادات التي يجب أن تُلبي أشواق النص الروحاني، تؤديها بشكل روتيني وجاف، لا يحدث التأثير المطلوب
لأجل هذا فهذه الساعة بالنسبة لك حياة أو موت
لأجل أن تصنع توازن قليلًا بين الطين والروح التي بداخلك
ساعة لأجل أن تغسل فيها ذاتك من أدرانها
ساعة لأجل أن تستطيع أن تستعيد سلامك المسلوب
ساعة من الترتيل الهادئ جدًا
اضغط على كل حرف
ويا حبذا أن يكون المصحف الذي تقرأ منه فيه معاني كلمات وتفسير مختصر وأسباب نزول
تاخد فكرة عن السورة قبل أن تقرأها
لا تقول يا ليت
لا
هذا لا بد منه
ثم تبدأ في القراءة المتأنية
ولو واجهتك كلمة لا تعرف معناها انظر في الهامش
واقرأ الآية من الأول ثانية
ساعة تجعل فيها كل حرف في كلام ربنا يتسلل ويتوغل وينتشر ويلمس كل ذرة فيك
وصدقني
إن نجحت في الساعة هذي
إن عملت هذا
إن عشت مع كلام ربنا
وأعطيته فرصة يمرعلى قلبك
ومن قلبك لروحك
لجوارحك
لضعفك
لهمومك
لمشاكلك
بالمناسبة: أنت مريض جدًا 
متضجر جدًا 
اغتراب متوحش ساكن في أركانك من الداخل
شعور بالوحدة 
والتيه 
حاجة تقيلة بتضغط على أنفاسك
من سنين لم تأخذ نفسك للآخر
نفسك ينقطعت في النصف
من كتير هربان وتايه 
صحيح؟
بالله عليك صحيح؟
وبالمناسبة
أنت جربت كل حاجة 
إلا علاجك الوحيد
مشروع العودة لربنا 
وعلى فكرة كمان 
أنت تعرف أن هذا هو الحل الوحيد
لكن إما مستصعبه فتؤجله
أو بدأت غلط
وتأخذ العلاج الرباني بطريقة تُضيع أثره المرجو
وبالمناسبة
آن الآوان أن تقف وقفة جادة مع نفسك هذه التي ستُضِيعك
مرة واحدة أَجري كلامك عليها
مرة واحدة تفعل شيئًا ينفعك دنيا وآخرة
مرة واحدة تفعل شيئًا تمسح أساك وتعبك 
مرة واحدة تقفز فيها قفزة تغيير مجرى حياتك
والله ستشعر أنك طائر
ستكون تريد أن يمر هذا اليوم لأجل هذا الموعد
ستشتاق للقرآن
وتشتاق الخلوة هذه
والساعة ستكون ساعتين وتلاتة
وأنت لن تكون أنت
ساعة تتولد فيها من جديد
كفاية تضييع للوقت
أنت تُضيع نفسك صدقني
والله ما لك علاج تاني، والله
ابق هكذا هارب
تعبان
مخنوق
مسروق
مشنوق
ابق هكذا
واقف تنظر من على الباب
اسمع مواعظ ونصايح، واقرأ كُتب كلها بتأكد لك أن هذا هو العلاج الوحيد
وهذا السبيل الوحيد لانتهاء معاناتك
ومع ذلك 
ورغم أنك مقتنع وتُريد
بس همتك وتعلقك بالدنيا 
واستسلامك لتهويل شياطين الإنس والجن
ولوسوسة نفسك 
جعلينك تؤجل مشروع عمرك الوحيد
وأنت الخاسر
أنت الخاسر 
لأنك لو قلت تكفي المشاهدة 
ودفعت الباب ودخلت
ستندم على كل ثانية عشتها خارج هذا العالم
ابقى على ما يُريحك
واقف تشاهد فقط لكن لا تلومن إلا نفسك
وادع لي.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢