خطب ومحاضرات
تفسير سورة الحديد [25-29]
الحلقة مفرغة
يقول الله تبارك وتعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ [الحديد:25]، أي: بالحجج والبراهين القاطعة على صحة ما يدعون إليه، فإن الرسل تأتي مؤيدة بالمعجزات والبينات والحجج على صدقهم في دعواهم الرسالة. (( وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ))، أي: التام في الحكم والأحكام. (( وَالْمِيزَانَ ))، أي: العدل، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما. قال ابن كثير : وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة. (( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ))، أي: بالحق والعدل، وهو اتباع الرسل فيما أمروا به، وتصديقهم فيما أخبروا عنه، فإن الذي جاءوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق، كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]، أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام، فالتنزيل عبارة عن خبر وحكم، أما أخباره فكلها صدق، وأما أحكامه فكلها عدل. فقوله تعالى: (( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ))، إشارة إلى أن الحق والعدل لا يمكن أن يكونا فيما يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما زين شياطين الإنس دعاواهم بافتراءاتهم الظالمة فيما يوشوش به بعض الشياطين مما يسمونه بحقوق الإنسان أحياناً، ويحاولون إظهار الإسلام كأنه عدو لحقوق الإنسان، وأن العقوبات الشرعية عقوبات وحشية وصارمة.. إلى آخر هذا الإلحاد! وهذا كفر، ولا يصدر إلا ممن لا يؤمن بمثل هذا الوصف لكتاب الله تبارك وتعالى. والناس لا يمكن أن يقوموا بالقسط ولا يمكن أن يتحقق بينهم العدل إلا بتطبيق شرع الله تبارك وتعالى؛ ولذلك قال تعالى بعدما ذكر الحدود الشرعية: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، لأن هذا هو الحد، ثم قال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، ففي هذه بالذات وصفهم بالظلم؛ لأن هذا مما يخالف العدل، فالحدود هي العدل، والقصاص فيه المعاملة بالمثل، فمن اعتدى على أرواح الناس وقتل يقتل، ومن قطع أذن غيره تقطع أذنه، فليس لهذا حرمة أعظم من حرمة ذاك، فهذا مقتضى العدل بين الناس؛ فلذلك نقول قطعاً وجزماً: إن كل من يحكم بخلاف شرع الله فهو ظالم مهما وسوس له إخوانه من شياطين الإنس أو الجن بأن هذا هو العدل. ونقول: كل العدل في كتاب الله تبارك وتعالى. ويقول تعالى: (( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ))، يعني: أن هذا الحديد هو الآلة المهمة والأساسية في صناعة أدوات القتال، سواء في القديم أو في الحديث، فقوله: (( فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ))، يعني: القتال به، فإن آلات الحروب متخذة منه. (( وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ))، أي: في مصالحهم ومعايشهم، فما من صناعة إلا وللحديد يد فيها. فإن قيل: هذه الجمل المتعاطفة لابد فيها من المناسبة؛ ولكن أين هي المناسبة بين قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ، وقوله: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ؟ فالجواب: أن بينهما مناسبة تامة؛ لأن المقصود ذكر ما يتم به انتظام أمور العالم في الدنيا حتى تنال السعادة في الأخرى، فمن هداه الله من الخواص العقلاء ينتظم حاله في الدارين بالكتب والشرائع المطهرة، وكذلك من أطاعهم وقلدهم من العامة بإجراء قوانين الشرع العادلة بينهم، ومن تمرد وطغى ضرب بالحديد الراد لكل مريد. فقول الله تبارك وتعالى هنا أولاً: (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ))، مع ذكر الحديد فيه إشارة إلى أن العدل في الناس يقوم بأمرين: بالقرآن وبالسلطان، فالناس يدعون بالحجة والبيان، فمن أبى فبالسيف والسنان. هذا هو المعنى المأخوذ من هذه الآية الكريمة.
العقوبة على المعاصي بالغفلة
مناسبة عطف إنزال الحديد على ما قبله
فالإنسان لا يمكن أبداً أن يجد السعادة في غير شرع الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أبداً أن يوجد إنسان على وجه الأرض ينحرف عما أنزل الله على رسوله عليه الصلاة والسلام من البينات والهدى ويعيش سعيداً بل يحرم من السعادة، ويقاسي التعاسة بقدر بعده عن دين الله. وحالة الغفلة هي أشد ما يعاقب الله سبحانه وتعالى به عبداً من العبيد، حيث إنه يعاقب وهو لا يحس بأنه يعاقب؛ لأن العقوبات الشرعية كثيرة، فهناك عقوبات كونية قدرية كالزلازل والخسف والأمراض والأوبئة ونحو ذلك. وهناك عقوبات شرعية كقطع اليد والرجم والجلد ونحو ذلك. ويوجد نوع آخر من العقوبات وهو تسليط الغفلة على الخلق، ودليله قوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67]، هنا نسي بمعنى ترك. وقال سبحانه: نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19]. وقال عز وجل: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104]، وهذه هي أشد أنواع العقوبات؛ لأن الإنسان يُستدرج حينما يفتح الله عليه، فكلما زاد كفراً وعتواً زاده الله من النعم فتنة له واستدراجاً، كما قال تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً [الأنعام:44]، فالله سبحانه وتعالى يمهل ويملي للظالم، وكلما تمادى في المعاصي وفي الكفر وفي البعد عن الله زاد ما يستحقه من العذاب، كما قال تبارك وتعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران:178]. وقال تبارك وتعالى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55-56]، فهي أشد أنواع العقوبات؛ لأن مثل هذا لا يرجى له توبة إن لم يوفقه الله؛ لأنه يرى عمله صواباً، كما قال تعالى: زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]. فليحذر الإنسان من هذه العقوبة، فأشد أنواع العقوبة أن يفقد الإنسان الإحساس بأنه معاقب، وهذا بخلاف الشخص الذي يشعر ويقول: إن الله ابتلاني بالذنب الذي فعلته، وامتحنني بالمرض بسبب المعاصي، فهذا الشخص كما يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن)، بمعنى: أن مثل هذا الإنسان لا زال فيه روح وإحساس، ومعناه أنه قد يستدرك ويفتح صفحة جديدة ويتوب، لكن الميت إذا وخزته وقطعته بالسيف فإنه لا يتألم؛ فما لجرح بميت إيلام. ففقدان الإحساس علامة خطر، وهذا هو حال الكفار والعياذ بالله! لأنهم لا يحسون بأنهم يعاقبون، فبالتالي يتمادى أحدهم ويلهو في الدنيا حتى تفوت فرصته، ويموت دون أن يتوب؛ لأنه زين له سوء عمله فرآه حسناً، فيرى أن هذه هي السعادة، مع أنه أبعد ما يكون عن شرع الله تبارك وتعالى، لكن السعادة الحقيقية هي في موافقة شرع الله سبحانه وتعالى، فمن أراد اختصار طريق السعادة فليمش على نور الوحي، ولا ينشغل بفلسفات ولا ببحوث، ولا يلتفت لكلام ووساوس الشياطين، وإنما عليه أن يستقيم على طاعة الله، هذا هو أخصر طريق يؤدي إلى السعادة في الدارين.
يقول: فإن قيل: الجمل المتعاطفة لابد فيها من المناسبة، وأين هي في إنزال الحديد مع ما قبله؟ فالجواب: أن بينهما مناسبة تامة؛ لأن المقصود ذكر ما يتم به انتظام أمور العالم في الدنيا، حتى ينال السعادة في الأخرى، ومن هداه الله من الخواص العقلاء ينتظم حاله في الدارين بالكتب والشرائع المطهرة، ومن أطاعهم وقلدهم من العامة بإجراء قوانين الشرع العادلة بينهم، أما من تمرد وطغى وقسى فيضرب بالحديد الراد لكل مريد، وإلى الأولين أشار بقوله: (( وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ))، هذه للناس الذين عندهم عقول، ويعملون عقولهم، ويتدبرون في الحجج والبينات، فجمعهم وأتباعهم في جملة واحدة، حيث جمع العقلاء ومن وافقهم من العامة على الخير، فأشار إليهم بقوله: (( وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )). وخلاف ذلك فالجبار العنيد الطاغي القاسي القلب لا ينفعه إلا التأديب بالحديد، فقال تبارك وتعالى: (( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ))، فكأنه قال: أنزلنا ما يهتدي به الخواص وما يهتدي به أتباعهم، وما يهتدي به من لم يتبعهم، فهي حينئذ معطوفة. قال العتبي في أول تاريخه: كان يحتمل في صدري أن في الجمع بين الكتاب والميزان والحديد تنافراً، وسألت عنه فلم أحصل على ما يزيل العلة وينقى الغلة، حتى أعملت التفكر فوجدت الكتاب قانون الشريعة ودستور الأحكام الدينية، يتضمن جوامع الأحكام والحدود، وقد حذر فيه التعادي والتظالم، ودفع التباغي والتخاصم، وأمر بالتناصف والتعادل، ولم يكن يتم إلا بهذه الآلة. يعني: أن مجرد الوعظ بالأوامر والنواهي الشرعية لا يكفي في إصلاح حال الناس؛ إذ ليس كل الناس ينزجرون بالأدلة الشرعية، وبسلطان الشرع، ولذا فلابد من السلطان مع الحكم، وهذا ليس فقط في الإسلام، بل في كل النظم، يعني: لو أن دولة تريد أن تنفذ قوانينها بالمواعظ والكلام الرقيق والنظيف، والبيان أن هذا صحيح وهذا خطأ، وهيئة المرور تعمل كذا، وهيئة كذا تفعل كذا، فهل يستقيم حال الناس؟ الجواب: لا؛ فمن الناس من يعمل عقله ويستجيب للحجج والبينات، ومنهم من ليس كذلك، وإنما هو مثل المسمار، ولا يمشي إلا إذا كنت تضربه على رأسه كعبد السوء، فإذا صفعته على رأسه بالقوة فإنه يمشي، ومن دون ذلك لا يتحرك، فمن الناس من يقيمه الحجة والبيان، ومنهم لا يقيمه إلا السيف والسنان. يقول: حتى أعملت الفكر فوجدت الكتاب قانون الشريعة ودستور الأحكام الدينية يتضمن جوامع الأحكام والحدود، وقد خطر فيه التعادي والتظالم، ودفع التباغي والتخاصم، وأمر بالتناصف والتعادل، ولم يكن يتم إلا بهذه الآلة؛ فلذا جمع الكتاب والميزان. وإنما تحفظه العامة على اتباعها بالسيف وجدوة عقابه، وقوة عذابه، وهو الحديد الذي وصفه الله بالبأس الشديد، فجمع بالقول الوجيز معاني كثيرة الشعوب، متباينة الجنوب، محكمة المطالع، مقومة المبادئ والمقاطع. قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ، أي: أنه يستعمل في القتال، وأنه آله السلطان؛ كي يقهر من لا يقتنع بالحجة والبيان بالسيف والسنان. وقوله: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ، أي: باستعمال الحديد في مجاهدة أعدائه، عطف على محذوف دل عليه ما قبله، يعني: أنزله ليعلم. وقلنا: إن قوله تعالى: (( وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ ))، المقصود به: ليعلم علم شهادة، أما علم الغيب فلا شك أن الله يعلم ذلك منذ الأزل. وقوله: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ ، أي: على إهلاك من أراد إهلاكه، عَزِيزٌ ، أي: غالب قاهر لمن شاء.
يقول تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:26]. خص بالذكر الأبوين: الأب الأول وهو نوح عليه السلام؛ لأنه الأب الثاني للبشرية بعد آدم عليه السلام، والأب الثاني هو إبراهيم عليه السلام؛ لأنه أبو الأنبياء، فإبراهيم عليه السلام ما أتى نبي بعده إلا من صلبه. فقوله: (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ))، يعني: ذرية الأنبياء بعد نوح، ولا شك أن الأنبياء بعد نوح كانوا من ذرية نوح، والأنبياء بعد إبراهيم كانوا من ذرية إبراهيم عليهما السلام. وقوله: (( فَمِنْهُمْ ))، أي: من الذرية، مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ، أي: خارجون عن طاعته؛ بترك نصوص كتبه وتحريفها، وتقديم آراء الأحبار والرهبان عليها، واقتراف ما نهوا عنه.
قال تعالى: ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً [الحديد:27]. ثُمَّ قَفَّيْنَا أي: أتبعنا، عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ، أي: حناناً ورقة على الخلق؛ لكثرة ما وصى به عيسى عليه السلام من الشفقة وهضم النفس والمحبة. وأما إعراب رهبانية في قوله تعالى: وَرَهْبَانِيَّة ًابْتَدَعُوهَا ففيها قولان: القول الأول: أنها معطوفة على ما قبلها، أي: على رحمة، ورحمة معطوفة على رأفة. القول الثاني: أن الكلام ينتهي عند قوله: (( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ))، ثم تبدأ الكلام وتقول: وَرَهْبَانِيَّة ًابْتَدَعُوهَا ، فيكون معناها: وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، فتكون مفعولاً به لفعل محذوف تقديره: وابتدعوا رهبانية ابتدعوها. وإذا قلنا بالقول الأول: وهو أن رهبانية معطوفة على رحمة، ورحمة معطوفة على رأفة، فالمعنى أن الذي جعل الرأفة والرحمة والرهبانية هو الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا فمن أي قسمي الجعل يكون قوله تعالى: (( وَجَعَلْنَا ))؟ الجواب: يكون من الجعل القدري؛ لأن الرهبانية مذمومة عند الله سبحانه وتعالى، وهي بدعة وضلالة ومصادمة للفطرة، حتى لو قلنا: إن الله هو الذي جعل في قلوبهم جانب الرأفة والرحمة. والجعل الكوني القدري يمكن أن يكون شيئاً مما يبغضه الله، لكن يشاؤه كوناً وقدراً، ولا يأمر به ولا يحبه ولا يرضى بهذا الفعل. وأما على القول الثاني فيكون الجعل هنا شرعياً إرادياً؛ لأن الرأفة والرحمة مما يحبه الله ويأمر بها. قوله تعالى: (( وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ))، ونقف هنا، فالمعنى: أن الله سبحانه وتعالى خص قلوب الذين اتبعوا عيسى عليه السلام بالرأفة والرحمة. ولا يفهم من ذلك أن هذا مدح للكفار الذين ألهوا المسيح أو عبدوه، حيث جعلوه إلهاً أو ابن الله أو نحو ذلك؛ لأن هؤلاء ليسوا أتباع المسيح، بل هم أعداء المسيح عليه السلام، كما قال تعالى: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55]، أي: من المسلمين؛ لأنهم هم الذين اتبعوا المسيح عليه السلام.
بعض خصائص دعوة المسيح عليه السلام
الرهبانية بدعة نصرانية لا شريعة سماوية
المقصود بالذين اتبعوا عيسى
تعريف البدعة
سبب عتاب الله للذين ابتدعوا الرهبانية
استغلال النصارى للناس باسم الرهبانية
تعريف الرهبانية
أوجه الذم للذين ابتدعوا الرهبانية
ذم بعض علماء النصارى لبدعة الرهبنة
موقف قساوسة النصارى من المرأة وأثر ذلك على البيئة النصرانية
مؤامرة الغرب على المرأة المسلمة
نظرة الإسلام إلى الزواج
حث الإسلام على الزواج
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة التوبة [107-110] | 2825 استماع |
تفسير سورة المدثر [31-56] | 2626 استماع |
تفسير سورة الطور [34-49] | 2594 استماع |
تفسير سورة البقرة [243-252] | 2592 استماع |
تفسير سورة البلد | 2571 استماع |
تفسير سورة التوبة [7-28] | 2569 استماع |
تفسير سورة الفتح [3-6] | 2509 استماع |
تفسير سورة المائدة [109-118] | 2444 استماع |
تفسير سورة الجمعة [6-11] | 2419 استماع |
تفسير سورة آل عمران [42-51] | 2407 استماع |