حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد:

من الأسئلة التي وردت تقول أخت سائلة: الإلهيات والسمعيات هذا التقسيم ناشئ عن ماذا؟ وما الفرق بينهما؟

الشيخ: هذا تقسيم حادث، وهو اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن بين المصطلحين شيء من العموم والخصوص.

أولاً المقصود بالسمعيات كل قضايا الدين التي الطريق إليها هو الوحي فقط، مثل: ثوابت الدين، علل الشرع الخفية، ومثل مسائل الغيب، جميع مسائل الغيب المتعلقة بذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته، وتتعلق بالإيمان بالملائكة والكتب والرسل، وأخبار القيامة، وأخبار الساعة، فكل ما جاء وثبت في الكتاب والسنة بالنصوص من الأمور التي لا تُدرك بالحواس تسمى سمعيات، والطريق إلى معرفتها هو الوحي المسموع.

أما الإلهيات التي وردت في الكتاب والسنة فيدخل فيها ما تكلم به الناس في حق الله عز وجل بحق أو بباطل، لا سيما ما تكلم فيه الفلاسفة وأهل الكلام، وأغلبه من التخرصات التي لا أصل لها، هذه تسمى الإلهيات، من باب أنها تنصب على الكلام حول الإله، وهو الرب عز وجل.

المراد بمصطلح الإلهيات والسمعيات

المقدم: هل مرادهم أن الإلهيات مرجعها إلى العقل، وأن السمعيات مرجعها إلى السمع؟

الشيخ: غالباً يستعملون مصطلح الإلهيات ويقصدون به ما تقرره عقولهم وفلسفاتهم في الجانب الإلهي، وهذا هو الغالب، لكن أحياناً يدخلون ما ورد في الكتاب والسنة في الإلهيات بالتبع، وهذا هو السائد في الدراسات الأكاديمية في الجامعات، ومراكز البحث العلمي، غالباً يدرجون قضايا العقيدة تحت الإلهيات، وعلى هذا فإنهم أحياناً يعممون كل مسائل الاعتقاد تحت مسمى الإلهيات من باب التغليب.

موقف أهل السنة من مصطلح الإلهيات والسمعيات

المقدم: ما هو موقف أهل السنة لهذا المصطلح؟

الشيخ: هذا عند أهل السنة يندرج تحت مسمى الألفاظ المجملة، وموقفهم منها: أن المعنى الصحيح يُثبت، ونقول: إن قُصد بالإلهيات ثوابت الدين الواردة في الكتاب والسنة وعند السلف الصالح فلا حرج، خاصة فيما يتعلق بالله عز وجل، وإن قُصد بالإلهيات تخرصات المتخرصين من الفلاسفة والمتكلمين وسائر الذين يتكلمون بمجرد الآراء في الأمور الغيبية فهذا لا نُقره ولا نسميه إلهيات، وكذلك السمعيات تندرج تحت القاعدة نفسها.

المقدم: هل مرادهم أن الإلهيات مرجعها إلى العقل، وأن السمعيات مرجعها إلى السمع؟

الشيخ: غالباً يستعملون مصطلح الإلهيات ويقصدون به ما تقرره عقولهم وفلسفاتهم في الجانب الإلهي، وهذا هو الغالب، لكن أحياناً يدخلون ما ورد في الكتاب والسنة في الإلهيات بالتبع، وهذا هو السائد في الدراسات الأكاديمية في الجامعات، ومراكز البحث العلمي، غالباً يدرجون قضايا العقيدة تحت الإلهيات، وعلى هذا فإنهم أحياناً يعممون كل مسائل الاعتقاد تحت مسمى الإلهيات من باب التغليب.

المقدم: ما هو موقف أهل السنة لهذا المصطلح؟

الشيخ: هذا عند أهل السنة يندرج تحت مسمى الألفاظ المجملة، وموقفهم منها: أن المعنى الصحيح يُثبت، ونقول: إن قُصد بالإلهيات ثوابت الدين الواردة في الكتاب والسنة وعند السلف الصالح فلا حرج، خاصة فيما يتعلق بالله عز وجل، وإن قُصد بالإلهيات تخرصات المتخرصين من الفلاسفة والمتكلمين وسائر الذين يتكلمون بمجرد الآراء في الأمور الغيبية فهذا لا نُقره ولا نسميه إلهيات، وكذلك السمعيات تندرج تحت القاعدة نفسها.

المقدم: أيهما أسبق بمعرفة الله العقل أم النقل مع التفصيل في ذلك؟

الشيخ: هذه الأسبقية تختلف، هناك الأسبقية الاعتبارية والأسبقية الزمنية، ولعل السائل يقصد الأسبقية الزمنية، نقول: هذا راجع إلى مفهوم هذا المصطلح، فإن قُصد به معرفة مجملات الحق فهذه أسبق من حيث إن الإنسان مفطور عليها حتى قبل أن يبلغ، والإنسان منذ أن يُدرك عنده مُدركات فطرية صحيحة، فهذه أسبق من الناحية الزمنية، كذلك نستطيع أن نقول: آدم كان مفطوراً على الحق، ثم نزل عليه الوحي، فهذا أسبقية زمنية نسبية أيضاً.

أما إن قُصد بالأسبقية الاعتبارية: أيهما أقوى وأجدر وأصدق وأولى بالاعتبار الدلالة الشرعية أم الدلالة العقلية؟ فلا شك أنها الدلالة الشرعية التي هي شرع الله الذي جاء من عنده سبحانه، والوحي المعصوم الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا شك أن له الاعتبار الأول من الناحية الاعتبارية، أي: من ناحية التقدير والاحترام والتقديم الاعتباري والاستدلالي.

عدم وجود التعارض بين العقل والنقل

المقدم: وهل هناك تعارض بين العقل والنقل؟

الشيخ: لا أبداً، ليس بينهما تعارض، إلا أنه لا بد أن نقيد فنقول: العقل السليم الذي هو عقل الفطرة لا يتعارض مع الشرع أبداً؛ لأن الشرع دين الله ووحيه، وأوامره ونواهيه وخبره، والعقل السليم هو نعمة من الله عز وجل يقوم ويتأسس على احترام الشرع بالضرورة، فمن هنا العقل السليم يعتبر الشرع هو المرجعية، وهو المقدم في الاعتبار، فهو لا يتعارض مع النقل، بل يؤيده ويسعى إليه.

المقدم: وهل هناك تعارض بين العقل والنقل؟

الشيخ: لا أبداً، ليس بينهما تعارض، إلا أنه لا بد أن نقيد فنقول: العقل السليم الذي هو عقل الفطرة لا يتعارض مع الشرع أبداً؛ لأن الشرع دين الله ووحيه، وأوامره ونواهيه وخبره، والعقل السليم هو نعمة من الله عز وجل يقوم ويتأسس على احترام الشرع بالضرورة، فمن هنا العقل السليم يعتبر الشرع هو المرجعية، وهو المقدم في الاعتبار، فهو لا يتعارض مع النقل، بل يؤيده ويسعى إليه.

المقدم: ما حكم قول: ربك يقطع من هنا ويوصلها من هنا؟

الشيخ: هذه من العبارات التي تدرج على ألسنة العامة، فليس فيها حرج، بمعنى أنها من باب الخبر وليست من باب الوصف والتسمية لله عز وجل، ويقطع بمعنى يفعل، ولا أظن أن فيها حرجاً، فمعناها صحيح إذا كان على المعنى الذي نفهمه، وهو أن الله عز وجل يقدر الخير والشر، ويُنقص الله عز وجل الإنسان من جانب ويعوّضه من جانب آخر.

المقدم: الناس الذين لا يبتلون ولا تصيبهم مصائب هل يعني ذلك أنهم غير محبوبين من الله عز وجل؟

الشيخ: إن ذكر النصوص التي تدل على أن المؤمن يُبتلى، ليس هذا لازماً، لكنه هو الغالب بالنسبة للمؤمنين، فغالباً أن المؤمن يُبتلى بأنواع الابتلاء، لكن مع ذلك قد يدفع الله عز وجل عن المؤمن البلاء بأسباب: مثل: صلة الرحم، كثرة الدعاء، كثرة اللجوء إلى الله، الاستعانة بالأسباب والتي من أهمها الدعاء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: (أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء) فمن هنا قد يكون الإنسان القريب من الله عز وجل الذي يُكثر اللجوء إلى الله، والذي يعظّم الله عز وجل في قلبه، ويحب الله ويخشاه ويرجوه، فيكون هذا سبباً لدفع البلاء عنه، لكن الأغلب أن المؤمن يُبتلى.

المقدم: هل نأمر الذين يقرءون ويكتبون بدراسة الكتب الشرعية، سواء كان فرض عين أو فرض كفاية؟

الشيخ: نعم، الضروريات والأولويات في دين المسلم يجب أن يتعلمها، إن كان قارئاً فيقرأ كما هو السائد اليوم، وأغلب المسلمين الآن خاصة في بلادنا -ولله الحمد- أغلبهم قراء، فهؤلاء يجب عليهم أن يتعلموا ثوابت الدين وضرورياته، كيف يعرفون ضوابط الدين وضرورياته؟ بسؤالهم أهل الذكر وأهل العلم، ويبقى ما بعد ذلك وهو التعمق في العلم والتوسع فيه والفقه في الدين.

مجملات النصوص تأمر بطلب العلم والفقه في الدين، وأنها هي المطلب الأسمى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وعلى المسلم دائماً أن يسعى إلى التفقه في الدين بقدر استطاعته، لكن يبقى درجة التفقه: ما الذي يجب على هذا ولا يجب على هذا؟ ما الذي يتعين عليه أن يتعلم من العلوم الشرعية أو غيرها من فروض الكفاية؟ هذا بحسب أحوال الأشخاص وقدراتهم ومواقعهم في خدمة الأمة، وحسب الاستعداد عندهم والميول والإمكانات.

المقدم: ما صدق قول العامة: إنه إذا مات لهم ميت رأوه في المنام وطمأنهم على نفسه مثلاً فهل يكون صادقاً؟ وما ضابط الرؤيا لتمييز هذا القول؟

الشيخ: على أي حال رؤيا الأموات ثبتت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ما الصادق منها من الكاذب؟ هذا أمر لا ينضبط بضابط دقيق إلا بسؤال أهل الذكر؛ لأن كثيراً من الرؤى تختلط بالأحلام، والرؤى لها علامات:

أولاً: أن يكون فيها وضوح، وألا يكون فيها إلا أشياء توافق الشرع، وأنها غالباً تكون مبشرة، وتكون موعظة واضحة، لكن إذا كانت الأحلام تتعلق بهموم الإنسان اليومية وارتبطت بالأموات أو لم ترتبط فالغالب أن هذه انعكاسات الحياة التي يعيشها الإنسان في اليقظة، وإذا كانت الأحلام والرؤى يظهر فيها ما يخالف الشرع كأن تؤيد بدعة أو معصية، أو توقع الإنسان في وسواس أو أوهام أو تشاؤم.. أو نحو ذلك، فهذه تكون في الغالب من عبث الشياطين.

حكم أخذ الأحكام الشرعية من الرؤى والأحلام المنامية

المقدم: وأحياناً يؤخذ منها حكم شرعي؟

الشيخ: الرؤيا لا يؤخذ منها حكم شرعي، وإنما الرؤيا تؤيد الحكم الشرعي أو تنبه عليه، كأن أكون مثلاً: ليس عندي بصيرة بحكم شرعي من الأحكام، فيوفق الله رؤيا مني أو من غيري يكون فيها تبصير بهذا الحكم الشرعي، لكن يستحيل أن تكون الرؤيا الصادقة تخالف الشرع.

أخيراً أقول وأظنه هو مغزى السؤال: كون الناس الأحياء يرون أمواتهم فهذه رؤى وأحلام، والأصل فيها أنها ثابتة شرعاً، لكن ليس كل ما يراه الناس في أحوال الأموات يكون صادقاً.

ضوابط تفسير الرؤى والأحلام

المقدم: ذكرت يا شيخ أهل الذكر، من هم أهل الذكر في تأويل الرؤى في هذا الزمان؟

الشيخ: تأويل الرؤى في الحقيقة له عدة ضوابط:

أولاً: أن الرؤيا غالباً موهبة مثل: موهبة الخط وموهبة الحفظ، وهذه الموهبة إذا توافر لها الفقه في الدين زادت وانضبطت.

ثانياً: هذه الموهبة إذا توافر لها إحاطة بعلم الرؤى وقواعده من أصحاب الخبرة من علماء السلف وغيرهم، فإنها تزداد وتنضبط.

ثالثاً: إذا توافر للرؤيا تجارب مع بُعد نظر وحكمة عند المفسِّر، فهي غالباً تكون أقرب للصواب، لكن ليس من لوازم تفسير الرؤيا الفقه في الدين أو العلم الشرعي بالضرورة، ولا أيضاً أن تكون هذه الضوابط موجودة جميعاً، لكن أقول: أصل تفسير الرؤى موهبة، وهذه الموهبة تزداد وتصقل مع الأسباب التي ذكرتها.

تأتي مسألة مهمة حول الرؤى وهي: أنه قد تختلط الموهبة أحياناً بما نسميه المؤثرات على الإنسان التي تجعله أمام الناس يفسّر الرؤى وهو ليس بمفسِّر، ويبدو له أنه مفسِّر وهو ليس بمفسِّر، وهو أن يقوم بتفسير الرؤى عن طريق الجن والقرناء، من حيث يشعر المفسِّر أو لا يشعر؛ وذلك أن الله عز وجل جعل مع كل إنسان قريناً، وهذا القرين إذا وجد في الإنسان مدخلاً يستخف به منه استخف به، ومن ذلك تفسير الرؤى، فمثلاً: بعض الرقاة تجده في مجلس فتُعرض عليه رؤيا، فربما يكلم شخصاً آخر ويقول: فلان الآن على الحالة الفلانية وهو غائب، فيتصلون به فيخبرهم أنه على الحالة الفلانية التي ذكرها الراقي، هذه أحياناً تكون لها علاقة بالرؤيا، وأحياناً لا تكون لها علاقة بالرؤيا، وتكون عبارة عن حدس ينقدح في ذهن المفسِّر من خلال عوامل مساعدة مثل: القرين، وأحياناً الجن، والجن قد يعبثون بمفسري الرؤى وهم لا يشعرون.

المقدم: وأحياناً يؤخذ منها حكم شرعي؟

الشيخ: الرؤيا لا يؤخذ منها حكم شرعي، وإنما الرؤيا تؤيد الحكم الشرعي أو تنبه عليه، كأن أكون مثلاً: ليس عندي بصيرة بحكم شرعي من الأحكام، فيوفق الله رؤيا مني أو من غيري يكون فيها تبصير بهذا الحكم الشرعي، لكن يستحيل أن تكون الرؤيا الصادقة تخالف الشرع.

أخيراً أقول وأظنه هو مغزى السؤال: كون الناس الأحياء يرون أمواتهم فهذه رؤى وأحلام، والأصل فيها أنها ثابتة شرعاً، لكن ليس كل ما يراه الناس في أحوال الأموات يكون صادقاً.