تفسير سورة النساء [31-42]


الحلقة مفرغة

يقول الله تبارك وتعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]. (( إِنْ تَجْتَنِبُوا )) أي: إن تتركوا. (( كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ )) أي: كبائر الذنوب التي نهاكم الشرع عنها، سواء ما ذكر قبل هذه الآية أو مما ذكر في غيرها من الآيات والأحاديث. (( نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )) أي: نمح عنكم صغائر ذنوبكم، وندخلكم الجنة؛ ولذلك قال: (( وَنُدْخِلْكُمْ )) أي: في الآخرة. (( مُدْخَلًا كَرِيمًا )) أي: حسناً وهي الجنة. و(( مدخلاً )) إما أنها اسم مكان، يعني: ندخلكم مكاناً مدخلاً، وإما أنها مصدر من أدخل يعني: إدخالاً مع كرامةٍ. وفي الآية دليل على أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، وفيها أيضاً رد على من زعم أن المعاصي كلها كبائر، وأنه لا صغيرة، بل الواضح من الآية أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وإلى كبائر. كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم على أن من الذنوب كبائر وصغائر، قال الله تعالى: (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ))، وقال أيضاً: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32]، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، يعني: مكفرات الصغائر إذا اجتنبت الكبائر.

درجات الأعمال المكفرة

هذه الأعمال المكفرة، لها ثلاث درجات: إحداها: أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها، والقيام بحقوقها، يعني: كالذي يتعاطى دواءً ضعيفاً يقصر عن مقاومة الداء كماً وكيفاً، فهذه الحالة الأولى بالنسبة للأعمال المكفرة التي تكفر الخطايا. الدرجة الثانية: أن تقاوم الصغائر، ولكنها لا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر. الدرجة الثالثة: أن تقوى على تكفير الصغائر، وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور)، وكما في الحديث: (اجتنبوا السبع الموبقات ..)، وغير ذلك من الأحاديث التي ذكرت كبائر الذنوب. يقول الإمام السيوطي رحمه الله تعالى: (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ )) وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة، قال ابن عباس : هي -أي: الكبائر- إلى السبعمائة أقرب، وفي رواية أخرى: إنها إلى السبعين أقرب، وهذه الرواية أصحهما عن ابن عباس ، يعني: أن الكبائر عددها إلى السبعين أقرب منها إلى غيره. (( نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )) صغائر الذنوب بالطاعات. (( وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا )) بضم الميم وفتحها أي: إدخالاً أو موضعاً (كريماً) وهو الجنة.

هذه الأعمال المكفرة، لها ثلاث درجات: إحداها: أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها، والقيام بحقوقها، يعني: كالذي يتعاطى دواءً ضعيفاً يقصر عن مقاومة الداء كماً وكيفاً، فهذه الحالة الأولى بالنسبة للأعمال المكفرة التي تكفر الخطايا. الدرجة الثانية: أن تقاوم الصغائر، ولكنها لا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر. الدرجة الثالثة: أن تقوى على تكفير الصغائر، وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور)، وكما في الحديث: (اجتنبوا السبع الموبقات ..)، وغير ذلك من الأحاديث التي ذكرت كبائر الذنوب. يقول الإمام السيوطي رحمه الله تعالى: (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ )) وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة، قال ابن عباس : هي -أي: الكبائر- إلى السبعمائة أقرب، وفي رواية أخرى: إنها إلى السبعين أقرب، وهذه الرواية أصحهما عن ابن عباس ، يعني: أن الكبائر عددها إلى السبعين أقرب منها إلى غيره. (( نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )) صغائر الذنوب بالطاعات. (( وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا )) بضم الميم وفتحها أي: إدخالاً أو موضعاً (كريماً) وهو الجنة.

وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء:32]. نهى تبارك وتعالى عن التحاسد، وعن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض من المال ونحوه، مما يجري فيه التنافس، ولذلك قال: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء:32]. يقول السيوطي في قوله تعالى: (( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ))، من جهة الدنيا أو الدين؛ لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض. (( للرجال نصيب )) يعني: ثواب، (( مما اكتسبوا )) بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره. (( وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ))، من طاعة أزواجهن، وحفظ فروجهن وغير ذلك، وقد نزلت هذه الآية لما قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها: (يغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله تعالى: (( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ )))؛ لأن النساء على لسان أم سلمة يسألن كيف يغزو الرجال ونحن لا نغزو، وفي نفس الوقت نعطى نصف الميراث، فأنزل الله تعالى: (( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ))، قال مجاهد : وأنزل فيها: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ .. [الأحزاب:35] إلى آخر الآية المعروفة في سورة الأحزاب، وحديث أم سلمة صحيح الإسناد. وفي رواية: نزلت لما قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها: (ليتنا كنا رجالاً فجاهدناً، وكان لنا مثل أجر الرجال). فالمقصود من الآية: (( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ )) أنه ينبغي لكل فريق أن يرضى بما قسم له. (( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ )) يعني: ما احتجتم إليه يعطكم. (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )) ومنه محل الفضل وسؤالكم.

قال تبارك وتعالى: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:33]. (ولكل) أي: لكل من الفريقين من الرجال أو النساء. (( جَعَلْنَا مَوَالِيَ ))، موالي: جمع مولى، يعني: المقصود ورثة وعصبة يعطون مما ترك الوالدان والأقربون، فيرثون ما تركوا لهم من المال. وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:33]، أو: (والذين عاقدت أيمانكم) بالألف ودونها، وهذا المبتدأ ضمن معنى الشرط؛ لذلك وقع خبره مع الفاء؛ لأنه جاء بمعنى الشرط: يعني: (والذين إن عاقدتموهم فآتوهم نصيبهم) فكلمة: (الذين عقدت) أو (عاقدت أيمانكم) تضمنت فيها معنى الشرط؛ فلذلك جاءت الفاء في الخبر، فقال تعالى: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]. أما قوله تعالى: (( أَيْمَانُكُمْ ))، فهذا جمع يمين، إما أنها تكون يميناً بمعنى القسم، أو الأيمان من الأيادي، أي: اليد، اليمنى، (( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ )) جمع يمين بمعنى القسم، وإن كان هذا أولى؛ لأن العقد خلاف اليد. والله جل وعلا قال: وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ [النحل:91]، ما الذي ينصرف إليه كلمة (الأيمان) هنا؟ العقد وليس اليد: وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:91]، فلهذا يرجح أن يكون المقصود بالذين عقدت أيمانكم أنها جمع يمين بمعنى القسم، وهذا أرجح من القول بأنها اليد، حتى إن قلنا: (( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ )) أو (عاقدت أيمانكم) بمعنى: اليد، فيلزم من ذلك أنهم كانوا يضعون الأيدي عند المعاهدات، أو يضع يده في يد من يتفق معه توثيقاً لهذا العقد، كما يحصل في عقود الزواج وغير ذلك، وحتى عند البيع، كانوا إذا وافق البائع والمشتري وحصل الإيجاب والقبول فيتم الصفق باليد على اليد الأخرى، إيماءً إلى توكيد هذا العقد ونفوذه. فقوله هناك: (( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ )) جمع يمين بمعنى القسم، أو اليد التي يضعونها في العهود. المقصود من الآية: هؤلاء الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث، فكان هذا الحلف يحصل في الجاهلية، بمعنى: أن الإنسان له أن يتخذ حليفاً أو ولياً ويتفق معه ويقول: إن دمي دمك، ومالي مالك، وإذا أنا مت فإنك ترثني بدون أسباب الميراث الذي هو عن طريق النسب. فيكون عقد اليمين في الحلف والعقود والعروض، (( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ )) أو (والذين عاقدت أيمانكم) يعني: من هؤلاء الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة وعلى الإرث. فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ، فآتوهم الآن نصيبهم وحظوظهم من الميراث وهو السدس. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:33] يعني: مطلع على حالكم، وهذا منسوخ بقوله تبارك وتعالى في سورة الأنفال: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]. وهذه الآية المذكورة يؤخذ منها أنهم أمروا بأن يوفوا بعقود الموالاة التي كانت بينهم في الجاهلية على النصرة والإرث، فأمروا أن يوفوا بما عاقدوا، ونهوا أن ينشئوا بعد هذه الآية معاقدة جديدة، بمعنى: أنهم نهوا عن إنشاء معاقدة جديدة فيما يأتي، ولكن أمروا بأن يوفوا بما تم في الجاهلية.

قال تبارك وتعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]. (الرجال قوامون) أي: مسلطون. (قوامون) جمع قوام، وهو القائم بالمصالح والتأديب والتدبير، يعني: الرجال مسئولون عن هذه الأشياء. (على النساء) أي: يقومون عليهن آمرين ناهين قيام الولاة على الرعية، فمسألة القوامة هي مسألة تنظيمية، وليست مسألة استفزازية، وليس معنى ذلك أن الرجل يطغى على المرأة ويظلمها، لكن بما ميز وبما فضل به الرجل على المرأة فإنه بذلك يصير له حق القوامة، بمعنى: أنه مسئول عن تسيير أمرها، كما يلي الراعي أمر رعيته ويقوم على أمرها.

أسباب تفضيل الرجال على النساء

بين الله تبارك وتعالى في هذه الآية إلى أن ذلك بسببين: أحدهما: وهبي، والآخر: كسبي. أما الوهبي: فهو فضل الذكورة، (بما فضل الله به بعضهم على بعض) والبعض المفضل هو الرجال على بعض وهو والنساء، وقد ذكروا في فضل الرجال على النساء أموراً كثيرة، فمثلاً في الرجال: العقل، والحزم، والعدل، والقوة، والفروسية، والرمي، ومن الرجال الأنبياء، وفيهم الإمامة الكبرى، والإمامة الصغرى، والجهاد والأذان والإقامة والشهادة في المجامع، والولاية في النكاح والطلاق، والرجعة، وعدد الأزواج، وزيادة السهم والتعصيب، وهم أصحاب اللحى والعمائم كما يذكر العلماء، والكامل بنفسه له حق الولاية على الناقص بنفسه، فهذا فيما يتعلق بالتفضيل الأول، وأشار للتفضيل الثاني وهو التفضيل الكسبي بقوله تبارك وتعالى: (( وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ))، فهذا السبب الثاني للقوامة: (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ))، والنساء ما زلن يتذكرن قوله تعالى آنفاً: (( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا )) إلى آخره، والنساء العاقلات لا يعترضن على هذا؛ لأن هذا أمر واقعي. وهناك استثناءات من هذا، فقد يكمل بعض النساء فتكون امرأة فعلاً بعدة رجال في دينها وعقلها وحفظها، لكن الغالب بخلاف ذلك، كما يقول الشاعر في فضليات النساء: فلو كان النساء كمن ذكرن لفضلت النساء على الرجال وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال ويكفي دليلاً على ذلك -حتى لا نطيل في هذه القضية التي يحلم كثير من الناس الإفاضة فيها- أن عامة النساء تفضل أن يكون مولودها ذكراً على أن يكون مولودها أنثى. فقوله تعالى: (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ))، أي: يقومون على النساء، يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن. (( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ))، أي: بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك. (( وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ))، وبما أنفقوا عليهن من أموالهم، تكون في المهور وغير ذلك. (( فَالصَّالِحَاتُ )) أي: الصالحات من النساء (( قَانِتَاتٌ )) هذه صفة الصالحات من النساء وهي أنهن مطيعات لأزواجهن.

معنى حفظ الزوجات للغيب

قوله (( حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ )) يعني: حافظات لفروجهن ولأموال أزواجهن وبيوتهم في غيبتهم. (( بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ))، في الحقيقة هذه الآية فيها تفصيل كثير، ومعان كثيرة، وتحتاج إلى محاضرات عدة، لكن حتى ننجز القدر المطلوب من التفسير نحاول أن نمر مروراً سريعاً. أيضاً يدخل في حفظ الغيب، عدم نشر ما يكون بين الزوجين متعلقاً بالجماع، فهذا يذكر أيضاً في حفظ الغيب. (حافظات للغيب بما حفظ) لهن، (الله). فالباء هنا في قوله تعالى: (( بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ))، تحتمل أمرين: إما أنها للمقابلة، كما تقول: هذا في مقابلة ذاك، يعني: كما أن الله سبحانه وتعالى حفظ لهن حقوقهن، بأن أوصى الأزواج بالنساء، وكذلك فعل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فشرع لهن الحقوق وأمر الأزواج بحفظ هذه الحقوق، فينبغي في مقابلة ذلك أن تحذر الزوجة من أن تخونه في غيبته في عرضه وماله ونفسها إلى آخره، فهذا معنى (حافظات للغيب بما حفظ الله)، يعني: في مقابلة ما حفظ الله لهن، فعليهن أن يطعن أزواجهن ويحفظن الغيب. أو الباء هنا في قوله تعالى: (بما حفظ الله) أي: مستعينات بحفظ الله تبارك وتعالى، فالباء للاستعانة، ومعنى ذلك: أن هؤلاء النساء الصالحات القانتات حافظات للغيب كما ذكرنا بما حفظ الله لهن، يعني: لا يتم حفظهن للغيب من حفظ الفروج والأموال وغير ذلك إلا باستعانتهن بالله، إذ لو تُركن لدواعي أهوائهن ونفوسهن لغلبت عليهن الأهواء، إلا أن يحفظهن الله؛ لأن الله خيرٌ حافظاً، فمهما كن صالحات فإنهن لا يثقن بأنفسهن وإنما يستعنّ بالله في حفظ الغيب بما حفظ الله تبارك وتعالى.

عدم جواز تولي المرأة للقضاء

واستدل بالآية على أنه لا يجوز للمرأة أن تلي القضاء، أو الإمامة العظمى؛ لأنه جعل الرجال قوّامين عليهن، فلم يجز أن يقمن هن على الرجال كما قال صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). وفي الحقيقة وضع المرأة في الإسلام هذا موضوع ذو شجون، والكلام فيه طويل جداً.

صفة التعامل مع الزوجة الناشز ومراحله

يقول تبارك وتعالى: (( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ )). أي: عصيانهنّ لكم بأن ظهرت أمارته، هنا تفسيران لقوله تعالى: (( تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ )): الأول: أن المرأة قد وقع منها النشوز بالفعل. الثاني: أي أنكم تتوقعون نشوزهن. فقوله تعالى: (( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ )) يعني: عصيانهن لكم بأن بدأت تظهر أمارة النشوز ودلائله، ففي هذه الحالة تطبق ما ذكر الله بعد ذلك من المراحل بالترتيب. الأولى: (( فَعِظُوهُنَّ )) أي: فخوفوهن الله. الثانية: (( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ )) أي: اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز. الثالثة: (( وَاضْرِبُوهُنّ )) ضرباً غير مبرح إن لم يرجعن بالهجران، يعني: إن لم ينفع الهجران ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهي الضرب غير المبرح. (( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ )) يعني: فيما يراد منهن، (( فَلا تَبْغُوا )) لا تطلبوا (( عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ))، طريقاً إلى ضربهن ظلماً. وأيضاً: لا شك أن هذه الآية مما يحتاج إلى كثير من التفصيل؛ لأن بعض الناس يسيء فهم موضوع ضرب النساء، حتى إن أعداء الإسلام يشنعون على كلام الله تبارك وتعالى ويضلون الناس عن سبيله، بسبب سوء مسلك بعض الرجال الجهلة من المسلمين. فأعداء الدين من الكفار ينشرون في وسائل الأعلام أن المسلم يعتقد أنه يجب عليه أن يضرب زوجته كل يوم في الصباح وفي المساء، ويعتقد أيضاً أن هذه عبادة، وهذا مما يضحك، لكن هذا واقع، فهم يشنعون على الإسلام بهذه الافتراءات والأكاذيب، مع أن الضرب بعد استيفاء شروطه مكروه، أي: أن الضرب مباح مع الكراهة ولا يباح بإطلاق؛ ولذلك ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لا امرأة ولا خادماً ولا شاة قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في هؤلاء الذين يظلمون النساء: (ما تجدون أولئك خياركم) يعني: مع الإباحة فإن خيار المسلمين لا يفعلون ذلك. فالموضوع فيه تفصيل، ومن ذلك أنه ينظر إن كان الضرب يجدي فليجأ إليه، أما إن كان الضرب يزيد في النشوز فلا داعي أصلاً للجوء إليه، وهذا ليس فقط في حق النساء، بل حتى الصغار، فالضرب ليس عملية تنفيس، بمجرد أن يغضب على الولد فهو يريد أن يستريح ويشفي غليله بضربه. فمع أن الضرب قد يؤدي إلى التشويه العضوي البدني في الولد لكن خطورته في التشويه النفسي أعظم وأكبر، حيث تصبح عنده عاهة نفسية. المقصود من الضرب أنه وسيلة للتأديب، فإذا لم يؤد للتأديب، ولم يعد بفائدة فسيكون ضرراً محضاً، وإنما يلجأ إليه لأجل تحصيل المنفعة من ورائه. (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا )) يعني: فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهن، وإذا كنتم قد جعلكم الله من القوامين عليهن وأعلى منهن فاعلموا أن الله أعلى منكم فاتقوا الله فيهن؛ ولذلك قال: (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ))، أي أعلى منكم، وأكبر منكم، فإن ظلمتموهن ينتقم الله سبحانه وتعالى منكم؛ ولذلك قال بعض السلف: (إني لأستحيي من الله أن أظلم من لا يجد له ناصراً إلا الله تبارك وتعالى).

بين الله تبارك وتعالى في هذه الآية إلى أن ذلك بسببين: أحدهما: وهبي، والآخر: كسبي. أما الوهبي: فهو فضل الذكورة، (بما فضل الله به بعضهم على بعض) والبعض المفضل هو الرجال على بعض وهو والنساء، وقد ذكروا في فضل الرجال على النساء أموراً كثيرة، فمثلاً في الرجال: العقل، والحزم، والعدل، والقوة، والفروسية، والرمي، ومن الرجال الأنبياء، وفيهم الإمامة الكبرى، والإمامة الصغرى، والجهاد والأذان والإقامة والشهادة في المجامع، والولاية في النكاح والطلاق، والرجعة، وعدد الأزواج، وزيادة السهم والتعصيب، وهم أصحاب اللحى والعمائم كما يذكر العلماء، والكامل بنفسه له حق الولاية على الناقص بنفسه، فهذا فيما يتعلق بالتفضيل الأول، وأشار للتفضيل الثاني وهو التفضيل الكسبي بقوله تبارك وتعالى: (( وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ))، فهذا السبب الثاني للقوامة: (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ))، والنساء ما زلن يتذكرن قوله تعالى آنفاً: (( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا )) إلى آخره، والنساء العاقلات لا يعترضن على هذا؛ لأن هذا أمر واقعي. وهناك استثناءات من هذا، فقد يكمل بعض النساء فتكون امرأة فعلاً بعدة رجال في دينها وعقلها وحفظها، لكن الغالب بخلاف ذلك، كما يقول الشاعر في فضليات النساء: فلو كان النساء كمن ذكرن لفضلت النساء على الرجال وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال ويكفي دليلاً على ذلك -حتى لا نطيل في هذه القضية التي يحلم كثير من الناس الإفاضة فيها- أن عامة النساء تفضل أن يكون مولودها ذكراً على أن يكون مولودها أنثى. فقوله تعالى: (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ))، أي: يقومون على النساء، يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن. (( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ))، أي: بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك. (( وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ))، وبما أنفقوا عليهن من أموالهم، تكون في المهور وغير ذلك. (( فَالصَّالِحَاتُ )) أي: الصالحات من النساء (( قَانِتَاتٌ )) هذه صفة الصالحات من النساء وهي أنهن مطيعات لأزواجهن.

قوله (( حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ )) يعني: حافظات لفروجهن ولأموال أزواجهن وبيوتهم في غيبتهم. (( بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ))، في الحقيقة هذه الآية فيها تفصيل كثير، ومعان كثيرة، وتحتاج إلى محاضرات عدة، لكن حتى ننجز القدر المطلوب من التفسير نحاول أن نمر مروراً سريعاً. أيضاً يدخل في حفظ الغيب، عدم نشر ما يكون بين الزوجين متعلقاً بالجماع، فهذا يذكر أيضاً في حفظ الغيب. (حافظات للغيب بما حفظ) لهن، (الله). فالباء هنا في قوله تعالى: (( بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ))، تحتمل أمرين: إما أنها للمقابلة، كما تقول: هذا في مقابلة ذاك، يعني: كما أن الله سبحانه وتعالى حفظ لهن حقوقهن، بأن أوصى الأزواج بالنساء، وكذلك فعل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فشرع لهن الحقوق وأمر الأزواج بحفظ هذه الحقوق، فينبغي في مقابلة ذلك أن تحذر الزوجة من أن تخونه في غيبته في عرضه وماله ونفسها إلى آخره، فهذا معنى (حافظات للغيب بما حفظ الله)، يعني: في مقابلة ما حفظ الله لهن، فعليهن أن يطعن أزواجهن ويحفظن الغيب. أو الباء هنا في قوله تعالى: (بما حفظ الله) أي: مستعينات بحفظ الله تبارك وتعالى، فالباء للاستعانة، ومعنى ذلك: أن هؤلاء النساء الصالحات القانتات حافظات للغيب كما ذكرنا بما حفظ الله لهن، يعني: لا يتم حفظهن للغيب من حفظ الفروج والأموال وغير ذلك إلا باستعانتهن بالله، إذ لو تُركن لدواعي أهوائهن ونفوسهن لغلبت عليهن الأهواء، إلا أن يحفظهن الله؛ لأن الله خيرٌ حافظاً، فمهما كن صالحات فإنهن لا يثقن بأنفسهن وإنما يستعنّ بالله في حفظ الغيب بما حفظ الله تبارك وتعالى.

واستدل بالآية على أنه لا يجوز للمرأة أن تلي القضاء، أو الإمامة العظمى؛ لأنه جعل الرجال قوّامين عليهن، فلم يجز أن يقمن هن على الرجال كما قال صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). وفي الحقيقة وضع المرأة في الإسلام هذا موضوع ذو شجون، والكلام فيه طويل جداً.

يقول تبارك وتعالى: (( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ )). أي: عصيانهنّ لكم بأن ظهرت أمارته، هنا تفسيران لقوله تعالى: (( تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ )): الأول: أن المرأة قد وقع منها النشوز بالفعل. الثاني: أي أنكم تتوقعون نشوزهن. فقوله تعالى: (( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ )) يعني: عصيانهن لكم بأن بدأت تظهر أمارة النشوز ودلائله، ففي هذه الحالة تطبق ما ذكر الله بعد ذلك من المراحل بالترتيب. الأولى: (( فَعِظُوهُنَّ )) أي: فخوفوهن الله. الثانية: (( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ )) أي: اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز. الثالثة: (( وَاضْرِبُوهُنّ )) ضرباً غير مبرح إن لم يرجعن بالهجران، يعني: إن لم ينفع الهجران ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهي الضرب غير المبرح. (( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ )) يعني: فيما يراد منهن، (( فَلا تَبْغُوا )) لا تطلبوا (( عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ))، طريقاً إلى ضربهن ظلماً. وأيضاً: لا شك أن هذه الآية مما يحتاج إلى كثير من التفصيل؛ لأن بعض الناس يسيء فهم موضوع ضرب النساء، حتى إن أعداء الإسلام يشنعون على كلام الله تبارك وتعالى ويضلون الناس عن سبيله، بسبب سوء مسلك بعض الرجال الجهلة من المسلمين. فأعداء الدين من الكفار ينشرون في وسائل الأعلام أن المسلم يعتقد أنه يجب عليه أن يضرب زوجته كل يوم في الصباح وفي المساء، ويعتقد أيضاً أن هذه عبادة، وهذا مما يضحك، لكن هذا واقع، فهم يشنعون على الإسلام بهذه الافتراءات والأكاذيب، مع أن الضرب بعد استيفاء شروطه مكروه، أي: أن الضرب مباح مع الكراهة ولا يباح بإطلاق؛ ولذلك ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لا امرأة ولا خادماً ولا شاة قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في هؤلاء الذين يظلمون النساء: (ما تجدون أولئك خياركم) يعني: مع الإباحة فإن خيار المسلمين لا يفعلون ذلك. فالموضوع فيه تفصيل، ومن ذلك أنه ينظر إن كان الضرب يجدي فليجأ إليه، أما إن كان الضرب يزيد في النشوز فلا داعي أصلاً للجوء إليه، وهذا ليس فقط في حق النساء، بل حتى الصغار، فالضرب ليس عملية تنفيس، بمجرد أن يغضب على الولد فهو يريد أن يستريح ويشفي غليله بضربه. فمع أن الضرب قد يؤدي إلى التشويه العضوي البدني في الولد لكن خطورته في التشويه النفسي أعظم وأكبر، حيث تصبح عنده عاهة نفسية. المقصود من الضرب أنه وسيلة للتأديب، فإذا لم يؤد للتأديب، ولم يعد بفائدة فسيكون ضرراً محضاً، وإنما يلجأ إليه لأجل تحصيل المنفعة من ورائه. (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا )) يعني: فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهن، وإذا كنتم قد جعلكم الله من القوامين عليهن وأعلى منهن فاعلموا أن الله أعلى منكم فاتقوا الله فيهن؛ ولذلك قال: (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ))، أي أعلى منكم، وأكبر منكم، فإن ظلمتموهن ينتقم الله سبحانه وتعالى منكم؛ ولذلك قال بعض السلف: (إني لأستحيي من الله أن أظلم من لا يجد له ناصراً إلا الله تبارك وتعالى).

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35]. بعدما ذكر الله حكم النفور وحكم النشوز الذي يصدر من جانب الزوجة، ذكر بعده مباشرة النفور من الزوجين معاً، فقال تعالى: (( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا )). (وإن خفتم) علمتم، (شقاق بينهما) يعني: خلاف بينهما، يعني: وجود نزاع بين الزوجة والزوج. فإذا كان النفور بين الزوجين من الطرفين: (فابعثوا حكماً). قوله تعالى: (شقاق بينهما) يعني: بين الزوجين، والإضافة للاتساع، والأصل: شقاقاً بينهما، فأضيف المصدر إلى ظرفه، كقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [سبأ:33]، بمعنى: بل مكر في الليل ومكر في النهار، وهو ظرف. (( فَابْعَثُوا ))، إليهما برضاهما (حكماً) رجلاً عدلاً. (من أهله) أي: من أقاربه، (وحكماً من أهلها). ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه، وتوكل هي حكمها في الاختلاع، فيجتهدان -أي: الحكمان- ويأمران الظالم بالرجوع، أو يفرقان إن رأياه. قال سبحانه: (( إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )). (إن يريدا) قيل: الزوجان، وقيل: الحكمان، (إصلاحاً) يعني: بصدق نيتهما فيه. (( يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )) يعني: بين الزوجين، أي: يقدرهما على ما هو الطاعة من إصلاح، أو تفريق. (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا )) بكل شيء (( خَبِيرًا )) بالبواطن كالظواهر.

مهمة الحكمين بين الزوجين ومدى سلطتهما

قول السيوطي رحمه الله تعالى: ويوكل الزوج، فيه اشتراط التوكيل وهو مذهب الشافعي والأحناف، ومعنى يوكله: أن صاحب السلطة الحقيقية هو الزوج لا الحكم؛ لأن مهمة الحكمين عند الشافعية والأحناف منحصرة فقط في الإصلاح، وليس لهما أي طريقة غير الإصلاح بين الزوجين إلا بتفويض من الزوجين. أما مذهب مالك فيمنح الحكمين حق الحكم بالتفريق من دون توكيل الزوجين لهما؛ لأن الحكم نفسه لا يكون حكماً إلا إذا كان له سلطة في اتخاذ مثل هذا القرار، فعند المالكية لا يفتقر إلى التوكيل؛ لأنه بوصفه حكماً له حق الطلاق حسبما يتفقان، أما عند الشافعية والأحناف فلا بد من التوكيل.