تفسير سورة الجمعة [1-5]


الحلقة مفرغة

سورة الجمعة هي السورة الثانية والستون في ترتيب السور القرآنية، وهي سورة مدنية في قول جميع المفسرين، وآيها إحدى عشرة. روى مسلم في صحيحه ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجمعة:1]. سبق أن تكلمنا في نظائرها مراراً، فهذه السورة من السور المسبحات أي: التي تُفتتح بالتسبيح.

قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]. (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ )) المقصود بالأميين العرب. يقول الحافظ ابن كثير ٍ رحمه الله تعالى: وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم، ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر، كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:44] وهو ذكر لهم ولغيرهم؛ وكذلك قال تبارك وتعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] وهذا وأمثاله لا ينافي قول الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وقوله تعالى: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، وقوله تعالى إخباراً عن القرآن الكريم وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عموم بعثته صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم.

أمية النبي صلى الله عليه وسلم من معجزاته

فقوله تعالى هنا: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ )) يقول ابن عباس رضي الله عنهما: الأميون هم العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب؛ لأنهم لم يكونوا أهل كتاب. فالعرب وصفوا بأنهم أميون لأنهم لم يكونوا أهل كتاب، وسمي الشخص أمياً نسبة إلى أمه يوم ولدته؛ لأنه يوم ولدته أمه لم يعرف القراءة ولا الكتابة وبقي على ذلك، هذا هو سبب تسمية من لم يعرف القراءة والكتابة بوصف الأمي. قال عز وجل: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78] ولقد وصف الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم بالأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، يقول الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48]، وقال تعالى: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان:5]. ويمتن الله على المؤمنين بقوله: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا منهم يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمي ما هو إلا إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم، فكثير من الناس يخلطون بين الأمي وبين الإمام الأمي، نقول: قد يكون المرء عالماً ومجتهداً وإماماً في أعلى درجات العلم وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ؛ لأن القراءة والكتابة ما هما إلا من وسائل التعلم، بدليل أننا نرى كثيراً من العلماء الأفاضل الكرام الذين ارتقوا ذُرى العلم، وكانوا عميان لا يرون ولا يقرءون. إن الأمية في حق النبي عليه الصلاة والسلام غير الأمية في حق غيره من البشر؛ فغيره من الناس لو كان أمياً فهو يتلقى من مصدر بشري، فيدخل احتمال الخطأ عليه، أما نبينا عليه الصلاة والسلام فإنما كان العلم الذي آتاه الله علماً وهبياً؛ لأن النبوة لا تكتسب، إنما هي هبة من الرب سبحانه وتعالى، فهو علم وهبي من مصدر معصوم، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ثم إن الله آتاه من المعجزات والآيات في قرآنه الكريم وفي سنته الشريفة تتقاصر دونها وتقهر أمامها كل قوى علماء الأرض قاطبة، سواء في علوم الدين أو الدنيا، فقد آتاه الله من العلم ما لم يؤت أحداً من العالمين، ولم يأمره سبحانه وتعالى بطلب الاستزادة من شيء غير الاستزادة من العلم، قال عز وجل مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114]. إذاً: كون النبي عليه الصلاة والسلام أمياً لا يقرأ ولا يكتب فهذه معجزة له عليه الصلاة والسلام، لا كما نصف نحن الأميّ بأنه الشخص الجاهل، فالأميّ لا يشترط أن يكون جاهلاً، بل الأميّ من لا يعرف القراءة والكتابة لسبب من الأسباب، كأن يكون أعمى البصر لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، أو كما كان الحال الغالب على العرب من عدم القراءة والكتابة، لكن نفس هؤلاء العرب كانوا يحفظون من الأشعار آلاف الأبيات، وقد كان حفظ السنة في القرون الأولى مبنياً على القدرات الخارقة للصحابة من الحفظ. فهذا ابن عباس رضي الله عنهما وغيره كانوا يسمعون قصيدة من سبعين بيتاًًً مرة واحدة فيحفظها أحدهم ولا يخطئ فيها حرفاً، فهذه منة من الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بالذاكرة القوية، ثم انضم إلى حفظ الصدور حفظ السطور بالكتابة؛ وذلك لما كثر القتل في الصحابة والمجاهدين في سبيل الله، وخشي من اندراس العلم. يقول الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] كان يمكن أن يشك فيه أحد لو كان يقرأ ويكتب من قبل، لكنهم كانوا يعرفون ذلك: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ [يونس:16]. فلو كان يقرأ أو يكتب لقالوا: إنه أملي عليه هذا القرآن من طرف آخر، وإن كان هؤلاء الكفار لم يعجزهم هذا الادعاء الكاذب فقد ادعوا: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان:5]. قال الله تعالى: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113] فالعلم الذي أوتيه النبي عليه الصلاة والسلام لم يصل إليه غيره من البشر على الإطلاق، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: (إني أعلمكم بالله وأخشاكم له) فقوله: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ )) أي العرب. (( رَسُولًا مِنْهُمْ )) أي: من أنفسهم. ووصف الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه منهم بعد وصفهم بالأميين يقوي القول بأن تفسير (رسولاً منهم) أي: أمياً مثلهم. فإذا قيل: السياق هنا سياق امتنان بنعمة عظيمة أنعمها الله سبحانه وتعالى على الأميين، بل على البشرية كلها، فما وجه الامتنان في وصفه بالأمية؟ فالجواب: أن هذه الأمية دليل على صدق نبوته صلى الله عليه وآله وسلم، ولموافقته ما تقدمت البشارة به في كتب الأنبياء قبله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف في الكتب السابقة بأنه النبي الأميّ، يقول تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ [الأعراف:157]. إذاً: وصفه بهذه الصفة كانت إحدى علاماته، ووصفه بالأمية لا زال مكتوباً في التوراة والإنجيل، كما في قوله: (وأجعل كلامي في فمه). أيضاً في وصفه بالأمية بقوله: (( رَسُولًا مِنْهُمْ )) بيان لمشاكلة حاله لأحوالهم، فيكون أقرب لموافقتهم؛ لئلا يظن به أنه يعلم كتب من قبلهم، وأنه يقتبس منها، أو أنها تملى عليه.

شريعة النبي صلى الله عليه وسلم تخاطب الأميين وغيرهم

والنبي عليه الصلاة والسلام هو دعوة إبراهيم؛ لأن إبراهيم دعا بقوله: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129] أي: من العرب الأميين، وجاء في الحديث أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وهذا حكم على المجموع الغالب وليس حكماً على الجميع؛ لأنه كان يوجد في العرب من يكتب، فمنهم كتبة الوحي عمر وعلي ومعاوية وغيرهم رضي الله تعالى عنهم. وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ولا نحسب) فيه إشارة إلى أن هذه الشريعة تخاطب الناس بما هو معروف ومعهود عند الأميين؛ لأن هذه الشريعة لم تأت لأجل طبقة معينة من الناس. فمثلاً: هناك قسم كبير من العبادات تعتمد على مراعاة أحوال السماء والكواكب والقمر والشمس إلى غير ذلك، كالصلاة والصيام، فيحتاج ضبط مواقيت العبادات إلى مراعاة هذه الأهلة والشمس ونحوها.. فيرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن هذه الأمة مخاطبة بما هو في معهود الأميين، الذين لا يتقنون علوم الفلك والرياضيات وعلوم الحساب ونحوها، وبالتالي فإن معرفة الشهر أمر سهل، فأشار بيده وقال: الشهر هكذا وهكذا) أي: أن الشهر ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون. أما التوصل إلى ذلك عن طريق الحساب فهذا ليس مما هو معهود عند الأميين، فالشريعة كما تخاطب عالم الفلك والذي حضَّر الدكتوراه تخاطب البدوي الذي يعيش في الصحراء، فهذا يستطيع تحديد وقت الصلاة، وهذا أيضاً يستطيع تحديدها في غاية السهولة، وكذلك بداية الشهور والأهلة إلى آخره. فقوله: (إنا أمه أمية) ليس معناه الفخر بالأمية، وإنما هو وصف للواقع، ولسهولة الشريعة وأنها لا تخاطب طائفة خاصة من العلماء. والدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحارب الأمية، أنه كان يجعل فكاك الأسير أن يتولى تعليم القراءة والكتابة لواحد من أبناء المسلمين، فالحث على العلم بكل وسائل العلم المختلفة النافعة المفيدة أمر معروف، لكن علينا أن نبذل فيه وقتاً وجهداً أكثر من هذا، فإن الإسلام هو دين العلم لا شك في ذلك، لأن العلم دائماً منحاز إلى الإسلام، ومؤيد لدين الإسلام. قوله: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ )) أي: من أنفسهم أمياً مثلهم.

أمية النبي وهو معلم البشرية

(( يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ )) أي: مع كونه أمياً مثلهم لم تعهد منه قراءة ولا تعلَّم إلا أنه يتلو عليهم آيات الله تبارك وتعالى. وتلاوته الآيات لم تكن عن طريق المدارسة، وإنما كانت الآيات تلقى في قلبه عليه الصلاة والسلام ويضمن الله له حفظها كما قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18] أي: ما عليك إلا أن تستمع ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19] فضمن الله له أنه يحفظ القرآن ولا ينسى منه شيئاً صلى الله عليه وآله وسلم. (( وَيُزَكِّيهِمْ )) أي: من خبائث العقائد والأخلاق. (( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )) هو أمي ومع ذلك فهو الذي يعلمهم، وهذا مما يدلنا على أن الأمي قد يكون عالماً، بل هو أعلم البشر على الإطلاق صلى الله عليه وسلم. (( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ )) أي: القرآن. (( وَالْحِكْمَةَ )) أي: السنة. نقول: إنه متى جاءت الحكمة مقترنة بالكتاب في سياق الامتنان على الأمة المحمدية، فالحكمة هي السنة لا شك في ذلك، وهذا اتفاق من السلف. (( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))، أي أنهم من قبل إرساله صلى الله عليه وسلم كانوا في جور عن الحق وانحراف عن سبيل الرشد، وهو لبيان شدة افتقارهم وحاجتهم إلى بعثة هذا النبي، وإرساله صلى الله عليه وسلم منة من الله عليهم؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: فبعثه الله سبحانه وتعالى -وله الحمد والمنة- على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه. وذلك أن العرب كانوا قديماً متمسكين بدين إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فبدلوا وغيروا، واستبدلوا بالتوحيد شركاً وباليقين شكاً، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله، وكذلك أهل الكتاب قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق، فيه هدايتهم، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ورضا الله عنهم، والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط الله تعالى، حاكم وفاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب، في الأصول والفروع، وجمع الله تعالى له ولله الحمد والمنة جميع المحاسن فيمن كان قبله. كما قال البوصيري: وغاية القول فيه إنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم صلى الله عليه وآله وسلم وليس على الله بمستبعد أن يجمع العالم في واحد فالرسول عليه الصلاة والسلام جمع الله له جميع المحاسن التي كانت فيمن كان قبله من الأنبياء، فإذا كان في بعض الأنبياء تميز بقوة البدن فهو أقوى بدناً، وإن تميز بعضهم بالجمال فهو أجمل، وإن تميز بعضهم بالفصاحة فهو أفصح، وهكذا. ثم يقول ابن كثير : وأعطاه ما لم يعط أحداً من الأولين، ولا يعطيه أحداً من الآخرين، فصلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين. إنما جعلت بعثته صلى الله عليه وسلم في الأميين من العرب؛ لما لهذه الأمة من خصائص فطرية أيضاً، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم) فالعرب الأميون كانوا أحد الناس أذهاناً، وأقواهم جمالاً، وأصفاهم فطرة، وأفصحهم بياناً، لم تفسد فطرتهم بغواشي المتحضرين، ولا بأساليب وتلاعب المتمدنين، ولذا انقلبوا إلى الناس بعد الإسلام بعلم عظيم، مما يدل على تمكن هذه الصفات النادرة في العرب، فبمجرد أن اصطفاهم الله سبحانه وتعالى بنعمة الإسلام استوعبوا الإسلام وارتقوا إلى أعلى الدرجات، ثم انقلبوا بعد ذلك إلى الناس بعلم عظيم، وحكمة باهرة، وسياسة عادلة، قادوا بها معظم الأمم، ودوخوا بها أعظم الممالك. فإيثار البعثة في العرب وإظهارها فيهم لا ينافي عموم الرسالة؛ لأنها أولاً ظهرت فيهم، ثم بعد ذلك انتشرت في العالمين، كما قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جميعا)[الأعراف:158]، وقال تعالى: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] أي: لأنذركم به أيها العرب، وكل من بلغه القرآن والإسلام فهو مسئول عنه، وقد أنذره النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فقوله تعالى هنا: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ )) يقول ابن عباس رضي الله عنهما: الأميون هم العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب؛ لأنهم لم يكونوا أهل كتاب. فالعرب وصفوا بأنهم أميون لأنهم لم يكونوا أهل كتاب، وسمي الشخص أمياً نسبة إلى أمه يوم ولدته؛ لأنه يوم ولدته أمه لم يعرف القراءة ولا الكتابة وبقي على ذلك، هذا هو سبب تسمية من لم يعرف القراءة والكتابة بوصف الأمي. قال عز وجل: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78] ولقد وصف الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم بالأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، يقول الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48]، وقال تعالى: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان:5]. ويمتن الله على المؤمنين بقوله: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا منهم يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمي ما هو إلا إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم، فكثير من الناس يخلطون بين الأمي وبين الإمام الأمي، نقول: قد يكون المرء عالماً ومجتهداً وإماماً في أعلى درجات العلم وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ؛ لأن القراءة والكتابة ما هما إلا من وسائل التعلم، بدليل أننا نرى كثيراً من العلماء الأفاضل الكرام الذين ارتقوا ذُرى العلم، وكانوا عميان لا يرون ولا يقرءون. إن الأمية في حق النبي عليه الصلاة والسلام غير الأمية في حق غيره من البشر؛ فغيره من الناس لو كان أمياً فهو يتلقى من مصدر بشري، فيدخل احتمال الخطأ عليه، أما نبينا عليه الصلاة والسلام فإنما كان العلم الذي آتاه الله علماً وهبياً؛ لأن النبوة لا تكتسب، إنما هي هبة من الرب سبحانه وتعالى، فهو علم وهبي من مصدر معصوم، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ثم إن الله آتاه من المعجزات والآيات في قرآنه الكريم وفي سنته الشريفة تتقاصر دونها وتقهر أمامها كل قوى علماء الأرض قاطبة، سواء في علوم الدين أو الدنيا، فقد آتاه الله من العلم ما لم يؤت أحداً من العالمين، ولم يأمره سبحانه وتعالى بطلب الاستزادة من شيء غير الاستزادة من العلم، قال عز وجل مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114]. إذاً: كون النبي عليه الصلاة والسلام أمياً لا يقرأ ولا يكتب فهذه معجزة له عليه الصلاة والسلام، لا كما نصف نحن الأميّ بأنه الشخص الجاهل، فالأميّ لا يشترط أن يكون جاهلاً، بل الأميّ من لا يعرف القراءة والكتابة لسبب من الأسباب، كأن يكون أعمى البصر لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، أو كما كان الحال الغالب على العرب من عدم القراءة والكتابة، لكن نفس هؤلاء العرب كانوا يحفظون من الأشعار آلاف الأبيات، وقد كان حفظ السنة في القرون الأولى مبنياً على القدرات الخارقة للصحابة من الحفظ. فهذا ابن عباس رضي الله عنهما وغيره كانوا يسمعون قصيدة من سبعين بيتاًًً مرة واحدة فيحفظها أحدهم ولا يخطئ فيها حرفاً، فهذه منة من الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بالذاكرة القوية، ثم انضم إلى حفظ الصدور حفظ السطور بالكتابة؛ وذلك لما كثر القتل في الصحابة والمجاهدين في سبيل الله، وخشي من اندراس العلم. يقول الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] كان يمكن أن يشك فيه أحد لو كان يقرأ ويكتب من قبل، لكنهم كانوا يعرفون ذلك: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ [يونس:16]. فلو كان يقرأ أو يكتب لقالوا: إنه أملي عليه هذا القرآن من طرف آخر، وإن كان هؤلاء الكفار لم يعجزهم هذا الادعاء الكاذب فقد ادعوا: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان:5]. قال الله تعالى: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113] فالعلم الذي أوتيه النبي عليه الصلاة والسلام لم يصل إليه غيره من البشر على الإطلاق، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: (إني أعلمكم بالله وأخشاكم له) فقوله: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ )) أي العرب. (( رَسُولًا مِنْهُمْ )) أي: من أنفسهم. ووصف الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه منهم بعد وصفهم بالأميين يقوي القول بأن تفسير (رسولاً منهم) أي: أمياً مثلهم. فإذا قيل: السياق هنا سياق امتنان بنعمة عظيمة أنعمها الله سبحانه وتعالى على الأميين، بل على البشرية كلها، فما وجه الامتنان في وصفه بالأمية؟ فالجواب: أن هذه الأمية دليل على صدق نبوته صلى الله عليه وآله وسلم، ولموافقته ما تقدمت البشارة به في كتب الأنبياء قبله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف في الكتب السابقة بأنه النبي الأميّ، يقول تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ [الأعراف:157]. إذاً: وصفه بهذه الصفة كانت إحدى علاماته، ووصفه بالأمية لا زال مكتوباً في التوراة والإنجيل، كما في قوله: (وأجعل كلامي في فمه). أيضاً في وصفه بالأمية بقوله: (( رَسُولًا مِنْهُمْ )) بيان لمشاكلة حاله لأحوالهم، فيكون أقرب لموافقتهم؛ لئلا يظن به أنه يعلم كتب من قبلهم، وأنه يقتبس منها، أو أنها تملى عليه.

والنبي عليه الصلاة والسلام هو دعوة إبراهيم؛ لأن إبراهيم دعا بقوله: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129] أي: من العرب الأميين، وجاء في الحديث أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وهذا حكم على المجموع الغالب وليس حكماً على الجميع؛ لأنه كان يوجد في العرب من يكتب، فمنهم كتبة الوحي عمر وعلي ومعاوية وغيرهم رضي الله تعالى عنهم. وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ولا نحسب) فيه إشارة إلى أن هذه الشريعة تخاطب الناس بما هو معروف ومعهود عند الأميين؛ لأن هذه الشريعة لم تأت لأجل طبقة معينة من الناس. فمثلاً: هناك قسم كبير من العبادات تعتمد على مراعاة أحوال السماء والكواكب والقمر والشمس إلى غير ذلك، كالصلاة والصيام، فيحتاج ضبط مواقيت العبادات إلى مراعاة هذه الأهلة والشمس ونحوها.. فيرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن هذه الأمة مخاطبة بما هو في معهود الأميين، الذين لا يتقنون علوم الفلك والرياضيات وعلوم الحساب ونحوها، وبالتالي فإن معرفة الشهر أمر سهل، فأشار بيده وقال: الشهر هكذا وهكذا) أي: أن الشهر ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون. أما التوصل إلى ذلك عن طريق الحساب فهذا ليس مما هو معهود عند الأميين، فالشريعة كما تخاطب عالم الفلك والذي حضَّر الدكتوراه تخاطب البدوي الذي يعيش في الصحراء، فهذا يستطيع تحديد وقت الصلاة، وهذا أيضاً يستطيع تحديدها في غاية السهولة، وكذلك بداية الشهور والأهلة إلى آخره. فقوله: (إنا أمه أمية) ليس معناه الفخر بالأمية، وإنما هو وصف للواقع، ولسهولة الشريعة وأنها لا تخاطب طائفة خاصة من العلماء. والدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحارب الأمية، أنه كان يجعل فكاك الأسير أن يتولى تعليم القراءة والكتابة لواحد من أبناء المسلمين، فالحث على العلم بكل وسائل العلم المختلفة النافعة المفيدة أمر معروف، لكن علينا أن نبذل فيه وقتاً وجهداً أكثر من هذا، فإن الإسلام هو دين العلم لا شك في ذلك، لأن العلم دائماً منحاز إلى الإسلام، ومؤيد لدين الإسلام. قوله: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ )) أي: من أنفسهم أمياً مثلهم.

(( يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ )) أي: مع كونه أمياً مثلهم لم تعهد منه قراءة ولا تعلَّم إلا أنه يتلو عليهم آيات الله تبارك وتعالى. وتلاوته الآيات لم تكن عن طريق المدارسة، وإنما كانت الآيات تلقى في قلبه عليه الصلاة والسلام ويضمن الله له حفظها كما قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18] أي: ما عليك إلا أن تستمع ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19] فضمن الله له أنه يحفظ القرآن ولا ينسى منه شيئاً صلى الله عليه وآله وسلم. (( وَيُزَكِّيهِمْ )) أي: من خبائث العقائد والأخلاق. (( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )) هو أمي ومع ذلك فهو الذي يعلمهم، وهذا مما يدلنا على أن الأمي قد يكون عالماً، بل هو أعلم البشر على الإطلاق صلى الله عليه وسلم. (( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ )) أي: القرآن. (( وَالْحِكْمَةَ )) أي: السنة. نقول: إنه متى جاءت الحكمة مقترنة بالكتاب في سياق الامتنان على الأمة المحمدية، فالحكمة هي السنة لا شك في ذلك، وهذا اتفاق من السلف. (( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))، أي أنهم من قبل إرساله صلى الله عليه وسلم كانوا في جور عن الحق وانحراف عن سبيل الرشد، وهو لبيان شدة افتقارهم وحاجتهم إلى بعثة هذا النبي، وإرساله صلى الله عليه وسلم منة من الله عليهم؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: فبعثه الله سبحانه وتعالى -وله الحمد والمنة- على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه. وذلك أن العرب كانوا قديماً متمسكين بدين إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فبدلوا وغيروا، واستبدلوا بالتوحيد شركاً وباليقين شكاً، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله، وكذلك أهل الكتاب قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق، فيه هدايتهم، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ورضا الله عنهم، والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط الله تعالى، حاكم وفاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب، في الأصول والفروع، وجمع الله تعالى له ولله الحمد والمنة جميع المحاسن فيمن كان قبله. كما قال البوصيري: وغاية القول فيه إنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم صلى الله عليه وآله وسلم وليس على الله بمستبعد أن يجمع العالم في واحد فالرسول عليه الصلاة والسلام جمع الله له جميع المحاسن التي كانت فيمن كان قبله من الأنبياء، فإذا كان في بعض الأنبياء تميز بقوة البدن فهو أقوى بدناً، وإن تميز بعضهم بالجمال فهو أجمل، وإن تميز بعضهم بالفصاحة فهو أفصح، وهكذا. ثم يقول ابن كثير : وأعطاه ما لم يعط أحداً من الأولين، ولا يعطيه أحداً من الآخرين، فصلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين. إنما جعلت بعثته صلى الله عليه وسلم في الأميين من العرب؛ لما لهذه الأمة من خصائص فطرية أيضاً، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم) فالعرب الأميون كانوا أحد الناس أذهاناً، وأقواهم جمالاً، وأصفاهم فطرة، وأفصحهم بياناً، لم تفسد فطرتهم بغواشي المتحضرين، ولا بأساليب وتلاعب المتمدنين، ولذا انقلبوا إلى الناس بعد الإسلام بعلم عظيم، مما يدل على تمكن هذه الصفات النادرة في العرب، فبمجرد أن اصطفاهم الله سبحانه وتعالى بنعمة الإسلام استوعبوا الإسلام وارتقوا إلى أعلى الدرجات، ثم انقلبوا بعد ذلك إلى الناس بعلم عظيم، وحكمة باهرة، وسياسة عادلة، قادوا بها معظم الأمم، ودوخوا بها أعظم الممالك. فإيثار البعثة في العرب وإظهارها فيهم لا ينافي عموم الرسالة؛ لأنها أولاً ظهرت فيهم، ثم بعد ذلك انتشرت في العالمين، كما قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جميعا)[الأعراف:158]، وقال تعالى: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] أي: لأنذركم به أيها العرب، وكل من بلغه القرآن والإسلام فهو مسئول عنه، وقد أنذره النبي صلى الله عليه وآله وسلم.