خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/1210"> الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/1210?sub=60945"> تفسير سورة الأحزاب
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة الأحزاب [55-56]
الحلقة مفرغة
قال الله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب:55].
نحن لا نزال مع سورة الأحزاب وما فيها من أحكام الحلال والحرام، وأحكام النكاح للمؤمنين جميعاً ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وما في السورة من آداب ورقائق وتهذيب، آداب الأسرة في أدبها في بيوتها وفي ولائمها ومع الناس.
عندما أنزل الله سبحانه الحجاب وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة في شهر ذي القعدة حيث كانت غزوة الأحزاب التي سميت بها السورة، نزل قوله تعالى فيما نزل من آية الحجاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] ولو بقيت هذه الآية وحدها لفهم أن الحجاب عام في المحارم وغير المحارم، ولكن الله جل جلاله استثنى من ذلك المحارم بعد أن فرض الحجاب على أمهات المؤمنين وتبعاً لهن نساء المؤمنين، وجعل ذلك فرضاً واجباً على كل امرأة مسلمة قد بلغت الحلم.
فاستثنى الله بعد ذلك بقوله: لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ [الأحزاب:55] أي: لا جناح ولا إثم ولا حرج على أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين في الكشف لآبائهن، أو أبنائهن، أو إخوانهن، أو أبناء إخوانهن، أو أبناء أخواتهن، كل ذلك قد أباح الله لأمهات المؤمنين وللنساء المؤمنات، أباح لهن عدم الحجاب منهم؛ لأنهم محارم.
وقوله: وَلا نِسَائِهِنَّ [الأحزاب:55] فسر المفسرون النساء هنا مع الإضافة إليهن أي: النساء المسلمات، أما المرأة غير المسلمة فلا يباح للمؤمنة ولا لأمهات المؤمنين أن يكشفن لهن.
ولكن بعض المفسرين من المحققين يقولون: إن معنى قوله: وَلا نِسَائِهِنَّ [الأحزاب:55] أي: لا يحتجبن من النساء مطلقاً كما لا يحتجبن من ذوي المحارم أو ما ملكت أيمانهن.
وقوله: وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [الأحزاب:55] أي: ولا حرج ولا إثم في ملك اليمين، قالوا: ملك اليمين هنا النساء، ولا دخل للرجال في الموضوع؛ لأن الرجال قد خرجوا في الآية السابقة: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:53] فهنا الخطاب لكل الرجال سواء كانوا أحراراً أو عبيداً.
فقوله: وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [الأحزاب:55] أي: ما ملكت اليمين من الإماء لأمهات المؤمنين فلا حرج في عدم الحجاب منهن.
وهذه الآية لم يذكر فيها أبناء الأزواج، والربائب.
وفي قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] ذكر البعولة، أما هنا فالبعل هو النبي عليه الصلاة والسلام، وأيضاً لم يذكر أبناء البعولات، من هنا كان الحسن والحسين أبناء فاطمة وأبناء علي ، أسباط رسول الله عليه الصلاة والسلام، بما أن أبناء البعولة أبناء الزوج الذي هو رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يذكروا هنا في الآية، فـالحسن والحسين كلاهما: بالنسبة لأمهات المؤمنين كغيرهما من الرجال، وبقيا على عموم الحجاب، فلم يكن الحسن ولا الحسين يدخلان على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكونا يوماً يريدان رفع الحجاب بينهما وبينهن، وأمهات المؤمنين أقررن كذلك أن الحسن والحسين وهما أبناء رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ولكن الحسن والحسين عليهما السلام فهما الآية فهماً ظاهرياً، ومن أدلة الظاهرية داود وابن حزم ورجال مذهبهما أن النص يفهم على ظاهره، فـالحسن والحسين لأنهما لم يذكرا في هذه الآية حسبا أنفسهما أجانب عن أمهات المؤمنين، فيجب عليهن أن يحجبن منهما، وبقيا هكذا مدة حياتهما رضي الله عنهما.
لم يذكر في الآية كذلك ما ذكر في إبداء الزينة كما في سورة النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] وإنما ذكر الباقي من أبناء الإخوة وأبناء الأخوات والنساء وملك اليمين.
ولم يذكر الخال والعم لا في الآية الأولى ولا في الآية الثانية، ومن هنا كره بعض الأئمة أن تكشف البنت خمارها وشعرها أمام عمها أو خالها؛ لأنهما قد يصفان بنت الأخ وبنت الأخت لأولادهما، والأمر ليس كذلك، فالعم محرم والخال محرم، ولكن العم دخل في ذكر الأب: أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31] فالعم أب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (العم صنو الأب) أي: هو أب وأخ للأب وفي رتبة الأب.
ولم يذكر الخال؛ لأنه في معنى الخالة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الخالة أم).
هذه الآيات الكريمات لم يذكر الله فيها ابن العم وابن الخال؛ لأنهما أجنبيان، والزواج بهما صحيح جائز بإجماع المسلمين.
وقد جاء الإسلام وسطاً بين اليهود والنصارى، فالنصارى حرموا الزواج بابنة العم وابنة الخال، واعتبروهما كالأختين إلى سبعة آباء.
واليهود أفرطوا وتجاوزوا الحد فأباحوا زواج بنت الأخ لعمها، وبنت الأخت لخالها، فتزوجوا المحارم.
وقوله: وَلا نِسَائِهِنَّ [الأحزاب:55] أي: من كن من جنسهن فلا استثناء، فالنساء كلهن لا يحتجب بعضهن من بعض إلا في العورات، والمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وعورة الرجل من السرة إلى الركبتين، فما سوى العورات يجوز أن يراه المحرم، وما كان من العورة فلا يجوز بحال إلا للزوج.
ومن هنا ذكرت البعولة -أي الأزواج- في قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] فهذا استثناء من الحجاب الذي فرضه الله على نساء النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم أمرهن بالتقوى فقال: وَاتَّقِينَ اللَّهَ [الأحزاب:55].
أي: خفن من الله واخشينه، وخفن عذابه وعقابه وأطعنه، أحللن حلاله وحرمن حرامه فيما أمر به في كتابه، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام طاعة له.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب:55] هذا نذير ووعيد، أي: اعلموا يا هؤلاء أن الله شاهد ورقيب على أعمالكم، إن فعلتم خيراً فمرجع ذلك في الخير والجزاء لكم، وإن فعلتم سوى ذلك فإثمه عليكم، ولكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن كن في منتهى التقوى والصلاح والطاعة والرضا لله ولرسوله.
قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
هذه رتبة عظيمة وشرف كبير لمحمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، أن الله وملائكته يصلون عليه، ويحض المؤمنين أن يعملوا عمله وعمل ملائكته.
ومعنى الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ [الأحزاب:56]:
(يصلون): فعل مضارع يدل على الحال والاستقبال، أي: أن الله جل جلاله وملائكته منذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً يصلون عليه حال نزول الآية ومستقبلاً وإلى يوم القيامة.
وقوله تعالى أيضاً: وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى [الضحى:4] أي: للزمن الآتي خير لك من ما مضى درجة ورفعة، وذلك بكثرة صلاة الله عليه وصلاة ملائكته عليه وصلاة أتباعه من المؤمنين وسلامهم عليه عليه الصلاة والسلام.
والصلاة من الله رحمة وثناء وذكر بين الملائكة، أي: الله جل جلاله يثني على نبيه في أوساط الملائكة وبين ملئهم في الحال وفي الاستقبال وإلى يوم القيامة.
ثم هو يرحمه رحمات متتابعات إلى لقاء الله وإلى دخول الفردوس الأعلى من الجنة، وهي منزلته من الجنة.
وصلاة الملائكة دعاء لرسول الله، فالملائكة يدعون لرسول الله عليه الصلاة والسلام باستمرار، يدعون له برفع الدرجات وبتوالي الرحمات، ويدعون الله جل جلاله أن يزيده مقاماً فوق مقامه صلى الله عليه وسلم.
صفة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين
أي: كما أن الله جلت رفعته وعز مقامه يصلي على نبيه ويشيد به ويثني عليه في الملأ الأعلى، ويرحمه دواماً واستمراراً، وبما أن الملائكة الكرام يدعون لنبينا عليه الصلاة والسلام في كل زمن وحين وإلى يوم القيامة، فأنتم كذلك يا هؤلاء الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً.
وصلاتنا كصلاة الملائكة أي: ندعو له برفع مقامه وعلو درجته في الفردوس الأعلى، ونسلم عليه تسليماً.
وتسليماً: مفعول مطلق، أي: نسلم عليه كثيراً ودواماً عند زيارته في المسجد النبوي وفي البعد وحيث كنا من أرض الله تعالى.
عندما نزلت هذه الآية جاء الأصحاب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالوا له: (يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، وأما الصلاة فكيف نصلي عليك؟) أي: أن السلام تعلموه من التحيات حيث كان يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين من على المنبر كما يعلمهم السورة من القرآن، وفي التحيات (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته).
فهم علموا معنى السلام، ولكن الصلاة في لغة العرب: هي الدعاء، فجاء الاصطلاح وغير هذا المعنى إلى اصطلاح شرعي، فكانت الصلاة هي الصلاة المعروفة عندنا بالتكبير مع الطهارة واستقبال القبلة، مع قراءة الفاتحة والسورة، مع الركوع والسجود والارتفاع من الركوع ومن السجود، إلى ركعات معدودة اثنتين وأربعاً وأربعاً وثلاثاً وأربعاً، جهرية وسرية.
فهم قد علموا أن الصلاة انتقلت من مصطلحها اللغوي في العبادة إلى اصطلاحها الشرعي، فعندما قيل لهم: صلوا، فلم يدروا الصلاة على رسول الله كيف هي، هل سيصلون عليه هذه الصلاة بمفهومها الشرعي؟ فهم يعلمون أن الله وحده المعبود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عبد لله وتلك أشرف صفاته وأسماها وأعلاها.
إن التحية هي: السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وقد ألغى الله سلام العرب في الجاهلية، وألغى سلام الأمم الأخرى في الجابهلية، وقد كانوا يقولون: عم صباحاً وعم مساءً، والمسلمون اليوم تركوا السلام الإسلامي وصاروا يقولون: صباح الخير، مساء الخير، وهذه تحية جاهلية، وليست تحية إسلامية، وكانوا يسلمون على الأمراء في الجاهلية ويقولون: أبيت اللعن، أي: أبيت وامتنعت عما يوجب اللعن، فألغى الله تعالى هذه التحية أيضاً، فجعل التحية بيننا: السلام عليكم، نقولها لرسول الله حياً وميتاً، ويقولها لنا رسول الله عندما كان حياً عليه الصلاة والسلام، ونسلم على بعضنا كذلك، وهذا معنى قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] .
فإذا قال المسلم: السلام عليكم، فرد السلام واجب وجوب كفاية، فتقول له: وعليكم السلام، وإن زدت وقلت: وعليكم السلامة ورحمة الله فحسن.
فإن قال هو ابتداء: السلام عليكم ورحمة الله، فزد أنت: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، ولا زيادة على قولك وبركاته.
فإذا سلم المسلم وقال: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، فرد التحية بهذا اللفظ ولا زيادة.
فالصحابة قالوا: (يا رسول الله، أما السلام عليك فقد علمناه فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، والحديث رواه الجماعة: البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، ومالك في موطئه، وأحمد في مسنده، والشافعي في مسنده، وأصحاب السنن الأربعة في سننهم وهم: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، فهذه تسمى الصلاة الإبراهيمية، ولها ألفاظ أشملها وأعمها هذا اللفظ.
وفي بعض الروايات: (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته) وذكر الذرية بعد الزوجات ينفي المعنى الذي يقوله من لا يعلم: إن الآل هم جميع المسلمين، وليس الأمر كذلك، بل الآل هم أزواج رسول الله وذريته، ولا ذرية لرسول الله إلا من بنته فاطمة .
فكان السلام على الآل سلاماً على الأزواج، وهن من خاطبهن الله بقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33] فكان الخطاب لأمهات المؤمنين، وعندما نزلت الآية في بيت أم سلمة نادى ابنته فاطمة وزوجها علياً وابنيهما الحسن والحسين عليهما السلام، وكان عليه كساء أسود فلفهم به وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).
وهو ما فسره الحديث الصحيح الذي رواه الجماعة: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد).
وقوله: (اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته) وذكر الذرية لا يبقي مجالاً لمعنى آخر.
حكم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة
وقال الإمام الشافعي: الصلاة على رسول الله واجب في كل صلاة في التشهد الأخير، فمن لم يصل على رسول الله في الصلاة فصلاته باطلة وعليه أن يعيدها.
وما قاله الإمام الشافعي وأعلنه قولاً واحداً بلا خلاف، وهو مذهب جميع أصحابه بلا خلاف، وهو ما ذهب إليه الإمام أحمد أخيراً، وهو مذهب الإمام إسحاق بن راهويه ، وهو مذهب الإمام محمد بن إبراهيم بن الموالي المالكي ، وهو مذهب ابن المواز المالكي، وهو مذهب ابن العربي الأندلسي المالكي، فلم ينفرد بهذا الإمام الشافعي .
إذاً: القول بوجوب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وأن من لم يصل عليه في الصلاة في التشهد الأخير فصلاته باطلة هو مذهب جماعة من الصحابة، منهم: جابر بن عبد الله وعبد الله بن مسعود ، وهو مذهب جماعة من التابعين منهم: الإمام الشعبي ، ومنهم الإمام محمد الباقر ، وزاد أصحاب لـأحمد وأصحاب للشافعي : أن الصلاة على رسول الله في الصلاة في التشهد الأخير لا بد وأن تكون مع الصلاة على الآل في الصلاة الإبراهيمية، فمن لم يصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة العامة ويصلي معه على الآل فصلاته باطلة.
وهذا هو رأي طائفة من الصحابة وطائفة من التابعين وطائفة من الأئمة المجتهدين.
والأحاديث في الصلاة على رسول الله متواترة مستفيضة عن العشرات من الصحابة، وفيهم من الخلفاء الراشدين عمر وعلي ، وفيهم من آل البيت الحسن والحسين وفاطمة أمهما بنت النبي عليه وعليهم السلام.
وروي كذلك عن جماعات تجاوزت الثلاثين إلى الأربعين، ومع هذه الكثرة الكاثرة والنص على التواتر من الإمام ابن كثير وغيره فهناك من كتب في التواتر فأغفل ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنها من المتواتر.
فمن الأحاديث هذه الصلاة الإبراهيمية، ومن ذلك: (من أراد أن يدخل الجنة معي فليصل علي).
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي).
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وقد أصبح يوماً منشرح النفس ضاحك الأسارير، فسئل عن ذلك عليه الصلاة والسلام؟ فقال: (أتاني جبريل فبشرني أن من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً، وكتب له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفعه عشر درجات).
وجاء رجل للنبي عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله إني أصلي عليك كثيراً، أأصلي عليك ربع صلاتي؟ -أي: ربع وقتي من الدعوات- قال: إن شئت، وأن تزيد خير لك، قال: فالثلث يا رسول الله؟ قال: إن شئت، وأن تزيد خير لك، قال: فالنصف يا رسول الله؟ قال: إن شئت، وإن تزيد خير لك، قال: الثلثين؟ قال: إن شئت وأن تزيد خير لك، قال: يا رسول الله، أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً يكفيك الله همك في الدنيا والآخرة، ويغفر الله لك جميع ذنوبك).
من الذي يزهد في هذا الخير؟ من الذي يبتعد عن هذه الخيرات؟ من الذي يسمع هذا عمن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم -وهو في غنية عنا بصلاة الله عليه وصلاة ملائكته عليه- ولا يصلي عليه، والله يأمرنا بذلك، ونبي الله عليه الصلاة والسلام يأمرنا بذلك ويحضنا؟
والصلاة على رسول الله لا وقت لها ولا زمن كالذكر، وهي تفرض في أوقات معلومة، إذا صلينا على الجنازة فعند التكبيرة الأولى نقرأ الفاتحة الأولى، وعند التكبيرة الثانية نقرأ الصلاة الإبراهيمية: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ... إلى آخرها.
فنحن في الصلاة على الميت ووداعه الوداع الأخير نصلي على رسول الله؛ لأن هذا الميت كان فضل رسول الله عليه عظيماً، إذ هو برسول الله صار مسلماً، فنحن نيابة عنه وهو قد أفضى إلى ما قدم نصلي على رسول الله شكراً لما أكرم به هذا العبد من كونه آمن به واتبع أوامره واجتنب نواهيه.
فإن قصر فنحن ندعو له في التكبيرة الثالثة وندعو لأنفسنا، وفي التكبيرة الرابعة نقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.
إذاً: فالصلاة على رسول الله مطلوبة عند بداية الخطاب وعند نهايته، وعند ابتداء الكلام وعند انتهائه، وتزداد استحباباً وتأكيداً ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من صلى علي يوم الجمعة بلغتني صلاته، فقالوا له: كيف تصلك يا رسول الله وقد أرمت - أي: بليت وفنيت - قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، إن صلاتكم تبلغني حيث كنتم وحيث سلمتم) فصلى الله عليه وسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي صلاتها وسلامها، وإن الله كلف ملكاً أو ملكين يردان السلام على من سلم علي) صلى الله عليه وعلى آله.
ويوم الجمعة قال عنه عليه الصلاة والسلام: (هو خير أيامكم، فيه خلق آدم، وفيه يموت آدم، وفيه تكون الصعقة - أي: يوم القيامة - ومن صلى علي فيه بلغتني صلاته) فصلى الله عليه وعلى آله.
والصلاة على رسول الله يكفي في أجرها وثوابها أن المكثر في صلاته على النبي يكفى همه في الدنيا والآخرة، وتغفر ذنوبه، وتصلي عليه الملائكة، ويرفع الله له عشر درجات، ويمحو عنه عشر سيئات، ويؤتيه عشر حسنات، ومن هنا أوجب من أوجب الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام. (جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بدويان أعرابيان فسأله أحدهم، قال: يا رسول الله! قد كثرت علي الشرائع فاختر لي، قال: إن استطعت أن يكون لسانك رطباً بذكر الله فافعل)، ثم ذكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
فكانت هذه درجات ومنازل بالنسبة للمصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، وفيها من أسمى ما يتمناه المسلم ويسعى إليه العابد، ولا يزهد فيه إلا مغبون، ولا يبتعد عنه إلا مخذول، خاصة إذا ذكر عليه الصلاة والسلام.
فإذا ذكرنا اسمه لا نزال نعقب عليه بقولنا: صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا ذكرناه لا بد أن نصلي عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (البخيل كل البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي) أي: البخيل كثير البخل من يسمع اسم محمد نبيه ورسوله وخاتم الأنبياء ولا يقول عنه: صلى الله عليه وعلى آله.
ولا بد أن يذكر آله مع الصلاة عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد).
ومن هنا فالإمام الشافعي المطلبي أوجب اجتهاداً بمثل هذه الأحاديث وأضرابها وأشكالها الصلاة على رسول الله في الصلاة، وأن من لم يصل على رسول الله في الصلاة الواجبة فصلاته باطلة، وليس هذا مذهباً خاصاً به، فهو مذهب لـأحمد .
وقال الإمام مالك ، والإمام سفيان الثوري : الصلاة على رسول الله في الصلاة في التشهد الأخير سنة مؤكدة يعاتب ويوبخ ويلام تاركها، وكأنهما أيضاً يقولان بالوجوب؛ لأن التوبيخ والتقريع والملامة لا تكون إلا على من ترك واجباً.
فقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] لنقول امتثالاً لأمر الله وهو يأمرنا كما أمر من قبلنا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد).
والعالمين جمع عالم، أي: عالم الإنس والجن والملك، وفي عوالم البشر عربها وعجمها، مشارقها ومغاربها، وفي العوالم المعاصرة والعوالم الآتية بعدنا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام والتي ستتوالى إلى يوم القيامة.
وقوله: (وسلموا تسليماً) مفعول مطلق أي: سلاماً دائماً مستمراً لا ينقطع.