تفسير سورة البروج


الحلقة مفرغة

سورة البروج هي السورة الخامسة والثمانون من القرآن الكريم، وهي سورة مكية، وآيها اثنتان وعشرون آية. روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق). قال الله تبارك وتعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج:1-2]. قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) أي: الكواكب والنجوم، شبهت بالبروج -وهي القصور- لعلوها، أو البروج منازل عالية في السماء. قال ابن جرير : وهي اثنا عشر برجاً، فمسير القمر في كل برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية وعشرون منزلة، ثم يستتر لليلتين، ومسير الشمس في كل برج منها شهراً. وأصل معنى البروج الأمر الظاهر من التبرج، ثم صار حقيقة في العرف للقصور العالية، فالقصر العالي يطلق عليه برج؛ لأنه ظاهر للناظرين، ويقال لما ارتفع من سور المدينة: برج أيضاً. يقول ابن كثير : يقسم تعالى بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام كما تقدم بيان ذلك في قوله: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان:61]. وقيل: البروج النجوم. وقال مجاهد : البروج التي فيها الحرس. وقال يحيى بن رافع : البروج قصور في السماء. وقال المنهال بن عمرو : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) ذات الخلق الحسن. واختار ابن جرير أنها منازل الشمس والقمر، وهي اثنا عشر برجاً. قوله: (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) أي: الذي وعد فيه العباد بفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة.

قال عز وجل: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:3]. يقول القاسمي: الشاهد هو كل ما له حس يشهد به، والمشهود: هو كل محس يشهد بالحس، فيدخل فيه العوالم المشهودة كلها. وتخصيص بعض المفسرين بعضاً مما يتناوله لفظهما لعله الأهم أو الأولى أو الأعرف والأظهر لقرينة عنده، وإلا فاللفظ على عمومه حتى يقوم برهان على تخصيصه. قوله: (وشاهد ومشهود) اختلف المفسرون في ذلك، ومن ذلك ما حكاه ابن كثير رحمه الله تعالى أن الشاهد هو يوم الجمعة وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه، ولا يستعيذ فيها من شر إلا أعاذه. قوله: (وَمَشْهُودٍ) هو يوم عرفة، والحديث الوارد في هذا ضعيف، ثم ذكر جملة من الأحاديث مما ذكرنا. وعن ابن عباس قال: الشاهد هو محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم قرأ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود:103]. يعني: يوم القيامة. وسأل رجل الحسن بن علي عن قوله: (وشاهد ومشهود) قال: سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم. سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا: يوم النحر ويوم الجمعة، فقال: لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم ثم قرأ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] والمشهود: يوم القيامة، ثم قرأ: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود:103]. وقال الضحاك وغيره: الشاهد: ابن آدم، والمشهود: يوم القيامة. وعن عكرمة : الشاهد: محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود: يوم الجمعة. وعن ابن عباس: الشاهد: الله، والمشهود: يوم القيامة. وعنه أيضاً: (وشاهد ومشهود) قال: الشاهد: الإنسان، والمشهود: يوم الجمعة. وعن سعيد بن جبير : الشاهد: الله، وتلا: وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:79]، والمشهود: نحن. ثم قال ابن كثير : والأكثرون على أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وقد ذكر القاسمي كلاماً قوياً، وهو: أن الشاهد هو كل ما له حس يشهد به، والمشهود هو كل مُحَس يُشهد بالحس، فيدخل فيه العوالم المشهودة كلها، وتخصيص بعض المفسرين بعضاً مما يتناوله لفظهما؛ لعله الأهم أو الأولى أو الأعرف والأظهر لقرينة عنده، وإلا فاللفظ على عمومه حتى يقوم برهان على تخصيصه.

قال تبارك وتعالى: قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ [البروج:4]. هم الذين كانوا يعذبون المؤمنين، قتلهم الله وأهلكهم وانتقم منهم، على أن الجملة خبرية وهي جواب القسم، أو دليل جوابه إن كانت جملة دعائية، والتقدير: لتبلون كما ابتلي من قبلكم، ولينتقمن الله منكم -يا كفار قريش- كما انتقم من الذين ألقوا المؤمنين في الأخدود. قال الزمخشري : وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان، وإلحاق أنواع الأذى وصبرهم وثباتهم، حتى يأنسوا بهم، ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أن الكفار ملعونين عند الله بمنزلة أولئك المعذِّبين بالنار، أحقاء بأن يقال فيهم: قتلت قريش كما قيل: قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ [البروج:4]، والأخدود: الحفرة المستطيلة في الأرض.

قال تبارك وتعالى: النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج:5]. قوله: (النار) بدل من الأخدود، أي: النار سبب في الوقود. والوَقود بالفتح الحطب الذي يوقد به، لكن الوُقود بالضم هو الإيقاد، مثل الوَضوء والوُضوء والطَهور والطُهور. قوله تبارك وتعالى: إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ [البروج:6] أي: على حافة أخدودها. (قُعُودٌ) أي: قاعدون يتشفون من المؤمنين، ويتلذذون برؤية المؤمنين وهم يحترقون.

قال تبارك وتعالى: وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:7] يعني: حضور يشاهدون احتراق الأجساد الحية وما تفعل بها النيران، لا يرقون لهم؛ وذلك لقسوة قلوبهم. يقول عز وجل: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] أي: وما أنكروا منهم ولا كان لهم ذنب إلا الإيمان بالله وحده! قال الراغب : نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته، إما باللسان وإما بالعقوبة ومنه الانتقام. قوله: (الْعَزِيزِ) أي: الغالب على أعدائه بالقهر والانتقام. قوله: (الْحَمِيدِ) أي: المحمود على إنعامه وإحسانه. يقول الحافظ ابن كثير : قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ [البروج:4] أي: لعن أصحاب الأخدود، وجمعه أخاديد، وهي الحفر في الأرض، وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين بالله عز وجل، فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم؛ فحفروا لهم في الأرض أخدوداً وأججوا فيه ناراً، وأعدوا لها وقوداً يسعرونها به، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم فقذفوهم فيها، ولهذا قال تعالى: قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:4-7] أي: مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين. قال الله تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ أي: وما كان لهم عندهم ذنب إلا إيمانهم بالله العزيز الذي لا يضام من لاذ بجانبه، المنيع الحميد في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، وإن كان قد قدر على عباده هؤلاء هذا الذي وقع بهم بأيدي الكفار به فهو العزيز الحميد، وإن خفي سبب ذلك على كثير من الناس. قال تبارك وتعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج:9]، من تمام الصفة أنه المالك لجميع السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما. قوله: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي: لا يغيب عنه شيء في جميع السماوات والأرض ولا تخفى عليه خافية. قال القاسمي : أي على كل شيء من أفاعيل هؤلاء الفجرة أصحاب الأخدود وغيرهم شاهد شهوداً لا يخفى عليه منهم مثقال ذرة، وهو مجازيهم عليه. وفي توصيفه تعالى بما ذكر من النعوت الحسنى إشعار بمقام إيمانهم، فإن كونه تعالى قاهراً ومنعماً، له ذلك الملك الباهر، وهو عليم بأفعال عبيده؛ مما يوجب أن يخشاه من عرف المصائب. وفي الآية نوع من البديع يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو معروف في كتب المعاني، وهناك بيت شعر مشهور فيه تأكيد للمدح بما يشبه الذم، يقول الشاعر: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وقد تمدح شخصاً فتقول: لا عيب فيه إلا أنه سيموت، فهذا تأكيد المدح بما يشبه الذم، فالشاعر يقول: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم قد يتوقع أن سيوفهم قصيرة، أو أن سيوفهم من خشب، أو أي شيء فيه ذم، لكن قال: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب أي: أن كثرة الخدش في سيوفهم هو من كثرة ما يقاتلون الأعداء ويبارزون في القتال. قوله: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ) يعني: ما أمسكوا عليهم ذنباً إلا أنهم يعمرون المساجد بالعبادة، فهذا تأكيد للمدح بما يشبه الذم، لكن هو في هذه الآية ليس بذم، بل هذا أعظم ما يمدح به الإنسان.

أقوال المفسرين في أصحاب الأخدود

روى ابن جرير عن ابن عباس في أصحاب الأخدود قال: هم ناس من بني إسرائيل خدوا أخدوداً في الأرض ثم أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء فعرضوا عليها. وقال الضحاك: هم من بني إسرائيل أخذوا رجالاً ونساء فخدوا لهم أخدوداً، ثم أوقدوا فيه النيران فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النار. وقال مجاهد : كان الأخدود شقوقاً بنجران، كانوا يعذبون فيها الناس. وتفصيل النبأ: أن دعوة المسيح عليه السلام الأولى العارية عن شوائب الإلحاد لما دخلت بلاد اليمن، وآمن كثير من أهلها كانت في مقدمة تلك البلاد بلدة نجران، وكان أقام عليها ملك الحبشة أميراً من قبله نصرانياً مثله، وكان بها راهب كبير له الكلمة النافذة والأمر المطاع، ثم إن اليهود الذين كانوا في تلك البلاد تآمروا على إزالة السلطة النصرانية من اليمن والإيقاع بمن تنصر بغضاً في المسيحية. والحقيقة أن كلمة المسيحية كلمة غير صحيحة؛ لأن المسيحية ليست مثل الناصرية والماركسية بمعنى أن ينسب المذهب إلى مؤسسه، بل المسيح لم يؤسس دعوة المسيحية وإنما جاء بالإسلام، يقول عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فجميع الأنبياء دعوتهم هي دعوة الإسلام، لكن اشتهرت دعوة المسيح بأنها النصرانية، وهناك نصرانية حقة ونصرانية مزيفة. إذاً: فكلمة المسيحية ما ينبغي التساهل فيها، إنما هي النصرانية، فينبغي أن تقول: فلان نصراني ولا تنسبه إلى المسيح؛ لأن المسيح بريء منه، كالذين ينتسبون إلى علي وما هم بعلويين، بل هؤلاء أعداء لـعلي وهو يتبرأ منهم. فالشاهد أن القاسمي أتى من كتب هؤلاء بقصة معروفة عند النصارى بخبر أراكا ورفقته، ويرادفونها بعام (524م) من تاريخهم، والله تعالى أعلم. وهؤلاء الذين عذبوا في الأخدود كانوا قطعاً مسلمين بشهادة القرآن الكريم. يقول الحافظ ابن كثير : وقد اختلف أهل التفسير في أهل هذه القصة من هم؟ فعن علي رضي الله عنه أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل تزويج المحارم فامتنع عليه علماؤهم فعمد إلى حفر أخدود فقذف فيه من أنكر عليه منهم، واستمر فيهم تحليل المحارم إلى اليوم. وعنه: أنهم كانوا قوماً باليمن اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم فغلب مؤمنوهم على كفارهم، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين فخدوا لهم الأخاديد وأحرقوهم فيها. وعنه: أنهم كانوا من أهل الحبشة، واحدهم حبشي. وعن ابن عباس : قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج:4-5] قال: ناس من بني إسرائيل خدوا أخدوداً في الأرض، ثم أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء فعرضوا عليها، وزعموا أنه دانيال وأصحابه. وقيل غير ذلك. وروى الإمام مسلم والإمام أحمد رحمهما الله تعالى عن صهيب رضي الله عنه، وهذا الحديث لا نستطيع القطع بأنه مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ويوجد احتمال أنه قصة حكاها صهيب الذي كان رومياً، وعنده علم من أخبار النصارى، فيحتمل أن يكون من كلام صهيب، ويحتمل أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إلي غلاماً لأعلمه السحر، فدفع إليه غلاماً فكان يعلمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر. قال: فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر، قال: فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها، فمضى الناس، فأخبر الراهب بذلك فقال: أي بني! أنت أفضل مني وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي. فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم -أي: بإذن الله-، وكان للملك جليس فعمي فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما هاهنا أجمع، فقال: ما أنا أشفي أحداً، إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا الله فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان! من الذي رد عليك بصرك؟ فقال: ربي. فقال: أنا؟ قال: لا، ربي وربك الله. قال: أولك رب غيري؟! قال: نعم، ربي وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه فقال: أي بني! بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟! قال: ما أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل، قال: أنا؟ قال: لا، قال: أولك رب غيري؟! قال: ربي وربك الله، فأخذه بالعذاب فلم يزل به حتى دل على الراهب، فأتي بالراهب فقال: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك، فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا فقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه -يعني دحرجوه- فذهبوا به، فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت! فرجف بهم الجبل فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟! قال: كفانيهم الله. فبعث به مع نفر في قرقور -والقرقور: سفينة صغيرة-، فقال: إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحر، فلججوا به البحر، فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت، فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟! قال: كفانيهم الله. ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي. قال: وما هو؟! قال: تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثم قل: باسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال: باسم الله رب الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟! فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم! فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها، قال: فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي -وهو أحد الأطفال الرضع الذين نطقوا-: اصبري يا أماه! فإنك على الحق) وهكذا رواه مسلم في آخر الصحيح إلى آخره. يقول الحافظ ابن كثير : وهذا السياق ليس فيه صراحة أن سياق هذه القصة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : فيحتمل أن يكون من كلام صهيب الرومي فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى، والله تعالى أعلم.

روى ابن جرير عن ابن عباس في أصحاب الأخدود قال: هم ناس من بني إسرائيل خدوا أخدوداً في الأرض ثم أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء فعرضوا عليها. وقال الضحاك: هم من بني إسرائيل أخذوا رجالاً ونساء فخدوا لهم أخدوداً، ثم أوقدوا فيه النيران فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النار. وقال مجاهد : كان الأخدود شقوقاً بنجران، كانوا يعذبون فيها الناس. وتفصيل النبأ: أن دعوة المسيح عليه السلام الأولى العارية عن شوائب الإلحاد لما دخلت بلاد اليمن، وآمن كثير من أهلها كانت في مقدمة تلك البلاد بلدة نجران، وكان أقام عليها ملك الحبشة أميراً من قبله نصرانياً مثله، وكان بها راهب كبير له الكلمة النافذة والأمر المطاع، ثم إن اليهود الذين كانوا في تلك البلاد تآمروا على إزالة السلطة النصرانية من اليمن والإيقاع بمن تنصر بغضاً في المسيحية. والحقيقة أن كلمة المسيحية كلمة غير صحيحة؛ لأن المسيحية ليست مثل الناصرية والماركسية بمعنى أن ينسب المذهب إلى مؤسسه، بل المسيح لم يؤسس دعوة المسيحية وإنما جاء بالإسلام، يقول عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فجميع الأنبياء دعوتهم هي دعوة الإسلام، لكن اشتهرت دعوة المسيح بأنها النصرانية، وهناك نصرانية حقة ونصرانية مزيفة. إذاً: فكلمة المسيحية ما ينبغي التساهل فيها، إنما هي النصرانية، فينبغي أن تقول: فلان نصراني ولا تنسبه إلى المسيح؛ لأن المسيح بريء منه، كالذين ينتسبون إلى علي وما هم بعلويين، بل هؤلاء أعداء لـعلي وهو يتبرأ منهم. فالشاهد أن القاسمي أتى من كتب هؤلاء بقصة معروفة عند النصارى بخبر أراكا ورفقته، ويرادفونها بعام (524م) من تاريخهم، والله تعالى أعلم. وهؤلاء الذين عذبوا في الأخدود كانوا قطعاً مسلمين بشهادة القرآن الكريم. يقول الحافظ ابن كثير : وقد اختلف أهل التفسير في أهل هذه القصة من هم؟ فعن علي رضي الله عنه أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل تزويج المحارم فامتنع عليه علماؤهم فعمد إلى حفر أخدود فقذف فيه من أنكر عليه منهم، واستمر فيهم تحليل المحارم إلى اليوم. وعنه: أنهم كانوا قوماً باليمن اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم فغلب مؤمنوهم على كفارهم، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين فخدوا لهم الأخاديد وأحرقوهم فيها. وعنه: أنهم كانوا من أهل الحبشة، واحدهم حبشي. وعن ابن عباس : قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج:4-5] قال: ناس من بني إسرائيل خدوا أخدوداً في الأرض، ثم أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء فعرضوا عليها، وزعموا أنه دانيال وأصحابه. وقيل غير ذلك. وروى الإمام مسلم والإمام أحمد رحمهما الله تعالى عن صهيب رضي الله عنه، وهذا الحديث لا نستطيع القطع بأنه مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ويوجد احتمال أنه قصة حكاها صهيب الذي كان رومياً، وعنده علم من أخبار النصارى، فيحتمل أن يكون من كلام صهيب، ويحتمل أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إلي غلاماً لأعلمه السحر، فدفع إليه غلاماً فكان يعلمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر. قال: فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر، قال: فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها، فمضى الناس، فأخبر الراهب بذلك فقال: أي بني! أنت أفضل مني وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي. فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم -أي: بإذن الله-، وكان للملك جليس فعمي فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما هاهنا أجمع، فقال: ما أنا أشفي أحداً، إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا الله فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان! من الذي رد عليك بصرك؟ فقال: ربي. فقال: أنا؟ قال: لا، ربي وربك الله. قال: أولك رب غيري؟! قال: نعم، ربي وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه فقال: أي بني! بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟! قال: ما أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل، قال: أنا؟ قال: لا، قال: أولك رب غيري؟! قال: ربي وربك الله، فأخذه بالعذاب فلم يزل به حتى دل على الراهب، فأتي بالراهب فقال: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك، فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا فقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه -يعني دحرجوه- فذهبوا به، فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت! فرجف بهم الجبل فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟! قال: كفانيهم الله. فبعث به مع نفر في قرقور -والقرقور: سفينة صغيرة-، فقال: إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحر، فلججوا به البحر، فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت، فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟! قال: كفانيهم الله. ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي. قال: وما هو؟! قال: تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثم قل: باسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال: باسم الله رب الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟! فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم! فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها، قال: فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي -وهو أحد الأطفال الرضع الذين نطقوا-: اصبري يا أماه! فإنك على الحق) وهكذا رواه مسلم في آخر الصحيح إلى آخره. يقول الحافظ ابن كثير : وهذا السياق ليس فيه صراحة أن سياق هذه القصة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : فيحتمل أن يكون من كلام صهيب الرومي فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى، والله تعالى أعلم.

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10]. قوله: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) أي: بلوهم بالأذى والنار ليرجعوا عن دينهم. قال أبو السعود : والمراد به إما أصحاب الأخدود خاصة أو المفتونين المطروحين في الأخدود، والذين بلوهم في ذلك داخلون في جملتهم دخولاً أولياً. قوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) يعني: صرفوهم عن دين ربهم وعن طاعته عز وجل. قوله: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) يعني: عن كفرهم وفتنتهم. قوله: (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) أي: عذابان منوعان: عذاب على الكفر، وعذاب على الفتنة، أو هما واحد، أي: (فلهم عذاب جهنم) بسبب الكفر، (ولهم عذاب الحريق)؛ لأن الجزاء من جنس العمل، كما أحرقوا المؤمنين فلهم أيضاً عذاب الحريق، أو كلاهما شيء واحد، أو هو من باب عطف الخاص على العام للمبالغة فيه؛ لأن عذاب جهنم بالزمهرير والإحراق وغيرهما، والأظهر أنهما واحد، وأنه من باب عطف التفسير والتوضيح. يقول ابن كثير : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) أي: حرقوا. قوله: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) أي: لم يقلعوا عما فعلوا، ويندموا على ما أسلفوا. قوله: (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) وذلك أن الجزاء من جنس العمل. وقال الحسن البصري : انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة! أي: قتلوا أولياءه ومع ذلك يقول: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا دلالة على أن التوبة تجب ما قبلها كائناً ما كان.

قال تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البروج:11] بخلاف ما أعد لأعدائه من الحريق والجحيم ثم قال: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11]. يقول القاسمي : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يعني: من هؤلاء المفتونين وغيرهم. قوله: (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) أي: لهم في نشأتهم الأخرى (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ). قوله: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ أي: التام الذي لا فوز مثله.

قال عز وجل: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12] استئناف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم إيذاناً بأن لكفار قومه نصيباً موفوراً من مضمونه، كما يصدر عنه التعرض لتوحيد الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم في قوله: (ربك)، والبطش هو الأخذ بعنف، وحيث وصف بالشدة، فقد تضاعف وتفاقم. قوله: (إن بطش ربك لشديد) أي: أن بطشه بالجبابرة والظلمة وأخذه إياهم بالعذاب والانتقام لشديد، كقوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، وهو تعالى ذو القوة المتين الذي ما شاء كان كما يشاء في مثل لمح البصر أو هو أقرب.

قال عز وجل: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج:13] أي: يبدئ الخلق ثم يعيده، وهو في كل يوم يبدئ خلقاً من نبات وحيوان وغيرهما، ثم إذا هلك أعاد الله خلقه مرة أخرى، وهذا فيه دلالة على أنه يعيد الناس في اليوم الآخر ويبعثهم بعد موتهم للجزاء والحساب. (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) بلا ممانع ولا منازع. قوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [البروج:14] أي: هو الغفور لمن يرجع إليه بالتوبة، يغفر ذنب من تاب إليه وخضع له ولو كان الذنب من أي شيء كان. قوله: (الْوَدُودُ) أي: المحب لمن أطاعه وأخلص له. وقال ابن عباس وغيره: الودود هو: الحبيب.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة التوبة [107-110] 2819 استماع
تفسير سورة المدثر [31-56] 2621 استماع
تفسير سورة البقرة [243-252] 2584 استماع
تفسير سورة البلد 2567 استماع
تفسير سورة الطور [34-49] 2564 استماع
تفسير سورة التوبة [7-28] 2562 استماع
تفسير سورة الفتح [3-6] 2504 استماع
تفسير سورة المائدة [109-118] 2439 استماع
تفسير سورة الجمعة [6-11] 2412 استماع
تفسير سورة آل عمران [42-51] 2404 استماع