تفسير سورة الأحزاب [14-18]


الحلقة مفرغة

قال الله جل جلاله: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا [الأحزاب:14].

لا نزال مع المجاهدين في مقاومة الأحزاب الكافرين الذين تجمعوا من كل وثني وكتابي وضال مضل من أعداء الله والإسلام.

فقوله: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا [الأحزاب:14] الكلام على من قال الله عنهم في الآية السابقة: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [الأحزاب:13].

يقص الله علينا قصص هذه الفئات المنافقة الكاذبة الذين حضروا مع جيوش المسلمين، وهم يتظاهرون بالإسلام وبالجهاد في سبيل الله، لكنهم حينما اشتد عليهم البأس، اشتد هلعهم ورعبهم، فأظهروا نفاقهم، وطائفة منهم تركوا المعركة وفروا من الزحف.

ولم يكتفوا بذلك، بل أخذوا يدعون غيرهم لترك المعركة، بل وترك يثرب المدينة المنورة.

وطائفة منهم أرادوا التوسط فكذبوا في استئذانهم النبي صلى الله عليه وسلم متعللين أن بيوتهم مكشوفة ومفتوحة، وأنها عرضة لكل سارق ومهاجم وغاز، فكذبهم الله وقال عنهم عندما زعموا أن بيوتهم عورة: وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ [الأحزاب:13] أي: ليست مكشوفة، وليست عرضة للسارقين والمعتدين والغازين.

وهنا قال تعالى: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا [الأحزاب:14].

أي: هؤلاء لو غزوا ودخل أعداء الإسلام المدينة المنورة، ثم طلب منهم أن يكفروا، وطلب منهم الفتنة في دينهم وفي أنفسهم وعيالهم، لأسرعوا إليها متسابقين.

وقوله: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا [الأحزاب:14].

أي: لو أن المنافقين استجابوا للفتنة وأعلنوا كفرهم، فهم من الأصل كفرة، ولو سئلوا الفتنة وطلب منهم أن يعودوا للكفر جهاراً علناً لأتوا إلى ذلك مسرعين، ولو فعلوا ما طلب منهم، فإنهم لن يلبثوا بها ولن يلزموها إلا يسيراً من الوقت، ثم ستنقلب عليهم ويكونون وقود نارها وحطب جحيمها، حينها سيندمون ولات حين مندم.

فهؤلاء المنافقون كشف الله حالهم، وحقيقة إيمانهم، والمنافقون يكذبون وليس لهم من الإيمان والإسلام إلا قول اللسان.

قال تعالى: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [الأحزاب:15].

أي: هؤلاء الذين تذبذبوا ونافقوا، سبق أن فاتتهم حروب قوية حضرها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فعندما قاتل عليه الصلاة والسلام في بدر، قالت فئة من بني حارثة : لقد فاتنا الخير الكثير في عدم حضور هذه المعركة، وقد كان قائدها مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعاهد الله إن جاءت غزاة أخرى حضرها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لنحضرنها، ولنبذلن فيها أرواحنا وأموالنا، وكل عزيز علينا ونحرص ألا تفوتنا.

وهاهم هؤلاء قد حضروا معركة الأحزاب، وكان المشرف عليها النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم قد نقضوه، فهم يفرون من المعركة، وبعضهم يستأذنون في تركها كذباً زاعمين أن بيوتهم مكشوفة، وأن بيوتهم تحت تناول الغزاة والسارقين والمهاجمين، وهم إنما يريدون الفرار من المعركة، والفرار من الزحف كبيرة من الكبائر.

وقوله: (وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا).

أي: هذا العهد الذي قطعوه على أنفسهم من أن يحضروا المعركة ولا يفروا منها، سيسألهم الله يوم القيامة عن خيانتهم لهذا العهد، ولهذا الميثاق.

معنى قوله تعالى: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم ...)

قال الله تعالى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:16].

أي: يا أيها النبي قل لهؤلاء المنافقين الكفرة: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:16].

فأنتم تفرون من المعركة خوف الموت والقتل، والموت تابعكم وملاحقكم، وفراركم من الموت لن ينفعكم، ولن تفلتوا من الموت، ولو كنتم في بروج مشيدة.

وإن أنتم عشتم بعد ذلك لا تعيشون إلا أياماً وشهوراً معدودات، فمهما طالت وامتدت فلن تكونوا قد استمتعتم فيها إلا تمتعاً يسيراً، وماذا عسى أن يزيدكم هذا التمتع وقد فررتم من الموت أو القتل؛ ظناً منكم أن أعماركم ستطول وحياتكم ستدوم، وهيهات هيهات أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78].

فكيف تفرون من الموت وهو آتيكم، ومن القتل ولا مفر عنه، ولو عشتم فلن تمتعوا ولن تعيشوا إلا يسيراً قليلاً، مع الخزي وغضب الله.

موقف أبي لبابة الأنصاري مع بني قريظة

وقد سألني سائل بالأمس عن أبي لبابة هذا الذي عندما طلب اليهود من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم ليستشيروه، وقد كان حليفهم مع الأوس في الجاهلية، فاجتمع عليه صبيانهم ونساؤهم وأخذوا يجهشون بالبكاء والعويل، والرجال تسأله: ماذا يريد منا محمد؟ وإن استسلمنا له فبماذا سيجازينا ويعاقبنا؟

وقد كان حصرهم في حصونهم لمدة شهر، وهم يأبون الاستسلام، ثم بعد ذلك أرسلوا له يقولون: (ألا تعاملنا معاملة قبائل بني النضير بأن تأخذ أموالنا وأرضنا وتتركنا ونساءنا وأطفالنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لهم: استسلموا دون قيد ولا شرط) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

يعني: لا تشترطوا، بل استسلموا وسأحكم عليكم بما أريد، وبما يلهمني الله عند ذلك، فاستشاروا أبا لبابة.

وإذا بـأبي لبابة عندما بكت أمامه النساء والأطفال وسألوه: ماذا يراد بنا؟ فأشار لهم بأصبعه إلى حلقه. أي: الذبح!

فعلم أنه خان الله ورسوله، وكشف سراً من أسرار النبي عليه الصلاة والسلام، وهو لم يقل: موت ولا ذبح، ولكنه أشار إليهم بأنه لن يعاقبهم ويجازيهم بما جازى به بني النضير قبلهم، وإنما يريد ذبحهم وقتلهم؛ لأن بني قريظة تزعموا التأليب والتحزيب على رسول الله صلى الله وعليه وسلم بقيادة طاغيتهم وكبيرهم في الكفر كعب بن أسد ومعه حيي بن أخطب الذي تنقل بين قبائل العرب يؤلبهم على رسول الله عليه الصلاة والسلام والإسلام.

ثم إنهم هم الذين أفسدوا بني النضير على النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين، فكان جزاؤهم أشد وأقوى عقوبة من بني النضير.

فالنبي عليه الصلاة والسلام ينتظر أبا لبابة الأنصاري ليخبره خبر بني قريظة، فإذا به يذهب إلى المسجد ويربط نفسه بسارية من سواريها، ويقول: علي عهد الله ألا أعود لأرض خنت الله فيها، وعلى أن أربط نفسي ولا أحلها ما لم يتب الله علي، فبقي ستة أيام مربوطاً في السارية تأتيه زوجته فتحله عند أوقات الصلاة، ثم تعود فتربطه.

وعندما أخبر عليه الصلاة والسلام بخبره قال: لو أتاني لاستغفرت له، أما وقد أبى إلا ذلك فليترك وما أراد، عسى الله أن يغفر له.

وبعد انتهاء معركة بني قريظة كان النبي صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وإذا به يضحك ويتبسم عليه الصلاة والسلام، وذلك عند السحر، فسألته أم سلمة : ما الذي أضحكك يا رسول الله، أضحك الله سنك؟ قال: قد نزلت التوبة من الله على أبي لبابة بن عبد المنذر ، وكان الحجاب لم ينزل بعد، فقالت: يا رسول الله، أتأذن لي أن أبشره؟ قال: إن شئت!

وإذا بها تفتح باب غرفتها وتصيح: أبشر أبا لبابة فقد نزلت توبتك من الله، وغفر الله لك.

وإذا بمن كان في المسجد من المؤمنين المنتظرين لصلاة الصبح، يتسابقون إليه مهنئين ومباركين، ويريدون حل رباطه من السارية، فقال لهم: لا، حتى يحلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.

وإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام عندما خرج من حجرته لصلاة الصبح يرى أبا لبابة لا يزال مربوطاً فيحله بيده صلى الله عليه وسلم.

وقد نزل في أبي لبابة عندما خان الله بما أشار به لإخوة القردة والخنازير أنه الذبح، نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].

وعندما نزلت توبته، نزل قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102].

موقف سعد بن معاذ وموته بعد بني قريظة

أما سعد بن معاذ فقد جرح في الخندق ودعا الله تعالى ألا يميته حتى يقر عينه من بني قريظة الذين خادعوا الإسلام والمسلمين، وغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفروا حفرة كانوا الواقعين فيها، وبحثوا عن حتفهم بأنفسهم.

فتم له ما أراد، وحكم في رجالهم بالقتل، وفي النساء والأطفال بالأسر، وفي أموالهم بقسمتها، فخمست ثم قسمت فجعل للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد.

ثم بعد ذلك بزمن قليل انفجر جرحه، وانقطع أكحله، وهو العرق في اليد يتصل بالقلب، فاستفحلت الدماء، فدخل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً له: (يا نبي الله من هذا الذي مات، لقد اهتز له عرش الرحمن؟ فقام صلى الله عليه وسلم مسرعاً من بيته ليرى ما الذي صنع الله بـسعد وهو عند الجارية السوداء رفيدة تعالجه وتمرضه، وإذا به يجده قد مات)، فكان اهتزاز العرش وحضور الملائكة في جنازته كرامة من الله لهذا الصحابي الجليل الشهيد رضوان الله عليه.

وقد حاول بعض من يطعن في هذا الحديث من حيث المعنى، فقالوا: (اهتز العرش) أي: اهتز السرير الذي حمل عليه سعد ، ولكن في الحديث ذكر عرش الرحمن.

قال أبو عمر ابن عبد البر من أئمة المالكية الأندلسيين: ولم لا يهتز العرش وما هو إلا خلق من خلق الله؟!

ويقول أبو عمر ابن عبد البر أيضاً: قد تواتر الحديث بهذا عن جمهور من الصحابة.

وممن كتب في التواتر من السابقين واللاحقين السيوطي في القرن التاسع في كتابه (الأزهار المتناثرة من الأحاديث المتواترة)، وجدي محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله في أواسط هذا القرن، وهذا في كتابه (نظم المتناثر من الحديث المتواتر).

إذاً: مشهور ومنتشر بين أهل العلم والحديث خاصة أن سعد بن معاذ رجل عظيم جليل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتز لموته عرش الرحمن، وأن أبا لبابة الأنصاري قد خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً كما نزلت الآية فيه.

قال الله تعالى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:16].

أي: يا أيها النبي قل لهؤلاء المنافقين الكفرة: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:16].

فأنتم تفرون من المعركة خوف الموت والقتل، والموت تابعكم وملاحقكم، وفراركم من الموت لن ينفعكم، ولن تفلتوا من الموت، ولو كنتم في بروج مشيدة.

وإن أنتم عشتم بعد ذلك لا تعيشون إلا أياماً وشهوراً معدودات، فمهما طالت وامتدت فلن تكونوا قد استمتعتم فيها إلا تمتعاً يسيراً، وماذا عسى أن يزيدكم هذا التمتع وقد فررتم من الموت أو القتل؛ ظناً منكم أن أعماركم ستطول وحياتكم ستدوم، وهيهات هيهات أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78].

فكيف تفرون من الموت وهو آتيكم، ومن القتل ولا مفر عنه، ولو عشتم فلن تمتعوا ولن تعيشوا إلا يسيراً قليلاً، مع الخزي وغضب الله.

وقد سألني سائل بالأمس عن أبي لبابة هذا الذي عندما طلب اليهود من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم ليستشيروه، وقد كان حليفهم مع الأوس في الجاهلية، فاجتمع عليه صبيانهم ونساؤهم وأخذوا يجهشون بالبكاء والعويل، والرجال تسأله: ماذا يريد منا محمد؟ وإن استسلمنا له فبماذا سيجازينا ويعاقبنا؟

وقد كان حصرهم في حصونهم لمدة شهر، وهم يأبون الاستسلام، ثم بعد ذلك أرسلوا له يقولون: (ألا تعاملنا معاملة قبائل بني النضير بأن تأخذ أموالنا وأرضنا وتتركنا ونساءنا وأطفالنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لهم: استسلموا دون قيد ولا شرط) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

يعني: لا تشترطوا، بل استسلموا وسأحكم عليكم بما أريد، وبما يلهمني الله عند ذلك، فاستشاروا أبا لبابة.

وإذا بـأبي لبابة عندما بكت أمامه النساء والأطفال وسألوه: ماذا يراد بنا؟ فأشار لهم بأصبعه إلى حلقه. أي: الذبح!

فعلم أنه خان الله ورسوله، وكشف سراً من أسرار النبي عليه الصلاة والسلام، وهو لم يقل: موت ولا ذبح، ولكنه أشار إليهم بأنه لن يعاقبهم ويجازيهم بما جازى به بني النضير قبلهم، وإنما يريد ذبحهم وقتلهم؛ لأن بني قريظة تزعموا التأليب والتحزيب على رسول الله صلى الله وعليه وسلم بقيادة طاغيتهم وكبيرهم في الكفر كعب بن أسد ومعه حيي بن أخطب الذي تنقل بين قبائل العرب يؤلبهم على رسول الله عليه الصلاة والسلام والإسلام.

ثم إنهم هم الذين أفسدوا بني النضير على النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين، فكان جزاؤهم أشد وأقوى عقوبة من بني النضير.

فالنبي عليه الصلاة والسلام ينتظر أبا لبابة الأنصاري ليخبره خبر بني قريظة، فإذا به يذهب إلى المسجد ويربط نفسه بسارية من سواريها، ويقول: علي عهد الله ألا أعود لأرض خنت الله فيها، وعلى أن أربط نفسي ولا أحلها ما لم يتب الله علي، فبقي ستة أيام مربوطاً في السارية تأتيه زوجته فتحله عند أوقات الصلاة، ثم تعود فتربطه.

وعندما أخبر عليه الصلاة والسلام بخبره قال: لو أتاني لاستغفرت له، أما وقد أبى إلا ذلك فليترك وما أراد، عسى الله أن يغفر له.

وبعد انتهاء معركة بني قريظة كان النبي صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وإذا به يضحك ويتبسم عليه الصلاة والسلام، وذلك عند السحر، فسألته أم سلمة : ما الذي أضحكك يا رسول الله، أضحك الله سنك؟ قال: قد نزلت التوبة من الله على أبي لبابة بن عبد المنذر ، وكان الحجاب لم ينزل بعد، فقالت: يا رسول الله، أتأذن لي أن أبشره؟ قال: إن شئت!

وإذا بها تفتح باب غرفتها وتصيح: أبشر أبا لبابة فقد نزلت توبتك من الله، وغفر الله لك.

وإذا بمن كان في المسجد من المؤمنين المنتظرين لصلاة الصبح، يتسابقون إليه مهنئين ومباركين، ويريدون حل رباطه من السارية، فقال لهم: لا، حتى يحلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.

وإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام عندما خرج من حجرته لصلاة الصبح يرى أبا لبابة لا يزال مربوطاً فيحله بيده صلى الله عليه وسلم.

وقد نزل في أبي لبابة عندما خان الله بما أشار به لإخوة القردة والخنازير أنه الذبح، نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].

وعندما نزلت توبته، نزل قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102].