تفسير سورة الأعراف [1-9]


الحلقة مفرغة

سورة الأعراف هي: (طولى الطوليين) والطوليان: هما الأنعام والأعراف. وقد أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: الأعراف مكية إلا آية: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف:163] فمدنية، وآياتها مائتان وست آيات. وقد افتتحت سورة الأعراف بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: المص [الأعراف:1]. ولأننا نحتاج بين وقت وآخر إلى الكلام في فواتح السور، فسنقف هنا وقفة يسيرة مع فواتح سور القرآن، كي نحيل عليه بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

ذكر الحروف المقطعة في أوائل السور وأشكالها

هذه الحروف المقطعة وردت في أوائل تسع وعشرين سورة من سور القرآن الكريم، وأخذت أربعة عشر شكلاً بعد حرف الفواتح المكررة وهي: ص [ص:1]، ق [ق:1]، ن [القلم:1]، حم [غافر:1]، طه [طه:1]، طس [النمل:1] ، يس [يس:1]، (( الم ))[البقرة:1]، (( الر ))[يونس:1]، المص [الأعراف:1]، المر [الرعد:1]، كهيعص [مريم:1]، حم * عسق [الشورى:1-2]. فجاءت: (ص)، (ق)، (ن) على حرف واحد. (حم)، (طه)، (طس)، (يس) على حرفين. و(حم) جاءت في غافر، وفصلت، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف. و(طس) جاءت في النمل فقط. وأما (الم) ففي البقرة، وآل عمران، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة. وأما (الر) ففي يونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر. وأما (طسم) ففي الشعراء، والقصص. وأما (المص) ففي سورة الأعراف فقط. وأما (المر) ففي سورة الرعد فقط. وأما (كهيعص) ففي مريم فقط. وأما (عسق) في سورة الشورى فقط.

القول بأن الحروف المقطعة من المتشابه

وقد قسم العلماء آيات الذكر الحكيم إلى قسمين: قسم المحكم والمتشابه، وهذا التقسيم قائم على أساس قوله تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]. أما فيما يتعلق بالحروف المقطعة فقد انقسم العلماء في ذلك إلى فريقين: فريق توقفوا عن أن يدلوا فيها بأي رأي اجتهادي تورعاً، وفوضوا العلم بها إلى الله سبحانه وتعالى. أما الفريق الآخر: فحاولوا أن يؤولوا ليدركوا معانيها، ومع ذلك فلم تتفق كلمتهم على رأي قاطع في هذه المسألة، بل تعددت أقوالهم. فالفريق الأول اعتبروا هذه الفواتح من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فعلى هذا الأساس تكون هذه الفواتح من الأسرار المحجوبة التي لم يطلع الله عليها أحداً من خلقه، فهي: كالساعة والغيث وعلم ما في الأرحام وغير ذلك، فواجب المؤمن التصديق بها حتى ولو غاب عنه تأوليها، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (عجزت العلماء عن إدراكها)، أي: عن إدراك سر هذه الحروف المقطعة في أوائل كتاب الله عز وجل، فهي لها معنى بلا شك، وهناك حكمة من إيرادها، لكن العلم بالمراد منها موكول إلى الله سبحانه وتعالى. قال الشعبي والثوري وجماعة من المحدثين: هي -أي الفواتح- سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سر، فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت؛ ولذلك لما سئل الشعبي عنها قال: (سر الله عز وجل فلا تطلبوه). وقال أبو حاتم: (لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله عز وجل بها). وبعض العلماء جمع هذه الحروف، وحذف منها المكرر، وكوَّن منها جملة مفيدة، فخرجت هذه الجملة: (نص حكيم قاطع له سر!!). وهذه ليست طريقة علمية في الاستنباط، لكن هذا مما يستأنس به، ومما يستملح. وقال الربيع بن خثيم : (إن الله تعالى أنزل هذا القرآن، فاستأثر منه بعلم ما شاء، وأطلعكم على ما شاء، فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به، وما كل القرآن تعلمون، ولا بكل ما تعلمون تعملون). وعلق أبو بكر الأنباري على مقولة الربيع قائلاً: (فهذا يوضح أن حروفاً من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم، اختباراً من الله وامتحاناً، فمن آمن بها أثيب وسعد، ومن كفر وشك أثم وبعد). وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: (من تكلم في بيان معاني هذه الحروف، جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل فقد غلط أقبح الغلط، وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط، فإنه إن كان تفسيره لها بما فسره به راجعاً إلى لغة العرب وعلومها فهو كذب بحت، فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك)، فهذا هو الاحتمال الأول الذي ذكره الشوكاني في حق من يدلي بدلوه في هذه القضية. أنه: إن كان يزعم أن له سلفاً من العرب في هذا الفهم وهذا التفكير لهذه الحروف المقطعة، فنقول: هذا كذب بحت وافتراء محض؛ لأن العرب لم تعرف هذا الأسلوب على الإطلاق في الكلام من قبل.

ذكر قول من جعل الحروف المقطعة أجزاء مختصرة من كلمات عربية

وهنا نتوقف قليلاً -قبل أن نستطرد في ذكر بقية كلام الشوكاني رحمه الله تعالى- ونتعرض لشبه قد يقولها بعض الناس، وقد يطالعها بعض الإخوة في كتب التفسير: فإن الملاحظ أن بعض العلماء ذكروا عن بعض العرب الاقتصار على حرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، وهذا هو الذي دفع بعض الناس إلى أن يقولوا: إن هذا أسلوب -أي: فواتح السور- كان للعرب عهد به من قبل، فالقرآن خاطبهم بنفس العهد، ومن ثم بدءوا يقولون: إن هذه الحروف هي عبارة عن حرف من كلمة حذف باقيها، يستشهدون بقول شعراء العرب مثلاً: (فقلت لها قفي فقالت قاف) أي: وقفت، فاقتصر على التعبير عن كلمة (وقفت) بحرف قاف. وقال زهير : بالخير خيرات وإن شراً فا ولا أريد الشر إلا أن تا (بالخير خيرات) يعني: أجزيك بالخير خيرات (وإن شراً فا) بألف يعني: فشر، فحذف كلمة فشر أو اقتصر منها على حرف الفاء فقط ومده. (ولا أريد الشر إلا أن تا) يعني: إلا أنت تشاء، فاختصر كلمة تشاء إلى حرف التاء. وقال آخر: نادوهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعاً كلهم ألا فا (نادوهم ألا الجموا ألا تا) يعني: ألا تركبون، فاقتصر من كلمة تركبون على حرف التاء. (قالوا جميعاً كلهم ألا فا) يعني: فاركبوا. وكما قيل أيضاً: (كفى بالسيف شا)، يعني: شافياً أو شاهداً. ويبرزون في هذا حديثاً ضعيفاً، وينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح: (من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله)، لكن من ناحية اللغة قد يعتبره العلماء شاهداً بفرض صحته، على أساس أن الإنسان يعين على قتل أخيه بقوله: اقـ، بدل كلمة اقتل، فهي من هذا الباب. فعلى أساس هذا الاستعمال العربي ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الأسلوب في القرآن الكريم أسلوب معهود من ذي قبل، وممن انتصر لذلك الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله تعالى، فقد ذهب إلى أن هذه الحروف كانت شائعة الاستعمال في الأدب العربي في الحقبة التي نزل فيها القرآن، وقد استخدمها الشعراء والكتاب على السواء، ولأن معناها كان مفهوماً لديهم آنذاك لم يعترض عليه أحد قط، أي: لا أحد من الصحابة ولا من العرب اعترض على وجود هذه الحروف في أوائل السور، بل لم يستفهموا عنها ولا عن استعمالها إذ لم تكن عندهم ألغازاً ولا طلاسم يلزم حلها وتفسيرها.

الرد على من جعل الحروف المقطعة أجزاء مختصرة من كلمات

والجواب على كلام الإمام العلامة المودودي رحمه الله أو من ذهب إلى مذهبه هو: أن هذه الحروف المقطعة لم تأتِ إلا في فواتح السور، بخلاف استعمالات العرب، فإن الحرف يأتي في جواب كلام أو في سياق جملة، فيفهم معناه من السياق كله، فالقاف في قوله: (قلت لها قفي فقالت قاف)، تقدمها كلام دل على معناها. ومثلها: (بالخير خيرات وإن شراً فا) بل لو قلنا لتلميذ في الابتدائية أكملها فسيقول: فشر، لأن الشر جزاء الشر، وإن لم تذكر الفاء، وكذلك: (نادوهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعاً كلهم ألا فا). أو: (كفى بالسيف شا). فإذاً يوجد سياق للكلام قبل هذا الحرف يدلنا على المعنى المراد بهذا الحرف، لكن أين ذلك في آيات القرآن في فواتح السور؟ فليس من الصحيح أن نقول: إن فواتح السور هي من جنس استعمالات العرب لهذه الحروف، بل الصحيح منع هذه الشبه، وأن هذا الأسلوب لم يكن معروفاً عند العرب من قبل. قال الشوكاني رحمه الله تعالى: (ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على حرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن يتقدمه ما يدل عليه ويفيد معناه، بحيث لا يلتبس على سامعه، كما في الشواهد التي ذكرناها من قبل، ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم) يعني كما في قولهم: (يا صاح!) والمقصود: يا صاحبي! (يا مال!) يعني يا مالك! وكذلك: (عم صباحاً) فيها حذف، وأصلها: أنعم صباحاً). وقال ابن قتيبة : وكما يحذفون من الكلام البعض، إذا كان فيما أبقوا دليل على ما ألقوا، كقول ذي الرمة : فلما لبسن الليل أو حين نصبت له من خذا آذانها وهو جانح يعني: من حين أقبل، ومن ذلك أن هذا النوع من الحذف، يعني: هذا النوع من الحذف موجود في القرآن الكريم، لكن ليس له علاقة بموضوع فواتح السور، وأنتم تلاحظون في التفسير أن كثيراً ما نجد السيوطي -رحمه الله- وغيره من المفسرين، يقول مثلاً: هذه الآية لم تذكر فيها النتيجة لأن النتيجة معروفة وهي كذا، أو هذا شرط والجواب محذوف، وكل هذا من أساليب العرب، فمثلاً قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى [الرعد:31]، جواب الشرط فيها محذوف تقديره: لكان هذا القرآن، فحذف الجواب. وكذلك يحذفون من الكلمة الحرف أو الشطر، والأكثر يرتجزون به، كما يقولون: في لجة أمسك فلاناً عن فل منه تظل إبلي في الهوجل يعني: فلاناً عن فلان. وقال العجاج: قواطناً مكة من ورق الحم. يعني: الحمام. إذاً هناك فارق كبير بين اقتصار العرب على حرف أو أحرف من الكلمة، وبين الفواتح في أوائل السور، وإذا كان الكلام العربي قد زخر بأدوات استفتاح وتنبيه كثيرة، لكنها لا تشبه هذه الفواتح التي أتى بها القرآن الكريم لأول مرة في تاريخ العرب، ولم يعثر أحد عليها لا في شعرهم ولا في نثرهم، فأين ألا مثلاً أو (أما) في قول لبيد بن ربيعة: ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل وقول صخر الهذلي : أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمر نرى هنا أدوات الاستفتاح: ألا وأما، أين هي من (حم عسق) و(الم) و(الر)، لا شك أن هناك فارقاً شاسعاً بين هذه وتلك، فهذا هو الجواب على من زعم أن هذه الفواتح هي من نفس الأسلوب الذي استعمله العرب. يقول الشوكاني : وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادعوه من لغة العرب وعلومها، لم يبق حينئذ إلا أحد أمرين: الأول: إما أنهم يفسرون ما يفسرون بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه والتنكب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه وتعالى من أن يجعلوا كتاب الله ملعبة يتلاعبون بها. وإما أنهم يفسرون ما يفسرون بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو الطريق الواضح والسبيل القويم، بل الجادة التي ما عداها معدوم، فمن وجد شيئاً من هذا فغير ملوم أن يقوله بملء فيه، ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل: لا أدري، أو الله أعلم بمراده، فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه ومحاولة الوقوف على علمه، مع كونه ألفاظاً عربية وتراكيب مفهومة، وقد جعل الله تتبع ذلك -المتشابه- صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فكيف بما نحن بصدده؟! قال: وهذا في السور متشابه المتشابه -يعني: أشد الآيات تشابهاً- فهي أولى ما يمسك عن الخوض فيه بغير علم.

دراسة نقدية للتأويلات العددية والتفسيرات الإشارية

هنا دراسة نقدية للتأويلات العددية والتفسيرات الإشارية للدكتور/ محمد محمد أبو فراخ ، أستاذ التفسير والتجويد وعلوم القرآن المساعد في جامعة الإمام محمد بن سعود، يتكلم فيها على هذا الموضوع. وقد ذكر أن فريقاً من العلماء رأى أن هذا علم مستور ومحجوب عنا لا نستطيع إدراكه، وذكر الدكتور أن بعض العلماء ذهبوا مذهباً آخر، فاجتهدوا في محاولة تأويل فواتح هذه السور، فاتجه جمع كبير من العلماء إلى محاولة الكشف عن أسرار هذه الحروف والوقوف على معانيها ومدلولاتها والانتفاع بها، تحقيقاً للهدف الذي رمى إليه القرآن من ذكرها، قالوا: إن القرآن أنزل كي يتدبر: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، فعلينا أن نعمل عقولنا في محاولة فهم ما وقف عنده الفريق الأول الذي فوض العلم في هذه الأحرف إلى الله سبحانه وتعالى، والذي يرى الوقف لازماً عند قوله تبارك وتعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ، ثم يستأنف الكلام: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا.. إلى آخر الآية، فالوقف التام في هذه الآية إنما هو عند قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله) وما بعده استئناف لكلام آخر، وهو قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به). فالعلماء آمنوا بالمتشابه الذي لا يعلم تأويله أحد غيره تعالى، ومن أجل ذلك الإيمان والتفويض أثنى الله عليهم. والفريق الثاني الذي ذهب إلى تفسير هذه الفواتح، جعل قوله تعالى: (والراسخون في العلم) معطوفاً على ما قبله، أي: (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) يعني: لا يعلم تأويل هذه الآيات المتشابهة إلا الله سبحانه وتعالى والراسخون في العلم. فإذاً يكون الوقف على قوله تعالى: (والراسخون في العلم) يعني (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) وقوله: (( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ )) جملة جديدة. وقد روي عن ابن عباس : أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل، وأنهم داخلون في علم المتشابه، وأنهم مع علمهم به: (يقولون آمنا به)، وقال بهذا الرأي: الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم. وروي عن مجاهد أنه عطف الراسخون على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه، واحتج له بعض أهل اللغة فقال: معناها: والراسخون في العلم يعلمونه قائلين: (آمنا به كل من عند ربنا)، وزعم أن موضع (يقولون) نصب على الحال. لكن القرطبي لا يقبل هذا الرأي ولا يقف على قوله تعالى: (والراسخون في العلم) ولا يجعل الواو للعطف، وينكر نصب جملة (يقولون) على الحال؛ لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معاً، ولا تذكر حالاً إلا مع ظهور الفعل، فلا يجوز أن تقول: عبد الله راكباً بمعنى: أقبل عبد الله راكباً، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل، كقوله: عبد الله يتكلم يصلح بين الناس، فيصلح هنا إعرابها حالاً. فكان قول عامة العلماء بالابتداء بقوله تعالى: (والراسخون في العلم) مستقيم مع مذاهب النحويين، وهو أولى من قول مجاهد الذي جعل الواو للعطف وزعم أنهم يعلمونه.

ذكر قول من جعل فواتح السور تدرك بحساب الجمل ونحوه

ويزعم بعضهم أنه يعلم فواتح السور بحساب الجمل!! وهذه الطريقة تنسب لليهود، ومعنى حساب الجمل التي هي: أبجدهوز... إلخ: أن كل حرف منها يساوي عدداً معيناً، ويبدأ العد على حسب ترتيبها: واحد اثنين ثلاثة أربعة.. إلى حد العشرة، ثم بعد ذلك يقول: عشرة عشرين ثلاثين أربعين.. إلى حد المائة، ثم يقول: مائة مائتين.. إلى آخرها. فكل حرف من الكلمة يساوي عدداً معيناً، فيجمعونها ويحاولون أن يستخلصوا منها بعض المعلومات، فهذه طريقة يهودية ليست من الإسلام في شيء. ومن هذه الضلالات ضلالة فرسان خليفة الذي ذهب إلى عمل حسابات معينة بالكمبيوتر أو الحاسب الآلي الجديد، ومن خلال إعطاء أوامر للكمبيوتر يعطيه العلاقات، وما أدري رقم تسعة عشر يتكرر كم مرة في القرآن؟! وتقديسٌ للرقم تسعة عشر بصورة تذكرنا تماماً بمنهج الباذيين والبهائيين!! وهذا موضوع يستحق في الحقيقة الكلام عليه، لكنه هنا أمر عارض فلن نفصل فيه.

القول بأن الحروف المقطعة ليست من المتشابه

على أي حال من الأحوال فهذا الفريق الثاني من العلماء رأى أن الفواتح ليست من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، قالوا: لو كانت هذه الحروف من المتشابه لجاز أن يرد في كتاب الله ما لا يكون مفهوماً للناس، والله تعالى يقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، فكيف يأمرنا الله بتدبر القرآن كله وبعضه غير مفهوم؟! قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، وقال تعالى: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل:64]، فالقرآن نزل ليفهمه الناس ويتدبروه؛ ولذلك نزل بلسان عربي مبين، كما قال تعالى: قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر:28]. وعن عمرو بن مرة قال: ما مرت بي آيات لا أعرفها إلا أحزنني؛ لأني سمعت الله يقول: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، وهكذا ذكروا عن بعض السلف آثاراً تدل على الحرص على فهم القرآن الكريم كله، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الله سبحانه وتعالى لم يقل في المتشابه: لا يعلم تفسيره ومعناه إلا الله، إنما قال: (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ))، فالله سبحانه وتعالى أخبر أنه لا يعلم تأويله إلا هو. والوقف هنا على ما دلت عليه أدلة كثيرة، وعليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على كلمة: (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ))، فكان مذهب الصحابة وجمهور التابعين وجماهير الأمة.

هذه الحروف المقطعة وردت في أوائل تسع وعشرين سورة من سور القرآن الكريم، وأخذت أربعة عشر شكلاً بعد حرف الفواتح المكررة وهي: ص [ص:1]، ق [ق:1]، ن [القلم:1]، حم [غافر:1]، طه [طه:1]، طس [النمل:1] ، يس [يس:1]، (( الم ))[البقرة:1]، (( الر ))[يونس:1]، المص [الأعراف:1]، المر [الرعد:1]، كهيعص [مريم:1]، حم * عسق [الشورى:1-2]. فجاءت: (ص)، (ق)، (ن) على حرف واحد. (حم)، (طه)، (طس)، (يس) على حرفين. و(حم) جاءت في غافر، وفصلت، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف. و(طس) جاءت في النمل فقط. وأما (الم) ففي البقرة، وآل عمران، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة. وأما (الر) ففي يونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر. وأما (طسم) ففي الشعراء، والقصص. وأما (المص) ففي سورة الأعراف فقط. وأما (المر) ففي سورة الرعد فقط. وأما (كهيعص) ففي مريم فقط. وأما (عسق) في سورة الشورى فقط.

وقد قسم العلماء آيات الذكر الحكيم إلى قسمين: قسم المحكم والمتشابه، وهذا التقسيم قائم على أساس قوله تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]. أما فيما يتعلق بالحروف المقطعة فقد انقسم العلماء في ذلك إلى فريقين: فريق توقفوا عن أن يدلوا فيها بأي رأي اجتهادي تورعاً، وفوضوا العلم بها إلى الله سبحانه وتعالى. أما الفريق الآخر: فحاولوا أن يؤولوا ليدركوا معانيها، ومع ذلك فلم تتفق كلمتهم على رأي قاطع في هذه المسألة، بل تعددت أقوالهم. فالفريق الأول اعتبروا هذه الفواتح من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فعلى هذا الأساس تكون هذه الفواتح من الأسرار المحجوبة التي لم يطلع الله عليها أحداً من خلقه، فهي: كالساعة والغيث وعلم ما في الأرحام وغير ذلك، فواجب المؤمن التصديق بها حتى ولو غاب عنه تأوليها، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (عجزت العلماء عن إدراكها)، أي: عن إدراك سر هذه الحروف المقطعة في أوائل كتاب الله عز وجل، فهي لها معنى بلا شك، وهناك حكمة من إيرادها، لكن العلم بالمراد منها موكول إلى الله سبحانه وتعالى. قال الشعبي والثوري وجماعة من المحدثين: هي -أي الفواتح- سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سر، فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت؛ ولذلك لما سئل الشعبي عنها قال: (سر الله عز وجل فلا تطلبوه). وقال أبو حاتم: (لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله عز وجل بها). وبعض العلماء جمع هذه الحروف، وحذف منها المكرر، وكوَّن منها جملة مفيدة، فخرجت هذه الجملة: (نص حكيم قاطع له سر!!). وهذه ليست طريقة علمية في الاستنباط، لكن هذا مما يستأنس به، ومما يستملح. وقال الربيع بن خثيم : (إن الله تعالى أنزل هذا القرآن، فاستأثر منه بعلم ما شاء، وأطلعكم على ما شاء، فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به، وما كل القرآن تعلمون، ولا بكل ما تعلمون تعملون). وعلق أبو بكر الأنباري على مقولة الربيع قائلاً: (فهذا يوضح أن حروفاً من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم، اختباراً من الله وامتحاناً، فمن آمن بها أثيب وسعد، ومن كفر وشك أثم وبعد). وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: (من تكلم في بيان معاني هذه الحروف، جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل فقد غلط أقبح الغلط، وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط، فإنه إن كان تفسيره لها بما فسره به راجعاً إلى لغة العرب وعلومها فهو كذب بحت، فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك)، فهذا هو الاحتمال الأول الذي ذكره الشوكاني في حق من يدلي بدلوه في هذه القضية. أنه: إن كان يزعم أن له سلفاً من العرب في هذا الفهم وهذا التفكير لهذه الحروف المقطعة، فنقول: هذا كذب بحت وافتراء محض؛ لأن العرب لم تعرف هذا الأسلوب على الإطلاق في الكلام من قبل.

وهنا نتوقف قليلاً -قبل أن نستطرد في ذكر بقية كلام الشوكاني رحمه الله تعالى- ونتعرض لشبه قد يقولها بعض الناس، وقد يطالعها بعض الإخوة في كتب التفسير: فإن الملاحظ أن بعض العلماء ذكروا عن بعض العرب الاقتصار على حرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، وهذا هو الذي دفع بعض الناس إلى أن يقولوا: إن هذا أسلوب -أي: فواتح السور- كان للعرب عهد به من قبل، فالقرآن خاطبهم بنفس العهد، ومن ثم بدءوا يقولون: إن هذه الحروف هي عبارة عن حرف من كلمة حذف باقيها، يستشهدون بقول شعراء العرب مثلاً: (فقلت لها قفي فقالت قاف) أي: وقفت، فاقتصر على التعبير عن كلمة (وقفت) بحرف قاف. وقال زهير : بالخير خيرات وإن شراً فا ولا أريد الشر إلا أن تا (بالخير خيرات) يعني: أجزيك بالخير خيرات (وإن شراً فا) بألف يعني: فشر، فحذف كلمة فشر أو اقتصر منها على حرف الفاء فقط ومده. (ولا أريد الشر إلا أن تا) يعني: إلا أنت تشاء، فاختصر كلمة تشاء إلى حرف التاء. وقال آخر: نادوهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعاً كلهم ألا فا (نادوهم ألا الجموا ألا تا) يعني: ألا تركبون، فاقتصر من كلمة تركبون على حرف التاء. (قالوا جميعاً كلهم ألا فا) يعني: فاركبوا. وكما قيل أيضاً: (كفى بالسيف شا)، يعني: شافياً أو شاهداً. ويبرزون في هذا حديثاً ضعيفاً، وينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح: (من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله)، لكن من ناحية اللغة قد يعتبره العلماء شاهداً بفرض صحته، على أساس أن الإنسان يعين على قتل أخيه بقوله: اقـ، بدل كلمة اقتل، فهي من هذا الباب. فعلى أساس هذا الاستعمال العربي ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الأسلوب في القرآن الكريم أسلوب معهود من ذي قبل، وممن انتصر لذلك الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله تعالى، فقد ذهب إلى أن هذه الحروف كانت شائعة الاستعمال في الأدب العربي في الحقبة التي نزل فيها القرآن، وقد استخدمها الشعراء والكتاب على السواء، ولأن معناها كان مفهوماً لديهم آنذاك لم يعترض عليه أحد قط، أي: لا أحد من الصحابة ولا من العرب اعترض على وجود هذه الحروف في أوائل السور، بل لم يستفهموا عنها ولا عن استعمالها إذ لم تكن عندهم ألغازاً ولا طلاسم يلزم حلها وتفسيرها.

والجواب على كلام الإمام العلامة المودودي رحمه الله أو من ذهب إلى مذهبه هو: أن هذه الحروف المقطعة لم تأتِ إلا في فواتح السور، بخلاف استعمالات العرب، فإن الحرف يأتي في جواب كلام أو في سياق جملة، فيفهم معناه من السياق كله، فالقاف في قوله: (قلت لها قفي فقالت قاف)، تقدمها كلام دل على معناها. ومثلها: (بالخير خيرات وإن شراً فا) بل لو قلنا لتلميذ في الابتدائية أكملها فسيقول: فشر، لأن الشر جزاء الشر، وإن لم تذكر الفاء، وكذلك: (نادوهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعاً كلهم ألا فا). أو: (كفى بالسيف شا). فإذاً يوجد سياق للكلام قبل هذا الحرف يدلنا على المعنى المراد بهذا الحرف، لكن أين ذلك في آيات القرآن في فواتح السور؟ فليس من الصحيح أن نقول: إن فواتح السور هي من جنس استعمالات العرب لهذه الحروف، بل الصحيح منع هذه الشبه، وأن هذا الأسلوب لم يكن معروفاً عند العرب من قبل. قال الشوكاني رحمه الله تعالى: (ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على حرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن يتقدمه ما يدل عليه ويفيد معناه، بحيث لا يلتبس على سامعه، كما في الشواهد التي ذكرناها من قبل، ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم) يعني كما في قولهم: (يا صاح!) والمقصود: يا صاحبي! (يا مال!) يعني يا مالك! وكذلك: (عم صباحاً) فيها حذف، وأصلها: أنعم صباحاً). وقال ابن قتيبة : وكما يحذفون من الكلام البعض، إذا كان فيما أبقوا دليل على ما ألقوا، كقول ذي الرمة : فلما لبسن الليل أو حين نصبت له من خذا آذانها وهو جانح يعني: من حين أقبل، ومن ذلك أن هذا النوع من الحذف، يعني: هذا النوع من الحذف موجود في القرآن الكريم، لكن ليس له علاقة بموضوع فواتح السور، وأنتم تلاحظون في التفسير أن كثيراً ما نجد السيوطي -رحمه الله- وغيره من المفسرين، يقول مثلاً: هذه الآية لم تذكر فيها النتيجة لأن النتيجة معروفة وهي كذا، أو هذا شرط والجواب محذوف، وكل هذا من أساليب العرب، فمثلاً قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى [الرعد:31]، جواب الشرط فيها محذوف تقديره: لكان هذا القرآن، فحذف الجواب. وكذلك يحذفون من الكلمة الحرف أو الشطر، والأكثر يرتجزون به، كما يقولون: في لجة أمسك فلاناً عن فل منه تظل إبلي في الهوجل يعني: فلاناً عن فلان. وقال العجاج: قواطناً مكة من ورق الحم. يعني: الحمام. إذاً هناك فارق كبير بين اقتصار العرب على حرف أو أحرف من الكلمة، وبين الفواتح في أوائل السور، وإذا كان الكلام العربي قد زخر بأدوات استفتاح وتنبيه كثيرة، لكنها لا تشبه هذه الفواتح التي أتى بها القرآن الكريم لأول مرة في تاريخ العرب، ولم يعثر أحد عليها لا في شعرهم ولا في نثرهم، فأين ألا مثلاً أو (أما) في قول لبيد بن ربيعة: ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل وقول صخر الهذلي : أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمر نرى هنا أدوات الاستفتاح: ألا وأما، أين هي من (حم عسق) و(الم) و(الر)، لا شك أن هناك فارقاً شاسعاً بين هذه وتلك، فهذا هو الجواب على من زعم أن هذه الفواتح هي من نفس الأسلوب الذي استعمله العرب. يقول الشوكاني : وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادعوه من لغة العرب وعلومها، لم يبق حينئذ إلا أحد أمرين: الأول: إما أنهم يفسرون ما يفسرون بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه والتنكب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه وتعالى من أن يجعلوا كتاب الله ملعبة يتلاعبون بها. وإما أنهم يفسرون ما يفسرون بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو الطريق الواضح والسبيل القويم، بل الجادة التي ما عداها معدوم، فمن وجد شيئاً من هذا فغير ملوم أن يقوله بملء فيه، ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل: لا أدري، أو الله أعلم بمراده، فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه ومحاولة الوقوف على علمه، مع كونه ألفاظاً عربية وتراكيب مفهومة، وقد جعل الله تتبع ذلك -المتشابه- صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فكيف بما نحن بصدده؟! قال: وهذا في السور متشابه المتشابه -يعني: أشد الآيات تشابهاً- فهي أولى ما يمسك عن الخوض فيه بغير علم.

هنا دراسة نقدية للتأويلات العددية والتفسيرات الإشارية للدكتور/ محمد محمد أبو فراخ ، أستاذ التفسير والتجويد وعلوم القرآن المساعد في جامعة الإمام محمد بن سعود، يتكلم فيها على هذا الموضوع. وقد ذكر أن فريقاً من العلماء رأى أن هذا علم مستور ومحجوب عنا لا نستطيع إدراكه، وذكر الدكتور أن بعض العلماء ذهبوا مذهباً آخر، فاجتهدوا في محاولة تأويل فواتح هذه السور، فاتجه جمع كبير من العلماء إلى محاولة الكشف عن أسرار هذه الحروف والوقوف على معانيها ومدلولاتها والانتفاع بها، تحقيقاً للهدف الذي رمى إليه القرآن من ذكرها، قالوا: إن القرآن أنزل كي يتدبر: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، فعلينا أن نعمل عقولنا في محاولة فهم ما وقف عنده الفريق الأول الذي فوض العلم في هذه الأحرف إلى الله سبحانه وتعالى، والذي يرى الوقف لازماً عند قوله تبارك وتعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ، ثم يستأنف الكلام: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا.. إلى آخر الآية، فالوقف التام في هذه الآية إنما هو عند قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله) وما بعده استئناف لكلام آخر، وهو قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به). فالعلماء آمنوا بالمتشابه الذي لا يعلم تأويله أحد غيره تعالى، ومن أجل ذلك الإيمان والتفويض أثنى الله عليهم. والفريق الثاني الذي ذهب إلى تفسير هذه الفواتح، جعل قوله تعالى: (والراسخون في العلم) معطوفاً على ما قبله، أي: (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) يعني: لا يعلم تأويل هذه الآيات المتشابهة إلا الله سبحانه وتعالى والراسخون في العلم. فإذاً يكون الوقف على قوله تعالى: (والراسخون في العلم) يعني (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) وقوله: (( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ )) جملة جديدة. وقد روي عن ابن عباس : أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل، وأنهم داخلون في علم المتشابه، وأنهم مع علمهم به: (يقولون آمنا به)، وقال بهذا الرأي: الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم. وروي عن مجاهد أنه عطف الراسخون على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه، واحتج له بعض أهل اللغة فقال: معناها: والراسخون في العلم يعلمونه قائلين: (آمنا به كل من عند ربنا)، وزعم أن موضع (يقولون) نصب على الحال. لكن القرطبي لا يقبل هذا الرأي ولا يقف على قوله تعالى: (والراسخون في العلم) ولا يجعل الواو للعطف، وينكر نصب جملة (يقولون) على الحال؛ لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معاً، ولا تذكر حالاً إلا مع ظهور الفعل، فلا يجوز أن تقول: عبد الله راكباً بمعنى: أقبل عبد الله راكباً، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل، كقوله: عبد الله يتكلم يصلح بين الناس، فيصلح هنا إعرابها حالاً. فكان قول عامة العلماء بالابتداء بقوله تعالى: (والراسخون في العلم) مستقيم مع مذاهب النحويين، وهو أولى من قول مجاهد الذي جعل الواو للعطف وزعم أنهم يعلمونه.

ويزعم بعضهم أنه يعلم فواتح السور بحساب الجمل!! وهذه الطريقة تنسب لليهود، ومعنى حساب الجمل التي هي: أبجدهوز... إلخ: أن كل حرف منها يساوي عدداً معيناً، ويبدأ العد على حسب ترتيبها: واحد اثنين ثلاثة أربعة.. إلى حد العشرة، ثم بعد ذلك يقول: عشرة عشرين ثلاثين أربعين.. إلى حد المائة، ثم يقول: مائة مائتين.. إلى آخرها. فكل حرف من الكلمة يساوي عدداً معيناً، فيجمعونها ويحاولون أن يستخلصوا منها بعض المعلومات، فهذه طريقة يهودية ليست من الإسلام في شيء. ومن هذه الضلالات ضلالة فرسان خليفة الذي ذهب إلى عمل حسابات معينة بالكمبيوتر أو الحاسب الآلي الجديد، ومن خلال إعطاء أوامر للكمبيوتر يعطيه العلاقات، وما أدري رقم تسعة عشر يتكرر كم مرة في القرآن؟! وتقديسٌ للرقم تسعة عشر بصورة تذكرنا تماماً بمنهج الباذيين والبهائيين!! وهذا موضوع يستحق في الحقيقة الكلام عليه، لكنه هنا أمر عارض فلن نفصل فيه.

على أي حال من الأحوال فهذا الفريق الثاني من العلماء رأى أن الفواتح ليست من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، قالوا: لو كانت هذه الحروف من المتشابه لجاز أن يرد في كتاب الله ما لا يكون مفهوماً للناس، والله تعالى يقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، فكيف يأمرنا الله بتدبر القرآن كله وبعضه غير مفهوم؟! قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، وقال تعالى: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل:64]، فالقرآن نزل ليفهمه الناس ويتدبروه؛ ولذلك نزل بلسان عربي مبين، كما قال تعالى: قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر:28]. وعن عمرو بن مرة قال: ما مرت بي آيات لا أعرفها إلا أحزنني؛ لأني سمعت الله يقول: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، وهكذا ذكروا عن بعض السلف آثاراً تدل على الحرص على فهم القرآن الكريم كله، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الله سبحانه وتعالى لم يقل في المتشابه: لا يعلم تفسيره ومعناه إلا الله، إنما قال: (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ))، فالله سبحانه وتعالى أخبر أنه لا يعلم تأويله إلا هو. والوقف هنا على ما دلت عليه أدلة كثيرة، وعليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على كلمة: (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ))، فكان مذهب الصحابة وجمهور التابعين وجماهير الأمة.

وهذا الفريق الثاني بعدما اتفقوا على ضرورة التكلم في فواتح السور لإدراك معانيها وتلمس فوائدها، بناءً على أنها ليست من المتشابه في مذهبهم، تشعبت آراؤهم واختلفت أقوالهم في بيان المعنى المقصود منها!

قول من جعلها أسماء للسور

فأول فريق: قالوا: إن هذه الفواتح هي أسماء للسور، وإن هذا الحرف هو عبارة عن اسم للسورة التي افتتح بها، وهذا منقول عن زيد بن أسلم، ونسبه صاحب الكشاف إلى الأكثر، ونقل القرطبي عن زيد بن أسلم قوله: هي أسماء للسور، يعني: أن كل سورة تعرف بما افتتحت به منها. قد يرد إشكال هنا: وهو أن هناك بعض السور افتتحت بنفس الحروف فكيف تميز؟ كـ (الم) مثلاً و(حم). قالوا: يمكن تمييزها بإضافتها إلى اسم آخر، كأن تقول: (حم السجدة) لتميزها عن (حم الدخان) مثلاً أو الزخرف أو غيرها، أو (الم البقرة)، و(الم العنكبوت) و(الم تنزيل) وهذا يكون مثل ما يحصل من الوفاق في الأسماء، فلو أن أحداً اسمه محمد والثاني محمد والثالث محمد، فيمكن أن تقول مثلاً: محمد أبو علي، محمد أبو الحسن، محمد أبو بكر، فتميزه بالكنية أو باللقب. قال صاحب المنار: (الم) هو وأمثاله أسماء للسور المبتدأة به، ولا يضر وضع الاسم الواحد كـ الم لعدة سور؛ لأنه من المشترك الذي يعين معناه اتصاله باسمه، كأن تقول: الم البقرة، تقصد بذلك سورة البقرة، وقد نقل عن سيبويه مثل هذا الرأي، ويعتضد هذا بمثل ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (الم السجدة)، و(( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ ))[الإنسان:1]). وذكر أبو السعود : أن الذي عليه الأكثر كونه أسماءً للسور المصدرة بها، وإليه ذهب الخليل وسيبويه، هذا هو المذهب الأول من مذاهب الذين قالوا بالخوض في تأويل هذه الفواتح.

قول من جعل فواتح السور أسماء للقرآن

المذهب الثاني: أن الفواتح أسماء للقرآن الكريم نفسه مثل: الفرقان ومثل الذكر والكتاب وغير ذلك. فقد نقل القرطبي عن قتادة في قوله: (الم) قال: اسم من أسماء القرآن. وعن قتادة قال: كل هجاء في القرآن فهو اسم من أسماء القرآن، وقوله: كل هجاء يعني به حروف التهجي التي تليت في أول السور.

قول من جعل فواتح السور مأخوذة من أسماء الله وصفاته

المذهب الثالث: أن الفواتح حروف مأخوذة من أسماء الله وصفاته, فبعضهم قال: إنها تدل على اسم الله الأعظم، فعن شعبة قال: سألت السدي عن (حم) و(طس) و(الم) فقال: قال ابن عباس: هي اسم الله الأعظم! ونحن نحتاج في مثل هذا إلى تحقيق الأسانيد؛ لأن ابن عباس قد كذب عليه، وكثير من الأقوال روِّجت بنسبتها إلى ابن عباس. وروي أيضاً عن فاطمة بنت علي بن أبي طالب أنها سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: يا كهيعص! اغفر لي، ومن هنا استنبطوا أو ادعوا أن هذه الفواتح هي أسماء لله عز وجل، وهذا أيضاً مما يحتاج إلى أن يثبت بسند صحيح. ومن ذلك أيضاً ما روي عن الربيع بن أنس في قوله: (كهيعص) قال: يا من يجير ولا يجار عليه! وأخرج ابن أبي حاتم عن أشهب قال: سألت مالك بن أنس أينبغي لأحد أن يتسمى بيس؟ قال: ما أراه ينبغي لقول الله: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]، يعني: بناءً على أن الحروف أسماء لله عز وجل، فمن ثم لا يجوز لأحد أن يتسمى باسم الله، فهذا الفريق قال: إن (يس): اسم من أسماء الله، (طه): اسم من أسماء الله، (الم): اسم من أسماء الله. وعن ابن عباس وغيره (الم) حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله. ونلاحظ أن من الممكن بسهولة جداً أن نجد في أغلب المذاهب من ينسب قوله إلى ابن عباس، وذلك لأن علوم القرآن ما خدمت الخدمة الواجبة على الأمة إلى الآن، بخلاف السنة فإن الأمة ولله الحمد تيقظت لأهمية التحقيق فيها، ولكن ما زالت علوم القرآن تحتاج لكثير من التحقيق. وروي عن أبي العالية في قوله تعالى: (الم) قال: هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفاً دارت فيها الألسن كلها، ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه، وليس منها حرف إلا وهو من آلائه. وهذه طريقة أخرى تلتقي مع نفس الطريق، يقولون: إن كل حرف من هذه الحروف رمز لاسم من أسماء الله، أو جزء منه، كما قيل: الألف من الله، فالألف يعني: الله، واللام: مأخوذة من جبريل، والميم: من محمد عليه الصلاة والسلام. وعن ابن عباس في قوله: (كهيعص): أن الكاف من كافٍ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36]، والهاء: من هادٍ، والياء من: حكيم، والعين من: عليم، والصاد من: صادق، فهذه الفاتحة في مريم يجتمع بها صفات كثيرة؛ لأن كل حرف منها مفتاح اسم أو صفة من صفاته تعالى. ولا يبعد أن يستدلوا لهذا بما صدرنا به الكلام في موضوع استعمال العرب للحروف، وقد ذكرنا الفرق بين استعمالات العرب للحروف المقتصرة عليها وبين فواتح السور. وروي عن ابن عباس أنه قال: الم: أنا الله أعلم، ألف: أنا، لام: الله، ميم: أعلم، وكذا قال سعيد بن جبير، وقال السدي عن أبي مالك . وقيل: إنها صفات الأفعال، أي: (الم) مثلاً: الألف: آلاؤه، واللام: لطفه، والميم: مجده وملكه، نقل ذلك أبو السعود . وهذا الكلام غير منضبط من الناحية العلمية، فما الذي يمنع أن تكون الياء من حكيم، أو من خبير أو من لطيف أو من أي اسم من أسماء الله؟!

قول من جعل فواتح السور أيماناً

المذهب الرابع: أن الفواتح أيمان أقسم الله سبحانه وتعالى بها، فعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (الم) هو قسم أقسم الله به، فيجوز أن يكون الله سبحانه وتعالى أقسم بالحروف المقطعة كلها واقتصر على ذكر بعضها من ذكر جميعها، فقال: (الم) وهو يريد جميع الحروف، كما يقول القائل: تعلمت: ألف باء، وهو يقصد تعلمت الحروف الأبجدية، فبدل أن يقول: ألف باء.. إلى الياء يختصر ويقول: تعلمت (ألف باء)، فكذلك هنا، وكأن الله أقسم بجميع الحروف الهجائية، لكن اقتصر على أجزاء من هذه الحروف المقطعة، فلما طال أن يذكرها كلها اكتفى بذكر بعضها، والناس يدلون بأوائل الأشياء عندما يقولون: قرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2] يعني: قرأت فاتحة الكتاب، وإنما أقسم الله بحروف المعجم لشرفها وفضلها؛ ولأنها مبادئ في كتبه في المنزلة، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأصول كلام الأمم، بها يتعارفون ويذكرون الله عز وجل ويوحدون. وقد أقسم في كتابه العزيز: بالفجر، وبالطور، وبالعصر، وبالتين، وبالقلم إعظاماً لما يسطرون، ووقع القسم بها في أكثر السور على القرآن، يعني: أقسم بهذه الحروف التي هي رمز للحروف الأبجدية. قالوا: إنه يلاحظ في أكثر سور القرآن أن هذه الحروف تأتي في فاتحة السورة، ثم يغلب وجود إشارة إلى القرآن الكريم: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2]، كأنه قال: أقسم بحروف المعجم إن هذا لهو الكتاب الذي لا ريب فيه.