أخطار تهدد الأسرة المسلمة (ندوة)


الحلقة مفرغة

قال مقدم الندوة :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وأزواجه وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وخالصاً من كل رياء وسمعة، ونسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفقهنا في الدين،وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:28].

فهنا خطاب من الله عز وجل لنا يلزمنا أن نضعه نصب أعيننا، وأن نتذكر ونتدبر في كلامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نمضي أيامنا في أن نتعلم، ونَعْلَمَ وَنَفْهَمَ ديننا، ونثقف أنفسنا، ونصلح ما اعْوَجَّ منها، لأن أمامنا مسئوليات كثيرة، وأمانات تحملناها ببشريتنا قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] هذه الأمانة كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي يرويه ابن عمر رضي الله عنه -وهو في صحيح البخاري- أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته).

وهذا ما سنتناوله في موضوع بعنوان: (أخطار تهدد بناء الأسرة المسلمة) هذه الأسرة المسلمة هي أسرنا جميعاً، وهم أمانة في أعناقنا، من زوجات، وذريات، ولهم واجب عظيم علينا لابد أن نقوم به، فكل إنسان بطبعه يقوم بأداء الواجبات المادية، ولا يقصر فيها حتى الجاهل، فهو يقوم على الأكل والشرب والملبس والمسكن، ولكن هناك ناحية عظيمة جداً، هي أهم من هذه الأمور هي مسئوليتنا التي قال الله عنها في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] فلا أحد يحب أن يكون أهله وقوداً لهذه النار.

ومن هذا المنطلق، نبحث في الأخطار التي تهدد بناء هذه الأسر التي نحن مسئولون عنها أمام الله، والمجال في هذا واسع.

فهناك أخطار معنوية، وهي شرٌ خبيث، وداء وبيل، يتسرب إلينا بحذر، قد يكون أحياناً لذيذاً، ولا ننتبه له.

وهناك أخطار مادية، نراها أمامنا متجسدة، ولكن قد يغض الكثير عينيه عنها.

وهناك أخطار زاحفة زحفاً قوياً تريد أن تقوِّض بناء هذه الأسرة المسلمة.

نحن جيلٌ سنمضي قريباً، ونرحل عن هذه الأرض، وسيخلفنا من بعدنا ذريتنا، وإذا تدبرنا آيات القرآن، نجد أن الله سبحانه وتعالى يذكر عن الإنسان ما يهمه في هذه الدنيا بقوله: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15]، وهذا همّ كل من عرف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعرف عبء الأمانة الملقاة عليه، بل إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -من لطفه وعنايته ورحمته بنا- خلق مخلوقات عظيمةً جسيمة، وذكر أنهم يدعون للذين آمنوا، أولئك هم حملة العرش ومن حوله، ومن دعائهم لنا: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [غافر:8] فنحن متقلدون مسئولية إصلاح ذرياتنا وأزواجنا وتقويم أسرنا.

وفي هذا سيتناول كلٌ من الشيخ: سفر الحوالي، والطبيب الجراح الدكتور: عدنان غلام الذي يستطيع أن يمدنا بأمور قرأناها عادةً من قصص وحكايات الجرائد، ولكن سيخبرنا بما هو في مجال اختصاصه، فلنتلق ولنأخذ منه ما سيخبرنا به بقلوب واعية.

وأول ما نحب أن نتعرف عليه من هذه الأخطار هو الخطر العظيم، الذي لم يتنبه له بعض الناس، وهو الخطر الفكري أو الغزو الفكري الذي تتعرض له أسرنا وبيوتنا, ونحن لا ندري عنه إلا قليلاً.

إن وسائل الإعلام تنوعت هذه الأيام: فمن قصص، ومجلات متداولة في كل مكان، وزاوية، وشارع، إلى المذياع وأشرطته، وما أكثر المحطات التي تبث من كل سوءٍ! إلى هذا الدخيل الذي دخل كل بيت إلا من سلم الله، وهو هذا الرائي، وتبعته أشرطته، وفيها ما فيها من أفكار -فإن مجال هذه الوسائل هي الأفكار- وهو ما سيتناوله الشيخ سفر، وسوف يستعرض لنا المستوى الغالب لهذه الوسائل، ويبين قوة تأثيرها وما هي الآثار التي تخلفها علينا وعلى مجتمعاتنا.

قال الشيخ : سفـر الحـوالي .

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعــد:

فقد اقتضت رحمة الله تبارك وتعالى أن تكون نواة هذه البشرية وأصل هذه الجماعة الإنسانية التي تعد اليوم بالملايين، هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى: مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى [الحجرات:13]،

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189]، فالأسرة هي النواة التي تتكون منها الجماعة الإنسانية عامة، والأسرة في كل مجتمع هي حجر الزاوية في بناء أي مجتمع، وسواء علينا تحدثنا عن الأسرة، أم تحدثنا عن المجتمع والأمة؛ فلا فرق بين أن نتكلم عن المخاطر التي تهدد الأسرة، أو أن نتكلم عن المخاطر التي تهدد الأمة والمجتمع.

ومن هنا نعلم ونتبين من كتاب ربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تلك الحكمة البالغة العظيمة، حين نجد أن كل ما يتعلق بالأسرة وبنائها وضمان عقيدتها وسلامة فضيلتها، قد فصله الله سبحانه وتعالى تفصيلاً في الكتاب وفي السنة، ولم يدع مجالاً ولا ناحية من نواحي تنظيم الأسرة، إلا وجعل الأحكام فيها مفصلة، ابتداءً من الخطبة، حين يريد الإنسان أن يخطب: ماذا يفعل؟

بأي أمرٍ يبدأ؟

ومن يخطب؟

ومن يتزوج؟

ثم إذا تزوج: كيف يعاشر تلك الزوجة؟

وفي أخص دقائق هذه الأمور جاء أيضاً البيان من الكتاب والسنة، ثم منذ لحظة الولادة: كيف نربيه؟

وكيف تنشأ الأسرة؟

وكيف تستمر؟

إلى أن يموت الأب، ويأتي الجيل الذي بعده، ماذا يفعل بأبيه؟

وماذا عليه بعد موته؟

أحكام لا يتسع المقام لشرحها وإيضاحها، كأحكام العشرة بين الزوجين، وآداب الأسرة، وحق الزوجين، وتربية الأبناء، وكل ما من شأنه أن تكون الأٍسرة به متماسكة، قوية في إيمانها، وأخلاقها، وفضيلتها، وفي ترابطها الدنيوي.

فقد أوضح الله تعالى الأحكام المالية التي تتعلق فيما بين الزوجين، وما بين الأبناء والآباء، كل ذلك فصله الله تبارك وتعالى، لكيلا يحوجنا إلى التسول على موائد الشرق والغرب، فلا نريد أن نأخذ منهم المناهج الهدامة، والأنظمة المدمرة.

فهذه الأسرة التي اهتم ديننا بها، والتي يحرص علماؤنا ومفكرونا وكتابنا دائماً على أن يحدثونا عنها، لابد أن نعي دورها، وأن نعي قيمتها، وأن نعي أهميتها.

دمار الأسرة بالغزو الفكري

إن أي خطر يهدد الأسرة، فإنما هو دمار للأمة، وكل داعٍ يدعو بطريقٍ مباشر أو غير مباشر إلى تدمير الأسرة، فإنما هو يدعو إلى تدمير الأمة، سواء قال بلسان الحال، أو بلسان المقال: (دمروا هذه الأسرة) (فرقوا بين الزوج والزوجة) (أضيعوا الأبناء)، أو قال: (دمروا هذه الأمة)، (مزقوها بالصواريخ والقنابل)، الحال لا يختلف، ولكن أعداء الله تبارك وتعالى يمكرون ومكرهم خفي، وهم بهذا جنود الشيطان الرجيم، عدو بني آدم، وعدو هذه الأمة المسلمة بالذات، الذي أحب من لديه و{أفضل جنوده، هو الذي يأتي إليه فيقول: مازلت بفلان حتى فرقت بينه وبين زوجته}.

إذا هدم البيت، وهدمت الأسرة، ضاع الأطفال، وضاع الزوج، وضاعت الزوجة، ثم ضاعت الأمة وضاع المجتمع، وهذا ما يريد أن يتوصل إليه أصحاب الغزو الفكري، حيث إن مفكرين غربيين من الذين يفكرون على مدىً بعيد في هذه القضية قد أيقنوا -وكتبوا ذلك- أن تدمير الأسرة هو تدمير للأمة، وأن بناء الحضارات وبقاءها واستمرارها إنما يكون باستمرار الأسرة.

أرنولد توينبي المؤرخ الإنجليزي المشهور الذي كتب عما يقارب عشرين حضارة مندثرة منقرضة أو باقية، أَوْلهَا آثارٌ في الوجود، وجد من الظواهر المشتركة في انهيار جميع الحضارات أنها تنهار عندما ينتشر الترف، وتخرج المرأة من البيت، وتنشغل عن تربية الأبناء، هذا ما كتب!!

وكما وضح ذلك أيضاً المؤرخ الألماني المشهور الذي يدعى شبنجلر الذي كتب وتنبأ بسقوط الحضارة الغربية في حوالي عام (1920م) تقريباً قبل أن تبلغ قوتها التي هي عليها اليوم، وقبل أن تظهر علامات الانهيار الموجودة اليوم، يقول: '' إن كل حضارة من الحضارات تنهار وتتدمر إذا خرجت المرأة، واهتمت بشهواتها ونزواتها، وتركت الأسرة، فضاعت الأسرة، وضاعت الفضيلة من المجتمع ''.

سيطرة الغزو الفكري على المجتمعات

نحن في عصر الغزو الفكري، في زمن الخطر الذي يسميه الغربيون: التدفق المستطير للمعلومات، يقولون: إن العالم أصبح قرية إعلامية، ولاسيما بعد أن تطورت وسائل الإعلام بواسطة الأقمار الاصطناعية الذي جعلته كله قرية إعلامية، فما يحدث في أطراف القرية، يعلم به أبناء قرية أخرى، ومن الصعب جداً مقاومة التأثير الإعلامي، أو مقاومة التدفق المستطير للمعلومات، إلا بوجود قوة وعقيدة داخلية.

الأمم البوذية شكت من هذا التدفق المستطير، وبسبب الغزو الفكري أصبحت دول جنوب شرقي آسيا -وهي بوذية- متطبعة في حياتها وثقافتها وفنها بطابع الغزو الفكري الغربي، فأصبحت تلبس الزي الغربي، وتتذوق الموسيقى الغربية، وتعيش الحياة الغربية...!

وضج من ذلك أهل ذلك الدين وعقلاء تلك الأمم كما حصل في الهند.

وأعجب من ذلك كله أن تضج فرنسا من هذا الغزو الإعلامي! وصرح بذلك وزير الثقافة الفرنسي منذ فترة فقال: '' إن فرنسا تتعرض لخطر الغزو الفكري الأمريكي، فإن الأفلام وأنماط الحياة والملابس الأمريكية قد غزت فرنسا وهذا خطر ونذير شر،ويجب على الأمة الفرنسية أن تتحصن بتقاليدها وبتراثها وبفنها ضد هذا الخطر ''.

ونذكر هذا لأن من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بلغتنا، لا يرون في هذا أي خطر.

الأمة الفرنسية والأمة الأمريكية، ما الفرق بينهما؟

أي انحلال يوجد في أمريكا ولا يوجد في فرنسا؟

حياة غربية وثقافة غربية تعود للجاهلية اليونانية، الاتجاه العام في الحياة واحد، لا إيمان بالآخرة، لا تفكير فيها، الكل يعيش ويأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام، والنار مثوىً لهم، إلا من آمن منهم، كما أخبر بذلك الله تبارك وتعالى، ومع ذلك يشعرون بالخطر! فأي خطر يداهم ويزحف على أمة الإسلام وعلى أمة الأيمان؟!

كيف يجب أن تكون مقاومة هذه الأمة التي تؤمن بالله رباً، وبكتاب الله منهجاً وشريعةً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولاً؟!

هذه الأمة التي كما قال الله تبارك وتعالى عنها: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110] هذه الأمة التي تُسْأَل عما يُفْعَل في تلك البلاد من الموبقات، لأنها لم تُبَلِّغْهم رسالة الله الأخيرة، ولم تُبَلِّغْهم بشريعة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! كيف يكون الحال إذا هي استقبلت ورضيت وامتصت هذا الغزو الفكري حتى مسخت نفسها ومسخت شخصيتها وذابت فيه؟!!

والإعلام ما هو إلا واجهة ونافذة من نوافذ ذلك الغزو، ولا حرج على الإطلاق على أية أمة من الأمم أن تضع الوسائل، وأن تضع سياجاً كبيراً للمحافظة على ذاتيتها وشخصيتها من طغيان التأثير الإعلامي، فما بالكم بالأمة التي جعل الله تبارك وتعالى لها هذا المنهج الرباني؟!

الأمة التي تسير في علاقاتها وفي شئون حياتها -ويجب أن تكون كذلك- على ما أنزل الله تبارك وتعالى؟!

التي علاقة الزوجين فيها إنما تكون بكلمة الله، كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {واستحللتم فروجهن بكلمة الله} فبكلمة الله تم عقد الزواج، وعلى منهج الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تمت هذه العشرة، وعلى ذكر الله يربى هذا الطفل منذ أن يولد، وكل حياتنا إنما هي على ذكر الله، كيف يجب أن نقاوم هذا الغزو المستطير بشتى أنواعه: من المجلات، والأفلام، والصحافة المقروءة، وكل الوسائل التي تبث الإعلام وتنشره، وما أكثر سمومه!

آثـار الغزو الفكري على الأسرة

لا شك أن الذي يتتبع المجتمعات الإسلامية، ويقارن حالها قبل أن تخضع لهذا التدفق المستطير بحالها الآن، سوف يجد البون شاسعاً وكبيراً، لقد هُدِّدَتْ الأسرة المسلمة في عقيدتها؛ حيث إن كثيراً من برامج ومجلات الأطفال لا تكتفي بأن تشغل الطفل المسلم عما يجب أن يكون عليه من التربية الإسلامية، بل إنها لتنشئه تنشئة غريبة جداً عن العقيدة الإسلامية، وتزرع في نفسه ما يضاد هذا الدين وهذا الإيمان.

ويكفينا أمر واحد وهو: هل سمعنا أو رأينا في أي مجال من هذه المجالات حديثاً عن اليوم الآخر؟

إنما الكلام فيها منصب على الدنيا، وهذا لو فرضنا أنه في الحلال مع انعدام الحرام، فإغفال الآخرة إغفالاً مطلقاً ما معناه؟

معناه: أنها أمة لا تؤمن بالله واليوم الآخر، فهي مثل البهائم التي تعيش على الحضارة الغربية.

وقد يتعرض هؤلاء إلى نظرياتٍ في نشأة الكون، أو في نشأة الحياة، أو في سر الروح، أو في النبوة، فيصبغون صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على ما يرونه في هذه الأفلام، وما أكثر الحديث عن هذا الجانب.

انتشار الفاحشة هو تدمير للأسرة

الجانب الآخر جانب الفاحشة، الذي أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنه في كتابه فقال: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] وقال في الآية الأخرى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19].

أدرك أعداء الله أن نشر الفاحشة في المجتمع هو عن طريق هدم الأسرة بهذه الوسائل، واليهود خططوا لذلك منذ القدم، وأول ما ابتدأ اليهود قالوا: لابد من تدمير النصرانية؛ لأنها كانت العدو المباشر لهم في الغرب، فقالوا كما في البروتوكولات: لابد من نشر الرذيلة وهدم الفضيلة بين النصارى، وما زالوا يمكرون بهم مكر الليل والنهار، حتى أصبح من الشائع جداً -والعياذ بالله- في بلاد الغرب أن تنكح المحارم.

بل إن جرائدنا أحياناً تنشر هذه الأخبار -وإن كانت قد لا تعلق إلا في النادر- كيف يأتي الإنسان محارمه! وليس ذلك نادراً عندهم، بل هي حالات منتشرة، وبنفس القوة يراد لها أن تنتشر في بلادنا حيث اتجهوا جميعاً يهوديهم ونصرانيهم إلى تدمير المجتمعات الإسلامية عن طريق هذه الأفلام، والمجلات، والكتب، عن طريق طمس الأخلاق الإسلامية وإحلال الأخلاق النفعية الغربية المادية محلها، فينشأ الطفل الذي لا يؤمن بخلقٍ ولا دين، إلا من خلال ما يتلقاه ويستقبله من الأفلام، فتنهدم الأسرة.

وكم من أسرةٍ هدمت نتيجة لذلك، كم من رجلٍ طلق زوجته، كم من زوجة هجرت زوجها تطبيقاً لما رأته أمام عينها، أو لما رآه هو بعينه من مشاهد، أو من مسلسلات، أو قصص، وما أشبه ذلك، وبذلك استطاع هذه الغزو أن ينقل المجتمع الإسلامي نقلةً بعيدة من مجتمعات محافظة يضرب بها المثل في العالم كله، إلى مجتمعات لا تكاد تفترق عن المجتمعات الغربية إلا ما رحم الله، وإلا من كان لديه بقايا من هذه المحافظة.

ضياع الوقت

وأقل ما يأتي من ضرر من هذه الوسائل، ومن هذا الغزو هو: إضاعة الوقت فيما لا ينفع، فالمؤمن الذي يؤمن بالله ويؤمن باليوم الآخر، ويعلم علم اليقين أن هذه الحياة ما هي إلا عبور، وأن الدار الآخرة هي الحيوان، وأنه لا خلود له في هذه الحياة، وأنه محاسبٌ عليها، وأنه ما من ساعة تمر به لا يذكر الله ولا يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا كان ذلك حسرةً عليه يوم القيامة، فكيف يضيع الأوقات في هذه المجلات، أو الأفلام التافهة؟!

حتى ولو افترضنا أنها تخلو من أي محرم، إلا أن فيها إضاعة للوقت فيما لا خير فيه وفيما لا يهمنا من الأمور، وهذا العمر محدود، والعقل إناء، فإن ملأته بالخير قبله، وإن ملأته بالشر لم يتقبل الخير.

وأنت الآن تجد الناس يعيشون على هذه الأمور ويتنافسون فيها، وأكثرهم يجهل أركان الإسلام، وخاصةً الأطفال والنساء، فهم لا يعلمون أركان الإسلام ولا أركان الإيمان، ولا يقدرون أن يأتوا بتعريف بسيط بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! سورة من قصار السور لا يحفظونها! أسماء الأنبياء لا يعرفونها! وتنشأ الأسرة على التفاهات، ويختلط الآباء بالأبناء ولا يتحدثون إلا عنها...!

انتشار العنف والجريمة من أسباب دمار الأسرة

العنف والجريمة أحد المخاطر التي تتعرض لها الأسرة، ومن ثَمَّ المجتمع، فأفلام وقصص وكتب العنف والجريمة والجاسوسية وما أشبه ذلك، هي أيضاً من معاول الهدم التي تهدم الأُسْرةَ، ومن ثَمَ تهدم المجتمع، وتجعله بعيداً جداً عن الطمأنينة والأمن الذي لا يجلبه إلا الإيمان.

ما رأيكم في طفل فسق وفجر أبوه، وفجرت أمه؟!

ولو كان يعيش في عهد التابعين مع أبٍ فاجر وأم فاجرة، ولا يتلقى التربية الصحيحة، كيف تكون نظرة الناس إليه؟

أليس ذلك مدعاةً للرحمة وللرثاء وللشفقة به؟

وهو في الجيل النظيف؛ إن ذهب إلى المسجد أو خرج، فلن يرى منكرات، أينما ذهب فإنه لا يجد إلا الخير والسلامة، ومع ذلك العصر تعد هذه مأساةً.

فكيف في عصر الفتن الذي تقوضت فيه الأسرة، وتهدمت فيه الفضيلة، أين يذهب الطفل؟

يذهب إلى المدرسة...! فماذا يتلقى في المدرسة؟!

يذهب إلى الشارع..! ماذا سيجد في الشارع؟!

يذهب إلى المقهى..! ماذا سيجد في المقهى؟!

فمسكينة هذه الأجيال التي سوف تتعرض لهذا الغزو، والآباء في غفلة، والموجهون والعلماء والدعاة في غفلة عن التصدي له، فنسأل الله سبحانه أن يقي أمتنا شره، وأن يبصرنا جميعاً بخطورته، وأن يجعل كل واحدٍ منا يعي مسئوليته التي أخبر عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فـ{كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته}، والحمد لله رب العالمين.

إن أي خطر يهدد الأسرة، فإنما هو دمار للأمة، وكل داعٍ يدعو بطريقٍ مباشر أو غير مباشر إلى تدمير الأسرة، فإنما هو يدعو إلى تدمير الأمة، سواء قال بلسان الحال، أو بلسان المقال: (دمروا هذه الأسرة) (فرقوا بين الزوج والزوجة) (أضيعوا الأبناء)، أو قال: (دمروا هذه الأمة)، (مزقوها بالصواريخ والقنابل)، الحال لا يختلف، ولكن أعداء الله تبارك وتعالى يمكرون ومكرهم خفي، وهم بهذا جنود الشيطان الرجيم، عدو بني آدم، وعدو هذه الأمة المسلمة بالذات، الذي أحب من لديه و{أفضل جنوده، هو الذي يأتي إليه فيقول: مازلت بفلان حتى فرقت بينه وبين زوجته}.

إذا هدم البيت، وهدمت الأسرة، ضاع الأطفال، وضاع الزوج، وضاعت الزوجة، ثم ضاعت الأمة وضاع المجتمع، وهذا ما يريد أن يتوصل إليه أصحاب الغزو الفكري، حيث إن مفكرين غربيين من الذين يفكرون على مدىً بعيد في هذه القضية قد أيقنوا -وكتبوا ذلك- أن تدمير الأسرة هو تدمير للأمة، وأن بناء الحضارات وبقاءها واستمرارها إنما يكون باستمرار الأسرة.

أرنولد توينبي المؤرخ الإنجليزي المشهور الذي كتب عما يقارب عشرين حضارة مندثرة منقرضة أو باقية، أَوْلهَا آثارٌ في الوجود، وجد من الظواهر المشتركة في انهيار جميع الحضارات أنها تنهار عندما ينتشر الترف، وتخرج المرأة من البيت، وتنشغل عن تربية الأبناء، هذا ما كتب!!

وكما وضح ذلك أيضاً المؤرخ الألماني المشهور الذي يدعى شبنجلر الذي كتب وتنبأ بسقوط الحضارة الغربية في حوالي عام (1920م) تقريباً قبل أن تبلغ قوتها التي هي عليها اليوم، وقبل أن تظهر علامات الانهيار الموجودة اليوم، يقول: '' إن كل حضارة من الحضارات تنهار وتتدمر إذا خرجت المرأة، واهتمت بشهواتها ونزواتها، وتركت الأسرة، فضاعت الأسرة، وضاعت الفضيلة من المجتمع ''.

نحن في عصر الغزو الفكري، في زمن الخطر الذي يسميه الغربيون: التدفق المستطير للمعلومات، يقولون: إن العالم أصبح قرية إعلامية، ولاسيما بعد أن تطورت وسائل الإعلام بواسطة الأقمار الاصطناعية الذي جعلته كله قرية إعلامية، فما يحدث في أطراف القرية، يعلم به أبناء قرية أخرى، ومن الصعب جداً مقاومة التأثير الإعلامي، أو مقاومة التدفق المستطير للمعلومات، إلا بوجود قوة وعقيدة داخلية.

الأمم البوذية شكت من هذا التدفق المستطير، وبسبب الغزو الفكري أصبحت دول جنوب شرقي آسيا -وهي بوذية- متطبعة في حياتها وثقافتها وفنها بطابع الغزو الفكري الغربي، فأصبحت تلبس الزي الغربي، وتتذوق الموسيقى الغربية، وتعيش الحياة الغربية...!

وضج من ذلك أهل ذلك الدين وعقلاء تلك الأمم كما حصل في الهند.

وأعجب من ذلك كله أن تضج فرنسا من هذا الغزو الإعلامي! وصرح بذلك وزير الثقافة الفرنسي منذ فترة فقال: '' إن فرنسا تتعرض لخطر الغزو الفكري الأمريكي، فإن الأفلام وأنماط الحياة والملابس الأمريكية قد غزت فرنسا وهذا خطر ونذير شر،ويجب على الأمة الفرنسية أن تتحصن بتقاليدها وبتراثها وبفنها ضد هذا الخطر ''.

ونذكر هذا لأن من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بلغتنا، لا يرون في هذا أي خطر.

الأمة الفرنسية والأمة الأمريكية، ما الفرق بينهما؟

أي انحلال يوجد في أمريكا ولا يوجد في فرنسا؟

حياة غربية وثقافة غربية تعود للجاهلية اليونانية، الاتجاه العام في الحياة واحد، لا إيمان بالآخرة، لا تفكير فيها، الكل يعيش ويأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام، والنار مثوىً لهم، إلا من آمن منهم، كما أخبر بذلك الله تبارك وتعالى، ومع ذلك يشعرون بالخطر! فأي خطر يداهم ويزحف على أمة الإسلام وعلى أمة الأيمان؟!

كيف يجب أن تكون مقاومة هذه الأمة التي تؤمن بالله رباً، وبكتاب الله منهجاً وشريعةً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولاً؟!

هذه الأمة التي كما قال الله تبارك وتعالى عنها: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110] هذه الأمة التي تُسْأَل عما يُفْعَل في تلك البلاد من الموبقات، لأنها لم تُبَلِّغْهم رسالة الله الأخيرة، ولم تُبَلِّغْهم بشريعة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! كيف يكون الحال إذا هي استقبلت ورضيت وامتصت هذا الغزو الفكري حتى مسخت نفسها ومسخت شخصيتها وذابت فيه؟!!

والإعلام ما هو إلا واجهة ونافذة من نوافذ ذلك الغزو، ولا حرج على الإطلاق على أية أمة من الأمم أن تضع الوسائل، وأن تضع سياجاً كبيراً للمحافظة على ذاتيتها وشخصيتها من طغيان التأثير الإعلامي، فما بالكم بالأمة التي جعل الله تبارك وتعالى لها هذا المنهج الرباني؟!

الأمة التي تسير في علاقاتها وفي شئون حياتها -ويجب أن تكون كذلك- على ما أنزل الله تبارك وتعالى؟!

التي علاقة الزوجين فيها إنما تكون بكلمة الله، كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {واستحللتم فروجهن بكلمة الله} فبكلمة الله تم عقد الزواج، وعلى منهج الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تمت هذه العشرة، وعلى ذكر الله يربى هذا الطفل منذ أن يولد، وكل حياتنا إنما هي على ذكر الله، كيف يجب أن نقاوم هذا الغزو المستطير بشتى أنواعه: من المجلات، والأفلام، والصحافة المقروءة، وكل الوسائل التي تبث الإعلام وتنشره، وما أكثر سمومه!

لا شك أن الذي يتتبع المجتمعات الإسلامية، ويقارن حالها قبل أن تخضع لهذا التدفق المستطير بحالها الآن، سوف يجد البون شاسعاً وكبيراً، لقد هُدِّدَتْ الأسرة المسلمة في عقيدتها؛ حيث إن كثيراً من برامج ومجلات الأطفال لا تكتفي بأن تشغل الطفل المسلم عما يجب أن يكون عليه من التربية الإسلامية، بل إنها لتنشئه تنشئة غريبة جداً عن العقيدة الإسلامية، وتزرع في نفسه ما يضاد هذا الدين وهذا الإيمان.

ويكفينا أمر واحد وهو: هل سمعنا أو رأينا في أي مجال من هذه المجالات حديثاً عن اليوم الآخر؟

إنما الكلام فيها منصب على الدنيا، وهذا لو فرضنا أنه في الحلال مع انعدام الحرام، فإغفال الآخرة إغفالاً مطلقاً ما معناه؟

معناه: أنها أمة لا تؤمن بالله واليوم الآخر، فهي مثل البهائم التي تعيش على الحضارة الغربية.

وقد يتعرض هؤلاء إلى نظرياتٍ في نشأة الكون، أو في نشأة الحياة، أو في سر الروح، أو في النبوة، فيصبغون صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على ما يرونه في هذه الأفلام، وما أكثر الحديث عن هذا الجانب.

الجانب الآخر جانب الفاحشة، الذي أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنه في كتابه فقال: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] وقال في الآية الأخرى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19].

أدرك أعداء الله أن نشر الفاحشة في المجتمع هو عن طريق هدم الأسرة بهذه الوسائل، واليهود خططوا لذلك منذ القدم، وأول ما ابتدأ اليهود قالوا: لابد من تدمير النصرانية؛ لأنها كانت العدو المباشر لهم في الغرب، فقالوا كما في البروتوكولات: لابد من نشر الرذيلة وهدم الفضيلة بين النصارى، وما زالوا يمكرون بهم مكر الليل والنهار، حتى أصبح من الشائع جداً -والعياذ بالله- في بلاد الغرب أن تنكح المحارم.

بل إن جرائدنا أحياناً تنشر هذه الأخبار -وإن كانت قد لا تعلق إلا في النادر- كيف يأتي الإنسان محارمه! وليس ذلك نادراً عندهم، بل هي حالات منتشرة، وبنفس القوة يراد لها أن تنتشر في بلادنا حيث اتجهوا جميعاً يهوديهم ونصرانيهم إلى تدمير المجتمعات الإسلامية عن طريق هذه الأفلام، والمجلات، والكتب، عن طريق طمس الأخلاق الإسلامية وإحلال الأخلاق النفعية الغربية المادية محلها، فينشأ الطفل الذي لا يؤمن بخلقٍ ولا دين، إلا من خلال ما يتلقاه ويستقبله من الأفلام، فتنهدم الأسرة.

وكم من أسرةٍ هدمت نتيجة لذلك، كم من رجلٍ طلق زوجته، كم من زوجة هجرت زوجها تطبيقاً لما رأته أمام عينها، أو لما رآه هو بعينه من مشاهد، أو من مسلسلات، أو قصص، وما أشبه ذلك، وبذلك استطاع هذه الغزو أن ينقل المجتمع الإسلامي نقلةً بعيدة من مجتمعات محافظة يضرب بها المثل في العالم كله، إلى مجتمعات لا تكاد تفترق عن المجتمعات الغربية إلا ما رحم الله، وإلا من كان لديه بقايا من هذه المحافظة.

وأقل ما يأتي من ضرر من هذه الوسائل، ومن هذا الغزو هو: إضاعة الوقت فيما لا ينفع، فالمؤمن الذي يؤمن بالله ويؤمن باليوم الآخر، ويعلم علم اليقين أن هذه الحياة ما هي إلا عبور، وأن الدار الآخرة هي الحيوان، وأنه لا خلود له في هذه الحياة، وأنه محاسبٌ عليها، وأنه ما من ساعة تمر به لا يذكر الله ولا يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا كان ذلك حسرةً عليه يوم القيامة، فكيف يضيع الأوقات في هذه المجلات، أو الأفلام التافهة؟!

حتى ولو افترضنا أنها تخلو من أي محرم، إلا أن فيها إضاعة للوقت فيما لا خير فيه وفيما لا يهمنا من الأمور، وهذا العمر محدود، والعقل إناء، فإن ملأته بالخير قبله، وإن ملأته بالشر لم يتقبل الخير.

وأنت الآن تجد الناس يعيشون على هذه الأمور ويتنافسون فيها، وأكثرهم يجهل أركان الإسلام، وخاصةً الأطفال والنساء، فهم لا يعلمون أركان الإسلام ولا أركان الإيمان، ولا يقدرون أن يأتوا بتعريف بسيط بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! سورة من قصار السور لا يحفظونها! أسماء الأنبياء لا يعرفونها! وتنشأ الأسرة على التفاهات، ويختلط الآباء بالأبناء ولا يتحدثون إلا عنها...!

العنف والجريمة أحد المخاطر التي تتعرض لها الأسرة، ومن ثَمَّ المجتمع، فأفلام وقصص وكتب العنف والجريمة والجاسوسية وما أشبه ذلك، هي أيضاً من معاول الهدم التي تهدم الأُسْرةَ، ومن ثَمَ تهدم المجتمع، وتجعله بعيداً جداً عن الطمأنينة والأمن الذي لا يجلبه إلا الإيمان.

ما رأيكم في طفل فسق وفجر أبوه، وفجرت أمه؟!

ولو كان يعيش في عهد التابعين مع أبٍ فاجر وأم فاجرة، ولا يتلقى التربية الصحيحة، كيف تكون نظرة الناس إليه؟

أليس ذلك مدعاةً للرحمة وللرثاء وللشفقة به؟

وهو في الجيل النظيف؛ إن ذهب إلى المسجد أو خرج، فلن يرى منكرات، أينما ذهب فإنه لا يجد إلا الخير والسلامة، ومع ذلك العصر تعد هذه مأساةً.

فكيف في عصر الفتن الذي تقوضت فيه الأسرة، وتهدمت فيه الفضيلة، أين يذهب الطفل؟

يذهب إلى المدرسة...! فماذا يتلقى في المدرسة؟!

يذهب إلى الشارع..! ماذا سيجد في الشارع؟!

يذهب إلى المقهى..! ماذا سيجد في المقهى؟!

فمسكينة هذه الأجيال التي سوف تتعرض لهذا الغزو، والآباء في غفلة، والموجهون والعلماء والدعاة في غفلة عن التصدي له، فنسأل الله سبحانه أن يقي أمتنا شره، وأن يبصرنا جميعاً بخطورته، وأن يجعل كل واحدٍ منا يعي مسئوليته التي أخبر عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فـ{كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته}، والحمد لله رب العالمين.

جزى الله الشيخ سفر على ما بين من عظم تأثير وسائل الإعلام، وقوة الغزو الفكري الذي يمثله هذا الكم الهائل من التدفق المستطير للمعلومات.

في الواقع نحب أن نسلط الضوء أكثر على جانب واحدٍ من وسائل الإعلام، ألا وهو التليفزيون، وما انبثق عنه من أشرطةٍ.

إن الأسرة في غالب الأحيان لا تجلس مجتمعة إلا قليلاً، وكذلك قد لا تستمع إلى الأشرطة مجتمعة بل فرادى، ولكن هذا التلفاز يجمع الأب والأم والابن، وقد يجمع الجد والجدة والأحفاد في مجلس واحد مُسمَّرةُ أعينُهم على هذه الشاشة الفضية، وهي تبث ما تبث، ومن هذه الزاوية نرجو من الأخ عدنان أن يتطرق إلى بحث وإيضاح الآثار النفسية التي تتركها هذه الوسيلة على المتفرجين، وكذلك ما ينتج من آثار جسدية عضوية أخرى من جراء الجلوس أمام هذه الوسيلة، ونود منه بصفةٍ خاصة أن يوضح لنا تأثير دخول هذه الوسيلة إلى بيوتنا على العلاقات الموجودة بين الأسرة، وعلى النواحي التي لا يمكن أن تقوم إلا بتواجد الأسرة وأفرادها في مجلسٍِ واحد.

قال الدكتور : عدنان غلام .

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن دعا بدعوته واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

وبعــد:

حديثي سيكون باختصار شديد، وسأحاول التركيز على أشياء يثيرها الناس في هذه الأيام.

الأثر الأول: الكــبت

من الآثار النفسية التي تظهر لهذا الإعلام ما يسمونه بالكبت، فالكبت هذا كثيراً ما تكلم عنه علماء الغرب، وهو ظاهرة موجودة في كل شباب الأمة الغربية، وللأسف بدأت تظهر نسبة كبيرة من هذا الكبت في شبابنا، نراها في حياتنا العملية في المستشفيات، في العيادات النفسية، وفي كثير من الأماكن.

فما هو الكبت؟

ببساطة هناك طاقة لدى الإنسان يريد أن يخرجها، ولكنه لا يستطيع أن يخرجها، من فطرة الإنسان ميل الرجل نحو المرأة، الشاب هذا أو الشابة يسمع ويرى أشياء تثير فيه الغريزة، وتحفزه وتدعوه إلى الجريمة، ماذا يستطيع هو أن يفعل؟ قد لا يستطيع أن يتزوج، ويأخذ هذه الأمور بطريق الحلال، وليس أمامه إلا الانحراف، أو أن يكبت هذه النفس كما هو حاصل كثيراً، هذا الأثر ليس باليسير؛ لأن وجود هذا الكبت في هذا الشاب أو في هذه الشابة يعطله.

قد يصبح حياً صحيحاً بين الأحياء، يذهب إلى عمله من الصباح، ويعود بعد الظهر، أو يذهب إلى دراسته، أو يذهب إلى جامعته، لكن تركيزه وتفكيره وأعصابه ونفسيته في مكان آخر، بل هو -كما يقول العامة- صفر على الشمال، لا قيمة له في هذا الواقع! فلا شك في أن لهذا الذي تبثه وسائل الإعلام، أثراً عظيماً في تحطيم كيان هذه الأسرة والمجتمع المسلم.

الأثر الثاني: الانفصام والتناقض

وجود نوع من الانفصام والتناقض في حياة الكثير من شباب الأمة، وأخص الأطفال بالذات؛ لأن هذا الشاب أو هذا الطفل يطلب منه أمور مثلاً: يوجهه والده إلى أمر، أو توجهه المدرسة إلى أمر، فيأتي إلى واقع المجتمع، وينظر إلى ما حوله، فيجد خلاف ذلك، قد يستطيع الكبير أن يستوعب هذا التناقض، لكن الصغير لا يستوعب، الصغير بفطرته، يصدق كل ما يسمع، يصدق كل ما يقال، لو أخبرته أن البحر عبارة عن شيء من السماء لصدق؛ لأنه ليس لديه خبرة في هذه الحياة، فإذا قيل له: افعل كذا، ثم وجد خلاف ذلك، كما لو جلس مع والده يشاهد فيلماً -فيما يسمى بالفيديو- فوجد أن شاباً يقبل فتاة في هذا الفيلم، الأب يشاهد هذا ولا ينكره، الطفل ماذا يسمع من والده، هل يسمح له والده بأن يقبل فتاة؟!

أو يسمح له المجتمع فعل ذلك؟

لا.

فيقول: إذاً كيف أشاهد هذا؟!

وكيف يقر والدي هذا؟!

ووالدتي بجانبي، وأسرتي بجانبي، وأنا لا أرى هذا يطبق، ولا أرى هذا شيئاً مسموحاً به، فهنا ينشأ شيء من التناقض، وفي هذه السن بالذات يؤدي هذا إلى شلل ومشاكل لهذا الطفل.

ومن أخطر نقاط التناقض التي تبثها وسائل الإعلام -سواء المقروءة أم المسموعة أم المرئية- التناقض العقائدي، الذي تكلم عنه الشيخ سفر الحوالي -جزاه الله خيراً- ولكن أنا أذكر ذلك من خلال مثال: حيث إن كثيراً من الأطفال ينشأ عنده ما يسمى بحماة الكون، ومن قبل كان هناك الرجل الجبار الذي يسمونه سوبرمان وغيره، وهي شخصيات خيالية، أدخلت إلى عقول الأطفال، والطفل كل همه أن يصبح مثلها.

ولكن أتكلم عن حماة الكون، هؤلاء مجموعة يحمون هذا الكون، أين هذا التصور الذي يُغرس في عقل هذا الطفل من قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [فاطر:41] أين هذا من الذي يسمع ويقال له: إن هناك حماةً للكون: فلان، وفلان، وفلان، ولديهم القدرة، ثم يأتي ويقرأ في كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لا يمكن أن تستقيم أمور هذه السموات والأرض، إلا إذا أمسكتها يد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يمكن أن تستقيم بغير هذا، فهذا التناقض العقائدي من أخطر الأمور التي يواجهها الطفل المسلم.

الأثر الثالث: السلبية وعدم الإيجابية

ومن الآثار النفسية التي ترد على الجيل الناشئ قضية السلبية وعدم الإيجابية، فالذي يتلقى من وسائل الإعلام إنما يسمع فقط ويتلقى لا يناقش، هذا شيء أمامك تقرؤه أو تسمعه أو تراه، وتسلم به، وهو مصدرك في التلقي: فأين العقلية الابتكارية؟

أين حب الابتكار؟

أين حب الاختراع؟

هذا كله لا يمكن أن يناله هذا النشء بهذه الطريقة.

لا يمكن لإنسان يقف هكذا فقط ويتلقى، ويقال له: (افعل كذا، افعل كذا، الأمر هذا صحيح، وهذا خطأ) لا يمكن في يوم من الأيام أن يكون له دور، أو تكون له عقلية متفتحة متنورة، لا يتفق هذا مع هذا.

هذه الأمور الثلاثة هي من أبرز القضايا النفسية التي تؤثر فيها وسائل الإعلام على البيت والمجتمع المسلم.

الأثر الرابع: الآثـار العضوية

أما عن الآثار العضوية: فكثير من البحوث والنشرات تكلمت حول ما يخرج من إشعاعات ملونة من هذا التلفاز، وخصوصاً الملون منها، وأنه يؤثر على شبكية العين، وأن لديه أخطار، هذا من ناحية الرؤية، وأما من ناحية الأمور العضوية الأخرى، فمثلاً منها: الجلوس، وأيضاً طريقة الاستماع، تجد الولد، أو الشاب لا يستطيع أن يجلس أمام التلفاز جلسة سليمة، أو صحية، وإنما يجلس جلسة اعتيادية، فقد يشوه هذا أعضاءً فيه ويؤثر عليه.

من القضايا العضوية التي تؤثر على الشباب: الحد من نشاطهم الطبيعي، فالشاب أو الطفل بطبيعته متحرك لا يمكن أن يبقى الطفل في مكان واحد ولو لدقائق معينة تجده يلعب بهذا ويتحرك هنا، ينقلب على وجهه وعلى ظهره، حتى لو كان عمر الطفل شهراً أو شهرين، فإنه، لا بد أن يتحرك، لكن هذا الطفل وهو يشاهد أفلام الكرتون، ربما لا يتحرك لساعات.

فالحركة هذه التي يتحرك بها الطفل، هي نوع من التجارب، والخبرة، والنمو الطبيعي للطفل؛ فكلما زادت حركة الطفل، وتحرك وأتى وذهب وجاء وتعلم، ولمس هذا وأمسك بهذا، كان نموه طبيعياً أكثر، وكان أقرب إلى أن يكون تفكيره سليماً نتيجةً لتربيته العضوية السليمة، هذه أيضاً مجمل للآثار العضوية التي نراها نتيجة وسيلة الإعلام.

الأثر الخامس: قتل الأوقات

تبقى هناك قضايا اجتماعية أكبر من هذه بكثير، وهي قتل الوقت كما تكلم عنها الشيخ سفر، فالوقت له ردود فعل على علاقة الأسر فيما بينها، فالأسر إن لم تجد ما يربطها بالبيت، فسيكون لها بدائل لتمضيه وقتها، ستذهب في زيارة الجيران، ستذهب لزيارة الأقارب، فتزيد الصلات بين الناس والمحبة والألفة، لكن وجود ما يربطها بالبيت، من الساعة الرابعة مثلاً، أو أثناء الصباح إلى منتصف الليل، فإنه يحد من نشاط هذه الأسرة، وتجدها باقية في البيت فقط؛ فمثلاً: تجد عمارة كبيرة ضخمة، فيها أربعون أو خمسون شقة، وقلة منهم الذين يعرف بعضهم بعضاً، وقد يكون الباب للباب، ولا يعرف الجار جاره، ولا يفكر الجار أن يخرج ويزور الجار، لكن لو وجد وقت فراغ يخرج فيه، ويستفيد منه لخرج بالفعل، لكن وجود ما يربطه بالبيت، أدى لقطع الصلة بينه وبين الناس.

وهناك دراسة قامت بها مؤسسة، اسمها مؤسسة (باين) في عام (1930م)، أي قبل سبع وخمسين سنة، عرضت دور السينما (مائة وخمسة عشر فيلماً) تتحدث عن الجريمة والبوليس، ووجدت الإحصائية أن (400) جريمةٍ حدثت ممن شاهدوا هذا الفيلم! -هذه المائة وخمسة عشرة فيلماً أدت إلى أكثر من أربعمائة جريمة- واستحقت هذه الجرائم أن يكون هناك حدود جنائية ضدها، وهناك عدد ليس بالقليل من حالات الشروع في الجناية، ولم يكن هناك إجرام بالفعل، وهذا كان في حوالي ثلاثة وأربعين حالة من تلك الحالات.

وحق لكم أن تستغربوا كيف يعيش هذا المجتمع إلى الآن، ولكنه منهار بإذن الله تعالى، ولا يغركم ما حوله من الهالة المضيئة، فإنه من الداخل منهار، ولا شك أنه سينهار!

الدولة الرومانية من قبل أخذت في بنائها ألف سنةٍ، وبلغت من العظمة ما بلغت، وانهارت أخلاقياً، فانهارت في خمسين سنة! في خمسين سنة فقط انهارت تلك الدولة ببساطة، وذلك بانهيار هذه الأمور المهمة فيها، فالأسرة هي القاعدة...!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2597 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2574 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2508 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2460 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2348 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2263 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2259 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2249 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2197 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2165 استماع